ابراهيم شريف العظم
الحوار المتمدن-العدد: 949 - 2004 / 9 / 7 - 09:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
منذ خطاب القسم للرئيس بشار الأسد والقوى السياسية في الداخل تتخبط في ازدواجية وألتئات صارخ , ينظرون الى أي مشروع كان متنطعين بأنه أكسيد الحياة لسورية والمجتمع السوري , ولم تسعفهم في ذلك تراكمات التجربة السياسية المؤدلجة والمسيسة لصالح اللغة الواحدة والرؤية الواحدة والشعار الواحد , وفي ذلك الألتئات مغزىً عميق يدل على عمق تأثير ثقافة الفراغ على النخبة التي تسعى لإعادة تأهيل المجتمع السوري مجدداً بعد سنوات من الخواء الفكري والسياسي , المهم في تجربة النخبة أنها تنحصر في رسم إطار بوهيمي يقدم المعطى الثابت دون اللجوء الى عرض وطرح آلية المتغير البنيوي في هذا الطرح , وباعتقادي أن في ذلك ألتئات وتخبط نظراً لما قد يشكله هذا المعطى من مؤشر ارتقاء حقيقي في منهجية العمل والممارسة .
وانطلاقاً من تأثير لغة التبعية السياسية والإيديولوجية على الذهنية النخبوية أتجه الكثير منهم الى الاستتار وراء تلال جافة من الإيديولوجيات الأكثر تعقيداً وخطورة على مستقبل الذهنية السورية والفكر المجتمعي السوري , حتى أعادت تلك النخبة رسم نفسها بأنها دائرة الظل للموقف الرسمي دون أن تعي حجم التداعيات التي تلحق التعبير وراء نزوعهم الحاد لكل ما هو (ستاتيكيولوجي) , وبعد مفارقة التاريخ الكمي وارتمائه بأحضان النوع الفكري التاريخي الذي يحاول إعادة تأهيل المقدمات والنتائج , ارتمائه دون تمييعه إلا بالقدر الذي يؤسس لثقافة القوى الاجتماعية على حساب التيار السياسي ولمصلحة قاعدة الفكر الاجتماعي- السياسي الجديد بات من الواضح أن أي تشكيل نخبوي لقراءة المشهد العام داخل سورية إنما ينطلق من الرغبة في تبني الذات ولو على حساب النتائج التي تزل حالة التوازن الفكري في أي منعطف تاريخي جديد .
وبهذا الأمر تتجدد طروحات رثة محاولة أعادة إنتاج نفسها ولغتها وشعاراتها بل أيضاً ومقولتها التاريخية , وفي ظل هذا الموّران الحاد تتمخض الحاجة الماسة الى الإصلاح الحقيقي لا الترقيعي أو الإسعافي الذي بدأت تروج له النخبة , فالبعض من هذه النخبة ربط محور العملية الإصلاحية بلغة اقتصادية محضة وتغاضى عن دور السياسة في تقويم العملية الإصلاحية ببعديها الأخلاقي والإنساني على الفرد والمجتمع , والآخر توهم بأن حالة الإصلاح إنما تستند في مفرداتها على معنى واحد وهي ضرورة أعادة صياغة المقروء (( الخطاب السياسي )) أما الأكثر عقلانية فقد أزمعوا بأن الإصلاح هي إعادة إنتاج ثقافة اجتماعية – سياسية – اقتصادية جديدة أو بمعنى أدق إنتاج منظومة قوى أخلاقية- إنسانية جديدة .
والإصلاح هو حاجة تاريخية أكثر مما هو فعل تاريخي ملح لأي مجتمع يريد النمو والتطور الطبيعي , والكينونة الطبيعية لهذا التطور ليست مرهونة بفائض التراكمات التي تؤسس لهذا الفعل بقدر ما هي سنة من سنن التطور التاريخي للمجتمعات الإنسانية , وللناظر اليوم الى منظومة القيم الثقافية العالمية اليوم يرى بأن السمة الأكيدة لأي تطور إنما تستمد طابعها من واقع التطور نفسه مثلما تستمد مادتها الأساسية من مشيمة التطور التي تغذي الحالة والفعل على حد سواء .
وإذا قرأنا مؤشرات الإصلاح القائم في سورية اليوم لوجدنا بأن الكثير من العناصر غائبة عن طبيعة هذا الفعل أو هذه العملية لكي نقول أنها تتوجه فعلاً الى الواقع بأدوات حقيقية , فغياب قانون الأحزاب يفتح الباب على مصراعيه أمام الكثير من التساؤلات حول بقاء المشهد السياسي السوري بدون تعددية قانونية يشرعها القانون , هذا من جانب ومن جانب آخر يبقى ارتهان الفعل السياسي بموجه واحد وقيادة واحدة دون مشاركة باقي القوى السياسية لخلق الحدث الإصلاحي المطلوب أمر ينعكس سلباً على قراءتنا للمشهد السياسي السوري اليوم , والقلة من القوى اليوم تعارض إصدار قانون أحزاب في سورية لأسباب برمجتها مصالحها الخاصة والضيقة والمحدودة فالغوص في الرمال هو أمر ينفلت من تنظيم أوراق المشهد السياسي العام في سورية تقرأه تلك القوى بمنتهى الحذر خشية من تفاوتات في حجم الطرح والبرامج التي تتبناها داعية الى خنق الحياة السياسية بسورية عن طريق تلميح واهي باعتبار أن قانون الأحزاب سوف يترك الباب مفتوح أما قوى التسلل والانتهازية لبناء أدواتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ناسية تلك القوى أن في مثل الأجواء والمناخات التي تتوفر أثناء صدور قانون الأحزاب وتفعيل العملية السياسية بشكل قانوني سوف يسقط أدوات وأوراق تلك القوى المتسللة والانتهازية , لأن لغة التنافس الديمقراطي المشروع سوف تقدم الحلول غير الإسعافية والصحية في ظل مناخات وطنية سليمة أمام القوى الوطنية الصادقة وغير المدّعية لأن تشكل منبراً حوارياً ديمقراطياً يغني التجربة السياسية في سورية ويعطيها بعداً حيوياً متنامياً وبشكل كبير جداً في العمل على تعميق اللحمة الوطنية .
إن أي حزب أو قوة سياسية تخرج من عباءة التعب والإعياء التاريخي المتناقض فكراً وعقيدة وسلوكاً لا بد من تقع في مهاوي التكرار ومطبات العجز والخطأ القاتل , وإن أي قوة أو حزب يتمخض من السياق الطبيعي لتاريخ التجربة ذاتها , ويولد على أرضية الحلول العملية لا بد من يحيا ويعيش في كينونة القادم .
ويبقى المجتمع هو الحكم والفيصل الحقيقيان اللذان ينصفا أية تجربة تاريخية إنسانية .
وتبقى الحلول الإسعافية عامل ضاغط على العملية الإصلاحية نفسها , التي تبرز وتنبثق كردود أفعال ليس إلا .
وتبقى الإشارة هنا أو هناك غمز في وعاء المحظور السياسي الذي ربما فقد أهلية الخطاب السياسي والإعلامي له , ومن الواضح والمؤكد لجمهور الفكر أن العملية الإصلاحية كرسم طبيعي لا بد لها من قبول الآخر كشريك لها في صناعة مادتها الإصلاحية لا أن تقف القوى السياسية أمام صيرورة الإصلاح واجمة في ظل ما قد تؤول له عناصر الإصلاح من تحقق راسخ وقبول عام على المستوى الشعبي , والمهم في ذلك حالة التأصيل الحقيقي للعملية الإصلاحية كتعبير عن بعديها الاجتماعي والسياسي , وفي ظل هذا المعترك الإصلاحي التنافسي لبناء الذات الوطنية والبناء الوطني الجديد تبرز الحاجة الى ثقافة إصلاحية جديدة تعبر فوق حواجز الشعاراتية والتي لا تؤمن بالإصلاح كنتيجة منطقية من نتائج قانون التطور التاريخي لمفهوم المجتمع (( وليس الأمة )) والتي كانت تنادي بفشل العملية الإصلاحية والتي ترى فيها أنها عملية سطحية تهدد مستقبل الأمة بالفشل والضياع , أما وقد ظهرت ضرورات الإصلاح كعمل لا يهدد إلا دوائر الفساد والعدمية , فقد تأكدت للجميع وعلى مستوى الموقفين الرسمي والشعبي بأن الإصلاح هو السنة الطبيعية لأي مجتمع يسعى للنهوض والتطور والازدهار ...
إبراهيم شريف العظم
#ابراهيم_شريف_العظم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟