أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - احمد برقاوي - هزيمة العرب وانتصار الذهنية القروية والبدوية














المزيد.....

هزيمة العرب وانتصار الذهنية القروية والبدوية


احمد برقاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3136 - 2010 / 9 / 26 - 09:20
المحور: بوابة التمدن
    



السفير
منذ أن دشنت المدن البرجوازية انتصار العقل لم تعد الحضارة قادرة على تحمل ما دون ذلك. فلقد استفاقت المدن العربية التاريخية من سباتها التقليدي لتخط تاريخاً جديداً لعالمنا منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وما قبل ذلك بقليل. وكانت باريس ولندن وبرلين النموذج الأرقى للمثقف العربي، وكانت النخب المدينية وذات العقلية المدينية مشبعة بالأمل، الذي لا يخالجه شك في حتمية استعادة التجربة المدينية الأوروبية.

لقد حطم الاستعمار التقليدي التطور الطبيعي للمشرق العربي «بلاد الشام والعراق ومصر» بخاصة، ورسم حدود نشاط النخبة المدينية الوليدة كل منها في منطقة أعطاها اسم الدولة. واستسلمت البرجوازيات النخبوية المدينية وبسرعة فائقة لإرادات الاستعمار، لكنها في الوقت نفسه حافظت على هاجسها الأصلي: تكوين دولة العقل .

لم يكن العقل يعني لها أكثر من نمط الحياة الأوروبية، السياسية والثقافية والاجتماعية، فهي إذ تكونت هناك ـ في الغرب ـ عادت وهي تحمل وعياً بسيطاً جداً مفاده: أن الأمر الطبيعي أن تتكون الدولة العربية المعاصرة الجديدة على غرار الدولة الأوروبية .

غير أن هزيمة النخبة المدينية بشكل صاعق عبر المثقف الوليد الذي يحمل مشروعاً أكبر من مشروع النخبة المدينية وأوسع، وأملاً كبيراً في تحقيق مملكة السعادة والعدالة قد أدت إلى هزيمة التاريخ العقلاني الوليد. هزيمة عقل المدينية البرجوازية المتأوربة، و«الأوتوبيا» سرعان ما تبخرت بفعل عقلية قروية اقتنعت بالسلطة كآخر ما تطمح إليه.

وهكذا انهزم العقل المديني وانهزمت «الأوتوبيا» التي سحرت العقل القروي، فإذا المشرق يتحكم به عقل قروي بلا أوتوبيا .

في الطرف المقابل كان البدو في جزيرة العرب يمرون بأغرب ظاهرة في التاريخ الإنساني، ألا وهي ظاهرة تراكم رأس المال النفطي لدى عقل بدوي.

كان العقل البدوي عقلاً خالياً من الوعي المديني بالعالم ومن «الأوتوبيا» القروية معاً، وتمت لأول مرة في التاريخ عملية تحديث الحياة بلا حداثة. وهكذا تحكم في واقع العرب عقلان، عقلٌ قروي لا يرى العالم إلا في إطار حدود ملكيته الصغيرة للأرض، فانسحب وعيه بملكيته الأرض المقدسة على ملكية السلطة، وعقل بدوي لا يرى العالم إلا في إطار حدود المراعي، وانسحب وعيه بالمرعى على وعيه بالسلطة والثروة «حدود النفط» .

وهكذا اكتملت دائرة الانحطاط المطلق في الوطن العربي وهو انحطاط لا مثيل له في التاريخ البشري حتى الآن.

ولأن الخصم الأكبر للوعي القروي والوعي البدوي هو العقل الحديث بكل ما ينطوي عليه من مدنية وحرية، فإن حجم التحطيم للحياة حجم لا يصدقه عقل، ولأن الغرب وأميركا ضد أي انتصار للعقل في العالم المسيطرة عليه، لأن من شأن انتصار العقل تحقيق الحرية، فلقد قامت لأول مرة في التاريخ علاقة غريبة وعجيبة، هي علاقة ترابط بين عقلٍ أوروبي مديني رأسمالي عولمي (عقل آخر ما أنتجته الحضارة الإنسانية) وبين عقل قروي ـ بدوي .

وآية ذلك أن من شروط سيطرة أوروبا وأميركا على العالم العربي أن يتأبد العقل القروي والبدوي، لأنه عقل محدود النظرة إلى الوجود، عقل لا يتعدى تفكيره الحفاظ على ملكية الأرض الضيقة والمرعى .

وبسبب هذه العلاقة بين عقلٍ جبار يتحكم بالعالم وعقل ضعيف وضيق فإنه ـ لأول مرة في التاريخ أيضاً ـ لم يتحول تراكم رأس المال الذي جاء به النفط إلى نهضة سياسية وثقافية واقتصادية، لأن هناك تناقضاً بين العقل البدوي والعقل الرأسمالي بما ينطوي عليه من قيم البرجوازية. ولأول مرة في التاريخ تجري عملية نكوصٍ تاريخية عجيبة ألا وهي عودة العقل القروي إلى العقل البدوي، أو في أحسن الأحوال تحالف العقلين ضد العقل الحديث. فإذا الأثرياء أنفسهم واقعون أسرى عقل فلاحي وعقل بدوي، إن في سلوكهم اليومي أو في حدود نظرتهم إلى العالم.

إن الانحطاط الكلي المعبر عنها اليوم بأنماط السلوك الشائعة في الوطن العربي من العلاقة بالسلطة إلى العلاقة بالمرأة إلى العلاقة بالدين إلى العلاقة بالعدو القومي إلى العلاقة بالكرامة الإنسانية إلى العلاقة بالحرية إلى العلاقة بالفن والأدب والشعر، إلى العلاقة بالمدينة، إلى العلاقة بالعادات والقيم لم يعد يترك أي مجال للإصلاح، فالانحطاط لا يُصلح.

ولهذا فإن وعياً جديداً يجب أن يشق طريقه إلى الحياة، وعياً يقوم على استعادة العقل المهزوم، وإشاعة أنواره ولو بشكل بطيء.

فتكون نخبة جديدة تطرح هموم البشر المكتوين بنار الانحطاط القروي والبدوي وانحطاط الأثرياء الجدد أمر في غاية الأهمية، ولأن التاريخ وحده لا يصاب بمرض عضال، فشفاء التاريخ ممكن ولو كان بطيئاً.



#احمد_برقاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالم بلا يسار.. عالم بلا قلب


المزيد.....




- كيف تؤثر وضعية الجلوس على صحتك النفسية والجسدية؟
- مشكلات صحية خطيرة يجلبها تسوس الأسنان للجسم
- لماذا يشعر البعض في سن الثلاثين من العمر كأنهم في الستين؟
- روسيا.. تطوير روبوت بعجلتين يعمل كساع آلي ويعتمد الذكاء الاص ...
- علماء الفلك الروس: الغبار النجمي الدقيق يمكن أن يقترب من الش ...
- لدى زيلينسكي أسباب شخصية للاستمرار في إراقة الدماء
- مراسلنا: مقتل 5 فلسطينيين بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في النص ...
- روسيا تنشر مادة أرشيفية توثق جرائم نازيي لاتفيا في صفوف جيوش ...
- 13 قتيلا بانهيارات أرضية طمرت 40 منزلا في أوغندا (فيديوهات) ...
- -يونهاب-: كوريا الجنوبية قد تؤجل صيانة صواريخ Taurus بسبب أو ...


المزيد.....

- حَمّاد فوّاز الشّعراني / حَمّاد فوّاز الشّعراني
- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - احمد برقاوي - هزيمة العرب وانتصار الذهنية القروية والبدوية