محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 949 - 2004 / 9 / 7 - 09:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
قد يبدو الاقتراح مساويا لجنون العقيد نفسه, لكنني أراه أكثر طبيعية من كل اقتراحات مستشاري السوء المحيطين برسول الصحراء, ومتناغما ومتناسبا تماما مع جماهيرية الهوس التي صنعها القذافي. لن يصدق العقيد ردود أفعال الليبيين عندما يلقي خطبته العصماء في حفل حاشد داخل خيمة ملونة بعد أن يكون قد شرب كوبا من حليب الناقة, وجال ببصره في سقف الخيمة, وسرح بخياله الملوث في امبراطوريته التي توهمها والممتدة من سوازيلاند إلى خليج سرت, ثم يقترح على رعاياه وعبيده أن يقوم ببيعهم لتسديد تعويضات لاحقة عن جرائم ارتكبها هو ونظامه العفن ولا تستطيع خزانة الدولة أن تتحملها.
سيخرج الليبيون بمئات الالاف في طول البلد السجن هاتفين بحياة قائد الثورة الحكيم الذي توصل بعبقريته إلى حل المشكلة الاقتصادية وايجاد بديل للنفط وذلك ببيع الليبيين لأي جهة خارجية تريد أن تفعل بهم ما تشاء, وستكون (ما تشاء) تلك أقل إذلالا ومهانة واستعبادا واسترخاصا واستحمارا مما ينزل على أدمغة شعبنا بواسطة هذا المتخلف المعتوه. يمكن للعقيد أن يطلب من اللجان الشعبية تحديد قيمة بيع الليبي , وعمل خصم للتجار الأفارقة, وأن يلقي في البحر مازاد عن الحاجة أو الذين لا يرغب أحد في شرائهم. إن خمسة آلاف دولار قيمة بيع المواطن الليبي ثمن معقول وهو نفس المبلغ الذي اقترح العقيد دفعه من قيمة النفط لكل مواطن بدلا من بناء طرق ومساكن ومصانع ومدارس ومستشفيات وجامعات. في هذه الحالة لن يطمع أحد من الغربيين فيما أطلق عليه العقيد منذ ست سنوات ( الطمع الغربي لاحتلال ليبيا لأن بطيخها أفضل من بطيخ مزارع أوروبا كلها )! طبعا لن يستطيع العقيد أن يبيع الليبيين المتواجدين في الخارج, فالمعارضة أيا كانت توجهاتها, يسارية أو دينية أو مستقلة أو من التحالف الوطني الليبي أو الحركة الليبية للتغيير والاصلاح أو التجمع الجمهوري من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أو المؤتمر الليبي للأمازيجية أو الجبهة الوطنية للانقاذ أو غيرها أكثر شرفا ونزاهة ووطنية من كل رجال هذا المجرم وسجاني الوطن المسكين.أقول بأن رد الفعل الفوري والعفوي ستشهد عليه مظاهرات حاشدة تؤيد العقيد, وتستخرج من اقتراحه أو قراره أو أمره ببيعهم كل أوجه العبقرية, وسيفتح باب حلم تم اغلاقه منذ أكثر من ثلاثين عاما عندما شارك الليبيون الآخرين في أحلام المستقبل, وسيصبح حلم استعباد أي جهة خارجية لمواطن ليبي كشمس مشرقة في صباح يوم لا يسمع فيه المواطن خطبة لقائد ثورة الفاتح, ولا يستدعيه رجل أمن جلف للتخشيبة في قسم شرطة بمصراتة أو زليطن أو غدامس أو طبرق أو بنغازي أو طرابلس ليُعَلّمَه أن السيد لا يحكم فقط رعاياه ولكنه يملكهم كما يملك الراعي أغنامه وماشيته. الظاهرة الليبية واحدة من أغرب ظواهر الاستبداد في التاريخين القديم والحديث, فرجل واحد متخلف ومجنون ومتهور ومعاق ذهنيا يُدخل السرور والبهجة على معظم أفراد شعبه كلما صدرت منه توجيهات أو تصرفات أو سلوكيات مشينة ومضحكة وصبيانية, فيخرج الليبيون من بيوتهم وأماكن عملهم أو تجمعات عاطليهم للاحتفال بانتصار الأمية, وتعميم الجهل, واهدار أموالهم, وتبذير ثرواتهم, وتصفية أهلهم ومواطنيهم فيما أطلق عليه هذا المخبول ( الكلاب الضالة). لم يكن مستغربا بعدما شاهد على شاشة التلفزيون صدام حسين يستسلم لطبيبه العريف الأمريكي وهو يبحث عن حشرات في شعره الأشعث, وعن قاذورات في سقف حلقه كأنه حيوان أجرب, أن يفكر العقيد الجبان مئة مرة, وأن يقرر تسليم ليبيا لأجهزة المخابرات الأمريكية في مقابل عدم البحث في شعره عن قمل, وتركه يستعبد الليبيين هو وسيف الاسلام القذافي عدة عقود أخرى. مع كل احترامي وتقديري للمعارضة الليبية في الخارج, وأيضا الشرفاء في الداخل الذين قام العقيد بتصفية أكثرهم, فإنني لست متفائلا بالمرة, فخمسة وثلاثون عاما يحكم خلالها الجهل والأمية والاستبداد والطغيان والتخلف حتى ظهر جيل ثالث تقريبا لا يعرف غير الركوع والسجود والانحناء والذل والمسكنة والمظاهرات والهتافات تجعلنا لا نبخس الأشياء حقها عندما نقترح على المجرم بيع الليبيين ونحن على ثقة يقينية من أن الشعب سيوافق مرغما أو بإرادته على الفكرة عندما يقترحها الطاغية الشيطان. كل الدلائل تشير إلى أن أحفاد عمر المختار في الداخل لن يثوروا أو يتمردوا فمساحة ليبيا واسعة, وعدد السكان قليل, وأجهزة الأمن التي تحمي الطاغية تنتشر في كل شبر من الوطن السجن, والجيش الوطني أصبح مثل الفرق الموسيقية العسكرية وكل أفراده لا يعرفون غير القائد معبودا لهم. الحل الوحيد والعاجل في اعلان حكومة منفى وطنية من شرفاء الليبيين في الخارج, وعدم الاستعانة بالأمريكيين أو البريطانيين فالتدخل الغربي لاحتلال ليبيا لن يكون تهديدا لبلد واحد فقط, إنما سيمتد ليهدد مصر والسودان وكل دول شمال أفريقيا. يقوم العقيد في الوقت الحالي ببيع أسرار كل أصدقائه السابقين وعلى رأسهم سوريا وإيران بعد أن قام بُعَيّد مأساة الحادي عشر من سبتمبر بتسليم أجهزة الاستخبارات الأمريكية عدة آلاف من الوثائق السرية للمنظمات العربية والاسلامية والفلسطينية واللبنانية. معمر القذافي كوهين جديد في خصر الأمة العربية, ومن يتابع بتأمل مواقفه لا يخالجه أدنى شك في أنه يعمل لحساب الدولة العبرية. الاتصالات الليبية/الاسرائيلية التي كشفت عن جوانب منها صحافة تل أبيب ليست الأولى, وسيكتشف العرب أن أكثر زعمائهم تفاوضوا سرا وخفية مع زعماء الكيان الصهيوني. ألم يكن الملك الحسين بن طلال حلقة وصل بين تل أبيب وبين بعض الأنظمة العربية؟ ألم يكن أمير المؤمنين الطاغية الراحل الحسن الثاني عرابا للمحادثات بين الاسرائيليين والعرب؟ حكومة منفى في الخارج تشترك فيها كل فصائل المعارضة الليبية متغلبين على مصالحهم الخاصة هي الحل الأمثل قبل أن يقوم هذا المجرم بمفاجأة القرن , واعلان مزاد علني لبيع الليبيين وتسديد مستحقات الارهاب والجرائم التي قام بها. ألم يكن اسقاط الطائرة فوق لوكيربي بأوامر شخصية من العقيد؟ ألم يوجه هذا المجنون أوامره لأجهزة استخباراته الارهابية باسقاط الطائرة الفرنسية فوق النيجر؟ إن انتهاكات حقوق الانسان في ليبيا أصبحت جريمة إبادة جماعية ضد شعبنا الليبي المستكين لحكم الجهل والتخلف خاصة بعد قانون العقوبات الجماعية الصادر عام 1996 أي بعد ربع قرن من قانون تجريم الحزبية. مئات من سجناء الرأي تمت تصفيتهم في سجون ليبيا المخيفة وسط صمت عربي رسمي مريب. الاهانات التي يوجهها مجنون ليبيا إلى المصريين لو كانت هناك ذرة كرامة لدى القيادة المصرية لطالبت بسحب رعاياها من الجماهيرية السجن, لكن العقيد يشترط فجأة تأشيرات دخول للمصريين, فلما تهدد مصر بمعاملة الليبيين بالمثل, يجبرها العقيد على ابتلاع التصريح العنتري, فالمساعدات المالية من طرابلس الغرب لنظام الرئيس حسني مبارك المتهالك والأكثر فسادا في العالم العربي تجعل الرئيس المصري يبتلع تصريحاته قبل أن تصل إلى أذن العقيد في خيمته الملونة. التخلص من النظام الليبي مطلب وطني عاجل لا يحتمل التأجيل, فالرجل قادر على أن يرهن بلده, أو يطالب ايطاليا وأمريكا وبريطانيا باحتلالها أو يبيع الليبيين, بالجملة وبالقطاعي, أو بالقيام بابادة جماعية ضد أفراد شعبه, أو بالموافقة على تعويض ضحاياه لخمسين عاما قادمة من أموال النفط, أو بالكشف عن المقابر الجماعية, أو باقامة حلف ليبي إسرائيلي ستصفق له الجماهير المغيبة والمخدرة والجاهلة. أيها الشرفاء في المعارضة الليبية في الخارج: ألم يأن الوقت لانقاذ وطنكم قبل رهنه أو بيعه؟
محمد عبد المجيد
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟