أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مجيد الأسدي - صخب في الأكواخ الطينية















المزيد.....

صخب في الأكواخ الطينية


مجيد الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 00:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين عبرت الشارع واخترقت الجسر الخشبي الصغير,وجدته..نحيلا بدشداشته البنية المتهرئة, يفترش جانب الطريق , ورأسه محني الى الأرض. الهيكل هيكله , لكني لم استبن وجهه..شعرت بقوة تكبلني وتشدني اليه,وقفت على جانب الجسر,مقابلا له, متمليا هيئته. الشبه كبير , ولكن, ايعقل هذا؟ آه لو ارى وجهه. مددت يدي بقطعة نقود :-خذ يا رجل.. مدّ يده ولم يرفع رأسه:
- ألم يصادفك اليوم حبيب؟
- أي حبيب؟
- انه هنا يجلس قريبا منك كل يوم.
أجابني متنفرزا
- لا أحد يجلس هنا غيري
ليس صوته, تأكدت من ذلك , ولكن ماذا أفعل لأرى وجهه؟ أخذت أغيظه :
لم لا ترفع وجهك يا رجل.. هل أنت خائف من شيء ما ؟ هل قمت بعمل مشين وتخشى أن تكتشف هويتك؟
لم أشعر الا وهو ينهض فجأة ويهجم علي ,صارخا:
- ماذا تريد مني بحق الله؟ من أنت؟
- ارفع يدك عن رقبتي وسأخبرك
- هيا اخبرني والا نثرت راسك على صخرة هذا الجسر
- اني أبحث عن شخص يشبهك تماما ولكنه كان ضريرا..لم أقصد سوءا, ارجو المعذرة . وهذه قطعة نقود أخرى ...
ماذا دهاني ..كيف صدقت أوهامي؟ رجل اختفى من حياتي قبل أكثر من خمسين عاما ,كيف توهمت انه هو؟!
في أربعينيات ذلك القرن ,زحفت مجموعة من أكواخ الطين على بساتين(السيد) التي تقع وسط المدينة . تلك هي محلتنا (العتيدة) التي بقيت بلا اسم الى أن تلاشت تماما ...هناك بضعة وجوه ممن سكن المحلة علقت في وجداني وتظل عالقة معي الى القبر..من هذه الوجوه كان (حبيب)!
لا أذكر ما الذي ربطني به وقتها ..كنت في العاشرة , وكان يبش لملقاي وحين يعود مساءا يجلب لي ما حصل عليه من فاكهة أثناء تحميله للفواكه والخضر في سوق (العشر) حيث تجري عمليات البيع بالجملة..لم تكن لحبيب عربة يستعين بها بل كان ظهره هو عربته. يستقبلني كعادته بابتسامة رغم تعبه..
لم اسمعه يشكو , كان بشوشا . مرحبا . قانعا بعطايا الاله,وكانت زوجته تشاركه قناعته راضية لا تتبرم .
ولعل حرمانهما من ابن يملأ عليهم وجشة الكوخ هو الدافع وراء تعلقهما بي!
ذلك اليوم البعيد , ما زلت أذكره جيدا..دخلت الكوخ –كعادتي- وجدت حبيبا يئنّ ,يضرب بكلتا يديه على راسه, وزوجته بقربه تنتحب ..فزعت , خرجت راكضا , ارتميت في حضن أمي باكيا وأنا أخبرها بالذي رأيته هناك. بان الأسى في عينيها,أحسست أن امي تدري بالذي جرى, ألححت عليها ان تخبرني,دارت دمعتها, وقالت بألم
-المسكين فقد بصره...
صرخت
-فجعتني يا أمي..
عدت راكضا الى الكوخ,ارتميت في حضنه وانا أبكي..
-أحقا لا ترى؟
احتضنني بكلتا يديه وشدني الى قلبه,قائلا بصوت متهدج يثير الألم
-أيها الصغير الطيب, ما دمت أنت قربي ,فاني ارى...
بدا لي الكوخ –وقتها- مسودا..يخيم عليه ظلام كئيب ,رغم اشراق الشمس في خارجه.
تغير جو (الكوخ) منذ ذلك اليوم..لا ضحك ولا حديث. كلما دخلت وجدته محني الظهر مطأطيء الراس .
يبقى صامتا لساعات طويلة لا يكلمني...
مرت الأيام بطيئة مملة فارغة كانت زوجته خلالها هي المعيل,تحلب الطعام والملابس القديمة من البيوت التي تخدم فيها , في حين كان حبيب لا يملك الا الهيجان والشتم ورمي الملابس المجلوبة..أخذ شجارهما يشتد وينتشر بين الأكواخ .
- ما بال هذا الآعمى يرمي مصيبته على المسكينة؟
- انه يشك..
- وماذا يتوقع؟
لم أفهم ما يدور من حولي.أمرتني أمي ان أبتعد عن الكوخ
- ولكن يا امي انه يحتاجني
- ليكن...
لا أدري كم مرّ علي وانا بعيدا عن حبيب. كنت أمر من قرب كوخهما ولا ادخله وفي صباح يوم شتائي قررت زيارته.كان الكوخ مظلما, وجدته نائما, ورائحة مقرفة تنبعث في الجو, شعرت بالبرد, كان بدشداشته المعهودة , يلم أعضاء بدنه على بعضها. ناديته:
-عم حبيب..
لم يجبني . كررت
-عم حبيب..أجبني ,أنا صديقك الصغير
- الصديق لا يترك صديقه في عز بلواه,ارحل ايها الصغير , ما عدت ذاك الحبيب
-عم حبيب منعني اهلي...
يفتح ذراعيه الطيبتين كما كان يفعل في الماضي,رميت جسدي بين أحضانه وانا أبكي
- لا تبك ..أنت رجل!
- أبكي لأجلك
- هكذا حال الدنيا
أخذتنا الأحاديث لكنه لم يعد لمرحه القديم
- هجرتني...
أضاف مكسورا
- لا معيل لي يا صديقي
عندها وقفت محتجا
- أنا أعيلك..أنا أجلب لك كل ما تريد
- الذي أريده منك أن تاخذ بيدي الى العشار
- وأين هو العشار؟
- أنا ادليك
في برد ذلك اليوم الشتائي سرنا نحن الأثنين شعرت به يرتجف ويده على كتفي
- وصلنا
- أترى الجسر الصغير سر بي اليه
- اتركني هنا وعد عند الغروب تجدني جالسا انتظرك
وحين احس بحيرتي أوضح
- لدي موعد مع صديق هنا سيأخذني لعمل بسيط أنهيه وقت الغروب فلا تتأخر علي
مرت الأيام وأنا دليله في الذهاب والأياب الى أن حدث في ليلة أن كنت اتعشى مع اهلي, فما كان من ابي الا ان يقول
- اليوم رأيت حبيب يستجدي..مسكين
هتفت واقفا
-كلا..كلا
غضب أبي من زعيقي أما أمي فقد بكت مدمدمة
- يا لله...يالله
كان الليل يخيم على القرية المظلمة ,سكت أبي,أطفأ الفانوس,وأمرنا بحزن
- الى النوم...
هل نمت تلك الليلة..أين ذهبت بي وساوسي وافكاري وانفعالاتي؟ الرجل الذي أحبني واحتضنني وأطعمني يستجدي؟! يا لكوابيس ذلك الليل..في الصباح أقبل ابي علي ,انحنى يقبلني.قالت أمي
- أكثرت من الصراخ في نومك!
- لا يمكن ان يكون متسولا
- ماذا يفعل وقد هجرته امرأته ولا اقارب له تساعده ..ستكبر ايها الصغير وستفهم ما تعني الحياة!
حبيب يجتر المرارة ليل نهار...
رأيته عند الجسر كما قال أبي ,مادا يده,محني الظهر ,مطأطيء الرأس. لم أكلمه, رجعت باكيا حاقدا
مملوءا باللعنة الى يومي هذا!
- رأيتك تستجدي..
لم ينطق بكلمة, ظل وجهه جامدا,
- أرجعني ..نسيت حاجة

في اليوم التالي بكرت في الذهاب اليه.الكوخ يغط في ظلام دامس كعادته احتجت الى فترة لأميزالاشياء من حولي كان البرد سيد الموقف,وهو ملتف بجسده الهزيل. ناديته,لم يجب!
- أجبني يا رجل..
- ماذا تريد؟
- جلبت لك ألذ فطور..الفطور الذي تحبه
- ما عدت أشتهي شيئا ..
- باقلاء بالدهن الحر وخبز تنور وشاي أمي الطيبة..
جلس مبتسما
- كل هذا لي..
- لا, لي ولك
قضينا لحظات هنية ناكل ونضحك.تحدث عن زبائنه الجدد,وعقب
- أنا لا أحقد عليهم, تعلمت من ضربات الأيام ما يكفي.
ثم بلهجة تقطر حزنا :
- ايها الولد الصغير! أحببتك كما لم أحب أحدا في هذه الدنيا ..اياك أن تنسى(حبيب)...
- ألا أقودك اليوم؟
- اليوم أنا متعب , اذهب العب مع الصبيان.ولا تهتم بأمري
لم أكن أدرك ما تخفي عبارته تلك غير أن الأيام أوضحتها لي بقسوة لا مثيل لها..
اذ بعد أيام على جلستنا تلك ,وجدت الكوخ خاليا..ولا أثر لصاحبي..ومنذ ذلك اليوم لم أره .ولليوم وبعد مرور أكثر من خمسين عاما ما زالت صورته عالقة في أعماقي...
______________________



#مجيد_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدِّيق لن يصطاد السمك
- محمد يصعد النخلة
- يا زيد ما زالت هي الخطوة
- الآلهة تستضيف البصرة
- عبقريات سحقها الدولار
- مائدة الحجر
- أيها الصديق
- وجع الروح
- التسيار
- من يقتل الطيور؟
- مانزانو..الشاعر العبد
- المعلّقة
- درب
- السيرة الذاتية لمايا انجيلو


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مجيد الأسدي - صخب في الأكواخ الطينية