|
حوران بين قمح سورية وانفتاحها وبين...؟
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 3133 - 2010 / 9 / 23 - 19:05
المحور:
المجتمع المدني
الجزء الأول -1- "مرعية ياالبنت مرعية - مرعية واللا بلا راعي- قالت وحياتك ماني مرعي و لغيرك ما وسد ذراعي"* أغنية دبكة حورانية، ذكرتني فيها صبية ابنة صديق لي وهو من المعتقلين السابقين كشيوعي، وينحدر من أسرة حورانية كحالتي...ذكرتني هذه الأغنية، بأعراس حوران في قريتي الشيخ مسكين، وجاءت إلى ذهني مقارنة سريعة بين وضع حوران الحالي ووضعها قبل أربعين عاما، وفي السياق ذاته استعدت حكاية لازالت أتذكرها بشيء من الفرح..كنت مع عائلتي مقيمين في دمشق حيث يعمل والدي، ولم اعرف حوران وقريتي الشيخ مسكين إلا في الصيف حيث العطل المدرسية، فنذهب كعائلة إلى بيت جدي في القرية. لكن مرة لم يكن والدي في البيت، رن جرس الباب ركضت لأفتحه، وإذا بسيارة أعتقد انها كاديلاك أو شفروليه من الطراز القديم الفخم آنذاك، ويقف على الباب خالي الذي أتمنى له طول العمر، وكان يقف بجانبه رجل، بهرني منذ اللحظة الأولى ودون أن أعرف من هو، ودخلا غرفة الضيوف مباشرة، وخالي يسألني أين أمك؟ جاءت والدتي مسرعة لأنها سمعت صوت أخيها الكبير، حاولت أن تقبل يده لكنه سحبها بسرعة! وسلمت على ذاك الرجل باحترام شديد، وقال لها كلمة واحدة" شلونك عمي" هذا ما أتذكره، وأعدت لهما والدتي إفطارا سريعا، وخرجا..وأنا بقيت طوال ذلك الوقت أنظر إلى الرجل..وبعد خروجهما قالت لي والدتي، هذا الشيخ محمد خير الحريري شيخ مشايخ حوران*2، وأخذت أسألها، ولكنها قالت لي" يقال عن الشيخ أن له عين خضراء والأخرى زرقاء، وبقيت بعدها أتخيل الرجل بعنين مختلفتي اللون، وكلما أتى لعندنا، كنت أتفرس به، فحكى له والدي الحكاية، فما كان منه إلا أن ناداني وقربني منه وقال لي أنظر إلى عيني. كان نائبا عن حوران في أول برلمان سوري منتخب بعد الاستقلال، وأخطأ عندما أعتقد بعد انقلاب الحركة التصحيحية عام 1970 أن يترشح لأول انتخابات معتقدا أنها ستكون كالانتخابات التي نجح بها قبل مجيء العسكر، فتآمروا عليه البعثيين والمخابرات وأسقطوه، أمام مرشح بعثي، والآخر كان قريبا لي..رغم أن له أعلى الأصوات، فلم يوجد في حوران من يأخذ أصوتا أكثر منه سوى ربما شيخ عشيرة الزعبي آنذاك. هكذا بدأت الحكاية في حوران، بتنحية كل الشخصيات الأهلية، رغم ان ابنه أصبح عضو مجلس شعب شبه دائم لاحقا..وقد كلفته هذه القضية جزء كبيرا من أمواله التي ورثها عن أبيه، من خلال الولائم التي كان يقيمها للضباط وغيرهم من المسؤولين، وأصبح عضوا في مجلس الشعب- هكذا يقال عنه في القرية- والرجل جد مؤدب ومربى كما يقال، ولكن العزوة تغري، رغم ان لديه عزوة عشائرية لا يستهان بها، فعشيرة الحريرية تغطي أكثرية قرى حوران بتواجدها، ولكن عزوة السلطة مغرية كما يبدو..ويهتم بقضايا الناس ليس كأبيه ولكنه يهتم..ويحاول المساعدة، لأن الرجل كأبيه لم يكن بعثيا، وأبيه رفض أن يصبح بعثيا ومات رحمه الله وهو يرفض هذه المنة، عندما قدمت له السلطة هذا العرض. كان الرجل يحل أكبر مشكلة في حوران، كما يقال عنه..ولم يكن يخلو منزله من فتاة لجأت إليه خوفا من أهلها بعد قصة عشق انفضح أمرها بحمل، أو من رجل مطلوب بقضية ثأر...إن إنهاء الحالة الأهلية هذه لم يكن لصالح حالة مدنية أرقى، بل كان لصالح تسيد ولاءات السلطة وبالتالي رجال هذه الولاءات، من بعثيين ومخبرين وسارقي أموال عامة..والفرق بين حوران سورية الآن وبين حوران الأردن المحاذية لها، أن هنالك تنظيمات عشائرية ومدنية جنب إلى جنب، بينما عندنا لم يعد إلا تنظيمات المخبرين وقليلي الذمة كما يقال.. أما الأغنية فقد تذكرت حتى مراهقتي أعراس حوران، وكيف كانت الدبكة والهولية على هذه الأغنية، تجمع شباب وصبايا القرية ومن مختلف العائلات، وحتى مع انتشار التعليم، حيث تعد حوران ثاني منطقة سورية بعد طرطوس في نسب التعليم في سورية، وفيها قرى قضت على الأمية نهائيا، كانت كثر من النساء الخريجات يذهبن للعمل في دول الخليج وحدهن، أما الآن فلا الأعراس بقيت أعراسا، ولا الفتيات الخريجات يذهبن للخليج بدون محرم إلا ما ندر! ولكن النقاب لم ينتشر حتى اللحظة. إن انفكاك عقد الروابط الأهلية، جاء ببدائل شبه سلطوية، ومعينة مسبقا من قبلها هياكلا وأشخاصا، الحركة التصحيحة حطمت كل الروابط السابقة عليها وأبقت بقوة المخابرات والبعث روابط الولاء للسلطة- بشخص السيد القائد- عبر الفرق الحزبية وعبر فروع المخابرات، هذا التكافل الاجتماعي الذي كان سائدا بالمعنى النسبي طبعا أيام المنظومة العشائرية لم يعد موجودا، فدولة السلطة الحالية ليست دولة تكافلية، كما أنه لا بد من الإشارة إلى أن سوق العمل في دول الخليج شكل الحاضنة التي تدر أموالا على المنطقة، ولولاه لكان وضع البطالة والتي تتراوح بين 20و 25% من القوى العاملة الآن أعلى من ذلك بكثير.. حوران كانت تطعم لبنان وسورية قمحا، والآن ربما قمحها لا يكفيها... بهذا المقال ساكتب سلسلة من المقالات عن حوران وتاريخها السياسي والاقتصادي والاجتماعي المعاصر..ربما هذه الكتابة تساعد المرء على أن يتطييف مكانيا في سورية! لكون الحالة الآن متفشية، وكل المناطق السورية تعاني بشكل أو بآخر ما تعانيه حوران..وبالطبع لن نترك الحديث أيضا عن العادات والتقاليد السيئة والتي لم تعدد تتناسب مع روحية العصر، ولازالت قائمة..كأن لكل إمرء نوستالجياه الخاصة...! لا أعرف ربما بقية الحديث يكتشف المرء أنه أكثر تعصبا لمنطقته من الآخرين الذين ينقدهم.. من يدري؟ وأشكر تلك الصبية المشاكسة التي أرسلت تلك الأغنية... - رابط الأغنية لمن يحب الاستماع إليها بصوت المغنية نادية مراد.. http://www.youtube.com/watch?v=C_ymPqBf4Cw
2*الأمير محمد خير بن إسماعيل الحريري الرفاعي شيخ مشايخ حوران يعد الأكثر شهرة في تاريخ حوران في القرن العشرين .. ولد في قرية الشيخ مسكين سنة 1890م، وكان اسمه معروفاً لدى أغلب الوطنيين في سورية خلال فترة الانتداب الفرنسي فقد أسندت إلى الشيخ محمد خير بيك الحريري مهمة تسهيل وصول الثوار الوطنيين إلى الأردن. وقد وصفه المقربون منه بأنه كان جاداً في كل شيء، واضحاً في عمله يكره التذبذب في مواقفه السياسية ويتجنب التقلب والرياء، كما كان واسع الثقافة، يتقن اللغة الفرنسية، وكان محبوباً من قبل أصدقائه ومقربيه، مسموع الكلمة واسع النفوذ ، وكان يطلق عليه اسم ( أبو الخير ) لسعيه للخير والاصلاح بين الناس والعشائر في سوريا والخليج العربي. توفي سنة 1985 م ، وسار في جنازته حشد جماهيري كبير قارب النصف مليون شخص من أرجاء القطر السوري على المستوى الرسمي والشعبي..- الموسوعة تحت عنوان مشايخ حوران.
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل أصبحت الشيعية السياسية طرفاً برّانياً في الكيان اللبناني
...
-
عندما يسرقنا الخوف إلى الوهم. إلى تهامة معروف وطل الملوحي عن
...
-
الفساد والتخلف......
-
الحريرية لم تعد سؤال الدولة اللبنانية.
-
خواطر حول نهضة يسارية.
-
واقع الصورة أهم من صورة الواقع.
-
الحداثة وسلطتها.
-
11 سيبتمبر بعد عقد الإرهاب ينتصر..
-
تركيا اليوم..
-
من حقنا اليأس قليلا...
-
انتصار السلطة يدعو- لبناء الذات-
-
عن انسحاب حزب العمل الشيوعي من إعلان دمشق.
-
نحن واليهود والأتراك في تصريحات سارازين.
-
القوة ومنهجية الوقت والأمل.
-
سلطة الدولة أم دولة السلطة؟
-
باب الحارة- خواطر
-
الديمقراطية شرق أوسطيا.
-
سورية مأزق يعاد إنتاجه5-5
-
طائف عراقي في دمشق!
-
سورية مأزق يعاد إنتاجه4 المسألة الكردية.
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|