زهدي الداوودي
الحوار المتمدن-العدد: 3139 - 2010 / 9 / 29 - 01:05
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
ليش فاليزا
من عامل في صناعة السفن إلى رئيس دولة:
ليش فاليزا البالغ من العمر ستة وستين عاما، يمكنه أن يلتفت باعتزاز إلى الوراء كي يشاهد مع غيره التحولات الكبيرة التي سجلها بجدارة على طريق تاريخ الحركة العمالية، ليس البولونية حسب، بل العالمية أيضا. إن العامل المغمور في صناعة البواخر والذي كان لا يحسب له أي حساب من قبل أصحابه عمال البواخر حتى بدء موجة الاحتجاجات في العام 1980 ، قد تحول إلى الشخصية الحاسمة لحركة الاضراب المعروفة في بولونيا.
إن المؤمن الكاثوليكي المتعصب وأب ثمانية أطفال القادم من قرية بوبوفو في شمال بولونيا والمختص في مهنة الكهرباء، اشتغل منذ 1967 في دانسك في مصنع لينين لبناء السفن. في العام 1976 قدم، كممثل لعمال المصنع، قائمة مطالب مع شكوى إلى إدارة مصنع السفن، فقد على أثر ذلك شغله. كما وتعرض مرارا وتكرارا إلى السجن والملاحقة والتحقيقات. إن الرجل الضئيل ذو الشوارب الكثة، تمكن بلغته المبسطة والمقنعة وجمله الواضحة أن يشد إليه جماهير العمال ويلهب حماسهم. وتمكن أن يقود الاضرابات على الطريق النظامي الهادئ، بعيدا هن المماحكات والاصطدامات الدموية.
1980 أضرب عمال السفن في غدانسك وتبع ذلك العديد من الاضرابات في جميع أنحاء البلاد وتكوين نقابة مستقلة برئاسة ليش فاليزا.
بعد إعلان حالة الطوارئ العسكرية في كانون الاول 1981 وتعيين الجنرال جاروزلسكي بمنصب الوزير الاول ووزير الدفاع، القي عليه القبض وأودع في السجن. بعد سنتين من هذا التاريخ نال فاليزا جائزة نوبل للسلام. وفي العام 1990 أصبح أول رئيس جمهورية، منتخب بطريقة ديمقراطية صحيحة في بولونيا. كان هذا المنصب فوق امكانية عامل كهرباء في مصنع بناء السفن. لم يتم انتخابه بعد خمس سنوات من ذلك التاريخ. وبدلا من المديح والاعتراف، كان على فالينزا في السنوات المنصرمة أن يتحمل العديد من صفعات النقد الجارح. حتى أخلص رفاقه ممن ناضلوا معه ومن ضمنهم الأخوان التوأمان ياروسلاف وليش كاتسينسكي، وقفوا بالضد منه واعتبروه مخبرا لمنظمة الامن الشيوعية السرية. إن معهد الذكرة القومية المدار من قبلهم، أصدر كتابا يزعم أن فاليزا كان يعمل في بداية السبعينات كموظف غير رسمي في المؤسسة المذكورة. وأنه حاول في وقت متأخر اتلاف الوثائق التي تؤكد ذلك.
" أنا لم أكن أبدا مخبرا "
يؤكد فاليزا. وفي وقت مبكر من ذلك أقر فاليزا بأنه عند توقيفه الأول في العام 1970 قد وقع تعهدا خطيا بالولاء، وذلك كي يتسنى له الخروج من السجن. بيد إنه لم يسمح لنفسه أبدا "بشرائه وإحنائه أو تخويفه". أكد ذلك في معرض التفاته إلى منجزات حياته.
ثمة عوامل ذاتية وموضوعية، داخلية وخارجية أدت إلى صعود حركة التضامن النقابية وقائدها ليش فاليزا، وإلا فبدون تلك العوامل لكان مصير الحركة الفشل والغرق في الدماء كما حصل بالنسبة إلى الانتفاضات العمالية والجماهيرية في خمسينات القرن المنصرم في كل من ألمانيا الديمقراطية وهنغاريا وتشكوسلوفاكيا. بالنسبة إلى العامل الداخلي، كان الاتحاد السوفييتي ودول الديمقراطيات الشعبية قد سبق لها أن دخلت مرحلة أزمتها الحادة التي سببها بالدرجة الاولى عاملان مهمان هما مشكلة الديمقراطية وضعف الانتاج. بالنسبة إلى النقطة الاولى، كانت معدومة ليس فقط في المجال الشعبي كالحياة الحزبية والبرلمانية فحسب، بل بالنسبة إلى حياة الدولة ومؤسساتها، إذ أن القرارات كانت تأتي جاهزة من موسكو دون أن تكون قابلة للنقاش ودون أخذ الظروف الموضوعية والذاتية لكل بلد بنظر الاعتبار. وكانت هذه القرارات تأخذ مصالح الاتحاد السوفيتي كمسألة مبدئية لا يمكن مناقشتها. كان الحكم يدار بشكل مركزي صارم لا يختلف عن أساليب اربعيات وخمسينات القرن الماضي.
أما بالنسبة إلى النقطة الثانية: ضعف الانتاج فكان يقف على طرفي نقيض من مقولة كارل ماركس، الذي يؤكد بأن قوة الانتاج هي التي تحسم مدى تطور المجتمع. كانت أدوات الانتاج قد أكل عليها الدهر وشرب، كانت ضعيفة الانتاجية وتستهلك الوقود بصورة غير عقلانية ولا تسد حاجات المواطن العادي. هذا من جهة ومن الجهة الاخرى كان يجري الاهتمام بانتاج السلاح المتطور، بحيث أصبح الانتاج يكتسب طابعا عسكريا (عسكرة الانتاج) الأمر الذي ورط المعسكر الاشتراكي بالدخول في سباق التسلح مع الولايات المتحدة الاميركية. إن هذا السباق قد أدى، من حيث شئنا أم أبينا، إلى حصول صراع تناحري بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، تم حله لصالح الرأسمالية العالمية التي تقف على رأسها الولايات المتحدة الاميركية. ومن ضمن العوامل الخارجية التي ساعدت نقابة التضامن في صعودها، حصول ليش فاليزا على جائزة نوبل للسلام الذي تحول إلى درع واقي ضد محاولات التدخل السوفييتية. وهنا لا يمكن نسيان دور البابا البولوني الراحل الذي كان يزور وطنه بولونيا باستمرار، بحيث أصبح سندا دينيا قويا لفاليزا ونقابته التضامن.
صعود وافول
إن تأسيس أول نقابة مستقلة في بولونيا الاشتراكية في صيف 1980 يعتبر أول حجر أساسي على طريق الحركة العمالية، ليس البولونية فحسب، بل الاشتراكية ككل آنذاك. وفيما يأتي نرى التحولات التي مرت بها هذه الحركة لحوالي أكثر من عقدين من الزمن:
اغسطس/ آب 1980
بعد أشهر من الاحتجاجات الشديدة المصحوبة بالاضرابات التي قامت بها الحركة العمالية البولونية، اتفقت الحكومة والجهات المعنية في دانسك مع القادة العمال على حل المشاكل المبحوثة. واعتبارا من الآن سمح للعمال بتأسيس نقاباتهم بأنفسهم وانتخاب الهيئات الادارية بطريقة ديمقراطية دون تدخل من أحد.
18 سبتمبر/ أيلول 1980
اجتمع ممثلون من 300 لجنة إضرابية محلية وأسسوا في دانسك الاتحاد العام لنقابة التضامن (باللغة البولونية: زوليدارنوش). تم انتخاب العامل المعروف ليش فاليزا رئيسا للاتحاد العام.
نوفمبر/ تشرين الاول 1980
تم الاعتراف الرسمي بشرعية النقابة من قبل الحكومة البولونية وتم قيدها في السجلات الرسمية. انتمى إلى النقابة عشرة ملايين عامل.
13 ديسمبر/ كانون الأول 1981
الحكومة تعلن الأحكام العرفية وحالة الطوارئ العسكرية وتلغي نقابة التضامن. اعتبارا من الآن تدخل النقابة في العمل السري. مئات المعارضين للنظام ومنتقديه يلقون في غياهب السجون. فاليزا يوضع تحت الاقامة الجبرية في منزله. بدءا من منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 1982 يطلق سراحه ويستعيد حريته.
يوليو/ تموز 1983
الحكومة تلغي الأحكام العرفية وحالة الطوارئ العسكرية. يتم الاعلان عن شروط استثنائية وتبقى نقابة التضامن ممنوعة.
ربيع 1989
تدعو الحكومة المعارضة ومن ضمنها قادة التضامن وليش فالينزا إلى التباحث حول المائدة المستديرة. هنا تدور أحاديث حاسمة من شأنها التباحث في أمر الانتقال من الشيوعية إلى الديمقراطية في بولونيا. الحكومة تعترف بالنقابة مرة أخرى.
يونيو/ حزيران 1989
الدور السياسي الحزبي للنقابة ياخذ الصدارة والضرورة. وتفوز في البرلمان الاكثرية المطلقة من أصوات نواب المعارضة. وبانتخاب تادويز مازوفيكي، يكون أول رئيس حكومة غير شيوعي يقود البلاد بعد الحرب العالمية الثانية.
1990 مع انتخاب فاليزا رئيسا للبلاد، بدأت العلاقات الرأسمالية والانتقال إلى اقتصاد السوق الحرة.
1991 انضمام بولونيا إلى المجلس الاوربي وابرام معاهدة شراكة مع الاتحاد الاقتصادي الاوروبي.
1993 مغادرة آخر القوات السوفييتية البلاد.
1999 التحاق بولونيا بالحلف الاطلسي.
النقابة تفقد سندها الشعبي بين الجماهير واشتراكها في الحكم اعتبارا من العام 1993. واعتبارا من هذا العام إلى العام 2001 تدخل في تحالفات انتخابية مختلفة.
إن أهمية الحركة العمالية في بولونيا قد ضعفت وآلت إلى الأفول.
واليوم لا تلعب نقابة التضامن أي دور حزبي سياسي، بيد أنها ما زالت تلعب دورها النقابي كقوة مستقلة وقوية.
#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟