أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باهي صالح - صديق أدّى العمرة فعاد بدماغ مغسولة...؟!















المزيد.....

صديق أدّى العمرة فعاد بدماغ مغسولة...؟!


باهي صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3136 - 2010 / 9 / 26 - 22:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بحكم عملي في مؤسّسة حكوميّة و بحكم ما يتطلّبه هذا العمل من تنقّلات و زيارات ميدانية خارج حتى الولاية التي أقيم بها، و من خلال دورات تدريبية و تأهيلية دورية موازية على مستوى السّنة، فقد تمكنّت من بناء علاقات زمالة و صداقة بين عدد من الإخوان من هنا و هناك، و كنّا نستغلّ و نقضي لقاءاتنا و اجتماعاتنا التي كانت تمتدّ في بعض المناسبات إلى أيام أو حتّى بضعة شهور في التّواصل و كسر الملل و رتابة حياتنا اليومية، فنسهر إلى أوقات متأخّرة من الليل نصخب بالنّقاش و الجدال و نمضي أوقات ممتعة...

إلى غاية السّنة الماضية كانت قد سنحت لنا ثلاث فرص للّقاء و كنّا قد بقينا على نفس السّيرة باستثناء أنّ أحد الأصدقاء أطلعنا بابتهاج و حماسة بالغة على قصّة رحلته إلى البقاع المقدّسة معتمرا لمرتين متتاليتين،كان من السّهل منذ الوهلة الأولى أن نلاحظ ما طرأ على هيئته و تصرّفاته و على طريقة حديثه من تعديلات و تغيرات محتشمة لا زالت في طور التشكّل و التّبلور وكأنّه دخل مرحلة جديدة تختلف في الشكل و المضمون عمّا عرفه في سابق حياته استلزمت و استوجبت منه درجة محسوبة من الانضباط و الالتزام تستدعيها و تتطلّبها على ما يبدو بنود شهادة حصل عليها في الحرم المكّي تسمّى العمرة و تناسب مرتبة أو منصبا ناله بموجبها...!

طبيعة الأحاديث و المواضيع التي أصبح يخوض فيها و يتطرق إليها اصطبغت كلّها بالقرآن و الأحاديث النّبويّة، أمّا الصّلاة المفروضة فلم يعد يصلّيها إلا في المسجد القريب، ذهنه و تركيزه صادرهما مجهود ترقّب الأذان و الحرص على عدم تفويت فرصة سماعه و الانصياع لندائه، بين السّاعة و الأخرى كان ينظر إلى ساعته أو يسأل عن وقته أو موعده...لا شيء يعلو على صوت المنادي إذا نادى حيّ على الصّلاة حيّ على الفلاح، لا الدّرس و لا الجلسات و لا الصّداقة و لا أيّ شيء آخر...!

كلّما أذّن المؤذّن صاح فينا بلهجة الحضّ و الاستنكار: هيّا يا جماعة ألم تسمعوا الأذان...؟!

و يهبّ هبّا يتوضّأ لينطلق ملبّيا النّداء، و يضطرّبعض الأصدقاء لمرافقته إلى الجامع لأداء الصّلاة الجماعيّة إمّا مجاراة له أو حتّى من تأثير شخصيته و دعوته لهم...!
قلت له في أحدى المرّات أنّ الصّلاة الجماعيّة يمكن أن نؤدّيها مع بعضنا البعض داخل المراقد دون الحاجة إلى مسجد أو مكان خاصّ للصّلاة، فقصفني الأخ الحاجّ بالحديث الشّريف "لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد" رغم أنّه حديث ضعيف...!

و فيما كنّا جميعا نمزح و نضحك و نتناقش و نتبادل التّعليقات بعفوية و تلقائية، كان هو يسجن نفسه و يحيطها بسياج الجدّية و الوقار، و في كل موضع و حديث كان لا يتحدّث و لا يتدخّل دون أن يُسقط أو يُركّب حديثا نبويا أو آية من القرآن، و كان كذلك يفعل في كل استدلال و استشهاد و في كلّ جدل و محاججة، و لا يعدم أبدا دليلا و لا حجّة يستقيها أو يستنبطها أو يبتدعها من الكتاب و السّنة، و لا يطرح فكرته أو رأيه إلا على صيغة قال الله قال الرسول، مجهدا نفسه طول الوقت في الإبقاء على قناع الجدّية و الوقار و الترفّع عمّا يدخل حسب فهمه في قائمة اللّغو أو الخروج عن الدّين...!
ورغم أنّي دأبت منذ البداية على تجنّب مجادلته و الحرص على انتقاء مفرداتي و عباراتي إلاّ أنّ ذلك لم يمنعني من التّصادم معه أكثر من مرّة عندما يغضب أو يستثيره بعض ما أقوله أو أطلقه من تعليقات بريئة اقتضاها سياق الحديث أو النّقاش، فكان ردّ فعله و الحمد لله، إمّا أنّه كان ينسلّ من بيننا إلى غرفته دون أن ندري أو نشعر بتسلّله أو كان ينتفض ضدّي أو ضدّنا جميعا و يثور حانقا غاضبا مستنكرا عليّ أو علينا تمسخرنا أو سخريتنا أو خروجنا عن حدود الأدب و اللّياقة إزاء قضيّة دينيّة أو شيخ أو شخص متديّن أو مفهوم له صلة ما بالله أو الرّسول أو بمكان مقدّس...الخ

أما في الفصل فقد لاحظنا أنه بدأ يفقد اهتمامه بحصص التّدريب الّتي أرسلتنا المؤسّسة من أجلها و الّتي تنفق عليها الأموال الطّائلة بفرض تحسين أدائنا و رفع كفاءتنا مهنيّا و ثقافيّا...قلت لم يعد يوليها أدنى اهتمام و كان يقضي وقت الفصل متجاهلا الدّروس و متحدّيا في نفس الوقت المدرّس من خلال شغل نفسه بالكمبيوتر يستذكر أجواء العمرة و يعيد تدوير مشاهد الفيديو التي التقطها لنفسه أثناء زيارته للكعبة و الأمكنة المقدسة إلى الدّرجة الّتي يشوّش فيها على تركيز الجميع أثناء الحصص المبرمجة...كان يتعمّد رفع صوت الكمبيوتر و هو يستمع إلى ترتيل القرآن سابحا بعيدا عنّا و عن الفصل في بحار الانتشاء و الغبطة...!

إنّ حصص التّدريب بالنّسبة لصاحبنا أصبحت مضيعة للوقت و غدت ملهاة عن ذكر اللّه و عن العِلم الحقيقي النّافع المتمثّل في القرآن و نفحات الحجّ و العمرة، و لولا حاجته و اعتماده على الرّاتب التي تصرفه له المؤسّسة كلّ شهرلََتَركها و ترك درسها و تدريبها إلى ما هو خير و أبقى...!

في المرّة الثّانية بدأ ينطوي على نفسه وينأى بها عنّا، و بدأ يتجنّبنا و لا يجلس و لا يسهر معنا إلاّ قليلا وإن فعل أثقل أجواءنا بجدّيته المفرطة و بقناع التجهّم الّذي أصبح يلبسه و يلازمه على الدّوام، و من هوسه بالبقاع المقدّسة و نفحاتها الإيمانيّة الّتي يُنعم اللّه بها على بعض عباده كان لا يملّ و لا يتعب من تكرار تفاصيل رحلته إلى العمرة في المرة الأولى و الثّانية فيسرد علينا كل ما فعله و ما رآه و ما سمعه و ما أكله و ما شربه هناك في بيت الله و مقام الرّسول، يحكي لنا عن مشاعر الإيمان و الرّهبة الّتي استشعرها هناك، يحكي لنا عن تجواله و تنقّله و عمّا لاحظه و استغربه من عادات الجزائريين و المصريين و الإيرانيين و الباكستانيين و غيرهم من المسلمين و هم يؤدّون مناسك العمرة ، يحكي لنا عن صديقه السعوديّ الذي أعطاه رقم هاتفه النقّال، وعن فلان الّذي توفّاه الله إلى رحمته (يا لسعده و هناه...!) و هو يؤدّي مناسك العمرة، و عن مظاهر الرّحمة و الخير الوفيرالّتي شهدها في الطّرقات و الأمكنة كالأطعمة الّتي تأتي به التبرّعات و الصّدقات...كان في كلّ مرّة يطير بنا رغما عنّا إلى مكّة المكرمة و كلّ مرّة كان لا يدّخر جهدا في محاولة جعلنا نشاركه بهجته و حقيقة أحاسيسه و مشاعره الإيمانيّة السّامية و هو في رحاب البقاع المقدّسة...!

رأيته شيئا فشيئا يتحوّل إلى شخص غير الّذي كنت أعرف... فقد عرفته قبل العمرة سمحا بسيطا، كثير المزاح و الضّحك، عرفته قبل رحلة غسل الدّماغ مسترسلا في الكلام دون عُقد، عرفته تلقائيّا و صاحب أنس و لطف و حسّ فكاهة، أمّا في هذا اللّقاء فقد استحال عندي و عند بقيّة الزّملاء و الأصدقاء شخصا آخر، شخصا معقّدا متعصّبا ثقيلا منطويا عدوانيّا متجهّما كثير الابتذال في القول و العمل، اندهشت لأنّي رأيته ينسلخ من بساطته و بسطته و هو يجالسنا و يتحدّث معنا و يضيّع عفويته و يقتل حسّه الفكاهي إلى غير رجعة...!

في المرّة الثالثة من لقائنا جاءنا يلبس طاقية المسلم الملتزم و عمل أغلب الوقت الّذي قضيناه مع بعضنا البعض على هجرنا و هجر مجالسنا و كلّما اجتمعنا به راح يدعونا بعزم و إصرارإلى التّوبة و الالتزام و الابتعاد عن هدر أوقاتنا في الّلغو و الحديث الفارغ رغم أنّنا جميعا كنّا نصلّي و ذوو أخلاق و اتّزان دون أن يتوقّف عن تكرار تفاصيل عمرته الأولى و الثانية و محاولة جعلنا نتقمّص روحه و شخصه هناك لنستشعر مثله نفحات الإيمان و الرّهبة الإلهيّة ....!

وكنت أتساءل مندهشا بيني و بين نفسي عمّا فعلته العمرة في صديقنا و عمّا جرّته على مزاجه و أخلاقه و طباعه الّتي عهدناها منه قبلها...؟!

السّر في ذلك يعود إلى النّفحات الإيمانيّة الّتي بها من أرض الحرمين الشّريفين و إلى حالة الورع و التبتّل الّتي تلبّسته من جرّاء ما سمع و ما قرأ و ما وقر في ذهنه و عقله...و أنا أتساءل عن مآل حالته عندما نلاقيه مرّة أخرى بعد سنة أو أكثر...ما الّذي سيجرّه التديّن على شخصيته و تصرّفاته إن هو بقي سائرا في دربه...إن كنّا أصلا سنلتقيه مرّة أخرى...؟!
و أحمد اللّه أنّ غالبيّة زوّار الحرمين الشّريفين سواء أكانوا هدفهم الحجّ أو أداء العمرة يعودون إلى ديارهم على الحالة الّتي خرجوا منها...أي يعودون دون أن يكون قد حصل لهم غسل مشابه (كما حصل لصاحبنا) لأدمغتهم بفعل الآثار السّحريّة لمشاعر التّقوى و النّفحات الإيمانيّة التي تشعّها الأماكن المقدّسة على أرواحهم و أنفسهم أو يأتي بها إلتزامهم الظّرفي أو توبتهم الطّارئة علينا وعلى حياتهم...!



#باهي_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عرس على نهج النبيّ والصّحابة...؟!
- الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال ...
- الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال ...
- هل يمكن أن نرسم أكثر من خطّين مستقيمين بين نقطتين...؟!
- الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال ...
- الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال ...
- الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال ...
- الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال ...
- الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال ...
- بيت مسعود ( قصّة قصيرة)
- الإنسان و الأديان...!
- قيمة الانضباط في مجتمعاتنا...!
- الجزائريّون و المصريّون في مسرح الدّيكة...!
- وافق الحاكم المحكوم...!
- الخمار و اللّحية قضيّتا الجزائريين الأساسيّتين...!
- العصفور الحزين
- حكاية قبيلة بني لاهيه
- زنزانتي الخوف
- مدينتي العربيّة المسلمة....؟!
- كان لي رأي حين أبديته، ساقوا عليّ الملامة و قالوا أنت حمارُ. ...


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باهي صالح - صديق أدّى العمرة فعاد بدماغ مغسولة...؟!