|
صالح جبارمحمد بين النبرة الدينية وصوت المرأة في همس الدراويش
موسى حسين القريشي
الحوار المتمدن-العدد: 3133 - 2010 / 9 / 23 - 22:07
المحور:
الادب والفن
صالح جبارمحمد بين النبرة الدينية وصوت المرأة في همس الدراويش موسى حسين القريشي ثمة ناحية جديرة بالتنويه تجلو لنا بعضا من حياة القاص صالح جبارمحمد وهي أنه نشأ شاعرا في بداياته الأولى حيث نشرت له أول قصيدة عام 1983م بعنوان (هبة) في مجلة الورود اللبنانية لكنه وجد في نفسه فتورا في حماسته للشعر فتخلى عنه وأنحاز إلى فن القصة فكتب أول قصة له بعنوان (إسقاط) عام 1987 وقد نشرت في مجلة المجالس الكويتية حيث كانت أنطلاقته الأولى في ولوج عالم القصة وقد تعاونت على نضج تجربته القصصية عدة أسباب أسهمت في بلورة أتجاهه الخاص الذي يفرز لنا ظاهرتين بارزتين لاينفك عنهما في الكتابة وهما: النبرة الدينية الطاغية على غالبية قصصه، وصوت المرأة الذي يفاجئك به عندما تطالع قصصه. إن الأسباب التي شكلت تجربته كثيرة منها: الماضي المؤلم الذي أثار رهبة في نفسه وترك نغمته المرة الحزينة في قلبه يوم كان غالبية الناس دمى يحركهم الحاكم المستبد حسبما يشاء لتحقيق مأربه ناهيك من ملاحقة الشرفاء وقتل الأبرياء وانتهاك الحقوق والحرمات فكانت تلك الظروف المأساوية أشبه بلذعات موجعة ألحقت الأذى بالقاص وخزا وتقريحا ولعل البيئة الشعبية التي نشأ فيها قد أسهمت هي الأخرى في تكوين موهبته إذ غرست في نفسه الاحساس بالميل إلى الأدب لاسيما القصة منه فضلا على حضوره المستمر في المجالس الدينية التي تشتهر فيها مدينته وشغلت أكثر أوقات حياته فكان لها الاثر الاكبر في نفسه وطبعه وأدبه وما يروى فيها من القصص المؤلمة التي ظلت تدمع العيون وتنقل صور هذا الظلم للأجيال. ويبدو أن القاص كان متبرما من الاوضاع والمعاناة التي أصابت بلده وأهله حيث كان يعيش مأساة حقيقية كونه من أسرة ضحت بالكثير من الشهداء وبعد التغيير راحت قصصه تعبر عن رفض ومقاومة كل مافعله الغرباء والإرهابيين والمسوغ بوطنه من قتل وتدمير لذلك نجح في تهيأت القاريء ليعيش جو قصصه ويشاركه المأساة بكل آلامها. إنّ هذه الأسباب والظروف هي التي منحته القدرة على امتلاك أدوات فن القصة والرواية أكثر من الشعر مكنته من اصدار عمل روائي بعنوان (سأمضي) عام 2004م وآخر قصصي جاء ضمن مجموعة قصصية بعنوان (صلاة الليل) عام 2005م ثم مجموعة قصصية أخرى أسماها (همس الدراويش) صادرة عن ملتقى المستقبل الثقافي الإبداعي في بغداد عام 2008م التي هي موضوع دراستنا النقدية إذ ضمت المجموعة أحدى وعشرين قصة جاءت متباينة بين الطول والقصر واتسمت بتنوع موضوعاتها التي تعبر عن هموم القاص ومكابداته وعالمه المثقل بالأحزان والمتاعب. على أننا نبقى نتلمس في قصصه بوادر وجدانية حميمة وتوترات عاطفية صادقة كما نتلمس نوعا من الارتباط الواضح بين معاناة القاص ومضمون قصصه ففي قصة الشيخوخة التي يقول فيها: ((حينما أبلغ السبعين وأصبح رجلا هرما تكون وسادتي محشوة بالذكريات وبشرتي متجعدة وينتشر الشعر الأبيض على جسدي الضعيف)) ص3 نجده قد نجح في اقناع القاريء بأن الشيخوخة يفهمها بمعنى آخر فهي ليست اعتبار المصير السيء الذي يحيق بالإنسان أواخر حياته ولا هي تأخذ بخناقه فتضيق عليه الأنفاس ولم تعد حالة من حالات انتهاء العمر والتألم على ما فات منه واليأس من ضياع الامال والطموحات وإنما هي قمة اكتمال النضج العقلي والانتباه إلى نهاية العمر المحتومة. إنَّ من يقرأ قصة همس الدراويش والكاظمين الغيظ وعطر التوبة يجد النبرة الدينية واضحة على أسلوبه وهي تنبع من ثقافته الخاص وبيئته الدينية التي عاش فيها فقد أستقى مسمياتها وموضوعاتها وعناوينها من واقعة المعيش فتلونت بها قصصه مما منحته لونا خاصا تميز به يختلف في التناول والأسلوب عن بقية القصاصين. فالقاص لم يكن منعزلا عن واقعه الاجتماعي فله أصدقاؤه وجلساؤه يطارحهم الرأي وتدور في مجالسهم الأحاديث فقد ظل متمسكا بأهداب الدين وشعائره وربما أصبحت قضيته الأولى فهو لاينساق وراء العواطف ونوازعها بل نجده ملتزما حتى في كتاباته بالحياء والرقة والشفافية فلم نلمس أية مفردة تخدش الحياء لأنه يدرك أن الإنسان محتاج إلى من يضبط كلامه ويحفظ لسانه فهو يظهر لنا بمظهر التدين والنسك بإشارات صوفية واضحة وصريحة في قصة عطر التوبة يقول : (( رجل بسيط لا أملك سوى مسبحتي وخوفي من العزيز الكريم أشعر ان عينيك إثم داخلي يتمرى هل تعلمين حين أفكر بك استغفر ربي ألف مرة لأني أفكر في المخلوق قبل الخالق فيدمي وهج الأيمان نزق اللوعة)) ص37. فهذا النص يثير الكثير من التساؤلات ويبعث على الاستغراب والدهشة عن اهتمامه المفرط بهذا العالم المتخم بالإرهاصات السايكولوجية والانثيالات التي تكشف عن كوامن نفسه الشفافة. أما نزوعه إلى ذكر المرأة في غالبية قصص المجموعة فإنّنا لم نجد فيها ما يوحي إلى أنّه يتوق إلى حياة ناعمة معها أو انه عاشق متغزل لين خاضع هائم بحبه خاشع أمام حبيبته ليضطرب قلبه بمحضرها ولا يقصر في أي مطلب تريده منه حتى وإن تحمل في ذلك المشاق فالمرأة جعلته أن يكون صادقا في التعبير عن أزماته ومشكلاته والأحداث التي يمر بها والواقع الذي يعيشه ففي قصة حب من حجر يقول: (( حين لاأراك يجف بصري ولا يبقى في صور ذاكرتي غير لون عينيك بالأمس تلمست ثوبا من الحرير قربته من أنفاسي شممت فيه رائحة عطرك...) ص52. فعندما نطالع هذه القصة أو غيرها نلمس صفة الاتزان واضحة في شخصية القاص وهو اتزان لا يشوبه وقار مصطنع فالقاص لن يصف لنا سحر العيون وجمال الخدود ورشاقة الخصر ولايشكو لوعة القلب من الصدود ولا يرسم لنا صورة جميلة لحلاوة الثغر وطيب الريق ولعله كان موفقاً عندما أعطى المرأة هذا الحيز في قصصه لأنها عنده تشكل عالما يفصح عن الطيبة والبراءة والتوق إلى الحنان وهي سيدة المطر ونسغ الحياة لا ينفك عنها ولم تبرح عن ذاكرته عندما ينتشر ريح الموت في الأرجاء ففي قصة الخوذة الحديدية التي يتحدث فيها عن سني عمره الضائع في السواتر الترابية بين جثث القتلى وعظامهم وأشلائهم المبعثرة يتذكرها فيقول: (( مازالت ملامح المرأة (السومرية) تحصد مخيلتي ووميض عينيها مزروع في قلبي يأبى الرحيل)) ص59 لكن القاص لم يوفق في وصف هذه المرأة فقد أخفق في وصف وتشبيه قامتها إذ يقول في القصة نفسها ((أتطلع لقامتها التي تشبه لاعبات كرة السلة))ص61 وهذا التشبيه ضعيف وغير بليغ فقد أضر بفنية القصة لكنه في قصة فراشة من نور نجده قد وفق في وصف كفها وصفا رائعا حينما شبهه بشراع صغير إذ يقول (( كفها مشرع أمام عيني مثل شراع صغير لسفينة تائهة في بحر متناثر بوله مجنون يتمنى أن لا يفيق أبدا)) ص118 حقيقة أنّ من يطلع على قصص هذه المجموعة يجد القاص معنيا بالفكرة والموضوع كذلك نلمس جرأة واضحة في طرح الموضوعات المسكوت عنها أكثر من أظهار المهارة اللغوية والبناء القصصي المطلوب. صحيح أنّه يمتلك أسلوبا خاصا في الكتابة لم يعمد فيه إلى الكثير من الإيحاء والتركيز والكثافة في التعبير والابتعاد عن الحشو والزوائد التي تضعف الناحية الفنية في القصة وتفقد عنصر الحبكة المتماسكة فيها فإذا طالعنا قصة مأوى الجن وكذلك قصة همس الدراويش نجد ذلك واضحا بأن القاص لا يهتم باللغة بقدر ماتهمه معتقدات العامة التي تنبع من سوء فهم للشرائع الدينية وبعض الجهل الذي يخيم على عقول بعض من الناس البسطاء على امتداد الزمن البعيد. صحيح أنه يتناولها ليطرح موقفه النقدي منها أو أنها تقع من باب السعي لأيقاظ الناس لذلك جاءت بأسلوب تغلب عليه البساطة ويكثر فيه الحشو لكنه أستطاع أن يحولها إلى هواجس تنبض بالرفض لكل ما هو يقع في باب الخيال والغرابة والضحك على عقول البسطاء من الناس بهدف تظليل الحقائق أو ابتزازهم وكذلك يؤخذ عليه أنه لم يشبعها بالفنية المطلوبة مما يقربها من الإنشائية والحكائية كما نرى ذلك أيضا في قصة صفعة حمار. وعلى الرغم من ذلك أستطاع القاص أن يطور أدواته وفنه إذ نلمس تطورا واضحا قد طرأ على أسلوبه أخذ يتصاعد نضجا شيئا فشيئا وبهدف إنضاجه أكثر فأكثر لابد أن يتجه إلى مزيد من القراءات لكبار القصاصين وكذلك الإطلاع على الدراسات النقدية للنقاد المعروفين ليتحرر من وطأت الأساليب القديمة ويستخدم لغة سليمة تتسم بالفنية والايحاء وقد تجسد شيئا من هذا التطور حيث ظهر واضحا في كتابة قصتين مختلفتين فنياً عن بقية القصص التي كتبها في المجموعة: الأولى قصة عطر التوبة التي يقول فيها: (( آه .. لو أن النزق لايفارقني .. واطبع على شفتيك قبلتي أتلمس الجسد المرمري وانحني مثل ناسك هده الشوق .. تحدثني نبضات الوجد عن امرأة لا ترتوي .. سعار يتقد في هيكلي من يطفيء لوعتي؟ وأتمنى لو أن الوصل يأتي الليلة في موعد يغيب عنه القمر وأرتشف رحيق الود، لأصحو بعدها على باب التوبة)) ص36. والثانية قصة حب من حجر كما في النص المذكور آنفا وكذلك في بعض من مقاطع قصصية أخرى مختلفة. حقيقة لقد وفق القاص في هاتين القصتين حينما تخلص من بعض العيوب خاصة من ناحية الموضوع والسرد وطبيعة اللغة القصصية حيث كان منتبها وواعيا بعيوب الكتابات التقليدية متجنبا فيها كل ما يجانب النسيج القصصي المطلوب لقد طرح قصتين بإحداث متتالية فيها اهتمام بالجانب الفني واللغوي والموضوعي نأمل منه أيضا أن يعتمد على الخصائص الفنية في رسم الشخصيات وأن لايجعل شخصيات قصصه ثانوية تتسم بالسلبية أحيانا تجاه المجتمع وان يعهدها بادوار رئيسة كي لاتفقد عنصر الإقناع وتكون أشبه بدمى يحركها كيفما يشاء ويريد فتظهر حينا وتختفي حينا آخر. وأخيرا أود ان أقول على لسان تشارلتيون (( أننا نطالب كاتب القصة أن يترك في نفوسنا بقصته أثرا نحس معه واقعية الحياة لكن ذلك لا يعني أن يترك فينا هذا الأثر على نفس الصورة التي تتركه بها الحياة نفسها ففي القصة يجب أن يتلقى القاريء هذا الأثر وهو شاعر به مدرك له أما في الحياة نفسها بما فيها من اضطراب في تتابع الحوادث ومجال للمصادفة العمياء في سيرها فأننا لانحس الأشياء إلا أحساسا غامضا مضطربا ونشعر به شعورا ناقصا وندركها إدراكا ليس فيه كل الوعي لصفاتها وخصائصها كأننا نتلقاها ونحن غافلون. وواجب القصة أن نقدم لنا هذه الأشياء على صورة تشعرنا بها شعورا كاملا وواجب القصصي أن يخلق من فوضى الحياة متسقا في قصته)).
#موسى_حسين_القريشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|