|
هل الشعوب الأكثر تديناً أكثر انحرافاً ...؟؟
راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 3141 - 2010 / 10 / 1 - 15:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طرح الكاتب المصري علاء الأسواني هذا العنوان على شكل تساؤل في مقالة له بعنوان"أخلاق بلا تدين أفضل من تدين بلا أخلاق" وهذا التساؤل الذي يطرحه الكاتب الأسواني تجد له الكثير من التجليات والحقائق على أرض الواقع،ودلالة واضحة ان تلك المجتمعات تعاني من حالة مرضية عميقة في طريقها للتحول إلى حالة مزمنة ودائمة ،وهذه الحالة تجد تجلياتها في عدم الموائمة بين التدين والسلوك والأخلاٌق،حيث يحصر البعض إن لم يكن الكثيرين التدين في الجوانب الاجرائية والفروض ويعزلها عن الجانب السلوكي،والديانة الإسلامية ليست حدها التي تدعو للفضيلة والتمسك بالأخلاق والقيم الايجابية، بل كل الديانات السماوية من مسيحية ويهودية بالإضافة إلى كل الفلسفات والمذاهب الوضعية نهجت وسلكت نفس النهج من حيث الدعوة للفضيلة والمحبة والتسامح والاخلاق الحميدة ....الخ وربما من الأسباب الجوهرية لذلك التخلف الاجتماعي والموروث الاجتماعى والجهل والعلاقات الانتاجية المتخلفة وغياب الوعي وإحلال سلطة القائد والزعيم والسلطة محل سلطة المجتمع والجماهير،وما تفرضه الأنظمة المستبدة على شعوبها من قمع وبطش وإبقاءها في حالة من الفقر والعوز الدائم،وهذه الحالة في ظل غياب قوى تغيير جدية وحقيقية،تمتلك برامج ورؤى تعبر عن هموم وتطلعات الجماهير وتقودها لتغير الوضع والواقع القائمين، يدفع بهذه الشعوب نحو الذل والاستكانة والتوجه الى الشعوذة والدروشة وهذا بدوره يولد حالة واسعة من الفساد والعلاقات القائمة على الدجل والنفاق والكذب والخداع والتزوير والغش وغيرها من مظاهر السقوط والانهيار الاجتماعي والاخلاقي والقيمي،وهنا تتحلل وتفككك المجتمعات وتتعزز العشائرية والقبلية والجهوية والطائفية على حساب الانتماء الوطني والقومي،كما ان المؤسسة الحاكمة توظف المؤسسة الدينية لخدمة أغراضها وأهدافها،بحيث تصبح كل تصرفاتها وأفعالها ضد شعبها وامتها مبررة ومشرعة تحت حجج وذرائع أن الحكام هم اولي الأمر وواجب طاعتهم والامتثال لأوامرهم، ونحن نجد ذلك في البيت والمدرسة والجامعة والعمل والشارع والوزارة والبرلمان ...، حيث ترى حالة من الانفصام والانفصال شبه الكلي بين ما تبدو عليه المجتمعات المتخلفة وما يترجم على أرض الواقع،فما تبدو عليه تلك المجتمعات من محافظة وتدين وورع وتماسك وتعاضد اجتماعي..الخ،يخفي في العمق أزمات عميقة جداً،ولعل تناول أمثلة حسية يعزز هذه الرؤيا،فأغلب الدول العربية والاسلامية على درجة عالية من التدين،ولكن في نفس الوقت تجد تلك الدول تحتل مواقع متقدمة جداً من حيث انتشار الفساد والرشوة والغش والتزوير والنفاق والدجل،فاكثر من 90 % من شعوب تلك الدول يدركون جيداً أنه لا مجال للمواطن ان ينجز معاملاته في الدوائر الحكومية بدون رشوة وفساد وواسطة،وكذلك الحال في الحصول على وظيفة او ترقية اجتماعية أو رتبة او مرتبة فهو مطلوب منه تقديم بدل وتنازلات لقاء تلك الخدمة سواء على شكل مادي أو عيني وحتى جسدي،ففي الكثير من الاستطلاعات تشير الى انتشار ظاهرة الغش في امتحانات التوجيهية العامة بين الطلبة على نحو كبير وواسع،وكذلك تجد أن عمليات التحرش الجنسي بالإناث لم تعد فردية وهي لا تطال الفتيات الصغيرات في العمر،بل تطال المرأة كانثى وبغض النظر عن سنها ومظهرها وسفورها وتحجبها وبشكل جماعي وفي الساحات العامة،وأبعد من ذلك بعض الدول العربية تحتل مواقع متقدمة جداً في تجارة الذهب الأبيض،وربما تستغرب أو لا تجد تفسيراً مقنعاً لكون الكثيرين ممن يقومون بهذه الأفعال او الأعمال يؤدون الشعائر والفروض الدينية من صوم وصلاة وغيرها،ولكن لا تجد لذلك انعكاساً في سلوكهم،وبما يؤكد أن الفروض هي اجرائية وليس لها علاقة بالسلوك،فمثلاً أين السلوك من أن يقوم الذاهب المسجد الأقصى بوضع سيارته في الطريق او الشارع العام بحجة الذهاب للصلاة؟،وأين الأخلاق والسلوك من أن تتكدس شباب في الشوارع العامة بشكل يثير التقزز والاشمئزاز لكي تندح بالعبارات والألفاظ غير اللائقة والخادشة للحياء ضد بنات شعبهم؟،وأين الذمة والضمير عند الكثير من الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم ومخصصاتهم من مؤسساتهم،ولا يقدمون لها وللوطن 5% من الطاقة الإنتاجية؟،وأين الأخلاق والدين ممن ينهبون ويهدرون المال العام،او من يقومون بسرقة التيار الكهربائي والماء؟،وأين الأخلاق وشرف المهنة عند من يسمحون للطلبة في امتحان التوجيهية بالغش والنجاح بالزور...إلخ،وأين هو الكاتب أو الأديب أو المثقف العربي الذي يرفض جائزة بقيمة مليون جنيه من قادة أنظمة القمع والفساد العربية،كما فعل الكاتب الاسباني الكبير خوان جويتيسولو البالغ 78 عاماً،عندما رفض جائزة باسم القذافي لحقوق الإنسان،حيث أكد في رفضه لها أنه لا يستطيع أخلاقيا،أن يتسلم جائزة لحقوق الإنسان من نظام القذافي الذي استولى على الحكم في بلاده بانقلاب عسكري ونكل،اعتقالاً وتعذيباً،بالآلاف من معارضيه.؟ فالكثير من كتابنا وأدباءنا ومثقفينا لا يرفضون جائزة من قادة أنظمة القمع والفساد،ليس بمليون جنيه،بل ربما مئة جنيه. وعلى حالة الانفصال تلك حدثني صديق التقيته في شارع صلاح الدين في القدس،بأن أحد شيوخ "العطاوي والجاهات" والمعروف عنه انه له باع في الغش وعدم قول الحق والسمسرة وقبول الرشوة،كان الكثير من تجار المدينة يدعونه لشرب القهوة ودخول محلاتهم،ولما سأل أحدهم عن معرفته به قال،أعرف أنه له في النصب والرشوة والفساد ولكن أنت تعرف واقع المجتمع؟،وأيضاً حدثني صديق آخر قضى زهرة شبابه في السجن سبعة عشر عاما،بالقول ذهبت الى مجلس عائلي وكان المتحدث فيه عليه الكثير من علامات الاستفهام في الجوانب المادية والسمعة الوطنية وكل الناس كانت تصغي له باهتمام شديد،أما أنا فجلست قريباً من الباب دون ان يعرني أحد أي اهتمام،فأن إلا املك المال ولا الجاه ؟. وأيضاً في المظاهرات والمسيرات الأسبوعية ضد جدار الفصل العنصري في بلعين ونعلين والمعصرة وغيرها تجد عشرات وربما مئات الجانب،يأتون للتضامن مع شعبنا الفلسطيني،وربما يكون عددهم أكثر من أبناء شعبنا المشاركين في تلك التظاهرات،أليس هذا بالعيب او الغريب،على شعوب ترفع شعار قدسية الأرض وانه لا مجال للتفريط بها أو بالعرض؟،وما الذي يدفع مثل هؤلاء الأجانب للقدوم والتضامن معنا رغم أنهم ليسوا متدينين،أليس ذلك له علاقة بالأخلاق والقيم؟،ودلوني على مكان واحد في العالم عانى من الاضطهاد أو أصابته كارثة وذهب اليه الشباب العربي للمساعدة او التضامن.؟ أليس ما يقوله علاء الأسواني من أن الأخلاق بدون تدين أفضل من تدين بلا أخلاق؟،ورغم أن الجوانب الاجرائية مهمة في الدين،ولكن تبقي الجوانب السلوكية والتطبيقية هي الأهم،ورغم أن ذلك لا ينفي وجود حالة من التدين الشعبي الصادق،ولكن صوتها يغيب فيما تظهر عليه تلك المجتمعات،من مظاهر الغش والفساد والرشوة والدجل والنفاق الاجتماعي والنصب والتزوير وغيرها،وأيضاً لا ننفي وجود قادة فكر ورأي وكتاب وأدباء وإعلاميين يناضلون ضد كل أشكال القمع والظلم والفساد والاضطهاد في مجتمعاتهم على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال.
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطوط عامة لرعاية وتأهيل اسرى القدس ...
-
هبات القدس الجماهيرية بحاجة لحواضن تنظيمية ..
-
حرب شاملة على الحركة الأسيرة ..
-
استمرار المفاوضات وتلبد غيوم.
-
في القدس انفلات وتعدي على الكرامات والحقوق
-
من حرق المسجد الأقصى الى حرق القرآن الكريم ..
-
الى سعدات والبرغوثي في عيد الفطر السعيد ..
-
عيد في السجون....عيد في الصليب الأحمر.....عيد في المنافي وال
...
-
الساحة الفلسطينية تعج بالتناقضات ..
-
مع بداية كل عام دراسي جديد / أزمة التعليم في القدس الشرقية ت
...
-
ما حدث في قاعة البروتستانت انجاز تاريخي لدايتون
-
لا تسوية في الأفق واسرائيل تقرع طبول الحرب ..
-
المفاوضات المباشرة والانتحار الذاتي
-
ثقافة مغرقة بالعنصرية والتطرف
-
العراقيب رأس الحربة في مواجهة سياسة تهويد النقب ..
-
في مقبرة مأمن الله لا حرمة ولا قدسية للقبور ..!!
-
مبعدو منيسة المهد ...معتصمو الصليب الأحمر..مبعدو السجون ..
-
المجتمع المقدسي يذبح من الوريد للوريد ..
-
حقائق وأنصاف مواقف ..
-
أنقذوا أسرى العزل من الموت البطيء ..
المزيد.....
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|