هيثم عزوري
الحوار المتمدن-العدد: 949 - 2004 / 9 / 7 - 09:46
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كثيراً ما تردد في مختلف الأوساط الثقافية والسياسية عن ليبرالية جديدة في سوريا تعمل بشكل مؤطر تحت عنوان حزب النهضة الوطني الديمقراطي السوري , وكثيراً ما شدني فضولي الغير متوازن لمعرفة المزيد عن هذا الجديد الوافد من الخارج الغربي (( الأمريكي على ما أعتقد ))وخصوصاً بعد أن عرفت بأنه أول تمظهر للرأسمال السوري بعد فترة طويلة من المراوحة والتخفي في الصفوف الخلفية .
وبعد جهد من البحث والتمحيص في الوسائل الإعلامية ومن خلال ما ورد في نشرة كلنا شركاء في سوريا , والتنقل بين محركات البحث العربية والأجنبية للوصول إلى إشارة إلى هذا الحزب وأخيراً من خلال مجلة أبيض وأسود , استطعت أن أطّلع على أفئدة هؤلاء الليبراليين الجدد , وعلى مضمون ومنهج الحزب القادم إلينا من الغرب مثلما ذكرت أبيض وأسود في مانشيت عريض .
هذا الجدل المؤيد والغير مؤيد لهذه التجربة ربما وأنا بحالتي الفكرية الاستثنائية عزز بيّ الأمل أكثر بمستقبل العملية السياسية في ظل انفتاح صعب نسبياً ولكنه بدأ يفرض وجوده الذاتي والموضوعي على خلفية الأمور العامة , والحالة تشخيصية عندي مثلما هي عند الكثير من الناس أصحاب الفكر المحافظ ولو أن الفكر في عمومياته لا يخضع لأي مؤثر يفضي إلى قولبته وعزله عن المتجدد الموضوعي .
المهم هو أننا نستقرأ حيثيات ما جاء في خطابهم السياسي للنهضويين- الليبراليين الجدد ( الخصوصية السورية – سورية أولاً – تجانس الفضاء السوري والفضاء العربي – إفلاس المشروع القومي العربي – ليبرالية السوق الحر – الأمة السورية – العمق العربي والعمق السوري ) الخ .... مما ورد في وثيقتهم الفكرية ومنهاجهم العام .
في البداية لا بد من التنويه إلى أنه ما جاء في خطابهم السياسي شيء جديد ومغاير تماماً عما ورثته الأحزاب والقوى السياسية في سورية من إرث فكري وأيديولوجي , وخصوصاً بأن عقيدتهم السياسية هي ( أيديولوجيا الإيمان بالوطن ) كما عبر عنها السيد عبد العزيز المسلط رئيس الحزب في لقائه مع أبيض وأسود , وهذا الشيء ربما يختط منحىً جديداً في معادلة الفكر السياسي – العربي الدافع باتجاه تحقيق المشروع الوطني أولاً قبل القفز لأي مشروع آخر من شأنه أن يقض مضاجع العمل الوطني ويؤرق ليل النسيج الوطني بتفصيلاته المختلفة .
قراءتي كانت قراءة تشخيصية كما نوهت , وقفت فيها عند الكثير من الأبواب التي تطرقت للجديد في كل شيء حتى غدت رؤيتي تتزعزع ما بين يقيني بالواقع السوري الراهن والعملية الإصلاحية, وبين شكي بالتجربة الوليدة والتي تبدو أنها سليمة وصحية .
إن ا نطلاق التجربة هذه من أرضية فكرية هامة (( منتدى وطني ديمقراطي سوري في الخارج )) أسس لحملة فكرية جديدة وإعادة اعتبار لكل التجارب القديمة والحديثة , لا بل بكل نمنمات العمل السياسي منذ بواكيره الأولى. .
واقع التجربة هذه أمر فصل ما بين الكلية والجزئية في ظل ثقافة الآخر المنفتحة , ولو أنها جاءت بشيء من الحياء النسبي إلا أن تقديري لذلك أعزوه إلى طبيعة الطرح الليبرالي الجديد الذي وضعه الحزب بشيء من التصرف والإيجابية , دون الخوض في موغلات الليبرالية العالمية والتي أعتبرها الحزب بأنها تعتمد على ممارسة فكرية حقيقية تترجم إلى عمل أساسي لتحقيق (( ديمقراطيتنا )) الوطنية . هذه الإيجابية في مثل هذا الطرح قاد النظرية السياسية إلى وضع تصور عام عن طبيعة العلاقات الاجتماعية في الوطن من خلال إنتاج أو صياغة (( عقد اجتماعي – وطني جديد )) يكون الدستور الديمقراطي مقدمة أساسية في تحقيقه وحصانته وحمايته .
ومن ثم أنتقل إلى الكيفية الهادئة في معالجة علل ورواسب تاريخية قائمة في مجتمعنا السوري , فأعتبر الحزب بأن المصالحة الوطنية هي السبيل الأوفر حظاً لبناء النسق الاجتماعي الواحد والمشترك . وأشار بأن هذه المصالحة لا تعني الرد على الإشكالية التاريخية لواقع الفرد في المجتمع بل أعتبرها بأنها مسيرة التظافر الحقيقي لجميع التكوينات والأطياف المختلفة في سورية لتأسيس المشروع الوطني الحقيقي . من خلال الأداء المشترك في العملية السياسية التفاعلية .
فالفرد والمجتمع أدوات البناء التاريخي الحضاري , والدولة مظهر سياسي من مظاهر الاجتماع البشري , ولا بد لهما من إرادة مشتركة للتوافق والتوازن في الحقوق والواجبات لتحقيق ضمانة العدالة الاجتماعية التي أعتبر بأن الديمقراطية رتاجها الكبير والتضامن الوطني هدفها الانتقالي أو المرحلي .
ومن هنا أكد فكر الحزب على الشخصية السورية بأنها نتاج تراكمي للهوية السوريه بمختلف ألوانها , وبانوراميتها .
وعن الولاء والانتماء أعتبر بأن العلاقة الجدلية لهما تعنى بالوطن وتخص الوطن بشكل خاص , لأن الولاء كقيمة معنوية يعادل الانتماء بقيمه المادية والموضوعية .
هذه الأفكار والطروحات المعالجة ربما في الغرب ينظر إليها في الداخل المنغلق أنها دائرة خرق جديدة لكل ما هو إيماني وأيدلوجي وعذري في سورية , ولكن هناك مذهب آخر وربما هو الأقوى في طرحه وحتى موضوعيته يرى بأن التجربة الديمقراطية في سورية والمؤسس لها منذ آلاف السنين بحكم حضاريتها الإنسانية بدأت تأخذ البعد الحقيقي والمنحى الصحيح في محاكاتها لمفردات الواقع , وظروف الحياة السياسية , وتفاصيل العلاقات الاجتماعية , وتقرأ واقع حال الفرد السوري بشكل أكثر وضوح وشفافية وهنا نقول بأن حكمنا على هذه التجربة لا بد أن ينطلق من محك عمل وليس من خلال طرحها النظري , وملامستها للخصائص والخصوصيات وأنا لا أتفق مع الذين يرون في هذه التجربة النهضوية الليبرالية كما يسمونها هم أنها تتقاطع مع العقيدة القومية السورية في الفكر السعادوي (( انطون سعادة )) إنما حالة تعيد صياغة مفردات الهوية الوطنية لسورية من جديد وهم على يقين بأن تلك المفردات بدت تأخذ بعداً قومياً جديداً في صبغة الوطنية المعاصرة وعلى خلفية القومية التاريخية , كما أشاروا في أحد بياناتهم أو مقالاتهم , فالمعنى بأن القوميات الأخرى وتحديداً الكردية على وجه الدقة هي قومية تاريخية تتوازى مع الوطنية السورية المعاصرة التي يسعون لتأسيسها على أنقاض وتراكمات تاريخية مريرة أخفت معالم هامة من الحقائق والمسلمات التاريخية , خصوصاً بأنهم اعتبروا بأن الدين السوري واحد لا ينفصل فالدين السوري هو الصبغة العقائدية الحضارية للوطن السوري وأن سورية كلها مسيحية مثلما سورية جميعها إسلامية فذلك التفاعل والذوبان التاريخي والحضاري غالباً ما يؤسس لحضارة عصر جديد تختلف بمعاييرها وشروطها عن حضارات التاريخ لأنها نزوع نحو القطبية مهما بلغت حدودها الجغرافية .
د. هيثم عزوري -النمسا
#هيثم_عزوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟