أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - لطفي حاتم - الاصلاحات العربية وحرب الافكار















المزيد.....


الاصلاحات العربية وحرب الافكار


لطفي حاتم

الحوار المتمدن-العدد: 949 - 2004 / 9 / 7 - 10:10
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


أثيرت في الفترة الأخيرة حزمة من المشاريع والرؤى حيال تطور الشرق الأوسط وتحديد مواقعه في العلاقات الدولية وتسعى الولايات المتحدة جاهدة إلى اعادة صياغة المنطقة بما يتلائم ومصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي . وقد تجلت المساعي الأمريكية بكثرة من الأساليب الدبلوماسية والاقتصادية / الحربية والثقافية . وفي هذا المنحى طرحت الادارة الأمريكية على لسان وزير دفاعها رامسفيلد موضوعة ( حرب الافكار وتجفيف منابع الارهاب ) والتي أعقبتها -- الادارة الأمريكية -- بمشروع ( الشرق الأوسط الكبير ) .
ورغم البحوث والدراسات المناهضة والمرحبة بهذه المبادرات والتوجهات الا انها – الدراسات -- تبقى في اطارها السياسي الذي لا يتعدى ملامسة أولية لطبيعة اللحظة التاريخية التي تعيشها العلاقات الدولية في ظل المرحلة الجديدة من العولمة الراسمالية .
مساهمة في هذا الجهد الكبير الذي تصدى له كثرة من الكتاب والباحثين أحاول حصر مساهمتي لمشاريع الأصلاح الأمريكية بشقيها السياسي المعنون ( مشروع الشرق الاوسط الكبير) و الثقافي المسمى ( بحرب الأفكار ) بالموضوعات التالية : ---
أولا" : -- الليبرالية المسلحة وحرب الافكار .
ثانيا" : -- الدولة القطرية وفواتير الصلاح .
ثالثا" : -- الاصلاح الديمقراطي ورؤية اليسار العربي .

الليبرالية المسلحة وحرب الأفكار

أفضى انهيار ازدواجية خيار التطور الاجتماعي وسيادة علاقات الإنتاج الرأسمالية على المستوى الكوني إلى نمو وتطور مرحلة جديدة من التطور الرأسمالي سمتها الأبرز تزاوج الثورة العلمية التكنولوجية مع ثورة الاتصالات والمعلومات وما نتج عنها من توسع رأسمالي أو ما جرت تسميته بالعولمة الرأسمالية .
لقد انعكست تلك التطورات السياسية/ الاقتصادية على صعيد السياسية الدولية حيث استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحتل مواقع أساسية مكنتها من تقرير مسار السياسة الدولية خاصة بعد حرب الخليج الثانية التي قادت فيها الولايات المتحدة العالم الرأسمالي بمراكزه وأطرافه حربا" عالمية ضد دولة طرفية تحت شعارات إدانة الغزو والاحتلال .
لقد أفضت حرب الخليج الثانية باعتبارها منعطفا" كبيرا" في السياسة الدولية إلى تبلور مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية منها: حق التدخل الإنساني الذي شكل أساسا" قانونيا" ودافعا" أخلاقيا" لحماية الأقليات القومية/الطائفية من الإبادة العرقية . ومنها إعادة تعريف مفهوم السيادة الوطنية . ومنها الديمقراطية وحقوق الإنسان ... الخ من المفاهيم التي أصبحت ثوابت في السياسة الدولية وموضوعات فكرية لأغلبية القوى والتيارات السياسية العالمية .
إن تبلور الليبرالية الجديدة واصطفافها في منظومة فكرية تكتمل حينما نتوقف عند توجهاتها الاقتصادية والتي تتمحور حول إلغاء دور الدولة في الحياة الاقتصادية واستبعاد تدخلها في رسم التوجهات الاقتصادية , وبهذا الإطار لابد من التاكيد على أن الليبرالية الجديدة باعتبارها أيديولوجية رأس المال المعولم تزاوجت مع التغيرات الجديدة في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية المتمثلة بسياسة هجومية ضد دول الجنوب الرأسمالي تحت مسميات مكافحة الإرهاب , إجهاض الملاذات الآمنة , الضربات الوقائية وأخيرا" الدول المارقة .
لقد شكلت المنظومة الفكرية لليبرالية الجديدة انعطافة خطيرة في السياسة الدولية تمثلت بعسكرة الدبلوماسية الأمريكية بعد أن سلحتها بعدة حربية/ فكرية ارتكزت على صراع الحضارات , صراع الافكار ومكافحة الشر وتدمير العدوانية المضمرة .
ان سنوات ازدهار السياسة الأمريكية وقيادتها للعالم لم تدم طويلا"حيث تكشفت نزعاتها الإنفرادية واستهانتها بالمبادئ الدولية الأمر الذي وضعها أمام مواجهة فعلية أمام أصدقائها قبل خصومها , حيث تجلت تلك المواجهة في رفض العالم لنهجها السياسي المرتكز على دبلوماسية والعمليات الحربية .
على أساس السمات العسكرية/ الفكرية لليبرالية الجديدة تواجهنا الأسئلة التالية : لماذا تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إدامة هيمنتها على مسار السياسية الدولية ؟ . وهل ترتبط تلك المساعي بظهور وتطور التكتلات الاقتصادية الدولية الهادفة إلى اقتسام العالم ؟ .
محاولة الاحاطة بتلك الأسئلة تدفعنا إلى تحليل المشاريع الأمريكية ازاء الشرق الأوسط باعتباره مصدرا" للطاقة ومنبعا" للإرهاب حسب التوصيف الأمريكي .ولكن قبل تحليل تلك المشاريع دعونا نتوقف أمام المضامين الحقيقية ( لحرب الأفكار ) .



صراع افكار أم هيمنة أيديولوجية


طرح رامسفيلد أحد غلاة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية موضوعة ( حرب الأفكار ) الذي يجري على ضفافها إعادة صياغة المنطقة العربية وفقا" للرؤية الأمريكية . والسؤال ما هي طبيعة ومضامين الأفكار المتصارعة ؟ وهل تؤدي تلك الصراعات إلى هيمنة أيديولوجية واحدة ذات صبغة أمريكية ؟.وما هو مصير الأفكار الوطنية /القومية في الدول التابعة والتي لا تتمتع بمواقع اقتصادية / سياسية تؤهلها المشاركة في صياغة مسار العلاقات الدولية ؟
أسئلة متعددة ورؤى متنوعة نحاول على أساسها فك الاشتباك بين الأفكار المتصارعة واتجاهات تطور السياسة الدولية .
بدا" نقول إن انهيار خيار التطور الاشتراكي وانحسار مواقعه الفكرية أفضى إلى تلميع صورة الليبرالية الجديدة وعناوينها الرئيسية – الديمقراطية , حقوق الإنسان , , حرية الاقتصاد وسياسة الأبواب المفتوحة, الأمر الذي أدى الى رفع شعبية تلك الشعارات واحتضانها من قبل غالبية التيارات السياسية الناشطة على الساحتين الوطنية / الدولية .
ان شمولية الشعارات المشار اليها وبريقها تجعلنا نتسائل عن ماهية الأفكار التي تحاول أيديولوجية رأس المال تحجيم دورها وصولا" إلى تهميشها وتفتيت تأثيرها على الساحة الوطنية .
مضمون التساؤل المشار اليه يقودنا إلى تأشير القوى السياسية / الفكرية الفاعلة في الشرق الأوسط باعتباره الساحة الرئيسية لكفاح الإدارة الأمريكية ضد خصومها الفكريين في العالم .
ان القوى الرئيسية المستهدفة من قبل الليبرالية الجديدة يمكن تحديدها بالتيارات التالية : --
أولا" : -- التيار الاسلامي بكافة تلاوينه والذي ينطاق من قاعدة بناء الدولة الإسلامية , ورغم تعدد مرجعيات هذا التيار ومناهضة أغلب فصائله لفكر الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة السياسية إلا انه يشكل من الناحية الموضوعية إعاقة سياسية لنمو وتطور الهيمنة الأمريكية . وفي هذا الإطار تتعامل الإدارة الأمريكية وزعمائها المحافظين مع التيار الإسلامي بصيغة عسكرية باعتباره مصدرا" أساسيا" من مصادر ( الإرهاب ) في الشرق الأوسط .
إن الإشارة إلى تأثير التيار الإسلامي في السياسة الدولية بسبب مناهضته لنهج الهيمنة الأمريكية لا يعني أن هذا التيار يملك رؤية فكرية لخيار تطور اجتماعي بعيدا" عن الرأسمالية الأمر الذي يفضي بالضرورة إلى التكييف لاحقا" مع العولمة الرأسمالية خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن القيادات السياسية لهذا التيار تنبع من رحم الطبقات الوسطى التي تفتقر إلى وضوح الرؤية الفكرية والصلابة السياسية وما يعنيه ذلك من إمكانية دخولها في مساومات سياسية مع الليبرالية بهدف إيجاد مخارج ذات أغلفة إسلامية تتلائم وتوجهات سياسة ( الإصلاح ) الأمريكية .
ثانيا" : -- التيار القومي وانحسار مواقعه في المرحلة الثالثة من تطور الدولة القطرية بسبب تجاربه المناهضة للديمقراطية في الحكم وفشله في تحقيق وعوده القومية الأمر الذي أوصل تياراته السياسية المختلفة إلى طريق مسدود. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الليبرالية الجديدة تتعامل مع الحركة القومية بازدواجية مفضوحة ففي الوقت الذي تعمل على تشجيع الأحزاب القومية الصغيرة في الدول المتعددة القوميات على المطالبة بحقوقها السياسية تعمل بذات الوقت على مناهضة الاتجاهات القومية الديمقراطية الرافضة لنهج التبعية والإقصاء .
إن ازدواجية السياسة الأمريكية إزاء الحركات القومية ينطلق على الدوام من سياسة براغماتية تهدف إلى تفكيك التيار القومي ذو النزعات الديمقراطية /الفدرالية الساعي إلى بناء استراتيجية قومية تحاول التصدي لسياسة التفتيت الأمريكية وبناء علاقات عربية متوازنة مع الشركاء الدوليين . بكلام آخر تسعى الليبرالية الجديدة من خلال خوضها ( لصراع الأفكار ) إلى استبدال الاتجاهات القومية الحاملة لنزعة الوحدة الفدرالية ذات المضامين الديمقراطية بنزعة قطرية تسعى إلى الارتباط بالحليف الخارجي على أساس التبعية واختلال المصالح الوطنية/الدولية.
ثالثا" : إن الرؤية المشار إليها تقودنا إلى التيار الثالث من الأنساق الفكرية للشرق الأوسط والمتمثلة في الحركات اليسارية الديمقراطية بمختلف تلاوينها الفكرية/ السياسية المطالبة ببناء الدولة العربية القطرية على أساس السيادة الوطنية الكاملة ورسم اتجاهات تطورها الاقتصادي استنادا" إلى قاعدة التعاون الدولي المتوازن .
ان موضوعة الوطنية المشار إليها تترابط وموضوعة الديمقراطية السياسية بجوهرها المرتكز على نبذ احتكار السلطة والعمل على تداولها السلمي . وبهذا المعنى فان فعالية مفهوم الوطنية/ الديمقراطية تنبع من توازن مصالح الكتل الاجتماعية في التشكيلة الوطنية واستبعاد عمليات الإقصاء والتهميش التي تحاول الليبرالية الجديدة تعميمها كوصفة وحيدة ( للإصلاح الديمقراطي) .

الدولة القطرية وفواتير الاصلاح الديمقراطي

تعيش الدولة العربية القطرية مرحلتها التاريخية الثالثة وذلك لارتباط نشؤها وتطورها بحركة رأس المال ومراحله التاريخية , وفي هذا المنحى تشير معطيات الحقبة الجديدة من التوسع الرأسمالي إلى أن الدولة القطرية لم تعد بتشكيلتها الاجتماعية المغلقة ونظامها السياسي الراكد المرتكز على احتكار السلطة ملائمة لحركة العولمة الرأسمالية. وبهذا المعنى فان إزالة التعارض بين توجهات العولمة الرأسمالية وبين الركود السياسي /الاجتماعي للدولة القطرية العربية يشكل جوهر العملية السياسية للإصلاح .
بهذا السياق نحاول صياغة بعض الدالات الفكرية/ السياسية التي تشكل مدخلا" لقراءة التحولات الجارية ببطئ في أقطارنا العربية .
الدالة الأولى : -- يعيش العالم مرحلة بناء التكتلات الدولية الاقتصادية , وتشترط هذه الحقبة ضم الدول العربية إلى هذا التكتل الاقتصادي الإقليمي التابع أو ذاك .
الدالة الثانية : -- إن آليات ( الشراكة ) الوطنية/ الدولية الجديد تفترض وجود قوى اجتماعية مرتبطة عضويا" بحركة رأس المال الدولي , وعند تدقيقنا لخريطة القوى الطبقية في التشكيلات القطرية نرى أن تلك التشكيلات الاجتماعية تفتقر إلى وجود طبقة اجتماعية مؤهلة تاريخيا" لقيادة آليات ( الشراكة ) بطريقة متوازنة.
الدالة الثالثة : -- يتطلب الإصلاح السياسي المطالب به داخليا"/ خارجيا" تفكيك آليات احتكار السلطة السياسية من قبل الشرعيات الأسرية والانقلابية الأمر الذي يساعد على تنامي الديمقراطية المرتبطة بحرية حركة رأس المال وتوجهاته التوسعية ومن هنا تكمن أهمية المطالبة بالتداول السلمي للسلطة السياسية وما يحمله من مشاركة قوى اجتماعية عديدة في إدارة الدولة الوطنية .
الدالة الرابعة : -- يشترط إشاعة الديمقراطية السياسية تفكيك ملكية الدولة وتقليص سيطرتها على الحياة الاقتصادية . وهذا الأمر يفتح الأبواب أمام نمو وتطور القطاع الخاص المحلي وتطوير تشابكاته الدولية من خلال ترابط أجندته الوطنية مع الاستثمارات الأجنبية .
إن الدالات المشار إليها تشترك جميعها في موضوعة جوهرية يتلخص مضمونها في أن المرحلة الجديدة لحركة رأس المال تسعى إلى إعادة فتح الدولة القطرية بما يضمن بناء ( شراكة ) وطنية/ خارجية في مجالات استثمار الثروات الوطنية وتطوير الأسواق المحلية الأمر الذي يعني تعديل الكثير من المفاهيم الحقوقية / الدولية كمفهومي الإستقلال والسيادة الوطنية .
استنادا" إلى مضامين تلك الدالات دعونا نتوقف عند موضوعتين أساسيتين : --
أحدهما النتائج الفعلية ( للإصلاح ) الديمقراطي المفروض خارجيا" وما يرافقه من استجابة غير مشروطة لمتطلبات حركة رأس المال التوسعية .
وثانيهما طبيعة الإصلاح الديمقراطي المتجاوب والمتطلبات الفعلية لمصالح قوى التشكيلة الاجتماعية في الدولة القطرية .
على أساس تحديد الفواصل بين الموضوعتين نحاول تحليل التناغم والتشابك بين المطلبين المفروض خارجيا"و المطلوب وطنيا" .
من الضروري بداية التأكيد على أن الإصلاح بشقيه الخارجي / الداخلي يهدف إلى إعادة بناء الدولة الوطنية بما يتوافق ومصالح القوى الاجتماعية المطالبة بالإصلاح الديمقراطي , وفي هذا السياق يواجهنا السؤال التالي :هل هناك قوى اجتماعية داخلية قادرة على صياغة مطلب الإصلاح الديمقراطي استنادا" الى توازن مصالح قوى التشكيلة الوطنية , وبالتالي نقل هذا التوازن إلى مستوى توازن المصالح الدولية /الوطنية ؟
التساؤل المشار إليه يدفعنا إلى مناقشة مفهوم الوطنية الذي يثار الجدل حوله في الظروف التاريخية المعاصرة والذي يمكن رؤيته ( المفهوم ) من خلال المحددات التالية : --
أ : نشأت الدولة العربية كما هو معروف على شرعيتين أحدهما أسرية وأخرى ( انقلابية ) وترتكز الشرعيتان على شرائح طبقية لم تتبلور في طبقات اجتماعية قادرة على أن تكون مدافعة حقيقية عن مصالح بلادها الوطنية رغم أن السنوات العشرة الأخيرة أفرزت قوى اجتماعية متحالفة مع الخارج على أساس المصالح الطبقية المشتركة .وبهذا المعنى يمكن القول أن الحامل الاجتماعي للوطنية الديمقراطية كان غائبا" على الدوام .الأمر الذي أفضى إلى غياب المرجعية الوطنية . بكلام آخر إن الأسر الحاكمة دأبت على حصر الوطنية بالمصالح الفعلية للعشائر الحاكمة. وبذات المعنى سعت الشرعية الانقلابية إلى فك الارتباط بين مفهومي الوطنية والقومية بعد أن تخلت عن المصالح الوطنية لبلادها بحجة تحقيق أهدافها القومية .
إن غياب مفهوم الوطنية المرتكز على موازنة مصالح الكتل الاجتماعية لم يقتصر على القوى الماسكة بسلطة الدولة السياسية بل تعدتها إلى القوى السياسية ذات الاتجاهات الأممية حيث ربط التيار الإسلامي كفاحه بوحدة الأمة الإسلامية المرتكزة على الموروث الديني. وبهذا المعنى فقد أسقط المصالح الفعلية للقوى الاجتماعية المتعددة في التشكيلات الوطنية .وبذات الإطار أعارت التيارات الماركسية اهتماما" ملفتا" لتضامنها الأممي المستند إلى وحدة مصالح الطبقة العاملة العالمية وتحقيق مشروعها الاشتراكي.
إن الإشارة السريعة إلى غياب مفهوم الوطنية / الديمقراطية ليست قضية شكلية بل إنها نتاج لتطور الدولة القطرية المرتبط بحركة رأس المال الذي أفرزت آلياته غياب التشكيل الوطني القادر على فرض توجهاته الطبقية باعتبارها توجهات وطنية .
إن الملاحظات العامة التي جرى استعراضها تحيلنا إلى رؤية الأسباب الحقيقية الكامنة وراء مطالبة الخارج بإصلاح الدولة القطرية .
بدا" لابد من التأكيد على أن مطالبة الخارج بإصلاح الدولة القطرية ترتبط بتوجهات راس المال الأمريكي الهادفة إلى إعادة صياغة بناء العالم الشرق أوسطي على أساس السيطرة الأمريكية , بكلام آخر ان صراع الأفكار التي يروج لها المحافظين الجدد ترتكز على : -
أ : -- تشكيل قوى طبقية ذات توجهات ليبرالية فاعلة تضمن مشاركة الخارج في الاستثمارات الوطنية , وهذا يعني ان مفهوم الوطنية لدى هذه القوى الناهضة يتحول من صيغته ( الأسرية ) و ( الثورية ) إلى صيغة كسموبولوتية . وبهذا الغطاء الأيديولوجي يمكن تفسير الحماس المتواصل الذي تبذله بعض النخب الليبرالية لفصل الوطنية عن الديمقراطية .
ب : -- بهذا المعنى فان الديمقراطية المفروضة خارجيا" لا ترتكز على توازن اجتماعي داخلي بل تهدف إلى بناء هيمنة داخلية /خارجية تفضي وبسبب إقصاء الكثير من القوى الطبقية إلى صراعات اجتماعية .
ج : -- يساعد الإصلاح الخارجي على تفكيك المشاعر الوطنية وخراب مضامينها الاقتصادية/ السياسية بعد توزيعها على مؤسسات فئوية/ عرقية/ طائفية ,بكلام آخر تفكيك وحدة الكتل الاجتماعية وإعادة صياغة وعيها بما يتناسب وتطور مؤسسات المجتمع الأهلي .
ان مشروع الإصلاح الخارجي المستند إلى إعادة صياغة الأنظمة السياسية والتشكيلات الوطنية بأساليب قسرية يحمل في طياته شيوع الفوضى فضلا" عن ضياع الجوهر الحقيقي للإصلاح الديمقراطي.
لإضفاء الشرعية الفكرية على الفرضية السياسة المثارة لابد من تحليل التجربة الأمريكية في العراق رغم حداثتها من خلال المؤشرات التالية : --
* تسعى الإدارة الأمريكية إلى إعادة بناء الدولة العراقية على أساس ازدواجية الهيمنة المستندة إلى خلق قوى طبقية تشكل قاعدة اجتماعية ساندة لليبرالية الأمريكية .
** تقوية المؤسسات الطائفية /القومية التي تتحول في مجرى الصراع الاجتماعي إلى بنى طبقية مهيمنة داخل مؤسساتها الطائفية/ العرقية .
*** تفضي التطورات المفترضة إلى تحالفات سياسية بين القوى الطبقية الجديدة و الشركات الأمريكية .
**** تؤدي التحالفات الطبقية/السياسية الجديدة إلى إضعاف تأثيرات القوى الوطنية / الديمقراطية على سير تطور التناقضات الوطنية.
في هذا السياق تواجهنا الأسئلة التالية : لماذا لم يتحول التيار الليبرالي إلى قوى سياسية عازمة على بناء مستقبل العراق على قاعدة التطور الوطني المستقل ؟ . ولماذا تحاول بعض فصائله العلمانية الانضواء تحت مظلة طائفية؟ .
ان الإجابة على التساؤلات المذكورة تنبع بالدرجة الأولى من غياب القوى التاريخية المؤهلة لقيادة التشكيلة العراقية نحو الديمقراطية والتنمية الوطنية , بكلام آخر غياب القوى الليبرالية الوطنية القادرة على السيطرة الطبقية.
إن غياب القاعدة الاجتماعية للتيار الليبرالي وضياع مستلزمات هيمنته الطبقية يكمن بعوامل عدة :--
أ: -- هيمنة السلطة الديكتاتورية على القطاعات الاقتصادية / الخدمية للدولة العراقية الأمر الذي أعاق بناء قوى طبقية ذات نزعات وطنية تعمل على إشاعة الليبرالية السياسية بهدف ضمان حرية فعاليتها الاقتصادية .
ب : رغم اتساع شبكة الطواقم البيروقراطية للدولة الديكتاتورية إلا أنها - الطواقم - لم تستطع تحويل حيازتها من الثروات المالية / العقارية إلى مؤسسات إنتاجية / خدمية بسبب الخشية من مصادرة تلك المؤسسات من قبل الدولة البوليسية.
ج : -- لم تستطع الفئات الاجتماعية الساندة للنظام التحول إلى قوى طبقية بل استمرت تلك الفئات التشبث في مراكز السيطرة السياسية التي سلبتها القدرة على بناء آليات تحولها إلى طبقة اقتصادية مهيمنة .
د : -- حاول التشكيل ( الطبقي) الذي أفرزه الحصار الإقتصادي التحرك نحو تطوير بنيته الطبقية لكنه لم يستكمل مستلزمات بناءه الاجتماعي وذلك لسببن أحدهما : تحلل الشبكة البيروقراطية لسلطة الدولة وانهيار هيمنتها القيادية . وثانيهما : ضياع الأرصدة المالية / والممتلكات العقارية للقوى الاجتماعية المستفيدة من مواقعها السياسية.
ان الوقائع المشار إليها مهدت الأرضية السياسية /الاقتصادية لظهور نواتات طبقية جديدة بمساعدة الوافد الأمريكي الجديد .
انطلاقا" من المقاربة الفكرية ونتائجها الاجتماعية / السياسية تعترضنا الأسئلة التالية : هل لازالت السلطة السياسية تشكل رافعة اقتصادية تساهم في صياغة البنى الطبقية الناهضة في بلادنا ؟ ام أن التوجهات الجديدة للرأسمال الأمريكي والدولي هي التي تشكل ملامح بناء القوى الطبقية الناشطة اقتصاديا" في التشكيلة العراقية ؟
الاحاطة بتلك الأسئلة باعتبارها أسئلة إشكالية تنطلق من تحديد كثرة من المواضيع الأساسية منها : --
ما هي طبيعة السلطة القادمة ؟ ما هي توجهاتها الاقتصادية / الاجتماعية ؟.ما هي طبيعة القوى الطبقية الفاعلة في التشكيلة العراقية ؟ . وهل هناك إمكانية لظهور طبقة اجتماعية عراقية قادرة على تبني مصالح العراق الوطنية ؟ وأخيرا" ما هي طبيعة وأفاق تطور آليات ازدواجية الهيمنة الأمريكية العراقية ؟ .

اليسار العربي والأصلاح الديمقراطي

أصبح الإصلاح الديمقراطي بآلياته المتعددة ضرورة وطنية/ قومية في المرحلة الحالية من تطور الدولة القطرية بسبب الركود السياسي لأنظمة الحكم وانهيار شرعيتها الوطنية . وفي هذا الإطار تتناغم دعوات الإصلاح الذي تسعى اليه القوى الخارجية والمطالبات الديمقراطية التي ترفعها قوى التغيير العربية ورغم ذلك فان التناغم المشار اليه يتضمن رفضا" شاملا" للإصلاح الخارجي على شاكلة النموذج العراقي.
ازاء هذه الملاحظات السريعة نحاول وضع المحددات التالية : ما هي مضامين الإصلاح من وجهة نظر القوى الديمقراطية اليسارية ؟ وما هي توجهاته السياسية ؟ وبأية آلية تخدم تلك الإصلاحات تطور الشعوب العربية ؟
عند تخوم هذه المحددات نحاول الإشارة وبشكل مكثف إلى طبيعة الإصلاحات الوطنية التي يمكن أن تشكل رافعة للتطور الديمقراطي اللاحق والتي أراها في : --
 يستند الإصلاح الديمقراطي الذي تطالب به القوى اليسارية /الديمقراطية الى الترابط الجدلي بين ضفتي الوطنية والديمقراطية. بكلام آخر ان الإصلاح يرتكز على:-
إلغاء احتكار السلطة سواء" كانت مبنية على شرعية تاريخية أو شرعية انقلابية.
أ?- بناء السلطة السياسية على أساس الديمقراطية الانتخابية المنبثقة من السلطة الدستورية .
ب?- تفكيك آليات القمع السلطوي والاحتكام إلى المؤسسات الدستورية والقوانين الضامنة لحرية المواطن وحقوقه الأساسية .
 اعتبار الدولة الضامن الأساسي لتوازن المصالح الاجتماعية/ القومية الأمر الذي يتطلب تطوير الوظائف الاقتصادية/ الخدمية للدولة القطرية.
 ضمان اقتسام الثروة الوطنية بين المكونات الطبقية للتشكيلة الوطنية بما يمنع إقصاء وتهميش العديد من القوى الاجتماعية الفاعلة اقتصاديا" بسبب سياسة الليبرالية الجديدة المعتمدة من قبل الاحتكارات الدولية.
 اعتماد سياسة توازن المصالح الوطنية/ الدولية والوقوف بوجه المحاولات الهادفة إلى تحويل الدولة إلى حارس وطني للاحتكارات الأجنبية.
 تجديد الثقافة الوطنية وإرساءها على قاعدة الحوار الوطني المرتكز على التسامح والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .
 نبذ الأفكار الشوفينية والتعصب الطائفي ولغة العنف بحجة الحفاظ على الهوية العربية/الإسلامية والدعوة إلى حوار الحضارات المرتكز إلى وحدة الحضارة الإنسانية وتنوعها.

بهذه العدة الفكرية / السياسية يستطيع اليسار الديمقراطي في البلدان العربية أن يستنهض الشرائح الاجتماعية والقوى السياسية للدفاع عن حرية شعوبها واستعادة سيادة دولها .



#لطفي_حاتم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار الديمقراطي ومهام المرحلة الانتقالية
- العولمة الرأسمالية وتدويل الوظيفة الأمنيه
- إنحسار الفكر الاشتراكي والمنظومة السياسية لليسار الديمقراطي
- النزعة الإرهابية وسماتها التاريخية
- الإرهاب وتغيرات السياسة الأمريكية
- انتقال السلطة وازدواجية الهيمنة في العراق
- أفكار حول انتقال السطة ومهام اليسار الديمقراطي
- الليبرالية وتجلياتها في لغة اليسار السياسية
- المرحلة الانتقالية وبناء شكل الدولة العراقية
- رؤية مكثفة لقضايا شائكة
- موضوعات عامه حول الاسلام السياسي في العراق
- مكافحة الارهاب واصلاح السلطة الفلسطينية
- الشرعية الدوليه واختلال مبدأ السيادة الوطنيه


المزيد.....




- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - لطفي حاتم - الاصلاحات العربية وحرب الافكار