يحيى أبوزكريا
الحوار المتمدن-العدد: 3132 - 2010 / 9 / 22 - 17:54
المحور:
الصحافة والاعلام
فقد العالم العربي و الإسلامي في وقت واحد ثلاثة من أساطين الفكر التجديدي العربي , وهم محمد أركون و محمد عابد الجابري , و نصر حامد أبوزيد , و الواقع أنني كنت قد ألفت بعض الدراسات عن رؤى أركون التجديدية , و منهجية الجابري في إعادة صياغة العقل العربي , و تشكيكية أبي زيد في النص المقدس , و سأبدأ بمحمد أركون الذي أثارت أفكاره جدلا واسعا وسط الإنتليجانسيا العربية و سأعرج إلى محمد عابد الجابري و كلاهما من المغرب العربي و الأقرب إلى المدرسة الرشدية , و وصولا إلى نصر حامد أبوزيد الذي تفردّ برؤى تذكّر بما كان قد بدأه مصطفى عبد الرازق في مسألة إعادة صياغة التأويل ..
وقد لعب محمد أركون المفكر الجزائري صاحب الكتب الكثيرة في الفكر الإسلامي دورا كبيرا في تبرير ما أقدمت عليه لجنة ستازي الفرنسية التي أوصت بحظر الحجاب في المدارس الفرنسية وتجدر الإشارة إلى أنّ أركون كان عضوا في هذه اللجنة وهو أحد أبرز المدافعين عن علمانية فرنسا , وأحد المتحمسين لخلع الحجاب , فمن يكون أركون وما هي مرتكزات فكره الذي يريد البعض لصقه بالإسلام.
//////////////////////////////////////////////////////////////////////////
محمّد أركون المفكّر الجزائري أثارت أفكاره في المغرب العربي كما في مشرقه جدلا واسعا , وقد إحتار كثيرون في أيّة خانة يصنفّونه أهو مع الفكر الإسلامي أم ضدّه ! أيدعو إلى تفعيل الفكر الإسلامي أم إلى نسفه من أساسه ! أهو عربي وإسلامي الهويّة أم لا يختلف عن المستشرقين الذين تعاملوا مع الفكر الإسلامي من منطلق الإنقضاض عليه ! وفي تعامله مع الموروث الإسلامي أيسقط عليه أدوات علميّة متعارفا عليها أم أدوات سربونيّة من وحي المناهج الغربيّة وآخر ما تفتّق عنه العقل الغربي في التعامل مع التاريخ ! وفي خضمّ وجوده في باريس وإقامته في عاصمة الجنّ والملائكة وإشرافه على قسم الدراسات الفلسفيّة في جامعة السوربون كان ولاؤه للعالم العربي والإسلامي أم للغرب !
وهل أصاب عندما حللّ مفردات الثقافة الإسلاميّة بأدوات غربيّة ! عشرات الأسئلة تجمعّت وتراكمت جرّاء التعامل مع هذا المفكّر الذي مازالت آراؤه تثير الجدل في عالمنا العربي والإسلامي !
التجديد عند أركون :
يوهمنا محمد أركون في كثير من كتبه أنّه في ردّه على مفردات الفكر الإسلامي لا يسفّه مرتكزات الشريعة الإسلاميّة , بل يعمل جاهدا على تصحيح الفهم الإسلامي دون أن يرقى إلى نقد مصادر التشريع في حدّ ذاتها .
وللإشارة فإنّ مثل هذا الطرح يتبنّاه حتى بعض المفكرين الإسلاميين , فالدكتور حسن الترابي في كتابه تجديد الفكر الإسلامي يدعو إلى تطهير التراث الإسلامي مما علق به من شوائب وتناقضات , ومثل هذه الدعوة سليمة في حدّ ذاتها , إلى أنّ أركون يخرج من سيّاق البحث إلى سيّاق الرّد على مرتكزات التشريع الإسلامي وكثير من البديهيّات والمسلمّات التي لها أصولها الضاربة في نصوص الشرع الإسلامي .
وعندما يقوم أركون بنسف الكثير من البديهيات المتعارف عليها بين المفكرين المسلمين فهو يدعو إلى تجديد الفكر العربي والإسلامي ولكن دون تقديم البديل المتكامل , فما جدوى النسف دون تقديم البديل , ألا يصبح فكرنا عندها كالزوجة المعلقّة بدون مرتكزات نظريّة وبدون بديل ننطلق منه لبناء النهضة .
ويرى الدكتور محمد أركون أنّ علماء الإجتهاد في الإسلام قد جنوا على الإجتهاد عندما فرضوا مجموعة من الشروط والمقاييس لا يصّح الإجتهاد بدونها , وفي ذلك يقول محمد أركون في كتابه من الإجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي صفحة 11 : نقصد بذلك مؤسسّي المذاهب الكبرى اللاهوتية – القانونيّة الذين ثبتوا للقرون التاليّة المدونّات القانونيّة والعقائد الإيمانيّة الأرثذوكسيّة وعلم أصول الفقه أي المعياريّة الضروريّة من أجل إستنباط الأحكام بشكل صحيح من النصوص المقدسّة القرآن والسنة وهكذا نجد أمامنا في بضع كلمات فقط كل شروط ومحدوديّة ممارسة الإجتهاد في الفكر الإسلامي الكلاسيكي ..
ويؤخذ على الدكتور محمد أركون أنّه غير مطلّع على آليّة الإجتهاد في المدارس الإسلامية كافة , فالإجتهاد الذي يعني بذل الجهد لإستباط الحكم الشرعي لا يعني مطلقا مجموعة من الشروط يضعها الفقهاء ومن يجتهدون لتفعيل الشرع وجعله مواكبا لصيرورة حركة التاريخ والواقع . وليس الإجتهاد شروطا يضعها ويتوصّل إليها عقل المجتهد , إنّ الإجتهاد في بعده هو التحرك في منطلقات رسمها المشرّع ودور المجتهد هو في ردّ الفروع إلى أصولها دون التدخل في وضع هذه الأصول والتي وضعها المشرّع الإسلامي وهنا الفرق الكبير بين المدرسة الإسلامية والمدرسة العلمانيّة الوضعيّة .
وفي سيّاق ردّه على محمد عبده ودعوته إلى فتح باب الإجتهاد فإنّ محمد أركون يتهّم عبده بأنّ مفهومه لفتح باب الإجتهاد هو عبارة عن شرعنة البدعة التي كانت فيما مضى غير محسوبة على التراث الإسلامي ويحاول أركون أن يقوّل عبده ما لم يقله وربمّا إلمامه المتأخر بلغة العرب جعلته يسيئ فهم بعض المفكرين المسلمين .
إشكالات النهج الأركوني :
في مجال نقد الأفكار والمناهج المعرفيّة يلجأ بعض المفكرين إلى إستخدام الأدوات المعرفيّة التي توصلّ إليها العقل المعاصر لدى قراءة الأفكار التي أنتجت في حقبة زمنية هي في حكم العدم الآن , ففي مجال قراءة الفكر الماضوي هل نقرأ الماضي بعين الماضي أم بعين الحاضر!
فلدى تقييمنا لفكر أرسطو على سبيل المثال هل نقرأه بعقلية كارل ماركس وجون بول سارتر أم بعقليّة أفلاطون بمعنى نجعل أنفسنا جزءا من الحقبة التاريخية التي عاشها أرسطو وبناءا عليه نتعامل مع فكره .
ومحمد أركون من الصنف الذي يتعامل مع الموروث الإسلامي بأخر ماتوصلت إليه المدرسة الغربية النقديّة من نظريات ووسائل للتعامل مع النص ويسقط هذه الأدوات في التعامل مع النص الإسلامي الذي هو مختلف جغرافيا وصياغة ولغة ونفسية عن البيئة الغربية التي يستعين أركون بأدوات مفكريها النقديّة .
فمحمد أركون يقول : أنّ المصدر الأساس للفقه وبالتالي القضاء ليس هو القرآن بقدر ما هو التفسير ونقصد بذلك أنّ الفقهاء قد قرأوا القرآن وفسروه بطريقة معينة وأتخذوا بعدئذ قراراتهم , وقد إستخدموا في تفسيرهم المعارف اللغوية والإخباريّة السائدة في عصرهم وكل هذه الأدبيات تتطلب اليوم مراجعة وإعادة قراءة على ضوء التاريخ النقدي الحديث.
- راجع كتاب أركون من الإجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي - .
وقد تناسى أركون أنّ المفسرين لا ينطلقون من أهوائهم بل يفسرون القرآن بالقرآن أو بالسنة النبوية الصحيحة أو بالشروط الشرعيّة المنصوص عليها .
وإذا سلمنا جدلا بما ذهب إليه أركون وأعلنّا عن حاجتنا إلى مرجعية نقديّة جديدة تخولنّا إعادة قراءة الموروث الإسلامي قراءة جديدة بعين العصر وعين الواقع والتحديّات المعاصرة , فمن أين نستقي المنهج النقدي الحديث لنسقطه على الموروث الإسلامي !
فيما يتعلّق بمحمد أركون فقد أختار بوضوح المنهج الغربي وآخر إفرازاته فهو كثيرا ما ينقل آراء جورج غرفيتش وجوزيف شافت وماكس فيبر وبورز دافيد وغولد زيهر وجاك غودي وعشرات أخرين .
وهؤلاء الذين تعاملوا مع التراث الإسلامي فعلى أي أساس تعاملوا معه ! لقد كان الإسلام في نظرهم وحركته أيضا لا يختلف عن الحركات الدينيّة في الغرب , كالحركة الأرثذوكسية وغيرها , و هذا التداخل والجمع بين أفكار متناقضة وبيئات متناقضة أيضا أوقع الكثيرين في فقدان نتائجهم النظريّة لأطرافها , ويبدو أن أركون كان أحد الذين إنطلى عليهم هذا الخلط فهو كثيرا ما يستخدم مصطلحاتهم مثل :
العقائد الإيمانية الأرثذوكسية , الثرات الإسلامي السكولاستيكي – بمعنى المدرسي أو الرأي الذي يعتمده الطالب في المدارس – وهذه المصطلحات نفسها إستخدمها المفكرون المذكورون في تحليل مفردات الحركات الدينية في أقطار عدّة من العالم .
وإذا كان أركون يستند في مرجعيته النقديّة على إنتاجات من ذكرنا من المفكرين الغربيين , فإنّ المنطق العلمي والتحليل الفينومولوجي يفرضان علينا أن تكون أدوات النقد من سنخ الفكر الذي نريد تحليله وتشريحه , كما أنّ التعامل مع الفكر الإسلامي لا يمكن أن يكون إنطلاقا من مصادر ومرتكزات غير متعارف عليها في هذا الفكر , وكذلك لا يمكننا أن نعالج فرضيات لم ترد في هذا الفكر نفسه و إلاّ نكون بذلك قد حملنّا هذا الفكر أكثر مما يحتمل فنخرجه من سيّاقه المعرفي بفرض فهم له لا يقّر هو به .
ولهذا فإنّ أركون يرى بأنّ بعض آيات القرآن الكريم متناقضة ينطح بعضها بعضا في حين أن القرآن يعلن جهارا نهارا أنّ لا إختلاف فيه ولا تبديل .
يقول أركون في المصدر السابق نفسه : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق أنّا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون . وأمّا المعنى الثالث لكلمة النسخ والذي يعني إستبدال نص بنصّ أو نص لا حق بنص سابق فهو ناتج عن مناقشة الأصوليين أي علماء الأصول الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة نصوص متناقضة وبالتالي فقد إضطروا لإختيار النصّ الذي يتناسب أكثر مع التوفيق وتحقيق الإنسجام بين الأحكام الشرعيّة التي كانت قد حظيت بإجماع الفقهاء الأوائل ..
نسف مبدأ الإجماع :
تتفق كافة المدارس الإسلامية على أنّ الإجماع يشكّل مصدرا من مصادر التشريع ومنذ 15 قرنا والمسلمون يلجأون إلى الإجماع إمّا لسدّ الفراغ في دائرة الفتوى وإما لجعل الشريعة الإسلامية تتواصل مع الحاضر ومستجداته الكثيرة .
أمّا الدكتور محمد أركون فله رأيه في الإجماع فهو يقول في المصدر السابق ص 77 : يعرّف الإجماع عموما من قبل المسلمين الذين يمشي على أثارهم المستشرقون بأنّه أحد أصول القانون الديني , فإجماع المسلمين على مسألة من مسائل العقيدة والقانون يؤدّي في آن واحد إلى ضرورة الإنصياع له , كما إنّه يشكّل علامة من علامات الأرثذوكسيّة التي ترسّخ وحدة الأمة وتراص صفوفها ولكن السؤال المطروح : إجماع من ! وما هو عددهم ! ومن خلال إسقاطات عدّة من قبيل الحديث عن عدم التجانس بين المسلمين والخلافات الضاربة بينهم وهشاشة مجتمعاتهم يخلص أركون إلى إستحالة الإجماع , ويعكس تعريف أركون للإجماع بأنّه يفتقد إلى فهم كل للشريعة الإسلامية ومصطلحاتها , فالإجماع لا يعني توافق المسلمين رغم ما فيهم من ضعف بل هو توافق أهل العلم المشهود له بالأعلمية والتقوى أيضا .
ويمكن القول من خلال تتبّع إنتاج محمد أركون أنّه يعتبر أنّ النصوص القرآنية متناقضة وبالتالي لا تصلح أن تكون مصدرا للتشريع الإسلامي , وقد تكون كذلك عندما يتيسّر لنا تفسير جديد لها يأخد بعين الإعتبار المرجعية النقدية والمعرفية المعاصرة الغربية طبعا ...
ويعتبر أركون أنّ السنة النبوية هي الأخرى أسوأ حالا من القرآن الكريم ووضع المجتمعات الإسلامية في الماضي والراهن دليل على أنّ السنة شكلّت إنعكاسا للتخلف والتقهقر الذين سادا المجتمعات الإسلامية .
والإجماع لا يمكن تحقيقه والعقل الإسلامي في عطلة إلى إشعار أخر , إذن وحسب رأي أركون مصادر التشريع الإسلامي في حاجة إلى إعادة سبك وصياغة وقولبة , ولذلك فهو يدعو إلى الثورة على ما يظنّه مليار وربع مليار مسلما صحيحا وسليما .
لكن وبعد الثورة على مرتكزات التشريع الإسلامي ماذا عسانا نفعل ! إلى هنا ينتهي دور محمد أركون , لتبدأ الحضارة الغربية وأركون أحد المدرسين في قلعة من قلاعها السوربون ببّث فيضها إلى العالم العربي والإسلامي .
إنّها المغالطة الكبرى !
#يحيى_أبوزكريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟