|
* الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 16 ) - تعلم كيف تكره فهو أوثق عرى الإيمان .
سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3145 - 2010 / 10 / 5 - 04:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
* الدين عندما ينتهك إنسانيتنا - تعلم كيف تكره فهو أوثق عرى الإيمان - بحث فى التراث الإسلامى
ترددت فى نشر هذا المقال ..ليس لجدلية الفكرة المثارة فيه فقد تناولت سابقا ً أفكار أكثر جدلا ً وإثارة ..ولكن خشيتى من أن تأتى النتائج عكسية فتغير مواقف إنسانية متواجدة بالفعل تتسم بالود والمحبة لتحيلها إلى الإتجاه المعاكس فتتولد مشاعر الكراهية والبغض .!! ولكن أأمل أن نتعامل مع بئر البارود هذا ونحن حريصون على عقولنا ومشاعرنا وإنسانيتنا .
بداية توجد ميديا هائلة تروج بأن الأديان جاءت لتُقدم للإنسان منظومة أخلاقية ترتقى به وترتفع بمفاهيم الخير والحق والجمال فتجعله إنسانا ً يعيش فى محبة وسلام وسعادة مع نفسه والآخرين . لقد روجوا بتعسف شديد بأن الأديان هى التى قدمت الأخلاق للإنسانية بينما الأخلاق هى حاجة الإنسان إلى نظام ينظم علاقته مع الآخرين ليسودها السلام ويحكمها تطور المجتمع الموضوعى وخريطة صراعاته وطبقاته ولعل هذا يحتاج بحثا منفصلا ً .
الأديان قدمت لنا بالفعل أخلاقيات ولكنها أخلاق و سلوكيات مزدوجة ومهترئة ..فهى لم تقدم السلوك كمنهج عام للحياة لكل البشر بل هى طرحت الأخلاق والسلوك لأفراد المجموعة المؤمنة فقط وتحررت من هذه السلوكيات فى تعاملها مع الآخر لتمارس نقيضها وبداوتها . فالقتل حرام ولكن لأفراد المجموعة المؤمنة فحسب بينما يصبح حلالً عندما يُمارس ضد الآخر من الكفار والمشركين والأغيار..والسرقة تكون حراما ً ويقتص لها عندما تسرق نعجة زميلك المؤمن بينما هى حلالأ بلالاً عندما تسرق الآخر وتغتصبه تحت يافطة الغنائم ..والزنا من أشد الكبائر والتى يهتز لها عرش الرحمن ولكن هى محبوبة ومُشرعة تحت مظلة السبى وملكات اليمين ..ولعل هذا ما يؤكد رؤيتى بأن الأديان هى مشاريع سياسية ذات هوية قومية تعنى بذاتها فقط .
حتى الدعوة للحب والتسامح والتراحم والتكافل ليس هى دعوة مفتوحة مُقدمة للجميع بل هى خاصة بالمجموعة المؤمنة ..فأنت مُطالب أن تقيم علاقة محبة وتآخ مع أخيك المؤمن .. بالطبع هذه دعوة طيبة ولكن هل هى ممتدة لتشمل الآخر ..فماهى شكل العلاقات والتعاملات مع الآخر..هل يسودها المحبة والود أم يعلوها البرود أم تكتسى بالعداوة والبغض .
أنا معنى فى هذا المقال بشكل العلاقة الإنسانية مع الآخر فى الإسلام وسنتناول بالجزء الثانى شكل هذه العلاقات فى التوراة . جدير بالملاحظة أن مقصودنا بالآخر هو من يُشارك المسلم الوطن الواحد والذى يجمعهما معا ً تاريخ ومصير وكيان ولقمة خبز واحدة ..هذا حتى لا تتوه الأمور ويُسقط من يُصيبه الحرج من عرضنا فى إستحضار العدو الخارجى كَمخرج له من وطأة النصوص وقسوتها .
عندما كان يردد أصدقائى المحترمون والذين يتسمون بدرجة من الرقى والتحضر الآية القرآنية " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ولا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ " .. كنت بالفعل أُعلن إحترامى لمغزى هذه الآية التى تحترم حرية إعتقاد الآخر ولينصرف كل إمرئ لحال سبيله .
ولكن بالغوص فى التراث الدينى أجد أن هذه الآية ليس لها أى معنى من الأعراب وسط هذا الكم الهائل من الآيات والأحاديث التى تفيض ببغض وكراهية الآخر ..شأنها شأن الآيات القليلة التى نُسخت ولم يعد لها وجود فى الإحتكام إلا على ألسنة بعض الأخوة المتحضرين والذين مازالوا يتشبثون بأى آية إنسانية تنسجم مع إنسانيتهم وتعينهم على تمرير وتحمل ترسانة الآيات الشديدة القسوة . أية " لا أعبد ما تعبدون ... " تأتى فى مرحلة من التاريخ الإسلامى لم تكن سانحة بإبراز الكراهية والقسوة مع الآخر وهذا ما يؤكد منظورى مرة أخرى فى أن الدين الإسلامى هو دين سياسى حتى النخاع لتأتى النصوص متوافقة مع كل لحظة زمنية لتمررها وتوثقها . ولكن قبل التعرض لترسانة الآيات التى تحث المسلم على إبداء الكراهية والبغض للآخر يجب التنويه بأن الآية المذكورة جاءت متحفظة حتى لا نطلب منها أكثر مما تتحمله ..وحتى لا يتوهم أحد أنها تعطى إشارة لقبول الآخر ومودته ..فهى أقرت بالإختلاف الفكرى والدينى ولم تقدم أى تعهد لمحبة وود الغير مؤمن ..هذا حتى لا ينخدع المؤمنون الإنسانيون والذين يتشبثون بها .. ولكن فى قرارة ذاتى أتمنى بالفعل أن يتشبثوا بها ولأعلى سقف لها .!
مثال آخر آية "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" هذه الآية كثيرا ً ما تُردد فى مصر بعد كل إحتقان طائفى لتخلق مناخ من الود والتلطيف ولكن هل فيها ما يعطى أى إنطباع عن المشاعر التى يكنها المسلم للمسيحى ؟ هى مُتحفظة أيضا ً فهى تُقر بأن الأقرب مودة للذين آمنوا هم النصارى ولكن لا تقدم أى عرض بتصدير أى مودة للنصارى .!
ولكن ماذا سيصدر المسلم للآخر ؟ للأسف سيصدر له كل الكراهية والبغض ولا تصبح هذه المشاعر هى نتيجة حالة عاطفية ومزاج نفسى طارئ بل هذا من صُلب العملية الإيمانية , بل من يُخطأ ويصدر الود لجاره المختلف فيكون بذلك قد خرج من الإيمان .!!!
*** الولاء والبراء .
هناك ترسانة من الأيات التى تؤسس لفقه الولاء والبراء والذى يعتبرها علماء المسلمين انها من أركان الإيمان والتوحيد .!! معنى الولاء : هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم . والبراء : هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق . الولاء هو إبداء الحب والصفح والولاية للمؤمن فى العقيدة , والبراء هو إبداء الكراهية لغير المؤمن ..نعم المؤمن مُكلف فى تصدير الكراهية للأخر وإظهارها .!!
حسب الفهم الإسلامى فإن الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة وشرط من شروط الإيمان !! ..و إن تغافل عنه الكثير من الناس وأهمله البعض فاختلطت الأمور وكثر المفرطون فى إيمانهم .!!
هو ليس برأى أو إجتهاد أو إختيار لك فى محبتك للمؤمن و كراهيتك للكافر فهذا فى صلب العملية الإيمانية .!!! تعالوا نرى كيف أن ممارسة الود للآخر والبعد عن كراهيته وبُغضه يجعل المسلم يدخل فى الكفر !!..نعم يخرجه من إيمانه ويُلقى به فى نار جهنم كونه تواد مع كافر ولم يمنحه الكراهية والبغضاء .!! رَوى أحمد في مسنده عن البراء قال : قال رسول الله : ( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) أنه بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله ، لما روى ابن عباس قال : ( من أحب في الله وأبغض في الله ، ووالى في الله وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ) .! لك أن تعلم أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر ، قال تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) .!
{ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } هذه الآية تُخرج المؤمن من إيمانه لمجرد أنه يحمل بعض الود لغير المؤمن وتصل الحدة إلى سقفها الأعلى لتشمل الأباء والأبناء والأخوة وكما قال البغوي : " أخبر أن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكفار وأنّ من كان مؤمنا لا يوالي من كفر وإن كان من عشيرته "!!! .. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً فمن واد الكفار فليس بمؤمن " .!!! إذن نحن لسنا مع إجتهاد ورؤية فى التعامل مع الآخر الغير مؤمن ..ولا أمام علاقات إنسانية بين البشر تهتم بالتعامل وليس يعنيها بما يؤمن الإنسان .. فبمجرد أنه لا يؤمن بالله ورسوله فقد إستحق الكراهية وحتى لو كان يؤمن بالله وليس برسوله فهذا أيضا ً مُدعاة لبُغضه وكراهيته وعدم تقديم أى ود إنسانى له وتمتد دوائر الكراهية السوداء لتحرق أصابعها فتشمل الإبن والأب والأخ ..لذا لا تسأل عن سر هذه القسوة المُفرطة التى يتعامل بها السلفيون مع ذويهم .
نأتى لمجموعة أخرى من الآيات التى تُدعم وتوثق لكراهية الآخر حتى لا تعتبر الأمور مزاجية أو إنسانية كما يحلو لنا بل هى مدعمة بترسانة آيات تفيض بالدعوة لكراهية الآخر لأن الكراهية والبغض أصبحت من مقومات الإيمان !! علاوة على أن الله يبدو أنها أصبحت قضيته فألح وأوصى بذلك فى مواضع عدة .!!!
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق } إلى قوله : { تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } هنا يحث الله عباده المؤمنين على متابعة خليله إبراهيم والتأسي به وبمن آمن معه في معاداة أعداء الله والتبرء منهم ومما يعبدون من دون الله وإظهار العداوة لهم والبغضاء ما داموا على الكفر بالله فقال : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده } .. وهنا على المسلم أن يتأسى بإبراهيم الخليل في معاداة أعداء الله تعالى وإظهار العداوة والبغضاء لهم .!!
* آيات أخرى .. { يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } . { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } نلاحظ هنا تحذير شديد اللهجة من الله من موالاتهم وتوعد على ذلك بأشد الوعيد فقال : { ومن يتولهم منكم فإنّه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } فجعل الموالاة لغير المسلم بإنضمامه للكفار والقوم الظالمين !!..و قال بعض المفسرين : " فيه زجر شديد عن إظهار صورة الموالاة لهم وإن لم تكن موالاة في الحقيقة " وأقل الأحوال في هذه الآية أنها تقضي تحريم موالاة أعداء الله تعالى وإن كان ظاهرها يقتضي كفر من تولاهم ولهذا رًوي عن حذيفة أنه قال : " ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر وتلا هذه الآية .!
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال : " قلت لعمر رضي الله عنه إن لي كاتبا ً نصرانيا ً قال : مالك قاتلك الله أما سمعت الله يقول : { ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } ألا اتخذت حنيفا ؟ .. قال : قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه . قال : لا أكرمهم إذا أهانهم الله ولا أعزهم إذا أذلهم الله ولا أدنيهم إذا أقصاهم الله .!ً
وورد عن عمر مكتوب من معاوية بن أبي سفيان : " أما بعد يا أمير المؤمنين فإن في عملي كاتبا ً نصرانيا ً لا يتم أمر الخراج إلا به فكرهت أن أقلده دون أمرك . فكتب إليه : عافانا الله وإياك قرأت كتابك في أمر النصراني أما بعد : فإن النصراني قد مات والسلام " ( يعني أن هذا النصراني قدّر أنه مات فما كان معاوية سيفعل بعد موته فليفعل الآن ) وهذا أمر من عمر لمعاوية بإبعاد النصراني وتولية غيره من المسلمين مكانه من غير مراجعة وإخبار له بأن المسلمين في غني عن النصارى واليهود .!! نعرف من التراث أن السماح بعمل بسيط لأهل الذمة هو من باب العجز عن وجود البديل المسلم .. ولكن حتى هذه رفضها الخليفة العادل عمر الذين صدعوا أدمغتنا عنه بمقولة " إضرب ابن الأكرمين ." !!
{ ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا } قال ابن كثير في تفسيره -وكأن الأمور تحتاج تفسيرا ً- : " ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم وقوله : { أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا }
{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء } وهذا تهديد شديد اللهجة عن موالاة الكافرين وموادتهم ، فينبغي للمسلم أن يكون شديد الحذر من أن يتخذ الكافر وليا ً فيصبح خاسرا ً ويستجلب على نفسه غضب الله وأليم عذابه .!! يعنى أن تجعل مهندسا ملحدا ً أو يهوديا أو مسيحيا ً مديرا ً لعمل مؤسسة سيدخلك الله على أثرها جهنم وسيشويك فيها .!!..وأن تعطى ثقتك لمسيحى أن يكون عضوا ً فى مجلس الشعب حينها سيمتلأ جوفك بالرصاص المصهور .
آية أخرى تفيض كراهية ونبذ ولا يوجد ما يبررها .. { ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون } يا نهار أسود !! ..هذا أمر أخر من الله بمعاداة أعدائه ولو كانوا أقرب الناس كالآباء والأبناء والإخوان والعشيرة !! يصبح البغض والكراهية والنبذ بلا سقف فلم يرحم أحدا ً ويعطينا إنطباع قوى بأن عداوة من سواهم من الكفار هو من باب أولى ! لمجرد أن الأب إتخذ فكرا ً أو إيمانا ًمخالفا ً لإبنه فقد أصبح خارج الأبوة ودخل فى دائرة العداء والكراهية وإلا أصبح الإبن ظالما ً وحق عليه العذاب والجحيم لمجرد إحتفاظه ببعض المشاعر تجاه أبوه . !!
{ بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا } { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا } .
ماذا بعد كل هذا الفيض من الآيات .. قبل أن أطرح ما خرجت منه أريد التأكيد على فكرة محورية تعامل معها التراث الإسلامى فى هذا الشأن ..وهى أن الغير مؤمن هو الكافر والمشرك والملحد واليهودى والنصرانى ..وأننا لسنا بصدد التعامل مع أعداء على جبهات حرب بل مع أبناء وطن واحد وذو جلدة واحدة شاء حظهم السئ أن يعيشوا بجوار هكذا نصوص .
أننا أمام دعوة حادة وقاطعة بعدم التواد والتراحم والمحبة مع الآخر ..بل تصدير كل الكراهية والبغض له فقد أصبح البغض ليس شئ يريده الله فحسب بل سيخرج من يًمارس التواد مع الآخر أو يجعله وليا ً يُمسك له بعض دفاتر الحسابات من دائرة الإيمان ويوسمه بالكفر والظلم ويبشره بالعذاب الأليم .
ماذا سيحدث للمسلم من معاملة الآخر بإنسانية ومحبة إذا كان يبادله نفس الشعور ..هل سينتقص هذا من إيمانه ويقينه ..أن تقول لجارك صباح الخير فيرد عليك بمثلها هل هذا سيجعل الإيمان ينهار فى داخلك وتفقد فيه إسلامك .. وهل سينزعج الإله الجالس على عرشه من مجرد مشاعر وعلاقات إنسانية .
هذا يقودنا للأسف لنسف لأى حجر يؤسس لفكرة المواطنة بين أبناء الوطن الواحد ...فلا يوجد شئ إسمه مواطن يختلف عنى فى الإيمان وأسمح لنفسى أن أتواد معه مهما كان يحمل لى من الخير والود ..كما لن أسمح لنفسى أو أسمح له بأن يكون وليا ً وقائدا ً مهما كان هذا العمل بسيطا ً وتافها ً , أو كان يمتلك من الكفاءة والخبرة والأمانة الكثير التى تؤهله لذلك . ياسادة نحن ببساطة نخلق لمجتمع عنصرى تُمارس فيه العنصرية بكل بشاعتها وقسوتها . لنا أن نسأل مرة أخرى لما هذا الإنزعاج الشديد الذى يصل للكفر فى أن يكون جارى غير مؤمن وأتعامل معه بإنسانية ..ماذا يُضير المسلم أن يتعامل مع الآخر بود ومحبة طالما هو إنسان يمتلك النبل والأخلاق . ماذا سينال من المسلم عندما يجد كافر أو ذمى أو ملحد يدير عمله بمهارة وكفاءة وأمانة ..هل سيتحطم إيمانه ويرتد عن دين الإسلام .
أنا أقول لكم السبب وقد تعرضت له فى مقالاتى عن " لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون " بأن العقائد الهشة تحتمى فى مشروع مواجهة ضد الآخر ..فهى تضمن الأتباع بتعبئتهم فى مشروع مواجهة مع الآخر المٌترصد والمُتربص وهما ً لتخلق مشروع تعبوى وهمى تضمن الولاء والإنتماء والتشرنق داخل الجماعة المؤمنة لذا تجد الإسلام السياسى لم يترك منظومة فكرية إلا وعادها ليوسمها بالصهيونية والصليبية والإلحادية ..إنه يخلق معركة دائمة وحية و يحاول جاهدا ً إستحضار التاريخ القديم لتفعيل العداوة بالرغم من العصر تجاوز ملابساتها ... فتكون الكراهية والبغض والنبذ هى حجر الزاوية الذى يتأسس عليه مشروع العداوة .
للأسف هذه الرؤية ستخلق جو من التوجس والقلق من كل مسلم ..فالمسلم كاره وباغض ونابذ ومستنفر من الآخر لأن إلهه حثه على ذلك فسينتج بالضرورة مناخ من الحيطة والحذر والتوجس تتكلل فى النهاية إلى كراهية الآخر للمسلم وتحفزه له ..لقد بدأ الآخر يسأل سؤاله الشهير " لماذا يكرهوننا " وبدأ التفتيش عن هذا التراث الذى يتم إستحضاره . الكراهية والبغض لن تنتج عسل وشهد بل حنظل ومر ..ولن تستطيع أن تقف عند سقف محدد طالما نار الكراهية إشتعلت وتأججت فسنجد فى النهاية إرهاب وحرق البشر وذبحهم من الوريد للوريد .
بقدر ما النصوص مُشبعة ومشجعة على ممارسة الكراهية فلا أعتقد أن الميل للكراهية للآخر تجد حضورا ً كبيرا ً فى العالم الإسلامى فالحضارة والمدنية والتاريخ الطويل الطيب بين أبناء الوطن الواحد سيحول دون أن تجد لها حضور ..ولكن خشيتى تكمن فى أن الإحباطات السياسية والإقتصادية التى يواجهها الإنسان العربى ستجعله ينفث طاقة غضبه وكراهيته فى الإتجاه الضعيف والذى أمره الله أن يبغضه فيكون هنا حقق الإيمان كما ينبغى وأفرغ طاقة كراهيته بعيدا ً عن السلطة والنظام والطبقات المُستغلة والتى تمتلك أنياب ومخالب تطبش به إن فكر الإقتراب . أعتقد أن كل الممارسات الطائفية والمشاحنات المذهبية تتم من خلال غضب جاهل مع غياب البوصلة ومع وجود نصوص تسمح بتفريغ طاقات العنف فى الجانب الضعيف كما أن الإسلام السياسى يستقطب الجماهير حوله بتعبئتها فى مشاريع مواجهة مع الأخر لتفرغ الجماهير جام غضبها فى شعارات ومظاهرات للساكنين بعيدا ً فى البيت الأبيض وتلقى حجارتها على البؤساء القاطنبن فى الأكواخ القريبة .
الدين هنا لا ينتهك إنسانيتنا فحسب بل ينهش بمخالبه فى لحمنا ويسمم عواطفنا ويشوه كل قيمة جميلة غرستها مسيرة طويلة من الحضارة والمدنية الإنسانية . أتمنى أن ترتفع آية " يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ولا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ " وأن نتشبث بها بل نرفع من سقوفها فيكون حرية الإيمان والإعتقاد أمر لا يقبل الجدال وأن تكون مشاعرى تجاه المختلف عنى فكريا ً أو دينيا هى مشاعر ودية ومحبة ومحترمة لحريته وغير قابلة للإنتقاص أو التشوه طالما هو إنسان يحمل فى داخله المودة والمحبة وشراكة الوطن أأمل من كل مسلم آمن بحرية الإخر فى الفكر والإيمان والإعتقاد وحمل فى داخله مشاعر إنسانية تحترمه وتوده أن لا يتأثر بهذا الزخم من الآيات ويرتد إلى البغض والكراهية ...وأنا على يقين أن مسيرة الحضارة الإنسانية وتشرب الكثير من المسلمين بها ستحول دون تفعيل مثل هكذا نصوص ولكن الخوف كل الخوف من خفافيش الظلام .
* فى الجزء القادم لهذا المقال سنتناول الكراهية الأصيلة والمدمرة النابعة من التراث التوراتى العتيد .
عذرا ً على الإطالة ولكم منى المودة .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 10 ) - إبحث عن الذكر .
-
تديين السياسة أم تسييس الدين ( 5 ) - آيات حسب الطلب .
-
تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 9 ) .
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 15 ) - كيف تكون مزدوجا ً فاقدا
...
-
تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 8 ) - لن نرى حضارة طا
...
-
لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 9 ) - فوبيا الآخر والشيطان ..إ
...
-
تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 7 ) .
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 14 ) - كيف تكون متبلدا ً و مست
...
-
نحن نخلق الأسطورة والميثولوجيا والحلال والحرام ويمكن أن نسرق
...
-
تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 4 ) - وهم الخطيئة والذنب
...
-
تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 3 ) - هل يوجد شر ؟!
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 13 ) - إنهم يشوهون الطفولة ويم
...
-
نحن نخلق الأسطورة والميثولوجيا والحلال والحرام ويمكن أن نسرق
...
-
لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 8 ) - إستحضار العنف الكامن وتف
...
-
لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 7 ) - ما بين وطأة الموت وما بي
...
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 12 ) - الأم ماتت والجنين مات و
...
-
لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 6 ) - إشكاليات الفكر الدينى وك
...
-
تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 6 )
-
تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 2 ) - زهور الله المقطوفة
...
-
لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 5 ) - الرضاعة الحسية والشعورية
...
المزيد.....
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|