أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبدالله تركماني - نهاية نظام وصاية العسكريتاريا على الحياة السياسية التركية















المزيد.....

نهاية نظام وصاية العسكريتاريا على الحياة السياسية التركية


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 3132 - 2010 / 9 / 22 - 09:38
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


متابعة وتيرة التغيير وآفاقه واتجاهاته المستقبلية في تركيا قضية سياسية وفكرية هامة، إذ أنّ تركيا أمام فترة حساسة على مختلف المستويات، ليست انتخابات يوليو/تموز القادم سوى محطتها الأولى، فيما ستكون الانتخابات الرئاسية ذروتها. فليس صدفة، في صراع الإرادات، أن اختار رجب طيب أردوغان 12 سبتمبر/أيلول موعداً لاستفتاء الأتراك على التعديلات الدستورية الـ 26، ففي ذلك اليوم وقبل 28 عاماً فرض العسكر " دستور إيفرين " الذي شرّع لتدخل الجيش في الحياة السياسية.
إنّ العلمانية التركية السائدة تستمد جذورها من سياسات النظام العسكري، الذي أقامه كمال أتاتورك منذ العام 1923، حيث مثلت هذه السياسات محاولة للحفاظ على وجود الدولة التركية، غير أنّ هذه العلمانية ركزت على المظاهر أكثر من تركيزها على المضامين. ويدخل ضمن هذه التقاليد العلمانية المنغلقة إسناد مهمة استثنائية للجيش التركي كحارس للنظام العلماني، تمتد لتشمل التحكم بالنظام السياسي.
والجدير بالذكر هو أنّ المؤسسة العسكرية تعتبر نفسها مؤتمنة ليس فقط على النظام العلماني، ولكن أيضاً على الآليات التطبيقية للدستور، حيث رأيناها تتدخل أحياناً عن طريق السلطة القضائية إما للتذكير بضرورة الالتزام بمبدأ فصل الدين عن الدولة، أو حتى للنظر مباشرة بأمور وممارسات حياتية دينية أخرى كحجاب المرأة وغيره من الأمور اليومية.
لقد بات من الثابت أنّ الديمقراطية التركية كانت حالة خاصة تماماً في واحد من أكبر وأعقد وأصعب ملفات أي نظام ديمقراطي، أي ملف تنظيم العلاقة بين المدنيين والعسكر. فقد قام الجيش بانقلاب في العام 1960، وقام بانقلاب آخر في العام 1971، وفي عام 1980 قام الجيش بالانقلاب الثالث، ومنذ تسعينيات القرن الماضي تغير أسلوب الجيش، حيث تخلى عن الانقلابات العسكرية المباشرة، إرضاء للاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا للانضمام إليه.
وتتحمل أحزاب " حراس إرث أتاتورك " المدعوة بـ " العلمانية " مسؤولية منع تركيا من إنضاج تجربتها الديمقراطية، مما قاد المجتمع التركي إلى التخبط في معمعة الأزمات السياسية والاقتصادية، ورهنه للاحتقانات الاجتماعية الخطيرة، الأمر الذي حال دون أن يأخذ مسار تطوره خطاً صاعداً نحو التقدم، حين ترسخ في ذهن المواطن أنّ " العسكريتاريا " من صلب العلمانية، وحين ساد في المجتمع ما يُعرف بـ " ثقافة الثكنة " حيث القائد العام للجيش في مقام الرئيس السري للبلاد، أوامره بمثابة تعاليم مقدسة. وهذا ما يفسر تكتل المعارضة كلها لتكسر الإصلاحات المقترحة، لأنها لا تريد بالفعل أن يتم تحديث النظام ويصبح أكثر ديمقراطية عن طريق توسيع قاعدة الحريات، وهي التي تقتات على قوة العسكر والتمييز والتحريض العرقي والمذهبي والطبقي.
ولكنّ إقرار الإصلاحات بنسبة 58 %، وبنسبة مشاركة اقتربت من 77 %، أكد تراجع الأتاتوركية وإرثها لمصلحة الإصلاحات الدستورية، مثلما أكد اتساع دائرة التأييد للتوجه السياسي الذي يمثله حزب " العدالة والتنمية ".
إنّ خيارات الناخب التركي كانت بالفعل التخلص من نظام الوصاية العسكرية المدعوم من المؤسسات القضائية، ولم يكن الحزب الحاكم وحده يريد ذلك، بل أنّ فئات واسعة من الشعب التركي، من ليبرالية ويسارية وقومية وإسلامية، كانت تريد أيضاً تحديث النظام وترسيخ نظام المساواة والعدالة.
وفي هذا السياق من الخطأ اعتبار نتيجة الاستفتاء انتصار تيار إسلامي ضد التيار العلماني، بل إنّ الجانب الاجتماعي هو الأكثر أهمية، إذ أنّ النخبة الكمالية التي تربت في المؤسستين العسكرية والقضائية، وحكمت البلد زهاء أربعين عاماً، تواجه معارضة من الطبقة الوسطى، حاملة التغيير، القادمة من وسط الأناضول. وهذا ما عبر عنه أردوغان بقوله: إنّ تركيا شهدت حدثاً تاريخيا‏ًً,‏ إذ أنّ هذه الـ " نعم " التي عبر عنها الناس لا تبشر بقدوم عهد متجدد من الديمقراطية وحسب، ولكنها سوف تضع أيضاً حداً نهائياً لكل الانقلابات العسكرية التي كانت تزعزع الأمن والاستقرار في البلد وتقوض وتعيق التطور والانفتاح والتقدم.
ولكن يبدو أنّ المرحلة الأتاتوركية كانت ضرورية لإعادة توحيد الأمة التركية، التي تمزقت بفعل نهاية نظام إمبراطوري دام أكثر من 600 سنة، في إطار دولة قومية جديدة. ولولا هذا النجاح الأتاتوركي لكان من المستحيل ولادة المرحلة الأردوغانية، التي يُفترض أن تنقل تركيا من حقبة العسكرة الكاملة إلى حقبة الدمقرطة الكاملة.
وتكمن قوة الأردوغانية: أولا، في شعبية حزب " العدالة والتنمية " الواسعة التي لا تقتصر على الفئات المتدينة من الشعب، فقد ضم جمهور ناخبيه أيضاً علمانيين يتوقون إلى التحولات الديمقراطية، بعد قرن من إمساك الجيش عملياً بالسلطة، وجمهور الأقليات القومية والدينية التي تتوق إلى نظام منفتح يعترف بالتنوع، وطبقة رأسمالية صاعدة. وثانيا، في إنجازاتها الاقتصادية ( أصبحت تركيا، في عهد حكومة حزب " العدالة والتنمية "، في عداد أقوى عشرين اقتصاد في العالم، وفقاً لتصنيف البنك الدولي ) والإصلاحات السياسية الهادفة إلى توسيع هامش الحريات، وتقليص دور الجيش في الحياة العامة، في إطار تلبية معايير " كوبنهاغن " للاتحاد الأوروبي، تمهيداً للحصول على عضويته. وثالثا، بسياساته الإقليمية، وتصالحه مع جميع جيرانه على أساس المصالح المشتركة، وتسوية الخلافات بالحوار، ووضع مصلحة تركيا فوق ما عداها، والوقوف إلى جانب قضايا الحق، والتصدي للغطرسة الإسرائيلية وحصارها الظالم لقطاع غزة.
إنّ التعديلات الإصلاحية لن تؤدي إلى تعزيز المستقبل الديمقراطي لتركيا فقط، وإنما إلى تصحيح أخطاء الماضي، ووضع حد لسطوة المؤسسة العسكرية، وهيمنتها على دوائر صنع القرار تحت ستار كاذب اسمه الحفاظ على مستقبل العلمانية، وقد أصاب الأستاذ ياسين الحاج صالح حين قال " خسر العلمانيون وفازت العلمانية ". الآن سيعود العسكريون إلى ثكناتهم، بعد أن بات محظوراً عليهم، وبمقتضى الدستور، التدخل في العملية السياسية، وقمع الإرادة الشعبية، وحكم صناديق الاقتراع. كما سترتفع رايات " العلمانية المؤمنة " في تركيا، تعبيراً عن المصالحة الحقيقية بين الإسلام والحداثة.
ومن المؤكد أنّ التعديلات الدستورية ليست كلها تعزيزاً لسلطة حزب " العدالة والتنمية "، ولكنها أيضاً أعطت حقوقاً إضافية للأقليات والمرأة وحماية الطفل، ومنحت الأفراد حريات كبيرة لم تكن ممنوحة في السابق. فهي نصت، من ضمن ما نصت، على: توسيع عضوية المحكمة الدستورية العليا ومجالس القضاء، وتعزيز الحق بالمساواة بين المواطنين، واحترام خصوصيات الفرد، وحماية الأطفال، والمساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل، وحق المساواة الجماعية، وتمديد صلاحيات المحاكم المدنية على حساب المحاكم العسكرية، وإنهاء حصانة القوات المسلحة إزاء الملاحقات القضائية.
ومن المؤكد أيضاً أنّ الطريق ليس سهلاً أمام أردوغان وحزبه، فإذا كان تدخل المؤسسات غير المنتخبة مثل العسكر والقضاء في الشأن السياسي مسألة تتعلق بكل شرائح المجتمع فإن التحديات المتبقية عديدة: هناك المسألة الكردية، حيث يريد الأكراد أن يُدخلوا ضمانة الاعتراف بهويتهم في الدستور الجديد، بعد أن كانت المؤسسة العسكرية القومية تنظر إليهم باعتبارهم خطراً انفصالياً.
ومن جهة أخرى، يمكن أن تشكل نتائج الاستفتاء التركي فرصة لكثير من الحكومات العربية، التي ما تزال مترددة في مغادرة مربع العقلية الأمنية، للسير في طريق الإصلاح الحقيقي نحو الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون واستقلال القضاء. فبالرغم من موقف الحكومات فإنّ الحدث التركي سيساعد على تشكيل نقلة نوعية في الثقافة السياسية العربية، حيث شكل الاستفتاء ونتائجه مفاجأة بالنسبة إلى الرأي العام العربي الذي لم يكن يتوقع أن يكون جيرانهم الأتراك على هذا المستوى من التطور والتقدم.
وأياً كانت النتائج التي ستتمخض عنها التطورات المتسارعة في المشهد السياسي التركي الراهن، فإنّ القراءة الموضوعية للمشهد تكاد توحي بأنّ كرة الجليد تحركت في اتجاه التغيير، حتى أضحى الأتراك بصدد تدشين أسس جمهوريتهم الثانية، كي تغدو أكثر تقبلاً للاختلاف والتعددية وأشد قرباً من الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة.
وهكذا، يبدو أنّ استقرار المعادلة بين " الدولة العميقة " القديمة في تركيا، والحزب الحاكم الذي يمثل دينامية الأجيال الجديدة والفئات المتوسطة، ويراهن على الخيار الأوروبي لاحتواء " النظام الأمني "، هو العامل الذي يضمن أن تكون حصيلة سنة 2011 الانتخابية في منزلة إيجابية، ما يفترض أن تكون تركيا قادرة على التطلع إلى الأمام نحو آفاق يعاد خلالها تحريك عجلة الإصلاح وتفعيل الدور الإقليمي.
ولكن هل ستكون حكومة حزب " العدالة والتنمية "، بعد هذا الانتصار، أكثر قدرة على مواجهة المشكلة الكردية، المشكلة الوحيدة ذات الخطورة الاستراتيجية على الداخل التركي، والتي لا تزال تفرض على الجيش التركي نفسه قدراً من العسكرة في العديد من المناطق، أي تفرض خروجاً دائماً من الثكنات في تلك المناطق ؟



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد الماركسية السائدة .. عبد الحسين شعبان يحطم مراياه
- حوار الثقافات أم صراع الحضارات ؟
- واقع العرب الراهن .. مصالحة تاريخية بين أطراف السياسة والمجت ...
- الأنظمة الاستبدادية .. العروبة ليست بخير
- الأمن القومي العربي يبدأ من علاقة الدولة بمواطنيها
- كلفة تعثر التنمية في العالم العربي
- فقر الثقافة السياسية العربية
- الدول العربية الفاشلة وشرعية الأمر الواقع
- حين تصبح المؤامرة مشجباً تعلق عليه الأزمات
- ضعف شرعية الحكومات العربية
- دور التعليم في تنمية الموارد البشرية العربية
- حالة المواطنة في العالم العربي .. سيادة الاستبداد وغياب القا ...
- تفاقم الاحتقان السياسي والاجتماعي في العالم العربي
- الحكومات العربية والرأي العام
- تضخم دور سلطة الدولة العربية وضعف دور المجتمع المدني
- تركيا والمشهد الإقليمي في الشرق الأوسط
- تدهور الحياة الثقافية العربية
- أهم معوّقات التقدم العربي
- الاقتصاد العربي .. الموارد استُنزفت والإرادة استُلبت
- افتقاد الأنموذج في العالم العربي


المزيد.....




- لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن ...
- مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد ...
- لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟ ...
- إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا ...
- مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان ...
- لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال ...
- ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
- كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟ ...
- الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
- مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبدالله تركماني - نهاية نظام وصاية العسكريتاريا على الحياة السياسية التركية