أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كمال سبتي - ذكرى الهرب من البلاد














المزيد.....

ذكرى الهرب من البلاد


كمال سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 950 - 2004 / 9 / 8 - 09:33
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


ثلاثاءُ الكتابة
في مثل هذا اليوم من عام 1989 كنت قد هربت من البلاد، بحقيبة سمائيةٍ صغيرة دسستُ فيها بعض الملابس ومجموعاتي الشعرية الأربع.
شاعر أعزل يهرب من قبضة دكتاتور،ليلجأ إلى "لا أحد".
معادلة صعبة.
وقد تكمن في تلك المعادلة كلّ مأساة لمنفى، وكلّ تاريخٍ لألم.
لكن الهرب تحقق..
فكنت أهرب في البلاد الواسعة وحدي إلاّ من حداثتنا العراقية.
تلك الحداثة التي وُلِدتْ يتيمة ووحيدة ، في الأقسام الداخلية وفنادق الميدان ببغداد، وفي المكتبات ،وفي الجامعات والمعاهد ،وفي مقهى البرلمان وحسن عجمي وفي اتحاد الأدباء وبارات أبي نؤاس. حار بها النظام وشتمها عبر كتابه ووصولييه مراتٍ عديدة ، وحار بها الإرهابيون من موظفيه في الثقافة ، فألَّبوا علينا ،نحن فقراءَها، سلطة الدكتاتور وعلموها أن تتهمنا بكذب تبريرنا القائل بأنَّ التجربة لم تنضجْ بعدُ للكتابة عن الحرب وعلموها أن تقول لنا : بأن شعراء "الحداثة!" في الإتحاد السوفيتي قد كتبوا عن الحرب فلماذا لاتكتبون أنتم ؟
حداثة في الحرب ، بين أربعة جدران ، تلك كانت حداثتنا العراقية.
لا الصحافة صحافتنا ولا غيرها من وسائل الإعلام.
ولا كتابنا يعبر الحدود.
جنود في الخدمة الإلزامية نؤدي التحية للضباط ، ونكتب شعراً حديثاً من أجل تغيير العالم !
مواطنون مرعوبون من كتبة التقارير ، أكان الكتبة عراقيين أم عرباً زواراً ومقيمين.
أيُّ عربيٍّ قادمٍ كان يستطيع أن يخيفنا في دولة القائد.
فهِمَ عربٌ مقيمون وعربٌ مربديون قومية الدولة هذه ، فأخافونا أكثر من مرة ، بتهديد الوشاية بنا إلى السادة الحكام.
لكنَّ الهرب تحقق..
فكنت أهرب في البلاد الواسعة ، وحدي إلاّ من حداثتنا العراقية التي ستغيّر العالم !
وهمٌ بالحرية من الدكتاتور ووهم بحمل الوهم الشعريّ : الحداثة.
وفي الهرب كبرت معي الحداثة الشابة فأنمتها في محطات القطارات وأخفيتها عن جواسيس الدكتاتور في أوروبا، وأدخلتها مكاتب الأمم المتحدة ومخيماتها المخصصة للاجئين فقيرة إلاّ من روحها الأولى وعبرت بها بلاداً إثر أخرى فسهرتْ وجاعت وعشقت ، وأدخلتها الجامعة تدرس باللغة غير العربية وتناقش مثقفي العالم في المقاهي وفي المؤتمرات ، حتى حكمتُ عليها بالعزلة ، حتى كأنني أُمِرتُ بهذا العقاب الميتافيزيقيّ من قبل الآلهة.
قلتُ لتتعلمي الحكمة أكثر. ولا تسألي كما كنت تسألين في "حروف المصحح".
وفي عزلتها كان يجرحها أخوة إرهابيون مرضى امتهنوا المنفى بقرارٍ حزبيٍّ فظنوا المنفى بيتاً للرفيق الحزبيّ الهارب ،لا مكان فيه لغيره . إرهابيّون مرضى يُنزّلون الآخر درجة في الشرف دون درجتهم برؤىً شيطانية ليس أقلها مساواة الموقف الرافض للحرب العراقية الإيرانية وهي في أوجها مع التجار من أدباء الحرب "قادسية صدام" .إرهابيونَ مرضى يهدفون من إرهابهم هذا إلى نيل درجة في الشرف عزت عليهم في الكتابة والحياة.
قلت لتتعلمي الحكمة أكثر. ولا تسألي كما كنت تسألين في "حروف المصحح":
(قالَ لَها : اغْمِضي عَيْنَيْكِ ، نَحْنُ أَبْعَدُ مِنّا ، ماذا تَرَيْنَ؟ قالَتْ : ما تَتَمَنّاهُ، قالَ : لَنْ أَصْفَحَ عَنْكِ، قالَتْ:اذَنْ لَنْ أَرى ما تُريدُ لي أَنْ أَراهُ . اغْمِضي عَيْنَيْكِ ، وَانْظِري إِلَيَّ ، لَنْ أَحْجُبَ عَنْكِ صورَةَ ضِحْكَةِ العَجوزِ ، فَماذا تَرَيْنَ ؟ قالَتْ :ما لاتَتَمَنّاهُ،أَبْواباً شاسِعَةً ، فَماذا تَعْني أَيّها الحَكيمُ ؟ قالَ : وماذا رَاَيْتِ غَيْرَ الأَبْوابِ قالَتْ : عَرايا يَجْمَعونَ حَطَباً ، يَََْْضْحَكونَ في بُكائِهِمْ ، وَيَنْحَنونَ لِجِذْعِ شَجَرَةٍ لا لَوْنَ لَها ، ثُمَّ يَدورونَ دَوْرَتَيْنِ حَوْلَ هَيْكَلٍ خَشَبِيٍّ ، فَماذا يَعْني هذا أيُّها الحَكيمُ ؟)
في مثل هذا اليوم هربت بحداثتنا العراقية ودخلت بها بيت الشاعر سعدي يوسف في بلغراد،لتتحقق النبوءة كما يقول الكتاب المقدس ، قلت له لقد هربت وليحكموا عليّ بالإعدام. فيكتب الصديق الشاعر وسام هاشم في ما بعد بأنَّ قرار حكم الإعدام قد عُلِّقَ على جدران عدد من المؤسسات العسكرية.
أعطيت سعدي مجموعاتي الشعرية الأربع مزهواً بخلوها من سطر واحد ، حتى، عن الحرب أو عن رجالاتها القتلة. ولربما لم أعش زهواً مثله في حياتي كلها.
قلت يا للحداثة العراقية !
في العزلة كتبت مزهواً :
(إِشتغلَ العراقيونَ في الشعر شغلاً جباراً ، أواخر العقد السبعيني، وطوال عقد الثمانينات سُمّيَ حينها بالكتابة الجديدة ، أو الحداثة الشعرية العراقية.للتفريق بينه وبين التجربة الأودينيسية اللغوية الباردة في الشعر.شغل جبار لا أعدله ، أو لا أقرنه، أو لا أشبّهه، من حيث الأهمية الفنية والتاريخية ، إلا بحركة الرواية في أميريكا اللاتينية في العقود الماضية الأخيرة.
كان شغلهم في الشعر حركة جديدة تعيد الريادة إِليهم بعد موت بدر شاكر السياب ،وكأنَّ لسان حالهم كان يقول : إنه شعرنا ونحن أعرَفُ به من غيرنا ..)
في مثل هذا اليوم كنت أهرب في البلاد الواسعة، وحدي إلاّ من حداثتنا العراقية.
كان في عينيّ نظرٌ إلى مجهول آثرته على يقين بلاد بدكتاتور.
والمصائر تغيَّرت ، والبلاد بعد كل تلك السنين أضحت بلا دكتاتور، فزرتها قبل خمسة شهور، وهربت منها ثانية في صباح نيسانيٍّ تضوع منه رائحة البارود المتفجّر من أسلحة الحلفاء وأنصار المهديّ.
أما زال في عينيّ نظر إلى مجهول ؟
أأؤثِرُه على يقين بلادٍ بلا دكتاتور ؟



#كمال_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الثقافة
- رسالة إلى الأستاذ أحمد الجلبي
- أين فقهاء العراق ؟
- ..إيران
- يوسف القرضاوي وفتواهُ الجديدة
- ثلاثاء الكتابة..حيرَةُ الثلاثاء
- تعليق على قصيدة الطبيعةُ تلعبُ بي لسعدي يوسف
- الشاعرُ وأصدقاؤه
- الصَّوتُ الشِّعريّ
- المَجْزَرَةْ
- موتُ سبتي الشيخُ ابراهيم
- خمريات.. 2- في حُلَّتي جسمُ فتىً ناحلٍ
- كلمات إلى مقتدى الصدر
- حتى يعرف أدونيس..
- الطريق إلى الحرب.. والإعلام العربي
- أخاف على شعبي من الإحتلال والمقاومة
- أميريكا والبعث
- تحية إلى الحزب الشيوعي العراقي في مدينة الناصرية
- في رسالة شخصية إلى كمال سبتي : المعماريّ العراقيّ خالد السلط ...
- نصوصٌ من - بريدٌ عاجلٌ للموتى


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كمال سبتي - ذكرى الهرب من البلاد