محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 948 - 2004 / 9 / 6 - 07:42
المحور:
حقوق الانسان
طائر الشمال في يونيو 2002
الذين أجمعوا على اختيار الملك الراحل الحسن الثاني رئيسا للجنة القدس كانوا يضحكون ملء أفواههم فهم يعلمون جيدا أن تحرير القدس لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحدث وأمير المؤمنين منشغل تماما بقمع الشعب وقهر الرعية وتحويل مواطنيه إلى عبيد أذلاء ليس لهم خيار ثالث بين تقبيل أقدام أمير المؤمنين أو التوسل إلى ملك الموت أن يقبض أرواحهم في سجن تزمامارت!
قد يحصل بعض الأفراد على تعويضات من جراء ظلم لحق بهم أو حكم غير عادل دمر حياتهم، ولكن هل من الممكن أن يحصل شعب بكامله على تعويضات ولو كانت نفسية غير محسوسة، عن جحيم مستعر وعبودية مهينة طالت كل أفراد الشعب تقريبا؟
سنوات القمع السوداء في حياة الحسن الثاني شهادة حية تدين الضمير الصامت الذي لم يتحرك ولو على استحياء لوقف مأساة شعب استهدفته آلة التعذيب الجهنمية للملك الحسن الثاني في وقت تعمدت الأنظمة العربية والإسلامية والغربية أن تعيد تلميع صورته كلما حاولت أي منظمة لحقوق الإنسان أن تكشف عما يحدث في( مملكة الرعب) المغربية. قد تكون مليكة أوفقير في كتابها( السجينة) واحدة ممن كشفوا الستار عن الرعب الذي عاشه المغرب من خلال تجربتها المرة لعشرين عاما في سجون الملك بتهمة حمل اسم أوفقير. وربما أكملت والدتها فاطمة أوفقير كوميديا المأساة الجحيمية في كتابها( حدائق الملك) والتي تصف فيها عفن وقسوة وغلظة حكم الملك السابق الذي ألقى بها وأولادها في غياهب عزلة صحراوية قاتلة لمدة عقدين من الزمان، قام خلالها أمير المؤمنين-الذى كان يدعي التقوى والتقرب إلى الله في الدروس الحسنية- بجريمة القرن، حتى أنه كان يبتهج في قصره المعمور بالنساء والجواري والجنس والعبيد وأموال الشعب المنهوبة، بأنه أرسل إلى أكثر سجون الأرض رعبا بطفل لم يبلغ الثالثة من عمره وخرج منه وهو في الثالثة والعشرين، فهذا الكائن الحي الذي خرج من بطن أمه قبل سجنه بأقل من أربعين شهرا يحمل اسم أوفقير وتلك جريمة يستحق عليها غضب أمير المؤمنين!
وربما يكون الطاهر بن جلون قد حاول في كتابه( تلك العتمة الباهرة) تصوير ما لم يستطع دانتي أو أبو العلاء المعري تعريته في قاع الجحيم، لكن ما لم يتمكن أحد من تصويره بدقة هو مرجل الكراهية والحقد والاستعلاء التي كانت تعتمل في نفس وقلب وعقل الحسن الثاني طوال أربعة عقود نهب فيها دولة وأذل شعبها وطارد أنفاس الحرية في كل مكان، ثم جاء ليستريح من عناء قهر شعبه بين يدي علماء الأمة وهم يتوافدون على المغرب في شهر رمضان المعظم من كل عام ليلقوا بين يدي جلالته خطبا وحكايات وتفسيرات تقوم مقام التخدير الجمعي للشعب المسكين.
سجن (تزمامارت) المغربي الذي كان متعة الملك الحسن الثاني وهو يسمع من داخل قصره عما يحل برعاياه المغضوب عليهم، وقف لسنوات طويلة يتحدى الرعب في سجن( أبو غريب) العراقي أو ( الجفرة الأردني) أو ( كوبرا) السوداني أو أشد كهوف الجبل الأخضر الليبي هولا، والذي يعاقب فيه رسول الصحراء معمر القذافي منتقدي سياسته من الكلاب الضالة، وفقا لأدبيات ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة! ليس غريبا أن تحظر الحكومة المغربية على الشعب قراءة كتاب مليكة أوفقير أو كتاب والدتها فاطمة أوفقير، فالكتابان شهادة دامغة على جحيم مملكة الرعب المغربية التي أسسها الملك الراحل الحسن الثاني سليل الأشراف الذي يدعي أنه الشريف الخامس والثلاثين من سلالة بيت النبي، صلوات الله وسلامه عليه. إنها نفس عملية التخدير الدينية التي يقوم بها المستبدون والطغاة طوال تاريخ المسلمين، فيقطعون رقابا، ويفتحون السجون، ويسلطون زبانية التعذيب على رعاياهم، ثم يحيلون الأمر إلى الرغبة السماوية العليا.
حتى ديكتاتور السودان الأسبق جعفر النميري طبق شريعته الإسلامية على الفقراء والنساء وقطع أيدي بعض العجائز في الخرطوم وأم درمان، وأرسل إلى حبل المشنقة رجلا في الخامسة والسبعين من عمره وهو المفكر محمود طه، ثم أحال منتقديه إلى الرغبة السماوية العليا بتطبيق شرع الله على الأرض.
تمارس السلطات المغربية رقابة شديدة على دخول مواقع الانترنيت لجمعية العدل والإحسان، وهي الجمعية التي طالبت الملك الشاب محمد السادس بإعادة المليارات من أموال الشعب الفقير التي نهبها وسرقها والده أمير المؤمنين.
تقول السيدة فاطمة أوفقير التي قضت مع أبنائها عشرين عاما في سجون الحسن الثاني:"مع ارتقاء الحسن الثاني عرش البلاد تغيير كل شيء، فالملك الجديد في الثانية والثلاثين من العمر، يحتاج إلى تسليات ومصاحبة وشوهدت حوله أسراب من النساء الشابات، سئم منهن جميعا، واستبدلهن بأخريات في ميعة الصبا، وانفتح القصر، وهو حتى ذلك الحين شديد الانغلاق، ليستقل مجموعات من البشر لم تسبق مصادفتها في ذلك الوسط المخملي. حلاقات يافعات ناعمات الوجوه، باسمات الثغور، ومجهولات بقوام جذاب، بل توصلت بعض فتيات عرفن في الرباط بسوء السمعة إلى التوظف سكرتيرات لبعض الوزراء".
ثم تكمل أرملة الجنرال محمد أوفقير قائلة: " لقد قرب إليه بعض الأشخاص الفاسدين تماما الذين نهبوا البلاد بدون شفقة، ودون أن ينالهم العقاب. لكن أيكون الملك القدوة والمثال؟ لقد جمع ثروة طائلة. هذا ما يعرفه جميع الناس. لذلك لا يمكنه إلا أن يصمت ويتغاضى، فعند وفاة أحد أتباعه الذين كنزوا الذهب، يكتفي الملك بالاستيلاء سرا على المبالغ المختلسة، متخليا عن جزء يسير لعائلاتهم ليفرض عليها الصمت. لو لم ينهب هؤلاء السادة الخدّاعون المغرب لما وصلت البلاد إلى الحالة الصعبة التي تتردي فيها. نحن حتى الآن نجهل إلى أين تذهب أموال الفوسفات. ولا أحد يمكنه القول أين يختفي ناتج أول ثروات الأمة، كما أننا لا نعلم مصير الأوقاف وأموال الزكاة!".
ومن صلب و صميم معرفتها القريبة جدا والحميمة( قبل سنوات السجن) مع الحسن الثاني، تصف فاطمة أوفقير الملك الديكتاتور الراحل قائلة:" لكن السمة البارزة في طبعه، والأكثر ترويعا بصفة خاصة، هي عدم احترامه لأحد. وهو لا يتردد في تحقير المقربين والخدم، وإن رأى رأسا يتجاوز رؤوس الآخرين فيجب قطعه، يجب زواله، وإبعاده إلى الخلف ليدخل الصف، وإذا استمر متمتعا بالسعادة في الخارج فيجب تنغيص عيشه ليتعلم معنى الشقاء".كان الحسن الثاني عنجهيا ومتغطرسا وسيدا على الجميع، ويظن حقا أنه من سلالة الأشراف ومن دم أزرق لا يمت بأدنى صلة لجماهير شعبه الرعاع المتخلفين والمنحطين في الدرجات السفلى والذين لا يحق لهم إلا تقبيل قدمي أمير المؤمنين.
ولعلنا نتذكر أن الملك غضب غضبا شديدا( في الستينات) عندما لم يستجب عبد الحليم حافظ لتعليمات القصر الملكي بأن لا يقبل ويحتضن الملك المضيف في حفل توليه العرش،وقام العندليب الأسمر بتقبيل الملك ظنا منه أن علاقة المودة والمحبة تقربه إلى أمير المؤمنين، فقد كان الزعيم جمال عبد الناصر يحتضنه ويجلسه بجانبه ويستمع إليه وإلى مطالبه وشكواه. قامت الدنيا ولم تقعد، وغضب رئيس الديوان الملكي، وطلب من عبد الحليم حافظ أن لا يتحرك من الفندق قبل أن تأتيه تعليمات بالغناء أمام الملك، فقد تجاوز كل الأعراف وقام بتقبيل الملك وهو ليس رئيس دولة، وكان ينبغي أن يقبل يدي الملك أو قدميه!
رحم الله هواري بومدين الرئيس الجزائري الذي لم يستسغ يوما واحدا رؤية المغاربة وهم يتدافعون لتقبيل يدي الحسن الثاني.
عندما كان العقيد معمر القذافي شابا يافعا وصحراويا بريئا( قبل أن ينخرط في هوس الاستبداد والكتاب الأخضر وتصفية معارضيه وتحدى العالم كله وهو يرتعش خوفا وهلعا) خاطب الملك المغربي في مؤتمر قمة بكلمة( الأخ الحسن الثاني!)، واعتبرها الملك إهانة شديدة وطالب بعدم تكرارها فالعقيد الليبي ليس من الأشراف، والملك ليس أخا لأحد، لكنه سيد على الجميع.وبعد ذلك بعشرين عاما أصبح العقيد القذافي سيدا وقائدا ورسول الصحراء وروائيا وأمينا للقومية العربية ثم زعيما روحيا لأفريقيا السمراء!
كان الحسن الثاني يحتقر شعبه ورعاياه ويزدريهم ويظن أنهم من جنس أقل رقيا وتحضرا وإنسانية من جلالته، لهذا رفض رفضا قاطعا طوال فترة حكمه الإدلاء بأحاديث صحفية إلى أي إعلامي أو صحفي مغربي، فالملك لا يسأله أحد، ولا يوجه إليه صحفي من الرعاع استفهاما أو تساؤلا قد لا يروق لجلالته، لذا فقد وضع حدا صارما وحاسما بأن العبيد لا يسألون الأسياد.
لكن لا مانع من الحديث الصحفي مع محرر من لوموند أورئيس تحرير الفيجارو أو كبير محرري ليبراسيون أو لا تربين دي جينيف،فكل هؤلاء أوروبيون،
و جلالته كان مبهورا بالغرب، يحبه ويخاف منه، يرتوي من ثقافته لكنه يرتدي الملابس الوطنية المغربية ويمتطي صهوة جواده عندما يتفقد العبيد، أعني الشعب المغربي. يملأ قصوره بالجواري والفتيات الصغيرات، لكنه يظهر للغرب بوجه المسلم المستنير الذي يحترم المرأة ويقدرها.
عندما كانت مليكة أوفقير متبناة في القصر الملكي وهي ابنة الجنرال المقرب من الملك، غطت جسدها أمام الحسن الثاني وهي خارجة من حمام السباحة، وكانت صغيرة جدا وهو شعور طبيعي أنثوي أمام رجل وجدته فجأة في مواجهتها. لكن الملك استشاط غضبا واعتبر ما قامت به الصغيرة عملا آثما، فمجرد تغطيتها جسدها أمام الملك تعني عدم ثقة، فجلالته هو الذي يحدد للناس مشاعرهم وأحاسيسهم، وكل شيء حوله كان من ممتلكاته، الناس والفتيات والقصور وأموال الشهب والسلطة والرأي وخيرات الوطن. وفهمت الصغيرة آنئذ أن تغطية جسد أي فتاة عارية يمر الملك أمامها يعتبر إهانة لا يقبلها جلالته!
تقول فاطمة أوفقير في كتابها( حدائق الملك) عن الرجل الذي قتل زوجها في حضور الحسن الثاني:" كان الجنرال عبد الحفيظ العلوي مدير المراسم ووزير القصر الملكي خلال أكثر من ثلاثين عاما، وقام طوال تلك المدة بالسرقة والنهب والكذب. كل ملك، كل رئيس دولة يحتاج إلى روح شريرة قادرة على أن تمثل وجدانه السيئ، وبإمكانها أن تنوب عنه في القيام بالأعمال المنحطة دون أن يحتاج لطلب ذلك. رجل مأجور ماهر يسبق فكر معلمه، سجون الصحراء كلها تعود إليه".
الملك لا يرحم. والحسن الثاني كان يخبئ في صدره كما هائلا من الحقد والكراهية. في سجن تزمامارت مات تقريبا نصف النزلاء من التعذيب والجوع والعطش ورفض علاجهم والإمعان في إذلالهم ضربا وحرقا واعتداءا وتهشيما لعظامهم وحجب النور والضوء والهواء النقي عنهم، فهم المغضوب عليهم من الملك.
يقول بو غزة، الحارس القديم في سجن القنيطرة بعد مراقبة عائلة أوفقير لمدة عام وهي تتعذب وتتلوى وتصرخ: قضيت خمسا وثلاثين سنة في الجيش، لم أر أبدا أطفالا في السجن.
ونترك فاطمة أوفقير تقول في كتابها:"لم يعد لنا حق بشيء. عدا قليل من الطعام الفاسد. حرمنا من الكتب ومن الأدوية. وما علينا في حال المرض إلا أن نتدبر أمرنا. حتى مريم المصابة بالصرع حرمت من دوائها. طفلة أغلق فمها الداء، عاجزة عن أي أذى. هي لا تعلم سبب وجودها في السجن. أصيبت بالبواسير، وعانت منها خلال خمس سنوات.تستيقظ مع الفجر، وتبكي دما ملء علبة من البلاستيك يخرجها حراسنا دون أن تستثير شفقتهم. رجوتهم أن يشتروا لها مرهما، إنما دون جدوى. رأيت مليكة تذبل تدريجيا وتتشوه متورمة ويتساقط شعرها.أخذ أولادي ينهارون صحيا واحدا بعد الآخر. سكينة تصاب بحمى مستمرة دون انقطاع لمدة عشرين يوما. وتعرض رءوف لخراج في البطن. لم أستطع الحصول على قرص أسبرين لم تقتصر محنتي على معاناة الألم وقضاء أجمل سنوات عمري بين أربعة جدران، منها رؤية أولادي يذبلون. أولاد لم يقترفوا جريمة سوى انتمائهم إلى عائلة أوفقير. أراد عبد اللطيف الصغير الذي دخل السجن وهو في الثالثة من عمره الانتحار وهو في العاشرة ليترك عالما لم يعرف فيه إلا التوافه. ابتلع ثمانية أقراص موجادون، وكاد يموت لولا أن اكتشفنا الأمر. بعد محاولة انتحار عبد اللطيف الفاشلة بات من الضروري معاقبتنا على كل تلك الضجة التي أحدثناها طلبا للمساعدة، فتم فصلنا ليلا ونهارا. وبنيت جدران في كل مكان لعزل الزنزانات بشكل أكثر إحكاما.بقيت مريم و مليكة وسكينة وماريا معا طالما حافظن على الهدوء، أما في حال تمردهن فيفصل بينهن.
بقيت أنا مع الصغير. أما الطفل رءوف فهو في زنزانة بمفرده. عندما يخرج أحد أولادي من زنزانته ويمر أمام بابي المقفل، أسكب الماء على بلاط الأرض وتحت الباب مما يشكل صفيحة براقة عاكسة تمكنني من رؤيته".
ثم تكمل فاطمة أوفقير الحديث عن جريمة القرن وتقول:" مضى علينا أربعة عشر عاما في السجن. أربعة عشر عاما ونحن نطرح على أنفسنا الأسئلة نفسها.
ماذا نفعل في هذا السجن؟ ما هي جريمتنا؟ لماذا ينسوننا؟ لماذا يعذبوننا؟ بعد عيد العرش الخامس والعشرين أمكننا أن نجتمع خلال النهار في الفناء الصغير
لمدة ساعتين. لم نتواجه منذ ثماني سنوات. لم أر طوال تلك السنوات بناتي مع أنهم كن في الزنزانة المجاورة. والآن لم أعرفهن، تركتهن فتيات، وهاهن أمامي نساء بعادات سجناء الأشغال الشاقة الذين ألفوا البقاء منعزلين، يرتدون الأسمال البالية، ويتهالكون على حصائر القش العتيقة، وأعينهم زائغة".
أما قصة هروب الأولاد فهي معجزة الإرادة التي يختزنها الإنسان. ولو لم يتصل الأولاد بعد هروبهم بالصحافة الفرنسية وإذاعة فرانس أنتير لما أمكن لهذه العائلة أن ترى النور مرة أخرى.ربما كانوا قد أصبحوا عظاما تأكلها كلاب الصحراء كمئات غيرهم من سجناء الضمير والرأي ،وقد كان الملك الحسن الثاني يبتهج بنشوة غريبة عندما يعلم بوفاة أحد المعتقلين بعد سنوات من العذاب المقيم.
وتنهي فاطمة أوفقير كتابها الصرخة قائلة:" إنني أقيم الآن في باريس، المدينة الرائعة الموافقة لي تماما. أتمتع فيها بما لم أعرفه من قبل: الحرية. لا أفعل شيئا. ألازم منزلي على الدوام لكنني أعلم أن بإمكاني الخروج للتنزه في الشارع عند الساعة الثانية صباحا إن رغبت. إنه شعور عذب. لكنني سأعود إلى المغرب يوما ما. من الصعب أن يتخلى الإنسان عن جذوره نهائيا.
أما أولادي فيحاولون، كل على طريقته، نسيان أربع وعشرين سنة من حياتهم تبددت، وضاعت، بل تبخرت. تسع عشرة سنة من السجن وخمس سنوات
من الإقامة الجبرية. أودعت مليكة السجن وهي في التاسعة عشرة، وخرجت منه وهي في الثامنة والثلاثين. سجنت مريم وهي في السابعة عشرة وخرجت من السجن وهي في السادسة والثلاثين. خرج رءوف من السجن وهو في الثالثة والثلاثين وكان قد دخله في الرابعة عشرة من عمره. دخلت ماريا السجن وهي في العاشرة وخرجت منه في التاسعة والعشرين، وهي تسكن باريس.
دخلت سكينة السجن وهي في التاسعة وخرجت منه في الثامنة والعشرين وهي تتابع دراسة الحقوق في باريس ومتمسكة بالعزوبية لشدة توقها إلى الحرية. دخل عبد اللطيف السجن وهو في الثالثة من العمر وخرج وهو في الثانية والعشرين، ثم أعقبتها خمس سنوات إقامة جبرية. إنه يخاف الناس ولا يثق بنفسه، ولا يؤمن بشيء. لم يعرف إلا السجن والانغلاق والجوع والتنكيد خلال طفولته وشبابه"
.هذه لمحات بسيطة من عالم مملكة الرعب التي عاشها المغاربة تحت أقدام أمير المؤمنين الحسن الثاني. ملك لا يرحم. رجل يكره العالم ونفسه وشعبه ويستخدم الدين لتخدير شعبه. يريد من الناس أن يعبدوه ويركعوا له ويقبلوا قدمه ويلعقوا حذاءه.
لم يكن عبد اللطيف الطفل الوحيد الذي لم يبلغ الثالثة من عمره أصغر ضحية للملك، فهناك مئات الأطفال الذين فقدوا آباءهم من جراء نزوة الاحتقار والكراهية والرغبة في التعذيب التي لازمت الحسن الثاني لأربعة عقود. محاكمة الملك الحسن الثاني ضرورة أخلاقية وإنسانية ينبغي أن يدعمها كل إنسان شريف. لقد دمر المغرب ونهب أمواله وسرق شعبه وعذب رعاياه واحتقر مواطنيه وتعاون مع إسرائيل وارتكب جرائم في حق البشرية، ولكن هل لهذه الأمة ذاكرة، أم أن الحقيقة الوحيدة هي( ذاكرة الملك)؟
طائر الشمال في 22 يوليو 2003
المقارنة بين صدام حسين المختفي ربما في مجاري بغداد وبين الحسن الثاني المقبور في جحيمه الأبدي ستكون بدون أدنى شك لصالح شيطان بغداد.
فطاغية العراق لا تتعدى جرائمه ابادة الالاف بالأسلحة الكيماوية وشن حرب على جارته بعد نجاج ثورتها الاسلامية ضد الشاه, وألقت الحرب في ثمان سنوات لباطن الأرض بمليون قتيل, ودمرت بلدين, ثم احتل جارته الصغيرة المسالمة, ودمر جنوده,وقتلوا واغتصبوا, وسرقوا, ونهبوا, وعذبوا أهل الديرة عذابا أليما, ثم اختطفوا ستمئة من أبناء الكويت لغياهب السجون والتعذيب ثم التصفية الجسدية.
وأحال حياة العراقيين إلى جهنم أرضية, وجعل من عشرات المعتقلات والسجون سكنا جحيميا لمئات الالاف من المعتقلين قبل أن يدفنهم في قبور جماعية لم يسمع عنها عمرو موسى وعصمت عبد المجيد وحمد بن جاسم بن جبر وعبد الباري عطوان وزعماء مجلس التعاون العربي. وكان صدام حسين يبيد معارضيه في أسيد كيماوي, ويقتل بدون رحمة, ويتلذذ كلما سمع أن آلافا من أبناء شعبه حلوا ضيوفا أبديين على معتقلاته المخيفة في طول العراق وعرضه.
ومع ذلك فالمقارنة العميقة والمتأملة والراصدة لتاريخ المجرمين الكبيرين, صدام حسين والملك الحسن الثاني تأتي لصالح شيطان بغداد بدون منازع, رحمة ورأفة وانسانية على الرغم من أنه لم يمر يوم في حكمه لم تتلوث يداه بدماء الأبرياء.
لم يخلق الله العلي القدير ابليسا في صورة انسانية منذ هبوط آدم وحواء, عليهما السلام, من الجنة إلا متلبسا الحسن الثاني , بل إننا نشك في أن الملك الراحل كان ينتمي لجنس البشر وطينته, أو أن الروح التي نفخها الله في عباده قد عرفت طريقها إليه.
قد تقول مليكة أوفقير بأنها وصفت الجحيم الأرضي في كتابها( السجينة) والتي قضت عشرين عاما في سجون الحسن الثاني ومعها أمها واخوتها ومنهم عبد اللطيف الصغير الذي دخل السجن في عامه الثالث وخرج منه بعد عقدين أبديين من الموت الحياتي في هذا الجحيم المستعر تحت نشوة ملكية تحيط بها جموع المثقفين والعلماء ورجال الدين والزعماء والسفراء في المغرب وهم يحضرون الدروس الحسنية ويستمعون إلى موعظة الأخلاق والمباديء والقيم والتسامح , ولا يعرفون أن الملك الجالس أمامهم لم تكن شفتاه تذكران الله لأنهما معجونتان من نار
الشيطان وعاره.
أما ( حدائق الملك ) لوالدتها فاطمة أوفقير فلم تستطع فيه أن تغور في عمق القسوة والايذاء والهوان والاذلال والاهانة والقهر والقمع والجوع والعطش والالام لتصف عشرين عاما في سجون الحسن الثاني.
ربما يكون الطاهر بن جلون في كتابه ( تلك العتمة الباهرة ) الأقدر على وصف حياة الموت تحت الرمال في سجن تزمامارت فيقول على لسان سجين" أريد أن أموت.لم يبطيء الموت في قدومه؟ من يؤخر مجيئه, ويمنع نزوله إلي, وانسلاله من تحت زنزانتي؟ إنه ذو الشاربين, الحارس الجلف, يقطع طريقه. كم هو صعب أن نموت حين نريد الموت! فالموت لا يبالي بي, ولكن دعوه يمر, أحسنوا وفادته! فهذه المرة سوف يأخذني أنا. سوف يحررني. انتبهوا جيدا, لا تعيقوا حركته. إني أراه, لقد استجاب لدعائي أخيرا".
لعل آخر يقول بأن كتاب أحمد المرزوقي ( الزنزانة رقم 10 ) يحتوي الوصف التفصيلي الدقيق الذي يخر أمامه دانتي أليجيري في ( الجحيم ) لأنه لو عاش في زمن غير زمن الحسن الثاني ولم يعرف تزمامارت وسادية أمير المؤمنين بقلبه المصنوع من رؤوس الشياطين وفضلاتها ونفايات الحمم البركانية التي لفظها باطن الأرض فاستقرت في قلب ومشاعر وأحاسيس الملك اللعين الحسن الثاني.
أما مصطفى العلوي في كتابه ( المهدي بن بركة ) فقد ترك القاريء وحيدا بين السطور لعله يكتشف بنفسه سنوات الرعب التي عاشها المغرب في كنف الملك.
لو كان الأمر بيدي لأمرت بطبع وتوزيع كتاب ( صديقنا الملك ) للصحفي الكاتب المبدع جيل بيرو على أن يتسلمه ويقرأه اجباريا كل طفل وبالغ وكهل وعجوز في عالمنا العربي, وأن يتم تدريسه, وأن تقوم على اثره محاكمة علنية لكل المثقفين والكتاب والعلماء والفقهاء والزعماء والاعلاميين والمعارضين وكل من صمت ولا يزال صامتا وهو يعرف القدر الأقل مما كان يحدث في مملكة الرعب للحسن الثاني.
إن كل العلماء الذي القوا دروسا في شهر رمضان المبارك أمام الحسن الثاني ينبغي أن يتوبوا علانية, ويستغفروا ربهم, ويركعوا لشعوبهم, ويطلبون الصفح من كل المغاربة الذين جعلهم الحسن الثاني يظنون أن الموت رفاهية لن يمسوا طرفا منها حتى تخرج الأرض أثقالها.
عالم الذين غضب عليهم الحسن الثاني ودفنهم في مقابر جماعية أو ألقى بهم في أشد سجون الكون رهبة لسنوات طويلة أكبر من اللغة, وتتيه في وصفه الكلمات, ويدوخ من هوله أكثر
الخيالات استعدادا وتطويعا للكوابيس.
كان شريرا في كل الأوقات حتى وهو يمسك بأصابعه السبحة ويحرك شفتيه كأنه يسبح للعلي القدير, لكنه في الحقيقة كان منشغلا بدرجات التعذيب التي مهر فيها زبانيته وعلى رأسهم الجنرال محمد أوفقير.
كتب جيل بيرو على لسان مؤمن ديوري الذي تم اعتقاله بعد أن رفع الحارس العصابة عن عينيه في دار المقري حيث تجري بروفات التعذيب ويحضرها الملك بين الحين والآخر:" غلالة سوداء تموجت بضع لحظات أمام عيني. بدا لي أنني أرى كائنات بشرية معلقة من أرجلها في السقف وٍرأسها إلى الأسفل. فكرت أن عيني قد غشيتا لانتقالهما من الظلمة إلى النور. خلال دقيقة ستعود رؤيتي واضحة وسأجد هؤلاء الأشخاص جلوسا أو وقوفا. للأسف, لم يكن ما رأيت خطئا أو خديعة, فالصور حقيقية فعلا, جد حقيقية. رجال ونساء مقيدون ومعلقون في السقف بقيود حديدية رُبطت إلى حبل. وعلى الأرض أطفال يرفعون رؤوسهم نحو أمهاتهم وآبائهم, وهم ينتحبون وقد أضناهم التعب والبكاء. وجوههم الصغيرة متسخة بالدموع, والمخاط يسيل من أنوفهم. لا عمر لهذه الكائنات الصغيرة التي بدت قريبة من الاحتضار, لهؤلاء الأطفال الراكعين أو الجالسين القرفصاء في برك من الدم والقيء. رائحة رهيبة من نتن صعدت إلى حلقي, شعرت بالغثيان والرغبة بالقيء. منذ كم من الأيام والليالي يتخبطون في هذا المكان؟"
هذه هي أبسط الصور لعالم الجحيم الذي صنعه أمير المؤمنين, وربما كان يُعد له ويفكر في أي مدينة أو قرية أو مساحة من الأرض المغربية لم تذق بعد من أهوال هذا الجحيم وهو في المسجد أو راكعا أو ساجدا أو مستمعا إلى أحد العلماء القادمين من الأزهر الشريف أو جامع الزيتونة أو مركز للاخوان المسلمين أو المركز الاسلامي في باريس أو أمستردام أو جماعات الاصلاح والخير والاغاثة والفقه وهي في عالمنا أكثر عددا من مراكز البحوث العلمية والطبية. كتبنا في مقدمة هذا العدد عن أربعة من طقوس التعذيب الستة التي يتألف منها دار المقري وانتهينا إلى وصل سلكين كهربائيين في الأعضاء التناسلية.
الدرجة الخامسة قام بها أوفقير بنفسه عندما" اقترب من مؤمن ديوري, وهو مربوط إلى عمود وشق الجانب الأيسر من ظهره بخنجر, ثم أخرج من جيبة قطعة من الملح وغرزها في الجرح وغطاه بلصقة مشمعة. وانتظر النتيجة. تصبب جسم ديوري عرقا, وجف ريقه, خيل له قرب احتضاره. وقال بعد ذلك: كنت مستعدا أن أقدم عيني لقاء شربة ماء. اعترف بكل ما طُلب منه.
ومؤمن ديوري الذي انهار واعترف في الدرجة الخامسة من التعذيب شاهد بعد ذلك الجنرال أوفقير وقد اقترب من النقيب صقلّي, من القوات المسلحة الملكية, أحد قُدامى المقاومين. قَطّع وجهَه إربا: مزق شفتيه, ثم قطع إحدى إذنيه, فالأذن الأخرى, وجدع أنفه. أخيرا غرز خنجره في عنقه. قال لديوري: هذه هي الدرجة السابعة, تلك لا يخرج أحد منها حيا. ثم حَوَّلَ وجهه ليتقيأ.
كان الجنرال محمد أوفقير يعرف أن الملك يتلذذ مثله بمشاهد التعذيب, وإن كان الأول يأخذ حبوبا مهيجة للانفعالات والعدوانية, أما الحسن الثاني فإن تركيبته الشيطانية كانت كافية لمَدّه في كل لحظات الليل والنهار بقدرة فائقة على متعة تعذيب الآخرين, وتزداد عندما يعرف أن أطفالهم كانوا يشاهدون درجات التعذيب وسط خليط من فضلاتهم ودموعهم ودمائهم.
الحسن الثاني لم تكن فيه نفخة من روح الله, ولا يمكن أن يكون من نسل قابيل وفرعون وهامان وقارون, فهو شيطان على حدة.
نائب من نواب الاتحاد الوطني" عٌلّق في السقف في تفنن جديد لهذه الطريقة إذ رٌبِط برجل واحدة. كما تعرض للتعذيب بحوض ماء مليء بمواد سامة"
في محاكم الحسن الثاني الكلمة الأولى للقصر الملكي, أما العدل والحقوق والرحمة والرأفة فكلها من مخلفات ما قبل اعتلائه عرش المغرب. وإذا حكم القاضي بالبراءة على متهم غير متعاطف مع الملك, فتقوم الشرطة باختطافه بعد انتهاء الجلسة, ثم يختفي من العالم المرئي نهائيا. قد ينتهي به الأمر إلى المقابر الجماعية أو واحد من سجون أمير المؤمنين الممتدة في طول المغرب المسكين وعرضه. بعد الاستقلال استولى الملك محمد الخامس على النصيب الأكبر من الأراضي التي كان يملكها المستعمرون الأثريا, ووضع يده على الأراضي التي كانت القبائل ترعي فيها قطعانها بشكل جماعي, وجاء ابنه الحسن الثاني ليسير على الدرب نفسه, وظل طوال سنوات حكمه يرفض زيارة الريف المغربي, ويحتقر الشعب, ويعتبر نفسه من سلالة الأشراف الأطهار مقارنة بما كان يظنه نجاسة الشعب المغربي.
عندما عم الفساد, واطلق المغاربة على الأمير عبد الله شقيق الحسن الثاني " صاحب السمو 51%" وهي النسبة التي كان يفرضها على الشركات والمقاولين والتجار والأثرياء لتسهيل أمورهم, خرج الصغار من تلاميذ المدارس في مظاهرة في الدار البيضاء, فقد تربوا في عشش الصفيح, وشاهدوا الذل والمهانة والعبودية في الحياة اليومية لآبائهم وأمهاتهم.
ولما زجت الشرطة بآلاف منهم في المخافر ودوائر الأمن, خرج الأهالي للبحث عن أبنائهم المحتجزين, وعمت المظاهرات والاحتجاجات الدار البيضاء.
اقتحمت الدبابات وأربعمئة شاحنة ممتلئة برجال الأمن المسلحين الشوارع الكازابلانكية التي تشهد على عمق الفجوة بين الملك اللص وحاشيته وأسرته وبين جموع الشعب الطيب.
" هبط الليل على الشوارع المقفرة, وراح الجنود يجمعون الجثث ويدفنونها في أماكن مجهولة مشتركة"
ثلاثة أيام دهرية والجنرال أوفقير يقتل بأمر ملكي مئات أو آلاف من أبناء شعبه, وكانت الجثث الطرية الغضة الدافئة والبريئة لتلاميذ المدارس هي ما كان يجمعه الجنود لالقائها في المقابر الجماعية.
وقف الملك أمام الميكروفون مخفيا وجهه القبيح والحقيقي خلف ابتسامة هادئة, وصوت حزين ليقول للمغاربة : " وضعتني أمام الاختبار يا شعبي العزيز"!
يقول جيل بيرو في كتابه " صديقنا الملك": لعله تذكر قول تشرشل, ليس عندي ما أعدكم به غير الدم والعرق والدموع, وكان الحسن الثاني عند وعده فسفح دماء المغاربة بغزارة.
بعد خطف المهدي بن بركة ندد شارل ديجول بالحادث, ولم يتحمل أن يتم خطف ضيف على الأرض الفرنسية, واستدعت فرنسا سفيرها من المغرب, وعَلَّقَتْ مساعداتها المالية, وأصدرت مذكرة توقف بحق أوفقير والدليمي, لكن الحسن الثاني حَوَّلَها إلى قضية كرامة وطنية, وتباهى أمام شعبه والعالم كله بوزير داخليته الجنرال أوفقير صاحب فكرة خطف بن بركة, والغريب أن الجنرال نفسه لقي مصرعه بعد ذلك بسنوات بيد الملك نفسه.
كان الملك يعشق التلاعب بمشاعر الجماهير, فهو يضرب رؤوس العبيد في كل مكان( والعبيد هم كل أفراد شعبه ), ويرفض ظهور شخصية وطنية تظن أن للمغاربة حقوقا على سيدهم, لهذا حُكِمَ على حسن اسماعيل, نائب رئيس اتحاد الطلاب الوطني, والمحامي عمر بن جلون, وبن صديق الذي حاول الاستفسار عن الموقف الغامض للحكومة من الصراع العربي الصهيوني, وعلى علي يعتة, الأمين العام لحزب التحرير والاشتراكية فاضطر للتوجه إلى القصر وتقبيل يد الملك ظهرا وراحة لعله يرضى عنه.
وبعد جرعات الضرب على الرؤوس أعلن الملك تعديل الدستور لتزداد صلاحياته وسلطاته وسطوته وساديته وارهابه لشعبنا المغربي.
معظم المناضلين والمقاومين والمكافحين ضد الاستعمار والذين كانت تُفتح أمامهم أبواب العالم ويستقبلهم مسؤولون وكبار ويصغي لكلماتهم زعماء الهيئات والأحزاب وقوى التحرر الكبرى اضطروا في عهد الحسن الثاني إلى تقديم اعترافات عن جرائم لم يرتكبوها تحت ضغط التعذيب الذي لا يتحمله بشر ما بين دار المقري أو فيلات الدليمي , وفي كل منها يأتي الملك بين ألفينة والأخرى ليدخل البهجة لنفسه القبيحة ويشاهد عمليات التعذيب ويبتسم في داخله, فقد كان يكره شعبه كراهية مقيتة, ولو كان الأمر بيده لسلخ جلود المغاربة كلهم بدون استثناء.
يقول جيل بيرو: " رنت ساعة الحقيقة بالنسبة للجنرال مدبوح على خليج كاليفورنيا حيث تقابل مع سيناتور أمريكي صديق لشركة الطيران بان أمريكان. أشار السيناتور إلى بعض الخبرة في الفساد في العالم الثالث , لكن المغرب من وجهة نظره أذهل الأكثر تقززا منهم".
وقدم الأمريكي للجنرال المغربي أدلة ووثائق وشهادات على الفساد وسرقة الثروة الوطنية وتحويل العمولات للوزراء والعائلة المالكة, فهم تربية مثالية للص الكبير .. الملك الحسن الثاني.
وكعادة أمير المؤمنين فقد كان يتمتع بوقاحة لا مثيل لها, فألغى زيارته المقررة للولايات المتحدة, ثم رفع شعار " النزاهة الأخلاقية " في عيد الجلوس, وبعدها زاد جشعه للاستيلاء على كل ما يراه جميلا يتمتع به الآخرون.
كان الفساد يعم المغرب كله, من قمة نظام الهرم الاجتماعي إلى مؤسسات الدولة, ولا يمكنك استخراج ورقة رسمية أو انهاء معاملة أو جواز سفر أو شهادة دون أن تدفع رشوة للمسؤول.
أما الخامات الفلزية وهي مادة التصدير الأولى في المغرب فقد كان المسؤولون الكبار والعائلة المالكة يبيعونها بسعر يقل كثيرا عن السعر الرسمي, ويذهب الفارق بعشرات الملايين إلى جيوب حاشية الملك الفاسد.
كان الملك " مثالا وقدوة سيئة. غهو أول مالك عقاري في البلاد, وأول مُصَدِّْر للحمضيات, وأكبر متعهد. اشترى مجددا ملكيات مصرف باريس في فرنسا ولكسمبورج وبلجيكا وهولندا, ووظف أمواله في منتجات الألبان ومزارع الزهور ونباتات الزينة . أما ودائعه في البنوك الأجنبية فلا حصر لها"!
الملك الحسن الثاني كان واحدا من أكبر لصوص القرن ومصاصي الدماء وشياطين الانس, وبكاه المغاربة عندما صعدت روحه إلى بارئها,.
علاقة غريبة بين السيد والعبيد في عالمنا الثالث, وكلما أمعن الطاغية في الاذلال والارهاب والترويع والقهر, لانت قلوب العبيد وتمسكوا به حيا وميتا!
الغريب أن التمسك بالملك كان يُخفي رغبة دفينة في الاطاحة به, لذا تعرض إلى عدة محاولات انقلاب وفي مقدمتها مذبحة الصخيرات والتي أنقذت الملكَ منها معجزةٌ لا تفسير لها بعد قتل مئات من المدعوين الضيوف, لكن رصاصة واحدة كان يمكن أن تنهي الملكية لم تنطلق في صدر الحسن الثاني.
ثم جاء الهجوم على طائرة الملك وهو عائد من فرنسا بعد أن توقف في اسبانيا, وكانت المعجزة الثانية ونجا أمير المؤمنين من موت محقق.
كان الجيش يغلي, والمعارضة وأكثر أفرادها من رجال المقاومة ضد الاستعمار تلعب لعبة القط والفأر مع الحسن الثاني, لكنه كان يملك ذكاء استراتيجيا, ورباطة جأش, وتخطيطا دقيقا وتفصيليا سمح له بوضع المغرب لأربعة عقود تحت سيطرة كاملة تكاد تحصي أنفاس المغاربة في غرف مغلقة لا يدخلها إنس ولا جان.
أذكر أن مواطنا مغربيا مقيما بأوسلو قال لي بأنه يود الاستماع إلى شريط كاسيت كان لدي لخطبة سياسية حادة, لكنه يخشى أن يضعه في السيارة فتعرف استخبارات الملك في المغرب أنه كان يستمع وهو في النرويج لخطبة سياسية داخل سيارته!
ولما استفسرت منه عن كيفية معرفة استخبارات الملك في بلده عما استمع إليه في سيارته المغلقة نوافذها باحكام وهو يقودها في شارع مهجور بالعاصمة النرويجية, كان رده لصالح كل الطغاة على وجه الأرض. قال لي: إنك لا تعرف الملك, لكنه يقرأ أحلامنا وكوابيسنا ولو كنا في بروج مشيدة.
قد يحدث أن يحتار القضاة فيما يرضي القصر, فيصدرون حكما مخففا أو بالبراءة على متهمين تم تلفيق التهم لهم, وهؤلاء مهما بلغ عددهم تأتي شاحنات لنقلهم أو بالأحرى لخطفهم لفترات قد تقصر أو تطول أو ربما يختفون من على وجه الأرض, ولا يسمح لأهلهم بالبحث عنهم, فالشعب المغربي كله كان مِلْكا ليمين أمير المؤمنين, يقتله, أو يعذبه, أو يرضى عنه, كما حدث مع الاخوة الثلاثة مدحت وبيازيد وعلي أولاد بورقات الذين كانوا يحضرون حفلات الملك, ويحظون برضاء الأميرات, ولكن في السادسة من صباح الثامن من يوليو عام ثلاثة وسبعين اقتحم رجال الملك بيت عائلة بورقات, واختطفوا الأولاد الثلاثة, وكأن عفريتا من الجن مسحهم من الوجود.
الأمر نفسه حدث مع الاثنين وسبعين متهما الذين برأتهم المحكمة في دعوى القنيطرة, فاختطفتهم استخبارات الحسن الثاني إلى غياهب المجهول.
كان الملك على استعداد لابادة نصف شعبه لكي يعيش النصف الآخر تحت قدميه ذليلا خانعا ومستكينا, فالحسن الثاني كان
مجرما وبلطجيا وغليظ القلب ومتحجر المشاعر وقارونيا في استعلائه, وشيطانا في تعامله مع الذين لا يرضى عليهم.
عاش المغاربة ينتظرون دائما تفضل الملك عليهم في عيد العرش في مارس, أو عيد الميلاد في يوليو للافراج عن المعتقلين ظلما وبهتانا, أو لظهور الذين اختطفتهم يد الاثم الملكية, فإذا مرت مناسبة ولم يتكرم أمير المؤمنين بالعفو, فعلى الأهالي انتظار مناسبة أخرى, فالشعب كله كان مقيدا بسلسلة من العبودية والسخرة يملك طرفها الآخر واحد فقط, مجرم بالولادة, وقاتل محترف, ولص خسيس, وإبليس يرتدي مسوح الأشراف.
" عندما يهرب معتقل تحتجز الشرطة مبدئيا كل أفراد العائلة. فمن جهة لن يتمكنوا أن يمدوا له يد العون والمساعدة, ومن جهة أخرى يمارس اختفاء العائلة على الهارب عملية ابتزاز فعالة غالبا".
أما القول بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى فهذا كلام العلي القدير ووحيه إلى نبيه الكريم, وهو لا ينطبق على الملك الذي لم تكن هناك في قلبه مساحة صغيرة لايمان بعدل أو بدين أو بأخلاق أو بمباديء وقيم.
كان الملك محبا لليل.. يستيقظ متأخرا, وينام متأخرا أيضا. في المساء يضع جانبا حمل السلطة ويرفه عن نفسه بصحبه مهرجين مكلفين بإضحاكه, ثم يلتحق بنسائه. وفي كل سنة يتنقل بين قصوره العديدة في فاس ومكناس ومراكش وإفران والرباط والدار البيضاء وأغادير.
يقول جيل بيرو أيضا " شغلت النساء الملك كثيرا. كان معهن في آن واحد كينيدي ولويس الخامس عشر.هو كينيدي على قدر استهلاكه الغزير والسريع لنجمات سينما مبتدئات, ومغنيات شابات, ومحترفات ترسلهن قوادات أوروبا المختصات بتأمين المتعة لكبار الشخصيات, وهو لويس الخامس عشر لأن كل واحد من أفراد الحاشية يزلق امرأته في السرير الملكي يحرز سبقا في كسب حظوة الملك. وكما في فرساي, كل من يشرفها الملك ولو خفية في احدى زوايا الممرات, تستغل حسن حظها لتوظفه اعتمادا وتأثيرا, فأي وزير سيرفض امتيازا بغير حق لامرأة أمتعت الملك, أو لرجل من الحاشية عرفت امرأته سرير الملك؟"
" في أحد الأيام كان الملك يصطاد في الأطلس الأوسط, فلفت نظره جمال احدى بنات الأعيان قرب قرية مريرت. هي متزوجة وأم لطفلين. حضرت سيارة في اليوم التالي
لتأخذها مع الطفلين. حاول زوجها أن يستردها وولديه, ولكن أمر الملك لا يناقش. كان الأمر بالنسبة اليه كأن عائلته اختفت من سطح كوكب الأرض بين ساعة وأخرى".
كيف يشعر السجين بانسانيته في معتقلات أمير المؤمنين؟
يقول ابراهيم السرفاتي الذي قضي عشر سنوات جحيميات في أقبية تتقزز منها الحيوانات:" كنت وحدي في زنزانة السجن, بعد أربعة عشر شهرا وخمسة أيام شعرت من جديد أنني كائن بشري, لمجرد أنني استطعت تحريك ذراعيي بعد رفع القيود الحديدية"
" سبعة أشهر دون رؤية الشمس. جميع المنافذ مغطاة. الحياة, أو ما حل محلها, مجموعة من الممنوعات. ممنوع الكلام, ممنوع النظر, ممنوع التحرك, ممنوع التبول إلا في الساعات المخصصة لذلك وإلا فالضرب ..."
" عشرات الشبان, معصوبو الأعين, مقيدو اليدين, ملزمون بالصمت, ممدون على ظهورهم أربعا وعشرين ساعة من أربع وعشرين"
" الليل والنهار مختلطان, يبطل الزمن. كل دقيقة تشبه سابقتها في هذا التحجير الطارح. مع تدهور العضلات يأتي خدر الدماغ, وربما بعده يأتي الجنون"
إذا كان المغرب هو مملكة الشمس كما كان يردد الملك, فإن المعتقلين المنسيين في سجن تزمامارت لا يرون الشمس لسنوات طويلة قد تصل إلى ستة عشر عاما متواصلة في نزنزانة بطول أربعة أمتار وعرض مترين ونصف. وفي الزاوية مرحاض مجرد من طرادة المياه, وفراش من حجر وغطاءان وصحن ووعاء من البلاستيك, إنها ثروة السجين الحي الميت.
الظلام يغرق الزنزانة ليلا ونهارا والتي يصلها الهواء بالكاد عبر عدة ثقوب صغيرة لينتهي أمر السجين حتما بالربو أو أمراض التنفس الأخرى.
ثمانية أشهر في العام هي مدة البرد القاتل في الزنزانات, ولا يصبح الأمر غريبا عندما يستيقذ السجين, ويصرخ, ثم يرقص كالمجنون وهو يرتعش. أما في الصيف حيث درجة الحرارة ملتهبة فيضطر السجين لوضع أنفه في فتحة الباب لعله يستنشق نسمة هواء باردة.
المقابر الجماعية في سجن تزمامارت إن حكت عما بداخلها فسيهتز إيمان الكثيرين بالعناية الالهية. كل شياطين الموت والتعذيب والقتل من ستالين إلى هتلر, ومن تشاوشيسكو إلى سالازار, ومن سوموزا إلى منجستو هيلامريم,كانوا أكثر رحمة من الحسن الثاني.
من يتابع حياة الملك لا يستطيع أن يجد تفسيرا آخر للآية الكريمة " ثم رددناه أسفل سافلين " إلا أنها تشير إلى الملك الحسن الثاني ولو جاءت قبله بأربعة عشر قرنا.
وقاحة الملك كانت مستفزة عندما صرح لمجلة وجهة نظر الفرنسية في أكتوبر عام 89 قائلا:" منتهى السعادة بالنسبة لي, هي أن أتمكن كل صباح من النظر في المرآة, عندما أحلق ذقني,
ولا أصل إلى صباح أصف فيه نفسي بالخسة أو أقول لوجهي: أيها القذر. إنها منتهى السعادة"!
عندما قال هذا الكلام للمجلة الفرنسية كان السجناء يتعذبون لستة عشر عاما في سجن تزمامارت أكثر بقعة على وجه الكرة الأرضية تستحق تسمية" الجحيم".
ترى هل كان الملك يفكر وهو يتحدث عن الأخلاق الحميدة والتقرب إلى الله والعدالة والتسامح والرحمة والايمان والدروس الحسنية بالسجناء الذين كانوا يعتبرون الموت نعمة كبرى لم تحن بعد لحظة الاستمتاع بقدومه؟
" ثلاثة أرباع السجناء كانوا يسيرون على أربع قوائم في زنزاناتهم الرهيبة"
يقول أحدهم: " غدونا بين الحيوان والانسان, أكثر قليلا من الجرذان, وأقل كثيرا من البشر"
" موت رهيب نتجرعه قطرة .. قطرة. منذ دخولنا في ثقب أسود, لم نخرج في يوم إلى الشمس"
أما من بقي على قيد الحياة, أو ما حل محلها, إما أنه أصيب بجنون أو كان يمشي كالحيوانات على أربع.
في السنوات الأخيرة كان معظم السجناء يبقون مستلقين على ظهورهم شهورا عدة, ويقضون حاجاتهم على أنفسهم, ويلتصق البول والبراز بالملابس ليكونا طبقة سميكة لا يستطيع أنف أن يتحمل رائحتها من مسافات بعيدة.
لقد أخطأ السجين الذين وصف نفسه وزملاءه بأنهم أكثر قليلا من الجرذان, فقد كانوا أقل كثيرا من أحط الحشرات.
وكان علماء العالم الاسلامي يتسابقون على رضاء الملك, ويلقون محاضرات في الدروس الحسنية, ويتحدثون علانية وهمسا عن ايمان الملك وقربه من الله, عز وجل, فهو رئيس لجنة القدس, وأمير المؤمنين.
كان يستمع إليهم, ويتمتم مسبحا أمامهم بأسماء الله الحسني, لكن عقله كان في مكان آخر, لعله كان منشغلا بحفر مقابر جماعية تسع المغاربة كلهم.
صمت مطبق يخيم على عالمنا العربي من بحره إلى محيطه مرورا بكل أنهاره, فصانعو الكلمة العربية منشغلون بأمور أكثر أهمية لهم ولأوضاعهم المعيشية وأولادهم ومستقبلهم ولقمة العيش والسلامة والعودة للبيت ورضاء الزعيم وعدم الاقتراب من مخفر شرطة.
من يستطيع أن يقنعني بأننا لسنا كلنا
مجرمين ومشتركين بسلاح الصمت مع الاستبداد والطغيان والارهاب وابادة الشعوب واستعباد الرعايا؟
عندما ضج الملك بمحاولات الانقلاب الكثيرة والتي تسلل في كل منها بمهارة من يد ملك الموت, قرر أن يرسل عشرات الالاف من جنوده إلى الصحراء لمقاتلة أشباح صحراويين لا يختلفون كثيرا عن الرمال المتحركة ?
وكانت الفكرة قائمة على حماية العرش من أي محاولة انقلاب عسكرية جديدة, والتخلص من الجنود المشاغبين والذين كان يمكن للملك التنبؤ بانخراطهم في خلايا معارضة ولو بعد عشرين عاما. هؤلاء لم يسقطوا برصاص البوليساريو فالملك فيه من الخسة والخيانة ما يجعله يتلذذ أيضا وهو يعطي أوامره بقتلهم من الخلف وهم على جبهة القتال دفاعا عن قطعة من أرض الوطن.
قال الملك بأن الصحراويين مغاربة من رعاياه, وكان كاذبا كالعادة, فقد اختطفت أجهزته الأمنية العشرات من الأبرياء, ومنهم تلاميذ مدارس, بحجة أنهم ينتمون إلى عائلات المقاتلين الصحراويين, وهؤلاء تم مسح كل أثر لهم من أرض المغرب.
عائلات البوليساريو كانت متفرقة في سجون كثيرة, لكن المعاملة واحدة. منها رجل في الثمانين من عمره, وفتاة لم تبلغ الثانية عشرة من عمرها. وكانت كلاب الحراسة تأكل نفس طعام السجناء وفي الوعاء ذاته, وهذا يعتبره الملك تكريما لرعاياه.
معظهم كانوا عرايا كل الوقت, وينتابهم الخجل الشديد لدى قضاء الحاجة أمام بعضهم, ثم يخرجون إلى الفناء لمشاهدة الحفرة التي سيدفنون فيها بعد موتهم, ويعودون فورا إلى الزنزانات.
قريبا جدا من أحد السجون تستضيف الحكومة الاعلاميين الذين يكتبون عن التطور والجمال والخير وسحر الطبيعة ومجهودات الملك وانجازاته وعبقريته الادارية ويده الرحيمة.
روائح الموت النفاذ من السجن القريب لا تصل إلى الصحفيين والاعلاميين في الفندق, خاصة وأن أصحاب مهنة البحث عن المتاعب كانوا منشغلين برائحة المشويات والكرم المغربي واهتمامات صاحب الجلالة براحتهم.
ازداد سلوك الملك خزيا وعارا, ففي الوقت الذي كان جنوده يلتهمون الرمال في صحراء لا متناهية, وفي الوقت الذي تقتل أجهزة أمنه المئات في شوارع الدار البيضاء وتعتقل الآلاف, كان الحسن الثاني يبني قصورا جديدة, ومنتجعات عديدة, ويوسع, ويزخرف, وينفق مئات الملايين من أموال شعبه الجائع, فقد كان أكثر لصوص العصر وقاحة.
القصر الملكي العاشر في أغادير كان تكلفته أكثر من ثلاثمئة وخمسين مليونا من الدولارات منذ ثلاثين عاما, أي ما يعادل مليارين من العملة الخضراء لكي يقضي فيه الملك عدة أيام بصحبه نساء وبغايا وفتيات مختطفات من أزواجهن.
لماذا لم يطلق أحد الرصاصة الأخيرة في مذبحة الصخيرات على صدر الملك؟
الجنرال أحمد الدليمي قائد القوات المغربية التي تحارب البوليساريو قدم فكرة جنونية للملك بانشاء جدار عازل يوقف هجمات المقاتلين الصحراويين. وافق الملك, وتم بناء الجدار, وارتفعت شعبية الدليمي, فغضب الحسن الثاني. إن ارتفاع شعبية أي قائد عسكري تعني قرب استدعاء ملك المغرب لملك الموت لقبض روح المسكين.
استقبل الملك الجنرال أحمد الدليمي, وقدم له التهنئة, وبعد خروجه صدمته شاحنة يقودها سائق متهور (!), وصدر بيان القصر الملكي يعلن الخسارة الوطنية في مصرع القائد.
وحضر الملك القاتل الجنازة وقرأ الفاتحة على روح القتيل.
منذ منتصف الثمانينيات بدا أن المغرب الساحر الجميل عاجز عن توفير لقمة العيش لنصف عدد سكانه. عشرة ملايين من خمسة وعشرين مليونا يكملون عشاءهم جوعا, والناس تحلم بالهجرة والسفر والغرق في عرض البحر بعيدا عن مملكة الصمت.
قامت مظاهرات الجوعى مرة أخرى في مراكش وصافي وتطوان والنادور, وكان من الصعب معرفة عدد الضحايا الذين قتلتهم أجهزة الأمن ودبابات الجيش, مئات, آلاف, أكثر أو أقل. لا أحد يعرف في مملكة الصمت.
الشاعر علي ادريس الكيتوني نشر في ديوان له قصيدة باللغة الفرنسية تحت عنوان ( الفلسطينيون ) يقول فيها:
وأنت أيضا, يا هتلر الثاني.
محرر فردتي جزمتي.
أنت ونابلس غدوتما اثنين
ستدفع قريبا ثمن أخطائك.
وهتلر الثاني هو الملك حسين بن طلال, لكن القضاء المغربي فسر حرف H في كلمة هتلر الثاني بأنها تعني الحسن الثاني. وصدر الحكم على الشاعر بالسجن خمسة عشر عاما في غياهب جحيم ملك شيطان.
هل صحيح أن تزمامارت هي أقصى ما توصل اليه عقل الشيطان الحسن الثاني في صناعة جحيم أرضي لا يستطيع أن يأتي بمثله زعيم ديكتاتور آخر؟ لا ليس صحيحا, فقد كانت هناك سجون أخرى سيعرف بنو البشر, والمغاربة خاصة, يوم القيامة أسماءها حينما يعُرض الحسن الثاني على العلي القدير في حساب أخروي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
ولا تزال مليارات من الأموال التي نهبها أمير المؤمنين في حوزة الملك محمد السادس, ولم يفرج عنها لصالح المغاربة الذين لم يتوقفوا عن حلم الهجرة في بحر متلاطم الأمواج, حتى لو انتهوا إلى قاعه أو جوف أسماكه.
ألم يأن الوقت لنبش تاريخ العار لحفار القبور الحسن الثاني؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://www.tearalshmal1984.com
[email protected]
[email protected]
Fax: 0047+ 22492563
Oslo Norway
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟