أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شريف حافظ - صانعو التطرف















المزيد.....

صانعو التطرف


شريف حافظ

الحوار المتمدن-العدد: 3134 - 2010 / 9 / 24 - 20:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإنسان لا يولد متطرفاً، ولكن برأيى، لا يعرف شيئا، ويصبح إما معتدلاً أو متطرفاً مع الزمن، وفقاً لما يدخل ذهنه من معلومات، يستقيها من قراءته واستقرائه للحياة. فالذهن عند الولادة، هو صفحة بيضاء، تُملأ مع الزمن، وفقاً لما يستقبله العقل من معلومات. فهناك من يقرأ كل ما يمكن أن تصل إليه يداه، حتى وإن اختلف مع العقل الجمعى للمجتمع الذى يحيا فيه، ليصل إلى كنه الحقيقة بنفسه من وحى استقرائه المقارن للحقائق المختلفة، ومن يقرأ أشياء "مُنتقاة" ليصل إلى الحقيقة كما ينظر إليها البعض، بالتوافق مع مجتمعه فقط. إن منع الإنسان لولوج بعض المعلومات إلى داخل عقله يؤدى إلى أن يكبح قدرته على فهم العالم حوله، إلا وفقاً لزاوية معينة من الرؤية. فالعالم ليس مكوناً فقط من رؤية واحدة ولكن عدداً غير محدود منها، يُعبر عن التجربة الإنسانية التاريخية جمعاء. وبالتالى، يصبح العلم مشوارا يمضى فيه الإنسان منذ ولادته وحتى يموت. فالإنسان يتعلم طيلة حياته، وتلك سُنة الحياة، لمن يريد الحياة وليس الموت، لأن الموت ليس رغبة ولكن يقين لا يمكن الفرار منه!

إن التطرف ينشأ برفض العقل الاطلاع على "أغلب" العالم حول الإنسان. فالتطرف يظهر بانغلاق الإنسان داخل ذاته ورؤيتها على أنها هى الأفضل من كل ما عداه. وتلك رؤية "استعلائية" لا يمكن أن تكون ذات علاقة بأى دين. بل إنها رؤية تمت للطفولة بصفة عامة، حيث يؤكد علماء النفس، أن الطفل، يرى عالمه، دائراً حول ذاته، حيث هو العالم، ولا يرى نفسه جزءاً من العالم!! وتلك النظرة "الطفولية" للعالم، المركزة حول الذات Self-Centred، تنبع فقط ممن يقرأ ما ينتقيه، ولا يرى حقائق العالم كما يجب وأن تكون، فنحن (ديناً) لسنا كل العالم، عدداً، مقارنةً بالعالم حولنا، حيث أن كل المنتمين إلى الديانات السماوية الثلاث، على مستوى العالم، مجتمعين، لا يشكلون سوى نسبة 51 % (المسيحيين 33 % والمسلمين 21 % واليهود 0.22 %)، بينما يُشكل الآخرين (49 %)، المعتقدات الأُخرى!

ومن منطلق الرؤية بزاوية أُخرى لهذا العالم، فإن منطقتنا هى الأكثر "تخلفاً" فى هذا العالم، فى شتى النواحى، وليس فقط الناحية التكنولوجية، حيث نستورد سلاحنا أو لدينا تكنولوجيا غربية فيما نصنع. وفى النهاية فإن أحلامنا فى أغلبها، كمجتمعات، تستدعى الماضى، وليس المستقبل. أى أننا نحلم بأن نعيد تجارب الماضى دون ظروف هذا الماضى، مما يجعل بناء مستقبل أفضل، فى ظل ظروف مختلفة تماماً، من حيث التعايش مع حقائق التطور الإنسانى، أمر مستحيل علينا!! ثم وبعد كل تلك الحقائق، نُصر، على أننا الأفضل، فبماذا؟؟! وأرى أن من يتكلم دوماً حول أفضليتنا، إنما هم من المتشددين دينياً، الذين حبسوا أنفسهم فى الماضى وقدسوه، ونحوا العلم جانباً بل كفروه، بينما الله لم يقل لنا أبداً، بقُدسية التجربة "الواحدة" ولكن بأهمية العقل فى خلق "التعددية"! والعقل لا يتوقف عند نقطة محددة، ولكنه ماض مع التطور الإنسانى والحضارى، وليس فى انتظار تعطفنا عليه!!

لقد قدس صانعو التطرف نصوص الماضى، وجعلوها "كلها" مقدسة، بما فى ذلك غير المقدس منها. فالقرآن والإنجيل مقدسان، ولكن ليس هكذا تفسيرهما، أياً كان كاتبه أو القائل به، قديماً أو حديثاً، بحيث يصبح هناك تفسير وحيد أو عدة تفسيرات قليلة، هى "المعتمدة" فقط! ثم أن صانعى التطرف، قدسوا رجال دين، وكأنهم يشركون بالله، بجعل أنفسهم محددين للمقدس، ما بعد المقدس المحدد من الله! وكأن التطرف، هو دين جديد، من صنعهم، لأن الله لم يقل بما يقولونه. فإذا ما هاجمت ما أقاموه، ثاروا عليك بأكثر من ثورتهم فى حال الهجوم على المقدس الأصلى فى دين الله، وهنا يظهر كيف أوصل التشدد البعض إلى عكس ما كانوا يطمحون إليه. ورغم أن المعجزة الأساسية للنصوص تكمن فى الرسالة أو اللغة، فان هناك من قال بالإعجاز العلمى للنص، رغم أن هذا يقلل من قيمة النص، لأن العلم فى تطور بينما النص ثابت، فإن أثبتوا إعجازاً نصياً علمياً، وتطور العلم إلى ما بعده، أصبح فى ذلك "إهانة" بالغة للنص الأصلى! إن من قال بالإعجاز العلمى للنص، إنسان، وكلماته ليست مقدسة، وليست كل مبالغة يتكلم بها الشيوخ أو القساوسة، فيما يتعلق بالنص، صحيحة! ولكن الغريب، أن الملحدين، فى إطار مزايدتهم "هم أيضاً" حول أفضليتهم على من عداهم، يدللون بمن يقول بإعجاز النص العلمى، على إدانة الدين، وكأن المتطرف، منح المتطرف المُضاد، أداة محاربته، ولكن كلا الفريقين، متماثلين وليس أحداً منهم أفضل "فى هذا الشأن"!

ونتيجة لهذا الهوس الدينى، فلقد وصلنا فى مستوى التطرف، إلى انقلاب العلاقة الدينية على طبيعتها الواصلة بين العبد وربه، لتصير علاقة بين العبد والعبد. وقد بدأت بمزايدة ثم خلاف، بين عباد الله من مختلف الأديان، لتصبح مزايدة وخلافا بين عباد الله فى الدين الواحد، وتعمد تكفير الناس أو هرطقتهم، لأنهم لا يشبهون الشكل التقليدى للعابدين، رغم أنه شكل "مصنوع" عبر الزمن، وليس هناك شكل مُحدد يجب أن يكون عليه العابد، ولا يحاسب العبد غيره على تأدية طقوس الدين، وإلا سقطت "فلسفة الدين"- التى تُشكل "اختبار" من الله، لكل عبد على حدة- على رؤوس العباد، فى إطار من التطاحن والتحارب، لكى يثبت كل فريق أفضليته! هذا، وكأن "التكبر" طال الدينى، وزال عنه زهد العابدين وتقواهم فى التوجه إلى الله، ولذا، نجد "الشو" الإعلامى، الذى يقوم به كل متحول عن دينه، وكأنه نصر مبين لغيره، وكأن هذا التحول، ليس موجهاً لله ولكن للبشر.. أما الفرحون بهذا النصر السطحى، وهم يدركون أنه "نكاية" فى غيرهم، فإنهم لا يرجون رضاء الله، ولكن نشوة زائلة، لأن تلك التحولات لم تُبن على تقوى الله ولكن وللعياذ بالله، "تقوى السلطة الدينية"!

هل الله، والعياذ بالله، فى خطر، ليدافع عنه الناس؟ من ذا الذى يتأله على الله، ويقوم بديلاً عنه، فى الدفاع عن أديانه، التى هى فى النهاية وفى جوهرها واحدة؟ إنها رسائل دنيوية، يرجى منها منافع زائلة، لسلطان أو مال أو شهرة حياتية للبعض، لا دخل لها بالله جل جلاله! إن الحديث عن كون الدين يواجه أو يُعادى، أو أنه فى حرب مع غيره، بينما لا حديث عن سلام المؤمن الداخلى وعبادته الله، إنما يصنع التطرف، ويجعل الناس تخرج عن الخشوع الإيمانى، وتخلط الأمور، لتصبح طيلة الوقت خائفة، متربصة وكارهة، بدلاً من التمتع بالحب فى القلوب والشوق إلى علم الله فى الدنيا، وإرساء خدمة الإنسان الذى خلقه، من أجل إعمار الأرض وحل مشاكل الدنيا من فقر وجهل ومرض وقهر، ليصبح الدين، بما يفعله صانعو التطرف، مُنفراً، بدلاً من كونه جاذباً!

والسخرية البالغة فى عالمنا تؤكد، أن الأجنبى جاء غازياً، بسبب ما نعانيه من تطرف، حتى صيغت "الحرب على الإرهاب" بدافع تخليص العالم، من التطرف!! والسلاح المميت ضد تلك الحرب، إنما هو "الاعتدال" ولكن المنافع الدنيوية، التى يتلاقاها صانعو التطرف، لا تجعلهم يفكرون فى العباد أو إرضاء الله، ولكن فى الاستزادة من مصالحهم!!

أفيقوا أيها المتطرفون، من هذا التطرف، وعودوا إلى أسس الإيمان، ولتعبدوا الله فى علاقة ثنائية بين العبد وربه، أو تصمتوا وتتوقفوا عن هذا "الهُراء" المستمر، للاسترزاق على جثث الناس والتضحية بهم لتأكلوا وتشربوا دماً فى بطونكم!! إنكم لا ترجون ديناً، لأن الدين سلام نفوس وتقوى لله دون عبوس، ودون انتصارات وهمية، فى بحر عالم صعد إلى القمر واكتشف المجرات وأسرار جزيئات الخلايا الإنسانية، ومازال وسيظل، يستكشف خبايا الجسد! وإن كنتم ترجون وجه الله، فحثوا الناس على العلم والعمل ومعالجة مشاكل دنياهم، دون تغييب، من أجل رخاء وازدهار الإنسان فى عالمنا!



#شريف_حافظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخوف من العقل
- الجهل المقدس
- زمن المُتعنونين!
- نصر حامد أبوزيد.. قلب ما يخافشى
- فلتؤمنوا بثقافة المربع!
- دولة -الطلاق- الدينية
- هل أصبح الشر هو الطريق الوحيد للخير؟
- الإسلاميون بين هوية القاتل والمقتول
- عزازيل وسعى المحتار فى ليل الأسرار
- متى تبلغ الدول العربية سلام وستفاليا؟
- العلمانية ليست ضد الدين
- كيف تدافع عن الإسلام؟
- لماذا تجديد الخطاب الدينى؟
- بين دولة طالبان وحماس والإخوان المسلمين
- العرب بين ثقافة الديمقراطية وثقافة الواحد (2)
- العرب بين ثقافة الديمقراطية وثقافة الواحد
- ما بين عشوائية القومية العربية وعلمية الصهيونية
- حروب الفتاوى من أجل الجدار؟!
- أحنا الخونة
- عصا التحليل الانتقائية حرام يا دكتور قرضاوى!


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شريف حافظ - صانعو التطرف