|
نظام لينين نظام العمل المأجور: 1- طبيعة الاقتصاد السُّوفيتي
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 3148 - 2010 / 10 / 8 - 08:03
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تمهيد:
"إنَّ الجهل المذهل، وفوضى الأفكار حول أبسط العلاقات الاقتصادية، يسودان في كلِّ مكان – كارل ماركس". فنادرًا ما نجد كاتبًا ينطلق من الحياة الاقتصادية للمجتمعات، حين يتحدثون عن الفروق الاجتماعية، وأسبابها، والتَّناقضات الموجودة في المجتمع، فأفكار الفلاسفة، وأحلام النَّاس، والعواطف، والملاحظات المرئية تحلُّ محلَّ الوقائع الاقتصادية، والقوانين المادية للإنتاج، لذلك نادرًا ما يسأل المرء: هل كان هناك عمل مأجور في الاتحاد السوفيتي؟ وما العمل المأجور؟ هل كان هناك بالفعل استغلال للعمل في الاتحاد السوفيتي؟ وما استغلال العمل؟ وبايجاز لا يسأل أحد: هل كانت قوانين الإنتاج الرَّأسمالية تسود الاقتصاد السوفيتي أم لا؟ وما هذه القوانين؟ ولا يسأل أحد: هل يختفي قانون القيمة في ظل ملكية الدَّولة؛ وهي الرُّوح الرَّأسمالية التَّاريخية؟ وما قانون القيمة؟ هل كان الاقتصاد السوفيتي متجهًا نحو القضاء على قانون القيمة؟
والآن لندخل موضوعنا من خلال طرح سؤال بسيط: ما كان الاقتصاد السوفيتي؛ هل كان اقتصادًا اشتراكيًا أم رأسمالي؟
ليجيبنا أولاً تروتسكي بأسلوبه الديماغوغي:
"من الأدق ألاَّ نعتبر الَّنظام السُّوفياتي الحالي، الغارق في تناقضاته الكثيرة، نظامًا اشتراكيًا، ذلك أنَّه نظام انتقالي بين الرَّأسمالية والاشتراكية، أو ممهد للاشتراكية، إلاَّ أنَّ الدَّولة تكتسب فورًا طبيعة مزدوجة: اشتراكية بقدر ما تدافع عن الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، وبرجوازية بقدر ما يجري توزيع المنافع فيها وفقًا لمقاييس رأسمالية للقيمة – تروتسكي، الثَّورة المغدورة".
نصف رأسمالي، ونصف اشتراكي! هذا هو وصف تروتسكي للمجتمع الذي يقوده، ألا نتأمل هنا مجتمعًا يشبه جسدًا وعقلًا مشوهًا؟
ما هو أصل الصِّراع التَّاريخي بين الرَّأسمالية والاشتراكية؟ أليس هو توزيع المنافع وفق مقاييس رأسمالية للقيمة؟ أليس توزيع كهذا، يطابق إنتاجًا رأسماليًا ينتج فيه القيم التبادلية؟ وأليست القيمة التَّبادلية روح الرَّأسمالية التَّاريخية؟
أمَّا لينين فيعبر عن هذه الفكرة التِّروتسكية عن الاقتصاد السُّوفيتي بالشَّكل الآتي:
يقول لينين: "إنَّ أشكال الاقتصاد الاجتماعي الأساسية هي: الرَّأسمالية، والإنتاج البضاعي الصَّغير، والشيوعية – لينين، في الرقابة العمالية وتأميم الصِّناعة".
وهكذا، فإنَّ مفكري الاشتراكية البرجوازية الرُّوسية متفقون سلفًا على عدم خروج بلدهم من سيطرة الضَّوابط القديمة للإنتاج، فما هو إذًا طريق القضاء على هذه الضَّوابط؟ تعرف الماركسية الرُّوسية هذا الطَّريق بأنَّه فترة طويلة للانتقال من الرَّأسمالية إلى الاشتراكية، ثمَّ إلى الشُّيوعية، إنَّ البلد بحاجة أولاً إلى صناعة متطورة، ومواصلات، وتحسين الزِّراعة، ويجب خلق أسسها المادية من قبل لينين، وتروتسكي. فلنتأمل هذه الاشتراكية في أطروحات بليخانوف أيضًا، الأب الرُّوحي للماركسية الرُّوسية، وفتنقسم الفترة الانتقالية لديه إلى ثلاث مراحل مختلفة:
"المرحلة الأولى: (25 – 30 سنة) – الاشتراكية المبكرة: في تلك المرحلة يجب مصادرة البنوك والمصانع، والمعامل الضخمة، والمواصلات، وأراضي وأملاك الكنيسة (إذا كانت ستظل باقية إلى ذلك الوقت) والمؤسسات التِّجارية الضخمة، وبصورة تدريجية. إنَّ هدف المرحلة الأولى – هو زيادة إنتاجية العمل، ورفع مستوى معيشة المواطنين الرُّوس، في هذه المرحلة يجب الانطلاق من الاعتراف بثلاث قوى: الدَّولة، ورجل الأعمال، والعامل، ويمكن اعتبار المرحلة الأولى قد انتهت عندما تتساوى إنتاجية العمل في القطاع الحكومي، مع إنتاجية العمل في أفضل المصانع الخاصة، ويصل مستوى معيشة المواطن الرُّوسي إلى مستوى المعيشة في أوروبا الغربية. المرحلة الثَّانية: (25 – 30 سنة) – مرحلة الاشتراكية النَّاضجة: حيث يتم انتزاع ملكية البنوك، والمصانع، والمعامل المتوسطة، وتجارة الجملة، ولكن مرة أخرى على أسس عادلة، وعلى سبيل المثال، يصبح مالك البنك مديره، وصاحب المصنع مديره .. وهكذا. المرحلة الثَّالثة: (50 – 100 سنة): يتم فيها نزع ما تبقى من الملكيات الخاصة، وتصبح الوسيلة الاشتراكية للإنتاج هي السَّائدة، ويتلاشى الاستغلال تمامًا، وتنمحي الفوارق بين العمل العضلي والذِّهني، وبين المدينة والقرية، وستتلاشى الطبقات تدريجيًا – بليخانوف، الوصية السِّياسية، أفكار بليخانوف الأخيرة، 1918".
وهكذا، فالهدف هو تجميع الوسائل الإنتاجية في أيدي الدولة لدى كلٍّ من بليخانوف، ولينين، وتروتسكي، وهم لا يرون في الاشتراكية سوى عملية طويلة لرفع إنتاجية العمل، ثمَّ المستوى المعيشي للمواطن الرُّوسي، وحسب بليخانوف، ستتم هذه العملية بعد (150) سنة على الأقل، وبالطبع إذا كانت كلُّ الأمور تجري حسب ما يتوقعه هذا المفكر.
ولكن على عكس هذه التَّصورات الفلسفية لبليخانوف، وعلى عكس التشويهات البرجوازية للينين وتروتسكي، فإنَّنا نحاول أنْ ندرس الاقتصاد السُّوفيتي، من منظور ضوابط الإنتاج في صورتها الواقعية، ففي العمل التَّجريبي لا في الخيال الفلسفي، نحاول أنْ نجد جواب كلِّ الأسئلة التي تطرح بصدد هذا الاقتصاد الرَّأسمالي، وإذا ما كان من الممكن أنْ يتخطى إنتاج مثل الإنتاج السُّوفيتي نظام العمل المأجور -قانون القيمة- فيما تسمى بالفترة الانتقالية؛ الفترة التي يعترف كلٌّ من بليخانوف، وتروتسكي، ولينين بها على أنها طويلة للغاية؟
وضع المسألة من وجهة نظر الاقتصادية:
لا يمكن قياس الإنتاج الرَّأسمالي إلاَّ بقوانين اقتصادية صارمة، تحدد بموجبها علاقات البشر ببعضها البعض، ونقطة انطلاق هذه العلاقة في المجتمع الرَّأسمالي هي العلاقة بين مَن يسمى الشَّاري، ومَن يسمى البائع، وهما بلغة شائعة، صاحب العمل، والعامل، وعلاقة الشَّاري بالبائع، تجري وفق قوانين مادية محددة، والسؤال هنا هو:
ما هذه القوانين الاقتصادية؟ أو ما هذه الضَّوابط الاجتماعية؟ وهل كان يخضع الاقتصاد السوفيتي لنفس القوانين الاقتصادية الرَّأسمالية أم لا؟ بمعنى آخر: هل كانت الضَّوابط الاقتصادية بين الشَّاري والبائع السَّوفيتي، نفس الضَّوابط الاقتصادية في المجتمعات الأخرى؟
نعني بالضوابط تحديدَا، القوانين الاقتصادية التي تنظم بموجبها الإنتاج، والتوزيع، والتَّبادل، والاستهلاك، فالإنتاج، كما هو معلوم، هو نقطة الانطلاق في كلِّ المجتمعات، وفي أي زمن كان، فلندخل الآن أولاً الإنتاج السُّوفيتي من باب سري، ولنر: ما موقع العامل في الإنتاج الاجتماعي؛ وكم ستكون حصته في التَّوزيع الاجتماعي؟ وهل تختلف حصته عن حصة العامل الأمريكي، والجزائري، والياباني؟
يحدد الإنتاج في السُّوفيت، مثله مثل أي مجتمع آخر، طبيعة التَّوزيع الاجتماعي للوسائل الإنتاجية، والمنتجات أيضًا، فيمكن للتَّوزيع أنْ يحدد بدوره أسلوب الإنتاج الاجتماعي، إذً إن شكلًا معينًا من الإنتاج، يحدد شكلًا معينًا من التَّوزيع، لذلك فإنَّ التَّوزيع يعطينا بدوره فكرة صحيحة عن طبيعة الإنتاج.
وهكذا، فتحديد موقع الأفراد في الإنتاج، في الاتحاد السوفيتي، أو فرنسا، يعطينا فكرة واضحة عن الحصص من المنتجات الاجتماعية، وهذه الحصة ستحدد رابطة المنتج بالوسائل الإنتاجية.
والسؤال هنا هو: هل كان المنتجون السُّوفيتيون يملكون الوسائل الانتاجية بصورة جماعية؟ هل كان المنتجون السُّوفيتيون ينظمون الإنتاج بأنفسهم؟
لا يمكن الحصول على جواب هذا السُّؤال دون التَّحقق من موقع المنتج السُّوفيتي في الإنتاج بالذَّات، لأنَّ أسلوب مشاركة المنتج السُّوفيتي في الإنتاج الاجتماعي، يحدد بالضَّبط علاقته بالوسائل الإنتاجية.
يقول ماركس: "إنَّ الفرد الذي يشارك في الإنتاج في شكل عامل أجير، يشارك في المنتجات، في نتائج الإنتاج، في شكل أجور – كارل ماركس، الغروندريسة، ص 119".
إذًا، فموقع المنتج في الإنتاج، ثم حصته من المنتجات الاجتماعية، أي استهلاكه الفردي، هو الذي يعطينا فكرة واضحة عن نوع توزيع الإنتاج.
"فالتَّوزيع يتوسط بين المنتجين والمنتجات، وبالتَّالي بين الإنتاج والاستهلاك، لكي تحدد بالتَّوافق مع القوانين الاجتماعية، كم ستكون حصة المنتج من عالم المنتجات – ماركس، نفس المرجع، ص 118".
وهكذا، فلا يمكن، وبأي شكل من الأشكال، أنْ يكون موقع عمال أجراء في الإنتاج والتَّوزيع، هو نفس موقع صاحب العمل، وفي حال الاتحاد السَّوفيتي فنقصد به الدَّولة.
كيف يجري التَّوزيع في إنتاج مثل الإنتاج السُّوفيتي؟
يتبع
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لينين: تراجيديا السوفيتية!
-
نظام لينين نظام تايلوري -2
-
نظام لينين نظام تايلوري -1
-
الاتحاد السوفيتي في ضوء قانون القيمة
-
الاتحاد السوفيتي السابق: كيف نبحث أسباب انهياره؟
-
الدين بين المادية الألمانية والمادية الإنجليزية -3
-
الدين بين المادية الألمانية والمادية الإنجليزية -2
-
الدين بين المادية الألمانية والمادية الإنجليزية -1
-
لينين: عدوا لدودا لثورة الكومونة
-
الديالكتيك الإلهي وقانون حركة المجتمع الحديث
-
ثورية الديالكتيك
-
ماركس وإنجلس في التناقض
-
الديالكتيك والشيوعية
-
فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -5
-
فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -4
-
فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -3
-
فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -2
-
فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -1
-
الحركة الكردية: من نزاع البارزاني والطالباني، إلى نزاع الطال
...
-
كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (6)
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|