|
الطائفية بين خطل الأسس الفكرية ومخاطر الممارسات السياسية
تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)
الحوار المتمدن-العدد: 3138 - 2010 / 9 / 28 - 15:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ومضة: أتمنى لقارئي العزيز بعد الانتهاء من قراءته وقبل أن أراجع نصي لاستكماله أن يفيدني بأن يخط كلمته التي، بالتأكيد، ستضيف وتضع النقاط على الحروف لأهمية أن يتسع جمهور الوطني ودفاعه عن الحقيقة وعن المواطن وحقوقه في انعتاقه الفكري السياسي من إسار الإرهاب الذي يتعرض له تحت راية دعية لا علاقة لها حقيقة بالدين.
تعالت في العقود الأخيرة أصوات لممارسات سياسية خطيرة لطالما تلثمت بأغطية استندت بجوهرها إلى الإيهام والتضليل. ولم يكن لهذه الأصوات من وجود لولا استغلال ثغرات نجمت عن تداعيات أزمات ضاغطة محليا ودوليا وعن أخطاء في أداء بعض المؤسسات العامة.. وفي حالتي الأزمة العالمية وأخطاء بداية مشوار العمل المؤسساتي يبقى الأساس في أي حلّ كامنا في التعاطي بموضوعية وبما يجنب بالقدر المتاح النتائج السلبية لتلك الأزمة، فيما ينبغي أن يجري الاستفادة من التجاريب الوطنية والإنسانية الدولية لمراكمة الخبرات وتعزيز الأنشطة الإصلاحية وإدامة عملية التطور السلمي العقلاني لبناء أسس التقدم وتجاوز السلبيات والنواقص وتلبية مطالب أبناء الوطن وتبني حقوقهم وحفظها... إنّ البحث عن وسائل تلبية حريات المواطنين وحقوقهم تضع الحركة السياسية بين مسارين رئيسين الأول يمضي في طريق العمل المؤسساتي ويراكم إيجابيا عمليات البناء وإشادة صروح التقدم ممثلا بالوطني المدني والآخر يدفع الجميع باتجاه معاكس حيث الهدم أداته الأولى في ما يدعي تمثيله من دفاع مزعوم عما بات يؤسس له من مصطلحات تضليلية تستغل الأجواء العامة سواء من جهة حالات القصور والثغرات أم من جهة مستوى الوعي وطبيعة الآليات النفسية والاجتماعية التي توظفها بخبث في غسيل الأدمغة وحشوها بما تمليه من مخدرات تعطيل العقل ومنطقه.. إن مشكلات عميقة باتت تتنامى مع حالات الفقر والأزمات الاقتصادية والتنموية ومع اتساع الهوة وتراجع مستويات التعليم والثقافة العامة و سيادة الجهل والأمية. فهذه الأوضاع المأساوية هي الأرضية التي أفرزت حالا رجوعيا بالمسار التاريخي لبعض الشعوب والدول وصرنا نشاهد عودة مرضية لمنطق دويلات الطوائف، الممقوتة تاريخيا لما سببته من كوارث وهزائم ونكبات؛ وطبعا رافق هذا ولادة تشكيلات (تنظيمية) حزبية ومؤسساتية تحديدا ولادة أحزاب الطائفية السياسية وجمعيات ومؤسسات بمختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من تلك التي تتلفح بالطائفية السياسية وتغذي وجودها وتحميها بميليشيات ومافيات أو عصابات منظمة تديرها دول معروفة اليوم في دعمها المباشر وغير المباشر لهذه (الأدوات) في مسيرة الطائفية السياسية.. إذن، تأتي الطائفية السياسية في ضوء استغلال بشع لأرضية الأوضاع العامة من جهة ولما تمارسه على المواطنين العاديين من ضغوط نفسية وتهديدات عبر إرهابهم فكريا سياسيا ونفسيا اجتماعيا بخطاب التكفير وحرمانهم من الجنة الإلهية في الآخرة إذا ما عصوا أوامر ونواهي مرجعياتهم. جرى هذا على سبيل المثال في الانتخابات العراقية بقوة عندما تمّ تمرير فكرة وقوف المرجعيات الدينية الممثلة لله على الأرض! مع أحزاب الطائفية السياسية!!! ولكن ما الأسس الفكرية للطائفية السياسية؟ وما آلياتها في العمل؟ ومن يقف وراءها ويدعم أنشطتها؟ وما الأهداف الحقيقية؟ إنَّ أول الأسس الفكرية للطائفية السياسية هي ما تسميه الـ(مظلومية التاريخية)؛ وهي بهذا لا تتحدث عن الحريات والحقوق الإنسانية كما يجري تصويره زعما وتضليلا ولكنها تضع مادتها (محتوى المظلومية التاريخية) معادلا بديلا لتلك الحقوق والحريات وتُسقِط عليها القدسية كيما لا ستمح بأية مناقشة أو مراجعة في ذهن أيّ كان.. وبدلا من البحث في حقوق المواطن الثابتة بدءا من حقه في الحياة الحرة الكريمة الآمنة وليس انتهاء بحقوقه في الصحة والتعليم والخدمات الإنسانية المثبتة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعروفة عبر تفاصيل اليوم العادي لهذا المواطن؛ بدلا من هذا يجري اختزال الأمور بمصطلح المظلومية إياه!؟ وهكذا فإنّ الانتصار يجري بادعاء استعادة السلطة من غاصبها منذ 14 قرنا فلا يحظى المواطن بعد ذلك من هذا الانتصار سوى على تصفيقه للحاكم (المستغل) الجديد وبالتأكيد على (حقه) في جلد جسده عقابا على جرم لم يرتكبه في الواقعة التي جرت قبل 14 قرنا وطبعا مشاغلته بطقوس (دينية) ما أنزل الله بها من سلطان بغاية تمرير حقيقة من يتاجر بمصطلح المظلومية متجنبا أي حوار جدي مسؤول بشأن مظالم الناس ورفعها عنهم ومطالبهم وتلبيتها لهم وحقوقهم وحرياتهم وتوفيرها حيث تغيب! إن مجموع الحركات التي باتت تمارس أنشطتها بقوة بفضل أشكال الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي من جهات دولية غير خافية على أحد، هي حركات سياسية لا تنتمي إلى دين أو مذهب ولا تمثله في أدائها كما تزعم وتتخفى بتظاهرها بالدفاع عن طائفة أو أخرى فيما تسميه (المظلومية).. فمن جهة الإيمان لا يمكن أن يمنح قادة الطائفية السياسية صلاحية إيمان المواطن بدينه ومصداقية انتمائه لمذهبه إلا كشهادات مزورة لم يأمر بها الله ونصوصه الدينية الحقيقية غير المشوهة ولا المأولة لخدمة مآرب تلك الزعامات وحاشيتها ومن يقف وراءها. كما أن الدفاع عن الأئمة يأتي من الصلات الطاهرة النزيهة غير المزيفة بين المؤمن بالدين المنتسب لمذهب من جهة وبين من نهض من الأئمة بالاجتهاد في قراءة النص الديني وتقريبه له ونهض بتوضيح صحيح الأفعال والسلوكيات الحياتية في ضوء الاعتقاد السليم من جهة أخرى. أما وساطات زعماء الطائفية السياسية الجدد بين هذا المواطن وأئمته وبين هذا المؤمن وربه الذي يؤمن به فهي وساطة مزيفة لم يأمر بها الله في أي من النصوص الدينية المقدسة. إن قضية الدفاع عن دين ومذهب وعن أئمة هذا الدين وقبله عن الرسل والأنبياء تكمن في المحافظة على منطق النصوص الدينية التي تحتفظ للمؤمن بحرياته في الخيار فحياته ليست جبرية كما يرد في النص المقدس كما تحتفظ له بحقوقه حتى أن لبدنه عليه حقا ولنفسه ولقلبه ولوجوده الإنساني وأحاسيسه حقوقا فيما الطائفية السياسية لا تتحدث عن هذه الحقوق بقدر ما تتحدث عن التكليفات (الطقسية) من غير أصول الدين حتى بات المواطن المغلوب على أمره تحت رحمة الخروج من أداء طقس والدخول في واجب أداء آخر ولم يعد من أيام السنة ما يخص هذا المواطن من حقه وحق أبنائه وبناته وحتفاصيل حيواتهم المستلبة والمنتهكة.. إن الأس الرئيس القائم على إسقاط القدسية على الزعامة والمرجعية وعلى تغليب التكليفات الطقسية الدينية على حقوق الإنسان هو جوهر أدوات القمع والترهيب النفسي الفكري لهذا المواطن ووضعه في زريبة أو حضيرة هذا الزعيم (المرجع) السياسي أو ذاك ممن يرتدون طاقيات التخفي الديني أو إسقاطات القدسية لتمثيلهم الله وأوامره على الأرض (ولسان حال المؤمن الحقيقي يقول هنا تقدس الله عن أباطيلهم تلك). إذن من يمكن أن يكون قد وقف ويقف وراء ظاهرة الطائفية السياسية غير استغلال الأرضية التي أتاحت الاختراق التراجيدي لهذا الوباء؟ والإجابة لا تحتاج إلى كثير جهد لأن أطراف الطائفية السياسية لا تخفي علاقاتها أو لم تعد قادرة على إخفاء تلك التبعية ولا نقول العلاقة.. فهي تتحدث عن مرجعية وتغلفها بالدين والمذهب وهي تبرر في الأداء السياسي الاقتصادي إلى الحد المفضوح ولنأخذ على سبيل المثال الموقف من الإخلال بالتوازن الاستراتيجي بين إيران (المرجع الأكبر والرئيس للطائفية السياسية) ودول الجوار والتبرير لامتلاك السلاح النووي وغيره من التصعيد في التسلح بمختلف مستوياته.. كما نأخذ جريمة قطع وتحويل مسارات عشرات الأنهر كي لا تصل الفلاح والمواطن العراقي وكيف يجري التبرير الواهي المتهاوي لها ولنأخذ الموقف التبريري من قصف إيران لمدن وقصبات عراقية وقتل الأبرياء الآمنين وتشريدهم من بيوتهم وتهديمها وتخريب مزارعهم وأنشطتهم كافة.. والتبرير لاحتلال أراضي دول مجاورة ولتهديد إيران لدول أخرى.. الأبعد من ذلك في التبعية هو تنفيذ مخططات التخريب في داخل بلدان الجوار باستغلال سياسة التقسيم الطائفي وافتعال الحرب الطائفية وضرب الوحدة الوطنية وضرب المؤسسة الوطنية وتدمير وسائل البناء والتقدم. لنلاحظ مجريات الأوضاع في لبنان؟ اليمن؟ ومؤخرا في كل من الكويت والبحرين؟ وطبعا وبالتأكيد من سنوات بعيدة مثال العراق وما آل إليه في ظل حكم الطائفية السياسية وتحكمها بكل تفاصيل الحياة ومسار العملية السياسية الجارية؟! ماذا جرى ويجري من تخريب؟ لا مجال لكل وطني في العمل وفي الاتصال بجمهوره وفي تحريك برامجه في البناء والإصلاح.. ومازالت أحزاب الطائفية السياسية (سخت نظام الملالي في إيران) تضرب الوتر الذي يبحث عن اختلاق أحزاب طائفية مقابلة وعدو مفتعل لطرف كيما تشرعن وجودها بشكل أكثر طمأنينة.. وتضيف أقلام (عناصر وقوى) جديدة لتحامي عن شرعية وجودها بوجود الغريم الطائفي شرعا وقانونا! إن سياسة الطائفية السياسية تضرب الوطني لا برامج سياسية حسب بل وبنية تحتية بكل تفاصيل وجودها الاقتصادية الاجتماعية ومن ثم تسهل نجاح سياساتها في تبعية تلك البلدان لمآربها ولاستغلالها فيما تطمح إليه من أعمال ومقاصد ضد تطلعات شعوب المنطقة وضد السلم والأمن الدوليين.. إن من الخطورة للعراقي اليوم أن يستمر في عضوية حزب بات يعرف أنه حزب للطائفية السياسية، والأنكى التصويت له في مؤسسة أو جمعية أو اتحاد أو نقابة دع عنك مسألة التصويت على المستوى الوطني وما خلقه من أزمات السبع العجاف وهذي الشهر السبع من العيش بلا حكومة في بعض تخطيط من أجل غسيل الأموال وتبييضها وطمس معالم الجرائم التي تمت في السبع العجاف المنصرمة! ومن الخطورة للكويتي وللبحريني واللبناني واليماني أن يمضي بعد تجربة العراق وراء أدعياء شعارات الدفاع عن مصالحه وهم أول المتعاطين مع أعدائه التابعين لأولئك الأعداء ومخططاتهم التي أيحت أكثر من مفضوحة دع عنك ما يمارسونه من جرائم بحق الوطن والوطنيين من اغتيالات وتصفيات دموية بشعة ومن أعمال تخريب ونهب في المال العام ومن أعمال شرذمة الواقع وافتعال التشظي والاحتراب بين الأهل والأخوة! لابد من وقفة واعية مسؤولة من الجهات الوطنية كيما تضع في اولوياتها محاربة هذا الفساد الفكري السياسي لأنه السبب الأخطر في نخر جسم الوحدة الوطنية وفي تهديد استقرار بلدان المنطقة وجعلها ذليلة تابعة لمخططات البؤس والإفقار والتخلف.. وللموضوع واستكمال معالجته عودة. somerian-slates.com
#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)
Tayseer_A._Al_Alousi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في العام الدراسي الجديد: آلام متكررة على كواهل الطلبة وعوائل
...
-
جرائم بحق التنظيم النقابي تمثل علامة فاضحة على استعادة آليات
...
-
الاستثمارات العربية تدخل العراق من البوابة الكوردستانية
-
محاصرة الأجندة الوطنية بالأجندات الأجنبية اللاعبة بقوة في ال
...
-
الخطأ في العلاقات الإنسانية بين صواب المعالجة وبعض الأحكام ا
...
-
الخطاب التبريري ومسؤولية الكشف عن الحقائق
-
الانقلاب على الدستور تهديد للعملية السياسية
-
بعض ممرات العلاقات العربية العراقية فديرالية كوردستان ممرا إ
...
-
حقوق العراقيين كافة، حقوق العراقيين في منافي العذاب، حقوق ال
...
-
سهام الاتهامات الطائشة الموجهة إلى كوردستان! في ضوء تصريحات
...
-
تداعيات تأخير تشكيل الحكومة العراقية والمغامرة الخطرة؟
-
حقوق الأكاديمي العراقي في المهجر؟ رسالة مفتوحة إلى من يعنيهم
...
-
زيارة رئيس الإقليم والتعبير الواقعي الصريح لعلاقات كوردستاني
...
-
آليات العمل الحزبي الحكومي والمعارض في الحياة البرلمانية
-
آليات العمل الحزبي في الحياة البرلمانية
-
دور المعارضة في ضبط تطبيق الدستور .. ما العمل في مطب أزمة تش
...
-
موقع ألكتروني توثيقي للمنجز الأدبي الفني العراقي
-
حملات تنتظر مساهمات كل صوت وطني إنساني نبيل
-
مجلة الصوت الآخر... ترنيمة كوردستانية ملأى بالجمال، غنية بال
...
-
لمن ستذهب أصوات الهولنديين من أصول أجنبية؟
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|