صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 950 - 2004 / 9 / 8 - 09:29
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
رغم تعقيد وكثرة تفاصيل الحوار العربي الكردي في العراق, يمكننا تمييز بضعة نقاط ساخنة فيه, كانت المصدر الرئيسي للتوتر المستمر بين الشعبين, منذ سقوط نظام صدام على ايدي الامريكان في اذار 2003 وحتى اليوم. من المهم اقامة حوار يتمتع بالشفافية والصراحة لازالة تلك التوترات والبدء ببناء علاقة تعاون سليمة, لكن حوارا صريحا لا يكون نافعا الا بين الاصدقاء الذين تسود الثقة بينهم. وانا اعتبر نفسي من اصدقاء الشعب الكردي لذا افتح هذا الحوار هنا, ولا انوي تجنب نقاط الخلاف الساخنة بل بالعكس ساحاول الامساك بها ووضعها على طاولة المناقشة. سأركز المناقشة بشكل عام على ما اختلف به مع اخواني الاكراد بعض الشيء, مارا بسرعة على النقاط التي اتفق معهم بها.
المساواة, كركوك والفدرالية
بما اننا نرفض العنصرية, فالمساواة امر مفروغ منه وليس بحاجة للمناقشة, اما كركوك فارى ترك امرها لصندوق الاقتراع, رغم ان بعض التفاصيل تحتاج الى المناقشة وبعض المشاكل تحتاج الى بعض التفكير والحلول المبدعة, لكن مبدأ التصويت هو في النهاية ما يجب ان يحسم الامور.
اما الفدرالية فارى انها النظام الوحيد الحضاري الديمقراطي, ليس في العراق المتنوع اثنيا فقط, ولكن في اي بلد في العالم. بل ان مبدأ الفدرالية الداعي الى تقليل مركزية الحكم, هو ما يجب ان يطبق في اي تجمع بشري حديث مهما كان صغيرا, حتى على مستوى العائلة الواحدة.
حق النقض (الفيتو) لثلاث محافظات على تغيير الدستور اجده قابل للمناقشة. ليس لاني لااريد للاكراد ضمان حقهم في الفدرالية بل بالعكس, لكن هذا الضمان يسير على ارجل عرجاء, ف:
اولا: ان اي حق نقض هو اضعاف شديد للنظام. فحق النقض يحول دون اتخاذ قرارات من قبل الاغلبية حين يطبق, وبذا فهو يستعمل لوقف عمل الديمقراطية.
ثانيا: يمكن ان يستعمل حق النقض من قبل اية جهة تريد شل النظام الذي يعمل فيه حق النقض. فاوروبا مثلا تعاني بشكل شديد من صعوبة اتخاذ القرارات في الوحدة الاوربية لان هناك دائما من يعارض هذا القرار او ذلك. وقد استطاعت امريكا ايقاف اي مشروع اوربي للتحرر من السيطرة الامريكية, مثل انشاء الجيش الاوربي بتكليف بريطانيا باستعمال حق النقض هذا لوقفه.
ثالثا: ان اعطاء ثلاث محافظات (مهما كانت صغيرة) الحق للوقوف بوجه ارادة خمسة عشر محافظة امر يصعب تنفيذه, حيث سيجد الشعب العراقي الممثل بتلك المحافظات الخمس عشرة انه خدع وان "الديمقراطية" تقف بوجهه, وسيكون ذلك حجة لمن يريد نسفها والعودة الى الدكتاتورية.
ان الحفاظ على الفدرالية وضمان استمرارها يجب ان يعطى المزيد من التفكير والابداع, وهو ما لم يحدث للاسف, فكأن قدر الفدرالية كان في القبول بحق النقض او رفضه, ولم يحاول احد التفكير ببديل له, بعد تحليل اعتراضات المعترضين عليه, واحراجهم ان لم يكن ممكنا اقناعهم.
كم يمكننا الوثوق باميركا؟
بشكل عام, يبدي العرب شكا شديدا بالنوايا الامريكية, في حين يعتبر الاكراد تلك الشكوك في غير محلها ويجب المضي قدما بلا مخاوف وهمية.
انا ارى ان تجارب كل من العرب والاكراد مع اميركا تبرر الحذر الذي يبديه العرب ولاتفسر الحماس والثقة التي يريدها الاكراد. فالكل يعلم بتأريخ اميركا غير المشرف من الدول النامية في كل العالم واسنادها لكل دكتاتورية موجودة الان تقريبا. كذلك لايجهل احد موقف اميركا المؤيد بغير شرط لكل جرائم الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والاراضي العربية. ولا ننسى ان اميركا ساندت وحش العراق صدام حسين بشكل لم يزد عليه الا مساعداتها لاسرائيل, في الفترة التي كان يرتكب فيها ابشع الجرائم بحق العراقيين من عرب واكراد ايضا. ويكفي ان نقول ان الادارة الامريكية السابقة, وبشكل خاص كولن باول, منعت مجلس الامن من ادانة صدام لضربه حلبجة بالاسلحة الكيمياوية. لذا ارى ان موقف الحماس والثقة شبه العمياء من اميركا غير منطقية ليس للعرب وحدهم, وانما للاكراد ايضا. فمن الغريب ان توجه كل مشاعر الكراهية تلك الى صدام, دون ان يصيب شيء منها, من قدم له الدعم الاساسي لانجاز جرائمه.
الموقف من اسرائيل
يقلق العرب في العراق وخارجه, اخبارا مفادها ان علاقات سرية تقوم بين اسرائيل والحكم الكردي في كردستان, وانها تدرب الاكراد حاليا وتقدم لهم السلاح. انكر القادة الاكراد ذلك ولكن بلهجة ليست حاسمة بشكل كاف, بل يبدو انها صيغت بكلمات تسمح ببعض التراجع في الوقت المناسب. اما على المستوى الشعبي فتجد لاسرائيل بين الاكراد تفهما بل واعجاب وتأييد كبير. لايشمل هذا كل الاكراد بلا شك, ولاتوجد لدي احصائية عن ذلك, لكن الحديث العام, والكتابات في الانترنيت تبين ان مقالق العرب لها ما يبررها.
كانت النقطة المهمة نشر مقالة للصحفي هيرش, وله سمعة صحفية ممتازة في كشف فضائح سابقة, ادعى فيها وجود قواعد اسرائيلية في كردستان العراق هدفها التجسس على سوريا وايران واهداف اخرى. انكر الاكراد ذلك بحماس, لكنهم لم يقدموا ردا مقنعا. فبدلا من تشكيل لجنة تحقيق من مختلف الاحزاب العراقية مثلا للبت في الموضوع, ومحاسبة هيرش على انه كتب كذبا, سعت الجهات الكردية الى التشكيك بشخص هيرش ومصداقيته واهدافه.
انا من الناس من لم يقتنع بخلو كردستان من الاسرائيليين, ولم يزدني اسلوب الرد الا قلقا بشأن ذلك. لكني لا اريد هنا ان احاسب احدا, بل اريد طرح كل النقاط للمناقشة, حتى مسألة كارثية مثل تواجد قواعد اسرائيلية في كردستان.
يطرح الاكراد بشكل عام وغير رسمي الاسئلة التالية:
1- لماذا تكرهون (ايها العرب) اسرائيل؟
2- لماذا تلومونا على العلاقة مع اسرائيل في حين ان العديد من الدول العربية تقيم تلك العلاقة؟
3- لماذا يجب ان نخسر علاقتنا باسرائيل من اجلكم؟
4- اليست اسرائيل دولة متقدمة ويجب الاستفادة منها؟
5- اليست اسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة؟
اضافة الى تلك الاسئلة فيبدو ان الكثير من الاكراد يرى شبها بين حالهم وبين الاسرائيليين على اساس ان الشعبين لايطمحان الا بالحصول على حقهما في العودة الى بلادهم وتاسيس دولتهم, وان العرب هم الذين يقفون بوجه هذين الشعبين المضطهدين.
وبما يسمح به المجال هنا اقول اننا لسنا لوحدنا من يكره اسرائيل وسياسة اسرائيل بل العالم اجمع ما عدا الولايات المتحدة. فحتى شعوب الاتحاد الاوربي التي كانت الحليف الثاني, وربما الاول لاسرائيل تكره اسرائيل وتعتبرها بلا استثناء " الدولة الاكثر خطرا على السلام في العالم" كما تبين من احصاء جرى مؤخرا.
اما علاقة الدول العربية مع اسرائيل فهي علاقة انظمة تضطهد شعوبها ولا رأي لتلك الشعوب بما تقدم عليه تلك الحكومات وليس بينها واحدة انتخبت من قبل شعبها الذي يكرهها.
اما خسارة اسرائيل من اجل العرب فاقول ان خسارتها ربح وليس خسارة. فاسرائيل دولة لا تتورع عن ارتكاب كل مخالفات القانون حتى مع الدول الصديقة لها والمضيفة لها. وما ان يسمح لاسرائيل حتى تشكل شبكتها للسيطرة على الحكومة كما فعلت بوضوح في الولايات المتحدة, ولتقوم بالتجسس على اقرب اصدقائها واستغلال ثقتهم بها في تزوير جوازات تستخدمها لادخال عملائها الى الدول العربية لاغراض ارهابية كما حدث في محاولة اغتيال مشعل من قبل ارهابيين اسرائيليين يحملون جوازات سفر كندية مزورة. كذلك طردت نيوزيلاندا اسرائيليين بتهمة مشابهة, وامسكت اكثر من شبكة تجسس اسرائيلية في الولايات المتحدة. فاي مكسب يريد الاكراد من ادخال هذه الدولة الى اراضيهم؟ ان الحكمة تقول ان تبقي هؤلاء خارج حدودك حتى لو رضي العرب بهم.
اما كون اسرائيل دولة متقدمة فهو امر لاينكر, لكنها ليست الدولة الوحيدة التي تمتلك التكنولوجيا ومن الافضل البحث عن مصدر اكثر امانا لتلك التكنولوجيا.
اما عن ديمقراطية اسرائيل, فاقول ان الدولة العنصرية حتى العظم, لايغفر لها ان تكون ديمقراطية. لقد طردت اسرائيل خلال وجودها معظم الشعب الفلسطيني واحلت محله يهودا من كل مكان. فان كان التصويت بعد ذلك يعتبر ديمقراطية فصدام كان مستعدا لاعطائكم مثل تلك الديمقراطية لو اعطيتموه الوقت لافراغ كركوك من الاكراد اولا.
ان اسرائيل تتهرب مثلا من كتابة دستور للبلاد (لايوجد دستور في اسرائيل) لانها ستكون عندئذ مخيرة بين خيارين: التخلي عن عنصريتها التي تقوم عليها, او تثبيت ذلك بشكل فاضح في دستور.
اما الشبه بين الشعبين الاسرائيلي والكردي فشبه شكلي. فالاول يسعى لطرد سكان بلاد عاشوا فيها منذ الاف السنين ليحل محلهم اخرون يدعون ان اجدادهم سكنوا فلسطين قبل تلك الالاف بالاف!
ان سخف هذه الحجة يتضح من النظر الى مدى دقة التأريخ اولا, ويتضح من ان الشعوب كانت تسير وتتنقل بين ارض وارض في كل العالم من خلال حروب وهجرات, ومن السخف ان يطالب شعب بحق في ارض باعتبار انه كان هناك كأقدم شعب عرفه التاريخ على تلك الارض. فماذا لو اننا اكتشفنا فيما بعد اثارا تدل على ان كردستان كانت مسكونة باليهود قبل ان يهاجروا الى فلسطين؟ هل سيحمل الاكراد اغراضهم ويرحلوا بكل ادب على هذا الاساس؟ متى تقرر اعادة التوزيع الديموغرافي للارض بضعة الاف من السنين الى الوراء؟ وان تقرر ذلك اليس الاولى البدء باعادة الامريكيين الى اوربا, ولم يمض على استعمارهم لها غير 500 عام؟
ان المراقب لايحتاج الا الى القليل من الموضوعية ليرى ان حالة الشعب الكردي اقرب الى حالة الشعب الفلسطيني, الذي يعاني تسلط قوة غاشمة تطرده من ارضه وتخرب قراه لتبني عليها مستوطنات عنصرية.
ثم هناك سؤال اخير: هل ان صدام مسؤول لوحده عن الظلم والاضطهاد الذي عانى منه الاكراد ام دعمه العرب في ذلك؟
لا يوجد في التأريخ دكتاتور قام "لوحده" بالمعنى الحرفي للكلمة بجرائمه على شعبه وغيره. فلم يفشل اي دكتاتور في ان يجد من يبيع نفسه له, ولم يفشل اي دكتاتور في ان يكون جيشا قويا حتى في اوروبا المتقدمة. الا ان اعتبار ذلك دليل على دعم الشعب العراقي لصدام في قتل الاكراد غير صحيح على الاطلاق. فاولا لم تدعم فلول صدام هذا الدكتاتور في حربه ضد الاكراد فقط بل ضد العرب ايضا. فهؤلاء, مثل رئيسهم, ينعدم فيهم اي احساس, قوميا كان ام غيره, فلا يعودوا عربا ولا مسلمين ولاصفة لهم غير الوحشية والولاء للدكتاتور. ولم يقتصر صدام على الحصول على جيش من هؤلاء من العرب, بل نجح ايضا بالحصول على مثله من الاكراد ايضا, والذين استعملهم لضرب الانتفاضة في الجنوب كما انه استعمل اكرادا (الجحوش) لضرب الاكراد انفسهم, فهل يعني هذا ان الشعب الكردي خائن, وانه ساعد صدام في حكمة الدكتاتوري؟ بل ان صدام نجح في اكثر من مناسبة من جعل الحزبين الكرديين الرئيسين يضربان بعضهما البعض, فهل يستغرب بعد ذلك ان نجح باستخدام بعض العرب لضرب الكرد؟
لم تجر في زمن صدام اية انتخابات نستطيع ان نعرف منها كم هي النسبة التي تؤيده من العرب. لكننا حصلنا على اختبار ادق من الانتخابات واصدق, في انتفاضة 1991 حين خاطر الشعب العراقي كله تقريبا بحياته للتخلص من الدكتاتور وتمكن من السيطرة على 14 محافظة من المحافظات ال 18 التي تكون العراق, فهل اوضح من هذا التعبير عن رأي العراقيين اجمعين بصدام؟
ان اتهام العرب بتأييد صدام يؤدي بصاحبه الى تبرئة صدام من الدكتاتورية. فمن يحصل على 75% من التأييد, يحكم بشكل ديمقراطي! بل ان الرؤساء هنا في اوروبا لايحصلون في العادة حتى على 30% من الاصوات.
لقد اضطهدت عصابة صدام العرب والكرد وغيرهم بلا استثناء, وان كان نصيب بعضهم من الاضطهاد اكثر من غيرهم. ان النظرة الى العرب كمسؤولين عن ماساة الكرد, نظرة عنصرية لانها ترى في كل عربي صداما, ثم هي تبرئ صدام من جرائمه الدكتاتورية وتلقي بعاتقها بلا وجه حق على ضحاياه الاخر من الشعب العربي.
لقد تغيرت الاوضاع في العراق, ولم يعد الشعب الكردي ذلك الجزء الضعيف المستضعف, وهنيئا له ولنا بذلك. ان العرب وغيرهم ليأملون ان يكون هذا التغيير ليس في صالح الاكراد وحدهم وعلى حساب غيرهم, بل في صالح الشعب العراقي ككل في محنته الحالية التي تتطلب تعاون كل انسان مخلص لانسانيته وارضه.
كتبت المقالة من اجل محاضرة "النادي الثقافي الكردي" في دنهاخ:
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=22751
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟