|
هيبة القانون ، أم هيبة الدوله ؟
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3135 - 2010 / 9 / 25 - 14:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ذكرتني قضية الفتاتين المصريتين وفاء قسطنطين وكميليا شحاته ، اللائي تحولتا من المسيحية الى الاسلام ، ثم ( ارتدتا ) للعودة لدينهما الاصلي ، حيث قامت الدنيا ولم تقعد بعد ، لشحذ الهمم من اجل اقامة الحد عليهما بقرار من الازهر ومجاميع يقودها الدكتور سليم العوا .. ذكرتني بتلك الهوة السحيقة بين ان تتوفر الهيبة الملاصقة لاي قانون يدعي واضعوه بانه مدني ، وبين ان تهدر كرامة ذلك القانون ، تحت اية طائلة وأي تفسير .. فرغم ان الفتاتين ، كانتا قد حضرتا امام قاضي التحقيق ، وأقرتا بانهما مسيحيتين ايمانا واحتسابا ، وهو ما يكفي ( قانونا ) ان تموت القضية ، وان يصار الى الارتكاز الى نصوصه القاضية باحترام ارادة الانسان في اختيار دينه حسب قناعته الى حد عدم الايمان باي دين .. غير ان جمعية الازهر ، هكذا سماها احد الناشطين في مجال الحقوق المدنية في مصر ، اضافة الى ما يثيره الدكتور العوا وزملائه في العقيده ، ابقت نصوص القانون ، في مهب التفسيرات الشخصية ، بعيدا عن اية قدسية لما يفترض به ان يكون نصا ملزما للجميع ، وتعرضت بناء على ذلك النشاط المحموم ، مقدرات البلاد الى خطر الانهيار بفعل الدعوات المتشنجة لاحداث مواجهات ساخنة بين المسلمين والاقباط ، غذتها تصرفات غير مسؤولة من قبل قساوسة الكنيسه هي الاخرى ، حينما راحت تعزف على اوتار معادية للمسلمين بدعوى ان المسيحيين هم سكان مصر الاصليين . في ذات السياق .. تجري الامور في العراق اليوم ، حيث تقترن النصوص الدستورية وما يلحق بها من قوانين اتفق عليها الجميع ، لتكون مسارا ينظم مسيرة الحياة المجتمعية الصرفه ، بارادة اطراف امتطت صهوة التفسير الديني ، مستهينة بما يدعى كونه قانونا وضعته الدولة لنفسها كي تسير على هداه في ادارة دفة البلاد . البون الشاسع بين النصوص الملزمة للقانون ، وبين ما ينفذ فعلا على ارض الواقع ، هو باعتقادي ، واحد من مقاتل الحياة العامة في بلادنا عموما ، الى الحد الذي جعل كافة القوانين المنصوص عليها باتفاق تشريعي ملزم ، يتم سحقه مع سبق الاصرار، من قبل الاجهزة التنفيذية المشرفة على تطبيق القرارات المنبثقة عن ركن من اركان الدوله ، إذ ما معنى ان تنص مادة قانونية او دستورية على ضرورة احترام حقوق المعتقل البريء حتى يثبت القضاء ادانته او تبرئته ، في حين يقرر الضابط المشرف على مركز الاعتقال هذه الماهية نيابة عن القاضي ، فيقوم بالاذن بتعريض المعتقل لشتى الاهانات ، بل وشتى انواع التعذيب ؟ .. ما معنى ان يضمن القانون حرية البشر في سلوك سبل حياتهم ، وبما لا يعرض حرية الاخرين بالضرر ، في حين يعمد محافظ متزمت لاصدار قرارات شخصية ، يمنع بموجبها عمل دور السينما او غلق الحدائق العامة في محافظته ، بحجة تعارضها وتعاليم الدين ؟ .. ما معنى ان ينص الدستور في البلاد على حرية المعتقد والتفكير واحترام الانتماء القومي ، في حين تهجر اقليات بكاملها عن البلاد ، لا لشيء الا لانها غير مسلمه ، او لانها تشكل اقلية غير مسلمه ؟ ..
من هو المتسبب إذن في عدم احترام نصوص القوانين المدنية في بلادنا ؟ .. هل هم العلمانيين ممن يدعون لتأسيس دولة مدنية تحترم ارادة البشر في شكل وطبيعة حياتهم العامة والخاصه ، ام اولئك المندفعين من خلف الصفوف ، ممن يجاهدون في سبيل ارساء اسس الفضيلة وسيادة ما سار عليه السلف الصالح ، يوم كان الواحد منهم يطوف بالصحاري على ظهر حصان كي يبلغ رسالة من الخليفة الى الوالي ؟ .. ثم .. ما شكل الاجحاف الى حد ارتكاب جريمة الكفر ، حين يدعو نفر من الناس الى ان يتراجع رجال الدين الى ثكناتهم ، كي يتفرغوا لنشر ( تعاليم الله ) وما جاءت به سنن انبيائه ، تاركين لاجهزة الدولة المختصة ان تمارس اعمالها في ادارة شئون المجتمع وتنظيم سبل حياته ، بما لا يخدش حتى نصوص الدستور التي تنص على ان الاسلام هو دينها الرسمي ؟ ..
اليوم في العراق .. من يقرر ويشرف على تنفيذ القرارات ، ليست اجهزة الدوله ، بل هي خطب الجمعة التي تنقلها الفضائيات بانتظام ، وليس من الغريب ابدا ، ان يدعو خطيب جمعة ما ، الى معارضة سياسة وعمل وزارة المالية او الداخلية او الدفاع ، حينها لا شأن له ولمن يستمع اليه بنصوص الدستور ، ومن المحتمل جدا ان تغير الوزارة المعنية او تعدل قراراتها بناء على ذلك .
لقد دعى رئيس جمهورية العراق ، خلال حضوره الاجتماع المصغر للجمعية العمومية في الامم المتحدة مؤخرا ، الى ان تعمل الدول المضيفة لللاجئين العراقيين ، الى تشجيعهم لسلوك سبيل العودة الطوعية الى وطنهم ، طارحا فكرة ان البلاد تنزع لخلق قاعدة عريضة للبناء التنموي ، وهي بحاجة لطاقات المهاجرين العراقيين ، ولم يتعهد السيد الرئيس لهؤلاء الفارين من جحيم بلادهم ، الى كيفية العلاقة بين ما ينص عليه الدستور من احترام لارادة المواطن ، وبين ما يجري فعلا من حيف لا يوصف بحق اطياف الشعب العراقي الفقيرة والمسحوقة وبلا ادنى شعور بالرحمه .. لم يصرح السيد الرئيس ، وهو يؤسس لسياسة جديدة قد تسلكها بلاد المهجر ، تقوم بموجبها بترحيل الالاف من اللاجئين والمهاجرين العراقيين الى بلادهم ، هل انه بمقدوره ارساء مباديء الاحترام للنصوص القانونية والدستورية الملزمة للدولة ، بحماية مواطنيها من تعسف رجال الدين ، والدفع بخطباء الجمعة مثلا لعدم التدخل في شؤون الحياة العامة بما يضر بها خلافا لتعاليم وقرارات اجهزة القضاء ؟ أم انه لا يستطيع .. لم يصرح السيد الرئيس ، هل بامكانه اطلاق تعهد لمن يريد له العودة الطوعية ، بأن يمارس طقوسه الدينية والمذهبية حسب مشيئته ولا يتعرض لتصفية من يصرخون على منابر صلاة الجمعه ، حين يقررون بان هذا كافر وهذا مؤمن ، ويتقرر بناء على ذلك ،وليس بناء على نصوص القانون ، درجة مواطنة الكثيرين من غير المؤمنين بدين الدوله ؟ .. لم يقرر السيد الرئيس خلال دعوته الخطيرة تلك ، هل بمقدوره وضع الحدود الطبيعية بين ما يقرره منبر الجمعة ، ومكتب مرجعية دينية ما ، وبين ما تقرره وتنص عليه قوانين المؤسسات الرسمية ؟ أم انه في حل من هذا الامر، بفعل سطوة من لا تعلو عليهم سطوة من خلفاء الله على ارضه ؟ .. إن لم يستطع الرئيس تقويم الحال كما يجب ، حينها تكون الحكومة العراقية ممثلة برئيسها ، قد وضعت نفسها في موضع الحرج ، حين تكيل الامور بمكيالين خيرهما يؤدي الى إحداث الضرر بحياة مواطنيها ، فهي لا تستطيع اتخاذ القرار الحاسم ، باعادة رجل الدين المنفلت عن عقاله وايقافه عن التدخل فيما لا يعنيه ، ويطلق لعنان مخيلته الغير مسلحة اصلا بفهم نصوص القوانين المدنية المنظمة لحركة المجتمع من جهة ، ومن ثم تجري دعوتها لاحداث الخراب في حياة من قرروا بناء حياتهم في المهجر، بعيدا عن تسلط لا تبدو ملامح توقفه قريبة ، ما دامت القوانين معطلة بفعل الهيمنة الدينية والمذهبية على صانعي القرار ، من جهة اخرى .
الحل .. هو فقط ان ينسحب اصحاب الفضيلة من رجال ديننا الى حيث مواقعهم الطبيعية في المساجد ، ليتفرغوا الى نشر تعاليمهم لمن يريد ان يتزود بهذه التعاليم .. وان يتخذوا من فقههم مشورة لمن يطلب المشورة مادام يوم الحشر الاعظم هو يوم الفصل .. والحل ايضا هو ان تتبدل دساتيرنا بما يهيء لمنظمات المجتمع المدني ان تاخذ دورها المؤثر، في معالجة ما اصاب مجتمعاتنا من ضرر أحدثه تدخل رجال الدين السافر، والمؤدي الى خرق القوانين المرعية واحداث كل هذا الاضطراب المؤسف في حياة الناس .. الحل هو ان يصار الى سيادة النواميس الحداثوية المؤدية الى احداث نقلة نوعية في ضمائر المواطنين وسلوكياتهم وباتجاه احترام نصوص القانون .. ومن ثم ارساء مباديء الحرية الشخصية باوسع ابوابها شرط ان لا تضر بحرية عموم المجتمع .. والابتعاد عن القرارات الفردية التي تنطلق من رجل دين او فقيه مذهب او زعيم حزب او تجمع .. الحل .. هو ان يتم ارساء الدولة المدنية المؤسسة على مباديء احترام حقوق الانسان ، والكف عن إطلاق ذلك الكم الهائل من المفردات الدعائية الفارغة ، ليصار الى سلوك العمل الفعلي والمنظم لبناء مجتمع يتطلع الى محاكاة العالم المتحضر .. الحل .. هو النزوع الى خلق قاعدة دائمية وليست موسمية ، تنظم حركة وحياة المجتمع ، وفق ما توصلت اليه المجتمعات الراقية ، والابتعاد نهائيا عن مخلفات ما تركه لنا إرث عافته قوانين الطبيعه .
الحل هو احترام نصوص القانون .. وليس غير القانون ، وبعكسه سوف تبقى مقدراتنا رهن بما تقرره سنن حياة الصحراء ، يوم كان يقضي الرجل ، جل وقته في حساب المسافة بينه وبين اقرب بئر للماء ، كي يقرر جواز تيممه أو نزوعه للوضوء .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى يصار إلى النطق بالحقائق ؟
-
ألشيطان رجل .. ( قصة قصيره )
-
رافقوني إلى القاع .. فذلك أجدى لمعايشة الحقيقه .
-
اليسار في بلادنا ، وتخلفه عن ريادة الحركة الشعبيه .
-
رمضان .. شهر الفقراء
-
حينما تؤمن أمة ، بأن سكينا تنطق !! .
-
مصير كادت أن تقرره حبة تمر
-
إحكام العقل ، وما ينتظرنا في رمضان .
-
للرجل ذكرى ، مازالت موقدة في ذاكرة العراق .
-
لماذا نحن ( خارج منظومة العصر ) ؟؟
-
تحريف المناهج التربوية في العراق ، لمصلحة من ؟ ..
-
يوم في دار العداله
-
أللهم لا شماته ....
-
رغم ما يقال .. سيبقى النظام الاشتراكي هو الافضل .
-
وجهة نظر من واقع الحال
-
من قاع الحياة
-
خطاب مفتوح لمؤسسة الحوار المتمدن
-
لماذا يلاحقنا إخواننا في الكويت ، بديونهم في هذا الزمن الصعب
...
-
ألقطة سيسيليا ...
-
المرأة في بلادنا .. بين التمييز والتميز .
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|