|
معوقات الاصلاح الزراعي في العراق 2
سلام ابراهيم عطوف كبة
الحوار المتمدن-العدد: 3137 - 2010 / 9 / 27 - 12:48
المحور:
الادارة و الاقتصاد
30 ايلول 1958 يوم او عيد الفلاح العراقي،ويؤشر الى تاريخ صدور قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 كأول ضربة جذرية تتلقاها العلاقات الانتاجية المتخلفة شبه الاقطاعية في بلادنا!والبدء بتوزيع الأراضي على فقراء وصغار الفلاحين،بعد ان تسلمت السلطة قوى وقفت من حيث المبدأ ضد الاقطاعيين وهيمنة المشايخ على الفلاحين!وكانت حكومات العهد الملكي منذ تأسيس الدولة الحديثة قد سنت تشريعات متلاحقة بهدف تعزيز مركز الاقطاع والشيوخ والاغوات ومنحتهم الملكية القانونية على اراضي العشائر،وجعلت البرلمان ندوة لممثليهم،ومن هذه القوانين:نظام دعاوي العشائر سنة 1916،قانون تسوية الاراضي رقم 50 لسنة 1932،قانون حقوق وواجبات الزراع رقم 38 لسنة 1933،وفي اجواء خانقة سادتها القيم العشائرية البالية. ورغم تقلص نفوذ الاقطاع وكبار ملاكي الأراضي الزراعية وشيوخ العشائر في الفترة الاولى من حكم البعث الثاني،وتشريع قانوني الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970 ورقم 90 لسنة 1975 الخاص بتنظيم الملكية الزراعية في كردستان،وتنامي الموارد المالية للدولة!الا ان غياب الحراك السياسي الديمقراطي بسبب السياسة الصبيانية اليسارية الثوروية للبورجوازية الصغيرة والانصياع للموروثات القبلية مع الفورة النفطية اسس لارتداد قبلي عشائري طائفي في قاع المجتمع العراقي الامر الذي اعلن عن نفسه مع النهوض الشمولي المقترن بالاستبداد والعنف والتطرف،وافتعال الحروب مع ايران والكويت. بعد 9/4/2003 سعى الامريكان لاقامة توازناتهم للقوى السياسية الداخلية في سبيل احكام السيطرة على العراق وتمرير مشاريعهم وخططهم وقد ادخلوا المؤسسة العشائرية في اللعبة،وهم بذلك طبقوا ما آمن الانكليز به قبل قرن"من يسيطر على شيوخ العشائر يسيطر عليها وليحكم العراق بسهولة"،لكنهم ايضا كالانكليز تركوا الفلاحين العراقيين في ظروف معاشية قاسية،ضحية البنية الاجتمااقتصادية الهجينية،في اقتصاد وحيد الجانب اساسه الاعتماد على النفط !وهذه البنية خليط من العلاقات شبه الاقطاعية المغلفة برداء عشائري مع تحفيز لبعض عناصر التطور الرأسمالي في حدود ضيقة دون تقديم البدائل الرأسمالية المتقدمة!ويجري ضمن الازمة البنيوية الراهنة تكريس العلاقات الاقطاعية وشبه الاقطاعية والرأسمالية الطفيلية والكومبرادورية في خليط هجيني متعايش لأنماط انتاجية مختلفة متصارعة بالسر والعلن في سبيل الهيمنة والتحكم بالفوائض الاقتصادية والاستحواذ على الريع النفطي!وتعيد الدولة العراقية اليوم نسخة العهد الملكي الرجعي في احياء الاستغلال الاقطاعي بدعمها الملاكين الجدد وشروع التجار باستثمار الرساميل الفائضة في الزراعة والبدء بشراء الاقطاعيات الكبيرة!وتتعزز السيطرة على الفلاحين طبقيا بفعل ازدراء واحتقار الفلاحين غير العشائريين ومحاولة عزلهم،خدمة الاقطاعيين وزعماء العشائر الجليلة للامريكان والسلطات الطائفية وتحولهم من زعماء وآباء يأخذون الضرائب الى جباة ضرائب للدولة،تحول زعماء العشائر الى ملاك اراضي واغتصاب الأراضي العشائرية المشاعية،الفساد المالي والتخريب الاداري والفبركة الاعلامية ونشـر الدروشة الدينية والصراع الطائفي والتسبب لاحقا في تعطيل اداء الحكومة والاضرار بقدرات القوات المسلحة،بيع الاراضي الزراعية وتأجيرها او تقديمها مددا طويلة الى تجار من دول اخرى بحجة الاستثمار! جرت محاولات نفث الروح في منظومة العشيرة العراقية باتجاهين:ديني طائفي مذهبي ومحاولة التركيز على تفعيل التقاليد والمشاعر الدينية والطائفية،واداري تنظيمي سلطوي عن طريق تشكيل جديد غير مبني على اساس المصالح الاقتصادية المشتركة لابناء العشيرة او تنظيم هلامي مبني على بقايا العلاقات البطرياركية التي تحكمها العادات والتقاليد من مخلفات النظام الاقطاعي الابوي ويقتصر على رؤساء القبائل والعشائر بالذات!وهو تنظيم لا يمت بصلة لأبناء العشائر انفسهم من الفلاحين الذين يمتهنون الزراعة فعليا!وتفتقر الصحوات ومجالس الاسناد ومؤتمرات مجالس رؤوساء العشائر ومنظمات الوسط الى السند والغطاء القانوني،حيث ليس هناك من نص دستوري خاص او قانون محدد يمكن الركون اليه عند تأسيس مثل هذه المجالس او يحكم نشاطها في الوقت الراهن.لكن المجالس العشائرية الجديدة تحولت بالضرورة الى مراكز لاستقطاب الالوف من الفلاحين العاطلين عن العمل والتي تغص بهم المدن العراقية كمرجعية جديدة وتحت تأثير الرابطة القبلية والطائفية المذهبية الدينية وهيمنة رؤوساء العشائر،وبذلك يجري ضمان موقف هذا الاحتياطي البشري الساند في اللعبة السياسية الراهنة. تسهم المؤسسة العشائرية بفعالية في نمو قطاع واسع من أنشطة اقتصاد الظل غير المحكوم بضوابط وتشريعات واستيعاب قسماً من العاطلين عن العمل والمهمشين اقتصادياً وبالاخص الفلاحين الفقراء والكسبة.وتتسم هذه النشاطات التي يغلب عليها الطابع الخدمي البدائي،بضعف الانتاجية وقلة القيم التي تخلقها وتردي ظروف العمل وكثافة استغلال العاملين.كل ذلك اسهم في تنامي دور الفئات المرتبطة بالتهريب وبالرأسمال التجاري والمضارب ذي الطابع الطفيلي المرتبط بوشائج مختلفة بالرأسمال الاجنبي.وتمارس الرأسمالية التجارية الطفيلية الكومبرادورية وبيروقراطية الدولة التجارة غير المشروعة وتهريب المحروقات واعمال المضاربة واقتصاد الصفقات والعمولات وغيرها! بالقيم العشائرية باتت العشائر الحاضن الرئيسي لاقتصاد الظل والسوق السوداء والفساد،ومظاهر الميل نحو عدم الالتزام بالقانون والدستور،وهيمنة الروح الفردية ونموها وتحولها الى استبداد فردي،والعقل الكابح المفرمل للثقافة العقلانية والولاء للوطن!أي الهويات تحت الوطنية والعصبيات- الولاءات المسبقة في التشرذم والتزمت والانتهازية والفساد،والاهمال الجدي غير المسؤول لارادة ومطالب ومشاعر عامة الشعب،الاسراف والمبالغة في تشجيع الغيبيات والاعياد الدينية واللطم والنحيب والزحف.وهذه العشائرية هي نقيض العقلية المؤسساتية العصرية العقلانية الطابع التي تحكم العقل في التفكير والسلوك وتنبذ الفردية في اتخاذ القرارات ورسم السياسات وتقوم على صرحها العلمانية،اي التفكير الاجتماعي القائم على فصل الدين عن الدولة،والحماية الحقة لحرية الدين والعقيدة والفكر والابداع،وبالتالي المجتمع المدني. ادى التخطيط المرتبك والتشريعات الزراعية المرتجلة وسياسات الخصخصة،ومحاولات احياء المؤسسة العشائرية بطرفيها:الاجتماعية التقليدية وعشائرية الدولة،وفرض السياسات الشمولية عبر الحزب الشمولي الواحد او التحالف الطائفي الشمولي،وفساد وبرقرطة الأجهزة الحكومية ودورها في التلاعب والغش وضعف المراقبة والأشراف،والحروب الكارثية التي افتعلها صدام حسين وتجفيف الاهوار والعقوبات الاقتصادية الدولية،وفشل حكومة نوري المالكي في تحمل مسؤولية بناء عراق ديمقراطي فيدرالي يضمن حقوق الانسان ويستخدام الوسائل الديمقراطية والانسانية بالتعامل مع الفلاحين والمزارعين،والنفوذ والتدخل الاقليمي في مناطق جنوب العراق والفرات الاوسط ،والضغط التركي والايراني والسوري بالتقليص الكبير اللامعقول في نصيب بلادنا من مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما،والاحتلال الاميركي...ادى كل ذلك الى نشوء العلاقات الانتاجية الاستغلالية مجددا وعودة العلاقات شبه الاقطاعية من جديد وانتعاش مصالح كبار الملاكين وبورجوازية وكومبرادور الدولة وبالأخص الشرائح القرابية والطائفية والعشائرية ومصالح أغنياء الريف الجدد الامر الذي ادى بدوره الى خراب الريف وقواه المنتجة والانخفاض الحاد بالانتاج الزراعي والتردي المريع بالأمن الغذائي مع الاجهاض الملفت للانتباه للتعاون الزراعي في سياق سياسة تشجيع سيادة الأستثمارة الفلاحية الصغيرة اي الأستثمار الضعيف المشتت المتناثر وسط بحر المزاحمة الكبيرة. تصطف اليوم الرأسمالية العقارية والتجارية والبيروقراطية والطفيلية الكومبرادورية ومشايخ المدن الى جانب الاقطاع العشائري الديني في الريف في تحالف عريض يستهدف السير على طريق اقتصاد السوق المنفلت وازالة الضوابط وحجب الصلاحيات عن مؤسسات الدولة وتقليص نفوذ القطاع الحكومي والحد من تدخل الدولة واخراجها من الحقل الاقتصادي وفتح الاقتصاد العراقي من اوسع ابوابه للرساميل الاجنبية.ويجري الترويج لاقتصاد السوق باعتباره الدواء الوحيد لحل مشكلات الاقتصاد العراقي وتهيئة الاجواء للخصخصة الواسعة،واشاعة الانفتاح الاقتصادي بلا حدود ودون رادع!ومع اشتداد الازمة ينمو قطاع واسع من انشطة اقتصاد الظل غير المحكوم بضوابط وتشريعات محددة وتتسم نشاطاته بضعف الانتاجية وقلة القيم التي يخلقها وتردي ظروف العمل وكثافة استغلال العاملين. تواجه بلادنا حاليا الطموح الجامح لزحف الرأسمال الأجنبي في إطار العولمة الرأسمالية بهدف التحكم في المقدرات الاقتصادية للبلاد تحت أغطية مختلفة.ويبدو ان التناقض بين البنية الاجتماعية والاقتصادية المتخلفة من جانب والعلاقات السلعية الرأسمالية الجنينية المتنامية من جانب آخر هو الذي وسم ولا يزال تطور الشعب العراقي بسمة الازدواجية في كافة نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسايكولوجية والاخلاقية.ان النضال في سبيل الانهاء الفعلي للاحتلال والتبعية وتحقيق الاستقلال الوطني الاقتصادي والسياسي والثقافي يمثل مهمة راهنة تستقطب أوسع الفئات الاجتماعية وفي المقدمة العمال والفلاحين والكادحين من شغيلة اليد والفكر. يحول فلاحونا ومزارعونا الديمقراطيون ذكرى 30 ايلول الى مناسبة لمزيد من العمل والعطاء ورفع وتيرة النضال من اجل قضايا الشعب العادلة!ولاعلاء دور الجمعيات التعاونية ومكانتها في هذا النضال وفي المجتمع وحياته،وتوسيع صلات الفلاحين مع جميع فئات الشعب وتبنيهم مطالبها المشروعة ودفاعهم عنها،ومشاركتهم الفاعلة في العملية السياسية،وتتويجها باقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد،كامل السيادة والاستقلال.يبقى الثلاثون من ايلول مضيئا في عقول ووجدان فلاحي بلادنا بقدر ما يكون مبعث فخر الشعب العراقي بقومياته وأقلياته وبجميع فئاته ومشاربه وطبقاته!
بغداد 27/9/2010
#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معوقات الاصلاح الزراعي في العراق
-
الثقافة العراقية لا زالت محاصرة!
-
الاندفاع الامريكي واستخدام الكيمتريل كسلاح للدمار الشامل
-
الملاحقة القانونية لمن يتجاوز على حقوق الانسان في بلادنا ويد
...
-
استعصاء ام عبث سياسي في العراق
-
الشبيبة الديمقراطية العراقية ومهرجان الشبيبة والطلبة العالمي
...
-
النقل والمرور في العراق..اختناق ام كارثة؟!*
-
بارادوكس معادلات القضاء العراقي الديمقراطي الجديد
-
من يتصدى لموضوعة اتساق نظام البطاقة التموينية؟
-
تركيا تستخدم الكيمياوي ضد الكرد
-
خرافة النموذج العراقي في الديمقراطية
-
حول تحريم العمل النقابي في وزارة الكهرباء-حسين الشهرستاني وا
...
-
ثورة تموز والاتفاقية الاقتصادية مع الاتحاد السوفييتي!
-
كردستان المنجزات والمخاطر
-
كهرباء الازمة والانتفاضة..والمفاهيم الخاطئة
-
سردشت عثمان وحيدر البصري ورصاص الغدر/ما العمل من اجل اعادة ا
...
-
حول خيار الكتلة التاريخية/الى الاستاذ فارس كمال نظمي
-
حول انتخابات نقابة المهندسين العراقية مرة اخرى!
-
الانتصار على الفاشية عام 1945 وثورة اكتوبر الاشتراكية وجهان
...
-
المجد للطبقة العاملة العراقية وسائر كادحي شعبنا
المزيد.....
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|