أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الطيب آيت حمودة - هوية الأمازيغ ،التأصيل والتشريق .















المزيد.....


هوية الأمازيغ ،التأصيل والتشريق .


الطيب آيت حمودة

الحوار المتمدن-العدد: 3131 - 2010 / 9 / 21 - 16:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


واعتصموا بحبل الله جميع ولا تفرقوا .....
الهوية ،كلمة مجردة ،صعبة التوضيح،دلالاتها متباينة من مجتمع لآخر ، مهتمة بتوضيح العلائق بين الأنا ، والآخر ، وهي من اهتمامات الفلسفة و علم النفس ، وانتقل المفهوم اٍلى العلوم الانسانية والاجتماعية على أوسع نطاق، وتعريفات الهوية متشعبة لا تعنينا بقدر ما يعنينا الجانب العملي المؤثر في حياتنا الحاضرة ،المليئة بالمشاحنات والصراعات الفكرية وألاديولوجية والمذهبية واللغوية. .
المفهوم البسيط للهوية : هي جملة القناعات والأفكار والمعتقادات التي يؤمن الفرد والجماعة ، وتكون متميزة عن هويات أخرى مماثلة لها من حيث القيمة النسبية ، وقد صنفت اٍلى هويات صلبة وأخرى لينة ، لذا يكون الحديث عن الهوية مقرونا بأبعاد متباينة أحيانا ،ومتقاربة أخرى ، كالبعد الجغرافي ، والديني ، والسلالي، واللغوي ، والتراثي الفلكلوري ... أي كل ما يظهر المجتمع بلون مغاير عن المجتماعات الأخرى القريبة والبعيدة. ..
وتنشأ هذا النزعة بدأ من الطفولة بتساؤلات محيرة ( من أنا ؟، لمن أنتمي؟ ، من أقربائي؟ ، علاقتي بالجيران والأصدقاء؟ ، فيما أشبههم؟ ، فيما أختلف عنهم ؟ ) وتتدرج هذه التساؤلات الى مرحلة المراهقة ، ثم إلى مرحلة النضج والرشد ، حيث تتوسع المدارك ، فتبدأ العلاقات الاجتماعية كسمة مسيطرة بارزة ، فتتدرج المفاهيم من البساطة إلى التعقيد ، فيبدأ الراشد بالتعرف على محيطه القريب والبعيد ، يصاحبه شعور بالٍاحساس بأنه ليس وحيدا ، وأن مصيره مربوط بالجماعة التي ينتمي اليها ، وتتدرج أكثر بالتعرف على انتماءات أوسع، قومية ،ودينية، و لغوية ،و إنسانية، و فكرية ...... ويتخذ لنفسه منهاجا حياتيا ،قد يسايره أو يعدله ،تبعا لمقتضيات التجارب التي يمر بها . وما قيل على مستوى الفرد يقال على مستوى الجماعة ، والشعب والأمة.
وبالرغم ما قيل عن منافسة العولمة للهويات ، ومحاولات تجميعها في هوية نفعية واحدة ، اٍلا أن هذا التهديد زاد من تمسك الأمم بخصوصياتها ،ولغاتها وثقافاتها خوفا من الضمور والذوبان في الغير ، وما من شك في أن الاٍنفجار المعلوماتي ،وتطور وسائل الاٍتصال، ساهما بقسط وافر في البحث عن الخصوصية والذاتية..
**أنواع حبال الهوية :
تتعدد عناصر الهوية وتتباين من أمة لأخرى ، فما هو ثانوي عند بعض الأمم ، قد يُعد أساسيا عند أخرى ، فالٍاثنية السلالية مثلا ممركزة عند المشارقة ، أكثر مما هو في بلدان الغرب ، وتنمحي تماما في المجتمع الأمريكي ليحل محلها الولاء للأرض .. أمريكا ، وما قيل عن الٍاثنية يقال عن الدين ، فهوية المجتمعات الشرقية ممركزة على الدين أكثر مما هو في الغرب العلماني الذي تعطي دساتيرها حق اختيار الأديان ، أو حتى الاٍلحاد ،فلا تهم الديانة بقدر ما يهم الولاء للوطن والقانون ...أما اللغة رغم قيمتها في المجتمعات التي تعد متخلفة كمعيار للتوحد ، بعض الدول المتقدمة تجاوزته في تجارب رائدة ، مثل بلجيكا ، وسويسرا ، وكندا .فهذه الدول تتعدد فيها اللغات الرسمية تبعا للأطياف المكونة لها . وفي اعتقادي أن أكثر عناصر الهوية تأثيرا في البشر هي الجعرافيا ، أي الأرض ، حيث نشأ الٍانسان وترعرع ، واكتسب من خلالها حسا ووجدانا ، يعبر عنه بمختلف الوسائل الحسية والفنية . هذه العناصر السالفة الذكر تعد وتصنف من الهويات الصلبة ،المركبة و المعقدة ، تليها عناصر أقل أهمية كالتاريخ والتراث ، والعادات والتقاليد الممثلة في الفلكلور واللباس والطقوس الحياتية ، زيادة عن السمات المميزة للمجتمع من أخلاق ، وحسن معاملة ، وكرم الضيافة ، والثقافة ، وخصال حميدة أوذميمة ، وأنواع السجايا التي يتحلى بها المجتمع ، كل ذلك يعد من الخصائص المميزة لهوية المجتمع. .
**حبال هويتنا الأمازيغية ....؟
اذا أسقطنا ماقيل عن الهوية وعناصرها ، يتبين أن الهوية في بلداننا المغاربية ، تعرضت لهزات عنيفة طوال تاريخنا الطويل الحافل بالمقاومات ، فالأرض تعرضت للتوسع والتقليص تبعا لتأثير الدول القائمة ، والديانات تباينت بدأ بالوثنية مرورا باليهودية والمسيحية ،ثم أخيرا الإسلام ، مع شبه تشتت مذهبي ، أي بعبارة أوضح الهوية التاريخية المغاربية تشكلت من تجارب هواتية متعددة تبعا للمؤثرات الدينية والمذهبية واللغوية الوافدة ، وهذا ماجعل المنطقة خزان الهويات ، ومركز انفجار بركاني هواياتي وشيك ، اٍذا لم تعالج الأمور على روية وحسن تدبير من المجتمع الفاعل، والحكم الراشد .والبحث ما أمكن عن عناصر هوياتية تلم الشتات أكثر مما تفرقه ، وتعمل على التلاحم والاحترام المتبادل ، الذي لا مكان فيه للاٍلغاء والتهميش ، في اْطار قانون دولة قويه أساسه العدل بين مختلف أطياف المجتمع . فالهوية التي نسعى اٍليها ليست عدوانية بقدر ما هي من أجل الحفاظ على الذات ، لأن ما يلاحظ اليوم هو تمكين للهويات الوافدة على حساب الهوية الوطنية الأصيلة ، وهو ما ولد نوعا من الاحتقان النسبي ، والشعور بالدونية والمذلة ، أمام طغيان الآخر ، وهذا يفسره التشهير بالهوية العربية كبديل عن الهويه الأمازيغية ، واللغتان الفرنسية والعربية كبديل للغة الأمازيغية الأصلية ، ثم تزييف الحقائق والمعطيات تحت تأثير الفكرين الفرنكفوني والعروبي ،بجعل هذه البلاد ذات انتماءات مفروضة قسرا وبدون وجه حق ، فأصبحت البلاد عربية رغم أنفها ، وخارج اٍطار رغبة سكانها الأصليين . فأصبح التغني بالمغرب العربي مشروعا قائما على حساب طمس قسري لهوية البلاد الأصلية.
ومن وجهة نظري ، يجب التفكير في أرضية وئام وتصالح مع الذات ، بايجاد أرضية وفاق وطني مغاربي تتغلب فيه الرزانة والحكمة والتعقل ، ( مشروع مجتمع)، تلغى فيه الاٍثنية والدعوة لها ، ومحاربتها عن طريق الٍاقناع ، ويصبح الولاء للأرض (والوطن ) والدين والتاريخ المشترك ، ونقوي تميزنا عن غيرنا في أوجه مختلفة ، مع خلق جسور التقارب مع أهل ملتنا حيثما وجدوا دون انغلاق ، وأقترح عناصر هوايتية كالتالي: :
1)**حبل هوية الأرض..
هي أكثر الهويات تأثيرا في الفرد والمجتمع ، بسببها تقوم الحروب ، وتعقد الأحلاف العسكرية ، وتسود الاختلافات ، الوطن هو الذي يتطلب الدفاع والحماية ، وهذا ما فعله أجدادنا طيلة 33 قرنا من المقاومة المستميتة ، وحب الأوطان من الإيمان ، والتراث العربي مليء بالتلميحات الدالةعلى تقديسها ، منها ما قاله أحد الشعراء المغاربة :
سألوا عامرا إلى أين تمضـــي=== قال يا قوم هذه الأرض أرضـــــــي
أنظروا هل ترون وجها غريبا=== واسمعوا لهجتي و إيقاع نبـــــضي
إن جدي دفين تلك الروابـــــي==== و بها عشت بين بسط و قبــــــض
و الشجيرات تلك مسقط رأسي====و مطافي مابين حبو و ركـــض
و رعيت الأنعام فيها و رتـــل====ت كتابي فيها و أديت فرضــــي
هذه الأرض أيها القوم أرضي===فدعوني أمضي,دعوني أمضـي
كما يتجلى حب الوطن بأعلى صوره يوم الهجرة، بعد أن خرج الرسول الأعظم من مكة، وقف على حدودها، والتفت إليها وقال::
(ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك).
كما أورد الشاعر مصطفى صادق الرافعي قائلا::
بلادي هواها في لساني وفي دمي***يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خير فيمن لا يحب بلاده**** *ولا في حليف الحب إن لم يتيم.
وقد قيل الكثير عن حب الأوطان ، فالأرض هي التي تحتضن الإنسان بعقيدته ولغته ، وجميع صفاته ، والتأثير متبادل بينه وبين الطبيعة ، لذا قيل الإنسان ابن بيئته ، فكلماقست البيئة كلما كان أبناؤها متميزين بالقسوة ، فقسوة وشدة المغول (التتار) مستمدة من قسوة البلاد التي نشأوا فيها ، وطبيعة المجتمع البدوي تختلف عن القروي لاختلاف طبيعة الموطن ، كما أن الأفراد والجماعات المهاجرة تتصف بصفات المناطق والمواطن المهجرة اٍليها في غالب الحالات ، فطبيعة بلاد تمازغا على سبيل المثال سمحت بنبوغ عدد كبير من المفكرين أمثال ابن رشد ، و ابن خلدون وغيرهما .وكانت مصدر اٍلهام لكثير من الوافدين أمثال الرسام العبقري الحاج نصر الدين دينيه ذو الأصول الفرنسية.
ومن خلال ماقيل يمكن القول بأن الوطن بأبعد معانيه يعد الركيزة الأسمى في نشأة الأمم ، وتوحد الفكر ، وتكون العاطفة ، والمخيلة الشعبية رغم تعدد الأصول البشرية واختلافها ، فالأرض هي سلطان الهوية . بها يتشكل الشعب الذي يستعد للدفاع عن موطنه بسخاء. .
**حبل الدين الاسلامي:(2
تُعد الديانة الاسلامية فيالبلدان المغاربية ركيزة مهمة في وحدة شعوبها العقيدي ، ووضعها أفضل مما هو عليه في بلدان المشرق ، التي تعاني من تشتت ديني ( يهودية ، مسيحية ، اٍسلام ) وتشتت مذهبي ، ( سنة، شيعة ، طائفية كما هو الحال في لبنان .).
فالٍاسلام في بلاد تامازغا فطري ، يمتاز بالبساطة ، بساطة أهله ، فالمذهبية الدينية لا أثر لها تقريبا ، فجلهم سنة مالكية ، يتأثرون لكل ما يقع لاٍخوانهم في الإيمان ،هذا الدين الذي يعد جامعا قويا لأبناء هذه البلاد ، كثيرا ما ثاروا من أجل نصرته ، باسمه حاربنا الاستعمار الحديث ، وتعاطفنا مع اٍخوة الإيمان في جميع قضاياهم حيثما كانوا . و تعرض تميزنا المذهبي لهجمات مذهبية عبر التاريخ في محاولات لتحييده ، فكانت محاولات الخوارج ، والشيعة بقسميها الفاطمي والأدريسي ، ثم ، العلوي ، مع ظهور الطرق الصوفية بتعددها واختلافاتها . ثم الهجمة الوهابية في السنوات الأخيرة بطروحاتها المغايرة لمذهبنا المالكي. .
ومفهوم الوحدة الإسلامية يتخطى الحدود الجغرافية والسياسية ، ومطمح الدولة الاٍسلامية الواحدة يبدو بعيد المنال لبروز أفكار معادية لها ، مستلهمة من الفكري الغربي الحديث ، وغذته الطموحات والزعامات الفردية التي تهتم بالريوع والسلطة أكثر من غيرها . غير أن الأمل باق في النفوس في انتظار بزوغ فجر جديد تلغى فيه الحدود المصطنعة التي فرقت الأمة الواحدة الى دويلات متناحرة متسايفة ،بالرغم من وجود عوائق مثبطة منها استغلال الدين في السياسة قصد الوصول إلى الريادة، ولو على أشلاء اٍخوانهم في الإيمان ، وهو الأمر الذي نفر الغرب من الإسلام ، وظهر الفكر المضاد (الإسلاموفوبيا) ، وشوهوا العقيدة تشويها خطيرا ، ففعل المسلم بنفسه مالم يفعله العدو بعدوه.
3)** حبل السلالة العرقية :
كثيرا ما قيل بأن الوحدة الإثنية العرقيه سبيل لنشأة الدولة ، ويحرصون على النموذج الألماني كقاعدة ، غير أن الواقع يظهر عكس ذلك ، فالأمم دائمة الحركة بحثا عن ظروف أحسن ، قديما وحديثا ، وأبرز دليل على ذلك الهجرات السامية ، غير أن العناصر الأصلية تبقى هي النهر الأصيل الذي يبتلع كل الأجناس الوافدة ، مهما كان عددها وتنوعها ، اٍما عن طريق الإنتماء أو الإختلاط والتزواج ، وبالتالي فالأقوام الوافدة تأخذ من صفات البلد الذي تعيش فيه سلبا وايجابا ، فالأوروبي المهاجرالى أمريكا واٍن حاول التمسك بهويته الأصلية أمام هويات أخرى موازية ، اٍلآأنه اقتنع في الأخير بتحمل هوية الأرض التي تأويه ، فأصبح فخورا بأمريكيته أكثر من فخره بأصوله السابقة ، غير أن الوضع في مغربنا الاسلامي شاذ ، فتحولنا بفعل فاعل من أمازيغ الى عرب ،من حيث لا نعلم ،بالرغم من أن الهجرات العربية إلى بلداننا لم تكن بالكثافة التي تغير الوضع الديموغرافي في أرض شاسعة واسعة ، ولعب الاٍنتساب دوره بين الأمازيغ لتحقيق أغراض نفعية، أو تقربا لآل البيت أو حبا في الإسلام الذي لا يفصلونه عن العرب . و توهمنا عن سذاجة أن العرب والاٍسلام صنوان ، وتبين بعد التوهم أن العرب جنس والإسلام دين ، توهمنا بأن اللغة العربية والاٍسلام صنوان ، وتبين بأن اللغة شيْء ، والديانة شيء آخر ، واجتهد العروبيون في تبيان التلاحم غير القابل للتفكك بين العناصر الثلاثة كذريعة للاٍستيلاء على الألباب ، ووظفوا ما وظفوا ، وزوروا ما مازورا ، حتى بلغ بهم الأمر الكذب على رسولنا الأعظم كالحديث القائل ( حب قريش ايمان ، وبغضهم كفر، حب العرب ايمان وبغضهم كفر .....) وقلنا بأن الاٍنفصال واضح بين العناصر الثلاثة بالدليل العملي ، باٍمكاني أن أكون مسلما دون الحاجة إلى وساطة عربية ، وبإمكاني أن أكون مسلما بلغتي الأمازيغية ، وباٍمكاني أن أكون مسلما دون الحاجة إلى غيري ، فالايمان لا يحتاج إلى ترجمان ، ووسيط ، بل يحتاج إلى قلب صادق بعيد عن الزيغ ، مطبق لتعاليم الاٍسلام ونواهيه ، وادعاء الشرف العربي مدعاة للسخرية ، أمام قول رب العلمين( ٍان أكرمكم عند الله أتقاكم ...) وما الشرف ٍالا مايقدمه الإنسان من عمل خيّر لصالح أمته ووطنه .ولا يمكن لعلبة صبيغة من تلوين البحر الأمازيغي العظيم
ونافلة القول هو الٍانتماء اٍلى الأرض التي تأوينا جميعا بمختلف مشاربنا ، والاٍنتساب اٍلى أهل الأرض شرف ، لأننا مسلمون جميعا ، فالنهر الأمازيغي ماض في جريانه لايعبأ بالروافد المغذية له ، فهو يبتلع كل الإثنيات والحضارات والثقافات . (وهو الشيء الذي أورده الشاعر بشاربن برد عندما سألوه عن أصله قائلا :(أما اللسان والزي فعربيان ، وأما الأصل فعجمي ) واٍن لبس الأمازيغي لبوسا متنوعا فاٍ نه حافظ على جسده سليما من الاٍستيلاب المهدد لهويتنا عبر العصور و الأعاصير.
4) حبل اللّغات .. :
تعرضت بلاد المغارب ( تمازغا) لسلسلة من الغزوات الفكرية واللغوية ، بدأ بالتأثير اللغوي الهليني ، والفنيقي ، والروماني والوندالى ، ثم العربي وأخيرا الفرنسي ، وكل هؤلاء حاولوا إفراغ وعائهم اللغوي والثقافي في بلادنا ، على حساب اللغة المحلية ، وقد يتحجج البعض بضعف لغتنا ، غير أن الأصوب أن اللغة تضعف بضعف أهلها ، وتقوى بقوتهم ، لأن اللغة يبتكرها الإنسان ، وتقوى بقوته ، أو تنهار بانهياره ، ومادام وضع أمتنا الأمازيغية في وضع سلبي طيلة الحقب التاريخية ، فهذه المقاومة ألهته عن الإهتمام بلغته والبحث عن أساليب تطويرها ، ورغم ذلك فقد حافظت على كينونتها مشافهة ، ولها رصيد ثري في المجال الأدبي المحكي يحتاج ٍالى عناية وفحص لاستخراج النفيس منه . كما أن العناية بها مؤخرا سيساعد لا محالة على ازدهارها وتطورها ، خاصة اٍذا تم اعتماد أكاديمية أمازيغية ترعاها وتغذيها بالمفاهيم المستجدة ، مع ضمان التوحد بين لهجاتها المختلفة ،سواء العربية منها أو الأمازيغية ،وقد يندهش البعض لهذا التوجه ، ويتساءل عن مصير اللغة العربية أمام هذه الهجمة الأمازيغية ، والفرنكوفونية ، فلنقل لهؤلاء ، بأن اللغة العربية مصانة بيننا ، أحببناها لكونها لغة ديننا الحنيف ،وهي غنيمة إسلام ،و الوعاء الحامل لبعض من ثقافتنا واٍنيتنا ، دافع عنها الأجداد وطوروها ( جهود ابن أجروم ، وابن معطي الزواوي )، وأنشأنا لهل خطا متميزا ( الخط المغربي الجميل) ، وأصبحنا نناظر العرب فصاحة وبلاغة ، وجعلناها وسيلة التواصل مع أهل الملة في المشرق ، لكن هذا لاينسينا أصولنا ،وحق اللغة الأمازيغية علينا ، فهي أكثر وطنية من غيرها ، ولا حاجة لتوطينها فوطنها في القلوب والذاكرة الجماعية لأمتنا عبر ربوع بلاد تمازغا الإسلامي ،والعناية بلغة الأجداد لا ينتقص من اٍسلامنا شيئا ، لأن أمما إسلامية كثيرة لا تستعمل العربية ، وهي بدرجة ٍايمان وتقوى قد تفوق العرب أنفسهم ، أما الفرنسية فهي غنيمة حرب كما سماها كاتب ياسين ،ورثناها عن الاستعمار ، وهي وسيلة تواصل مع الغرب ، وبالإمكان استبدالها تدريجيا بلغة أكثرعالمية منها هي الأنجليزية . ولا ضير من تعدد اللغات ، لأن التجارب أثبتت التعايش الٍايجابي فيما بينها ، مثلما هو الحال في سويسرا وبلجيكا وكندا . وهو ما يدعو اليه: الشاعر العراقي صفي الدين الحلي قائلا :
بِقَدْر لُغَاتِ الْمَرْءِ يَكْثُرُ نَفْـعُه ===== وَتِلْكَ له عِنْدَ الشَّدِائِدِ أَعْوَان
فَبَادِرْ إِلَىٰ حِفْظِ اللُّغَاتِ وَفَهْمِهَا===== فَكُلُّ لِسَانٍ فِي الْحَقِيْقَةِ إِنْسَان
فنحن بحاجة ٍالى تعلم اللغات للاٍنفتاح أكثر على العلوم والتقنيات الحديثة ، حتى لا تبقى الأمة على الهامش، تستجدي الغير في التواصل وربط العلائق . فتعدد الألسن حكمة من حكم الله سبحانه وتعالى. .
5)**حبل التاريخ المشترك:
وهو ذاكرة الأمة ، من خلاله نتفهم الحاضر ، ونرسم خطط المستقبل ، وهو سلاح خطير ، وخطورته تكمن في تلوينه تبعا لأديولوجيات وافدة وما أكثرها... ، خاصة وأن أجدادنا عزفوا عزوفا كليا عنه ، نكرانا للذات المحلية ، وكثيرا ما تُخصم و تجتث الحقب التاريخية من تاريخنا ، فمن قائل بأن التاريخ القديم لهذه الأمة لا يهمنا لأنه تاريخ كافر ..؟، ومنهم من يرى بأن بعثه مدعاة للتناحر والتسايف والاٍقتتال ، ومنهم من يرى بأن تاريخ البلاد يبدأ من الفتح الإسلامي ، وآخرون يفضلون بدايته من التغريبة الهلالية ، وآخرون ميالون الى تتريك البلاد ، أو فرنستها ودواليك ، كل هذا ونحن شهود على ما يقولون بدون ردة فعل ، فترى تاريخنا ممزق بين المشارقة والتغربيين ، وضاعت الأمة ، وضاع تاريخها بجذوره الضاربة في أعماق الماضي السحيق ، تائها بين وقع السيوف ، وأقلام التزوير ....اٍنها أقلام المؤرخين الذين أرخوا وزورا كيفما شاءوا ، وكما أرادوا في غياب النظرة الوطنية ، فكانت المحاكمة جائرة حضرها الاٍدعاء العام والجاني ، وغاب عنها الضحية ، ٍانها محاكمة غيابية ، وما أقساها من محاكمة في حق ذاتنا ووطننا. .
وردعا للاٍ لتباس ، فان تاريخ تمازغا له جذور ضاربة في أعماق التاريخ ، منه نستقي وطنيتنا الحقة ، وأجدادنا عاصروا دولا عظيمة، وكانوا من الأمم التي لها تقويمها ، ولغتها المكتوبة والمحكية (الدارجة )، شواهدهم دالة عليهم ، وقد ساهموا مع الوافدين في جلائل الأعمال ، لا يجب نكرانهم أو نسيانهم ، عيبهم أنهم لم يدونوا مآثرهم عبر العصور . والعناصر الوافدة لايجب أن لا تتغنى بأصولها وتاريخها ، مهما كانت الذرائع والعلل، لأن ذلك نكران لجميل هذه البلاد التي تأهويهم ، والأمة التي احتضنتهم ، وحتى لا يتحولوا بدعوتهم الى مستعمرين ، أمثال الرومان والترك والفرنسيين ، فجميع الوافدين يجب أن يندمجوا في بوتقة الشخصية الأمازيغية التي لا تحتاج اٍلى ضرة منافسة لها . شأنهم في ذلك شأن جميع الأقوام الوافدة ٍالى بلادنا ، هذه الشخصية التي تتقبل الفكر والعقيدة بلغتها دون الحاجة اٍلى الذوبان في الغير.،غير أن بعض الأقوام الوافدة شاذون ،يريدون تبني شخصية مشرقية سلالة ، ولغة ودينا وثقافة وتاريخ ، وهم في ذلك واهمون ، لأن المشارقة واٍن تظاهروا بقبولنا ، اٍلا أنهم لا يستسيغوننا تماما ، لأننا من بيئة مخالفة لهم ، لذا لايجوز اٍدعاء العروبة أكثر من العرب أنفسهم ....؟
6) **حبل العادات والتقاليد::
لأمتنا الأمازيغية ثروة من العادات والتقاليد ، موروثة عن الأجداد ، تلاقحت وتناغمت مع تقاليد الوافدين ، وتشكلت لبنة منصهرة شبه متجانسة ، وحافظنا عليها قدر الاٍمكان من الاٍندثار ، ولا زال البرنوس الأمازيغي( من ابداع الأمبراطور الروماني كراكلا ذو الأصول الأمازيغية )والقندورة والشاش والشاشية رمزا لنا في المناسبات ، ومازالت مناطق من بلادنا تزخر بأنواع شتى من الرموز الدالة على عراقتنا ، فحافظنا على الجلابة القبائلية ، و الملحفةالشاوية واللباس النايلي ، والزرابي ذات الشهرة العالمية ، والقشابية الوبرية ، كما لنا أطعمتنا المتميزة كالكسكسي ، و الشخشوخة ، ولناأدبنا الشعبي ( الشعر الملحون بالعربي الدارج ،والأمازيغية ( اٍقويلن) ، ولنا أعيادنا الدينية ، و الوطنية المتميزة ، خاصة ما تعلق منها بالتراث مثل (يناير) الموافق لبداية رأس السنة الأمازيغية ، و الربيع الأمازيغي ، واحتفالات المولد النبوي الشريف .... ولنا فننا الخصوصي بموسيقاه التي تجاوزت حدود الوطنية ، خاصة ما تعلق منها بالتراث ، فكانت رائعة ايذير ( أفافا اينوفا) التي بلغت شهرتها الآفاق ، وتغنى بها الكثير من محبي االطبوع الأمازيغية ، ولنا فننا الشعبي بأصالته ( الحوزي ) الأندلسي المستمد من تراث اخواننا مهاجري الأندلس أيام محنتهم ، ولنا خصوصياتنا في اٍقامة الأعراس والولائم ، ومراسيم الختان ،..ولنا معمارنا الأصيل ، خاصة في المناطق القروية ، والصحراوية ، مثل قرى ومداشر منطقة القبائل والأوراس ، وقصور غرداية ، و قباب المدن الصحراوية ، و (الفقارات ) ذات الإبداع في توزيع المياه على مستحقيه من أصحاب البساتين ، زيادةعن روح التضامن في اقامة الأعمال ذات النفع الاٍجتماعي كاٍصلاح الطرق ، والتعاون على انجاز الدور ، واٍ صلاح الآبار والسدود والترع التي تعرف ( بالتويزة) .
هذه نبذة عن تميز أمتنا الجزائرية والمغاربية من بلاد تمازغا ، ولكل منطقة خصوصياتها التي تمليها طبيعة الجغرافيا والطبيعة ذات التأثير الواضح في حياة ساكنيها . ومهما عددت وتذكرت فاٍن آفةالنسيان تلعب دورها ، لذا أستسمح كل من وجد ثغرة ونقصا أو أنه لم يجد لنفسه تلميحا في الموضوع .عناصر هويتنا عبارة عن حبال تشدنا شدا وثيقا ، تضمنا إلى أرضنا المعطاءة ، واجبنا يدعونا اٍلى الحفاظ عليها مشدودة دون اٍرخاء لها ، ودون ذوبان في غيرنا ، ذاك عهد قطعناه لأجدادنا منذ الأزل.

خلا صة القول أن الأمة المغاربية عموما ، والجزائر خصوصا لها هوية متميزة مستمدة من أرضها وتاريخها ودينها ولغتها ، وعاداتها ذات القيم المحلية المعبرة عن الذات ، لسنا عروبيين ولا غربيين ، ملامحنا دالة علينا في قيمنا وشيمنا وتضامننا أيام المحن والشدائد ، ومهما اختلفت رؤانا ، وتعرضنا لغزو فكري واديولوجي من مختلف الجهات ، اٍلا أن أمتنا قادرة على الاحتفاظ بتميزها ، و قادرةعلى التفريق بين الصالح والطالح ، والغث والسمين ،خاصة ونحن نعيش أشرش فترات العولمة الجارفة لكل القيم.....



#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جودا ، أكبر (الإستهجان والإستحسان).
- الغزو العربي لشمال إفريقيا ( أرقام ودلائل )
- الغزو العربي لشمال إفريقيا ، ( الغزوة الثامنة، 85 للهجرة) .
- الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السابعة، 74 للهجرة)
- الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السادسة ، 69 للهجرة)
- الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الخامسة ، 62 للهجرة)
- الغزو العربي للشمال الإفريقي ( الغزوة الرابعة55 للهجرة )
- الغزو العربي لشمال إفريقيا( الغزوة الثالثة، 50 للهجرة )
- الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الثانية ،45 للهجرة)
- الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الأولى ،27 للهجرة)
- آية السيف ، بين التفعيل و التعطيل .
- المنسي والمستور من جهاد طارق بن زياد .
- أي عروبة لابن باديس في الجزائر ؟؟؟
- حرملك الحاج أحمد باي بقسنطينة .
- و بنوأمية ..هم عرابوا الفكر الشعوبي .
- من الخصي البيولوجي ، إلى الخصي المعنوي .
- الأمازيغي آكسل الشهيد ( كسيلة ) جهاد وطن ؟ أم جهاد دين ؟ ( 2 ...
- الأمازيغي إكسل الشهيد ( كسيلة ) جهاد لوطن ؟ أم جهاد لدين ؟ ( ...
- الأمة الأمازيغية ... بين الاستحواذ والإستقلال ؟!
- كلام .... في الوطن والوطنية ..؟؟!


المزيد.....




- لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور ...
- -لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا ...
- -بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا ...
- متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
- العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
- مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
- وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما ...
- لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
- ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
- كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الطيب آيت حمودة - هوية الأمازيغ ،التأصيل والتشريق .