|
حاجتنا الى ثورة في التربية والتعليم
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3132 - 2010 / 9 / 22 - 14:42
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
تلقيتُ في بريدي الالكتروني ، رسالة من سيدةٍ رائعة ، تعيشُ منذ 12 سنة في المهجر الاوروبي ، تشرح فيها معاناتها النفسية ، من جراء البون الشاسع بين " ثقافة " المجتمع الغربي و " ثقافة " مجتمعنا الكردستاني والعراقي عموماً . تشعر هذه السيدة التي كانت مُدّرسة ناجحة في دهوك ، بالحُزن والأسى ، عندما تُقارن اوضاع المدارس عندنا بكل مُفرداتها : الادارة ، المدرسين ، الرواتب ،الطلبة ، الخدمات ، المنهاج الدراسي ، نوعية التعامل ...الخ ، مع ما لمسَتْهُ في المدرسة التي عملتْ فيها مؤخراً في البلد الاوروبي . بعيداً عن الكلمات الكبيرة والأمثال ، التي مللنا من كثرة ترديدها ، من غير ان نتَعض او نأخذ العبرة منها ، حيث اننا قومُ أقوال ولسنا قوم أفعال . ليسَ مفيداً ان ندفن رؤوسنا في الرمال ونّدعي ان أحداً لايرانا ، لأنه في الحقيقة نحنُ الذين لا نرى أحداً والآخرين يرونَ رؤوسنا المدفونة في التراب ومؤخراتنا المكشوفة ! . أنا من أشَد المناهضين ل " النمط الاستهلاكي للحياة الغربية " عموماً والامريكية خصوصاً ، بكل ما يجّرهُ هذا النمط من إبتذال وسطحية وإستغلال . علماً ان هنالك قطاعات واسعة في المجتمعات الغربية نفسها ، وهي في تنامي مُستمر ، مناوئة لهذا الاسلوب من العَيش . ولكن في المُقابل هنالك [ قِيَم ] في غاية الأهمية ترسختْ في الغرب وتُشكل في إعتقادي جوهر التقدم الحاصل هناك ، من بينها : إحترام الوقت والمواعيد ، الصدق والإخلاص في العمل ، الإلتزام بالقوانين ، المساواة أمام القانون ، حقوق الانسان ، الحريات العامة ، الديمقراطية ، الاهتمام بالبيئة ...الخ . نحنُ في بلداننا المُتخلفة ، تركنا كُل ما هو عظيم في الغرب وكُل ما هو جديرٌ بالإقتداء ، وهو كثيرٌ عندهم ، وأخذنا منهم أسوأ ما فيهم ، وهو قليلٌ عندهم ، من " قشور " الحضارة و " مظاهر " التمدن . أتقدمُ حثيثاً نحو الستين من عُمري ، وعندما كُنا أطفالاً قبلَ نصف قرن ، ماذا غرسَ فينا المجتمع وماذا عّلمتنا المدارس ؟ من غيرِ لفٍ ولا دَوران : أقول زُرِع في نفوسنا أمْران .. الخوفُ والنفاق ! . نعم ، تكاتَفَ نظام التعليم المُتخلف ، مع إستبداد سُلطة الدولة ، مع تعاليم الدين القاهرة ، مع تقاليد العشيرة والقبيلة المتعفنة ، مع قمع سلطة العائلة الأبوية المتسلطة ... كُلها إجتمعَتْ لتغرس فينا الرعب من كل شيء ، الخوف من السؤال والإستفسار ، الخوف من الآخر ، الخوف من المستقبل ، الخوف من الحرية ، الخوف من الفرح ، الخوف من الحُب ، الخوف من الإعتراض ... وما يلحق ذلك ، من الكذب والنفاق ، والتعود على إخفاء الحقيقة وإظهار ما يُخالفها ... والمُصيبة الكبرى ، تحّولْ هذه الآفات النفسية الخطيرة المُتمثلة في تكريس الخوف منذ الطفولة المُبكرة وتقنين النفاق والكذب والرياء ، تحولها الى : اسلوب حياة !!. هذا ما نحنُ فيهِ ... انه ليسَ جَلدٌ للذات مُطلقاً ، بِقَدَر ماهو رفع مؤقت للرأس المدفون في الرمل ورؤية ما يجري حولنا !. هكذا كان الأمر قبل نصف قرن ، فهل يا ترى ان الأمور تحسنتْ والأنظمة تطورتْ ؟ بحسرةٍ أقول : رُبما ان بعض " المظاهر " أصبحتْ أفضل ، فأبنية وزارات التربية والتعليم غدَتْ أعلى طوابقاً وأفخم ، وقسمٌ من المدارس جيدة البناء ، وحتى المناهج الدراسية تغيرتْ ولا سيما في اقليم كردستان ، فالكُتب اصبحتْ انيقة ومُلونة ومحتوياتها أرقى ، وحتى هنالك دروسٌ حول حقوق الانسان ... ولكن ولكن كبيرة ... الغالبية العظمى من هذه " التطورات " هي مظهرية وهي جزءٌ من تحسين بعض البنى التحتية ، وهي في الحقيقة لاتعني بالجانب الأهم في الأمر والقيمة الكُبرى في هذه العملية : الأنسان . استطيع القول ان مستوى التربية والتعليم تراجعَ مقارنةً مع السنين الخمسين الاخيرة ، فعلى كُل حال ، أعتقد ان أجيالنا الماضية كانت لا زالتْ لم تتلوث كثيراً بأدران الفساد السياسي والمالي والاداري . أما اليوم وكتتويج لإرث سنين طويلة من ثقاقة البعث ، فليسَ غريباً ان ترى " مديراً " لمدرسة اولى إهتماماتهِ الترويج الى حزبهِ الحاكم ، أو " استاذاً جامعيا " او " عميداً " من أبرز مؤهلاته " العلمية " هو الإخلاص للحزب ، أو حتى " طالباً " له مركزٌ مهم في التنظيم الحزبي او اتحاد الطلبة ، ذو سطوةٍ ليس على الطلبة فقط ، بل حتى على الاساتذة !. هل أتأملُ خيراً وتغييراً نحو الأحسن ، من هذا الجيل الحالي ؟ أقولها بمرارة وحزن : كلا . فالذي نشأ على اُسسٍ خاطئة ومُشوهة ، لايُمكن ان يكون قدوة حسنة . نحنُ بحاجة الى [ ثورة ] في هذا المجال . أولاً ينبغي تشريع قوانين واضحة ومُلزمة للجميع تتبنى " التغيير " الحقيقي في مجال التربية والتعليم ، وتخصيص ميزانيات كبيرة وتصاعدية خلال العشرين سنة القادمة ، لتنفيذ الخطط وتطبيقها ، فحتى يومنا هذا ، تخصيصات الاجهزة الامنية والجيش والشرطة والمخابرات تأتي في المقدمة . يجب تنشئة جيلٍ من ( المُعلمين ) الأكفاء أولاً للقيام بهذه المهمة النبيلة ، فالمأساة ان هنالك اليوم الكثير من " المُرّبين " و " المُعّلمين " ، هم أنفسهم بحاجةٍ مّاسة الى التربية والتعليم !، في كل المراحل من رياض الاطفال الى الدراسات العليا . نحنُ بحاجة الى جعل الطالب منذ طفولته الاولى ، مُقبلاً على التعلم ومتحمساً وغرس بذور الإبداع فيه ، وتعويدهِ وتعليمهِ على بناء " شخصيتهِ " وإفهامهِ بأنه مُهِم وجوهري . إذا كان عندنا نية في إسترجاع او إمتلاك ( وطن ) ، فيتحتم علينا أولاً بناء ( مواطنٍ ) صحيح مُعافى . هذا [ المواطن ] الذي يشعر بإنتماءهِ الى هذا الوطن ، بكل تفاصيل الوطن ... هو ما ينقصنا سيدتي مُرسلة الرسالة الالكترونية ... لغاية اليوم " ثقافتنا " هنا تتيح للفرد ان يكسر مقعداً أو كُرسياً وضعَتْهُ " الحكومة " في حديقةٍ عامة ، من غير أن يخجل إذا رآه أحد ومن غير ان يُحاسبهُ أحد ، ونادراً مايعرف الفرد العادي الفرق بين الحكومة والدولة ، ثقافتنا تُبيح لنا أن نتجاوز " الطابور " في اي مكان ونأخذ مكان الذي قبلنا ، من غير ان يعترض أحد ، تربيتنا وتعليمنا المدرسي والمجتمعي ، تسمح لنا ان ننافق ونكذب ونتملق ونتسلق ، من غير ان يشمئز أحد او يعتبر ذلك نقيصة ، ثقافتنا هنا لاتعتبر الاستيلاء على المال العام او الممتلكات العامة ، إخلالاً بالشرف ، بل تستحدث له مُخرجات سمجة توهمنا ان للقائمين بها حَقٌ تأريخي مزعوم !. ثقافتنا ياسيدتي تُكّثف " الشرف " وتُصّغِرهُ ليصبح بحجم غشاء البكارة ، وانا متأكدٌ من وساخة وقذارة وضحالة أذهان وعقول معظم الذين يضعون [ قواعد ] للشرف هنا !. ثقافتنا المأزومة بالمُجمل .. أرفُضها وأدعو وأعمل على تغييرها في العمق ، ربما ببطأ ولكن بثبات . طوبى لكِ سيدتي ... لاتيأسي ، تّعلمي المزيد من الخبرات هناك .. فأطفالنا الذين لم يولدوا بعد ، سيحتاجون الى أمثالك ، لتُعلميهم الأمل .. العَمل .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مليارات الدولارات - الفائضة - في العراق
-
إستفتاء تركيا وإستفتاء جنوب السودان ..وكُرد العراق
-
تعويضات عراقية لمواطنين أمريكيين !
-
تحديد يوم العيد والسياسيين العراقيين
-
ألقَس بن لادن والشيخ تيري جونز !
-
ألقاب ودَلالات !
-
هل تعرف أمثال هؤلاء ؟
-
متى سيقوم مجلس محافظة دهوك بدورهِ ؟
-
تَحيا العَدالة !
-
- إنتهاء مفعول - أحمد الجلبي !
-
حكومة الكترونية أم بشَرِية ؟
-
هذا الرَجُل !
-
جوانب شوارعنا السياحية مزابل ومكبات للنفايات !
-
أللهمَ اقتل مؤسس حزب شاس الاسرائيلي !
-
مقطعٌ من اللوحة السياسية العراقية
-
رمضانٌ - مبارك - وعيدٌ - سعيد -
-
الانتخابات الاسترالية و انتخاباتنا
-
هل سيرى إقليم كردستان تركيا النور ؟
-
الارهابيون يستحصلون خمسة ملايين دولار شهرياً من الموصل وحدها
...
-
مقاطعة البضائع التركية الايرانية ... نكتة
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|