|
(2) تنازل متعمد عن حقائق تاريخية / مسلسل آخر الملوك نموذجا
جاسم المطير
الحوار المتمدن-العدد: 3128 - 2010 / 9 / 18 - 16:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يؤكد سيناريو آخر الملوك ، بعد مشاهدته في شهر رمضان ، أن كاتبه ليس فقط لا يملك غير رؤى فوضوية مبتعدة عن أمور التاريخ وظروف السياسة وآمال الواقع الاجتماعي ، بل انه لا يملك أي تصور عن كيفية فهم التاريخ بموضوعية ، وعن أهمية كتابة بعض مشاهده بحيادية . كما انه كشف علنا عن فكرته المحددة بتمجيد شخصية فيصل الثاني ، مبتعدا بذات الوقت عن كل ما يتعلق بنشاطات القوى الديمقراطية المعارضة ، متساهلا مع (الأيدي القذرة) التي لعبت بالعرش من كل جوانبه . لهذا السبب ، كما اعتقد ، كان يتصور بأن مهمة كتابة سيناريو تاريخي لا تتطلب غير وضع (وصفة سياسية) بجانب وصفات أخرى متخيلة ، أو وضع بعض الأحداث ، واحدة بعد أخرى ، يمكن أن تجعل منه مؤرخا تلفزيونيا شهيرا ، تماما مثلما يفعل الكثير من مقدمي برامج الطبخ في الشاشات الفضائية متصورين أنفسهم أنهم سادة الطهو والمطابخ بينما هم يخلطون مواد الطبخ خلطا يثير ضحك النساء العارفات بشئون الطبخ الواقعي الذي يثير حقا شهية الآكلين . التاريخ لا يُصنع مثل الشوربة في المطابخ ، لا يُصنع في حكايات متصورة أو مستنتجة ، بل التاريخ في كل زمان ومكان وفي كل حالات كتابته بما في ذلك كتابة سيناريو تلفزيوني إنما يعتمد على الوثائق . يُصنع العمل السينمائي والتلفزيوني على أساس ما متوفر من الوثائق . أما في حالة انعدام الوثائق فأن الكاتب الذي يصنع سيناريو إنما يقع في الفوضى أحيانا ، و في التناقض في أحيان أخرى ، وفي التضييع في أحيان ثالثة . وللتخلص من الحالات السلبية الثلاث فأن ذلك لا يتم إلا باستخدام (علم الاجتماع) في تفسير النصوص الوثائقية التي لا تتوفر أمام الباحث إلا القليل منها . في هذا الوضع فأن الباحث يعتمد على النظام الاجتماعي القائم ، وعلى العادات الشعبية ، وعلى فهم الغايات الإنسانية ، أو على فهم الغايات السيكولوجية ، كما فعل الروائي الأمريكي دان براون في روايته ( دافنشي كود ) التي أخرجت للسينما بافتراضات كثيرة اعتمدت على إتباع تحليل مناهج تاريخية – سيكولوجية قديمة وحديثة . لكن كاتب سيناريو (آخر الملوك) مذ تابعته في مسلسله الأول لم يكن مطلعا على حقائق من يكتب عنهم ، لذلك صار يكتب عنهم بمحاولات تجميل صورتهم أمام المشاهدين ظنا منه أن ذلك يجمّل المسلسل نفسه . لذلك صار ضحية نقص معلوماته عن شخصية نوري السعيد ومرجعيته فابتعد مسلسل (الباشا) عن الاعتدال وعن الصدق والحقيقة . أنا واثق انه سيأتي يوم لا بد أن يدرك ذلك ، في زمن ما في المستقبل القريب إن كان قادرا على تحليل الكتابات النقدية بحقه وبحق أعماله وبحق طاقته الإبداعية التي يضيعها هباء . لم يختلف في مسلسله الثاني (آخر الملوك) عن نهج رسالته في المسلسل الأول فقد سلخ مجددا الكثير من الحقائق ، وراح يعتمد على قدرات المخرج حسن حسني وإمكاناته الفنية الإبداعية لستر عيوب السيناريو ، من خلال تقوية ادوار الممثلين والقدرة على التعامل داخل المكونات الناقصة أو المخطوءة في عدد من الوقائع غير المدروسة موضوعيا . هل استخدم كاتب السيناريو صداقة الوثائق ، والانغمار في البحث داخل الكتب والصحافة العراقية والأجنبية عن مواقف وأفعال الشخصيات السياسية داخل الأحداث في الفترة 1953 – 1958 وهي فترة ملوكية فيصل الثاني ..؟ هل تعامل مواجهة مع معاصري تلك الفترة للاطلاع على شهاداتهم ..؟ هل كان حريصا على إنقاذ السيناريو من ضحالة الكثير من المشاهد والعلاقات والأحداث داخل المسلسل ..؟ هل فكر في أن يكون على مساس واطلاع على الوثائق البريطانية في مراكزها بالخارجية البريطانية ليتجنب مشاهد محرفة أو غير صادقة أو حتى مرذولة ..؟ لا أظن ذلك وإلا لما وقع في جب مظلم من أسفار بعض مشاهد السيناريو بنوع من (المبالغات) التي غاصت في حوادث الماضي القريب بعلامات مميزة عن (الافتعال) في عدد من المشاهد ( واقع الناس خلال فيضان بغداد ، العائلة المالكة خلال مرض فيصل الثاني عن عتاب الوصي عبد الإله لنفسه ، عن طيبة العلاقات بين العائلة عن العلاقة مع الطفل اليتيم جعفر ..ألخ ) إنها علاقات افترضها الكاتب بأداء تمثيلي آلي ومجزأ من دون علاقة حقيقية مع واقع العيش في القصور الملكية . كما أنها ، من الناحية الفنية ، لم تدرك أي غرض أو معنى أو مبنى .. فماذا يفعل فلاح شاكر لو كلفته هوليوود بكتابة سيناريو عن روبسبير مثلا ..؟ شرع كاتب السيناريو في رسم مشاهد أراد منها أن يغرس في عقول المشاهدين شيئا من التفكير والتأمل عن إنسانية قادة النظام الملكي ، وعن عقائدهم الوطنية ، وعن إيمانهم بالله ، وعن تمسكهم بالحرية والديمقراطية . واصل فلاح شاكر الليل بالنهار ، كما يبدو ، ليظهر السجال المتناقض القائم في الليل والنهار في البلاط الملكي والقصور الملكية وفي مقرات حزب نوري السعيد وحزب صالح جبر بأنه سجال من اجل مصالح الشعب ومن اجل توفير الحرية والديمقراطية والعيش الرغيد خلال فترة 1953 – 1958 وهذا بحد ذاته افتراء كبير على الواقع وقضاياه خلال ذات الفترة التي صار فيها فيصل الثاني ملكا . من اجل أن يتحسس القارئ الكريم زيف الكثير من أحداث المسلسل ، ومن اجل أن لا تنخدع إدارة وقيادة قناة عراقية كبرى بمستوى ( الشرقية ) فأنني أحاول التنبيه إلى وثائق وحقائق ليست مستلة من وثائقي الشخصية وليست مستلة من بيانات الحزب الشيوعي الذي كنت انتمي إليه في تلك الفترة كي لا اتهم بالانحياز ، بل أحاول أن استل معلوماتي من شخصيات وأحزاب وجرائد ليست شيوعية ولا اشتراكية بل من مصادر قومية قد تشكل مرجعية معلوماتية لبعض العاملين في قناة الشرقية ، التي اختارت مشرفا تاريخيا على المسلسل لا ينتمي لآي تيار يساري هو الصديق العزيز الدكتور عماد عبد السلام ، لضمان شيء من موقفي الحيادي وكشف التحريف الذي قصده ( أو لم يقصده ) كاتب سيناريو آخر الملوك . العراق كما هو معروف بلد نفطي يعد حاليا الاحتياطي العالمي الثاني ، لكن كاتب المسلسل تجاهل تماما كل ما له علاقة بين النفط والسياسة ، بين النفط ونظام الحكم في العراق ، سواء قبل عهد الملك فيصل الثاني أو أثناء تبوئه على العرش ، حيث من المعروف أن قضية النفط العراقي كانت ــ ومازالت حتى اليوم ــ نارا ملتهبة جدا في الشارع العراقي وفي الاقتصاد العراقي وفي المجلس النيابي بعد قيام وزارة الدكتور محمد مصدق في إيران بتأميم النفط الإيراني . انعكس ذلك على الشارع العراقي ثم منعكسا على المجلس النيابي الموجود آنذاك حيث اشتدت مطالبة الصحف الوطنية وبعض الشخصيات الوطنية والحزبية ومنهم بعض كتابات الاقتصاديين الشيوعيين بتأميم النفط العراقي . كان احد هؤلاء هو محمد مهدي كبه رئيس حزب الاستقلال (كما جاء في ص 212 من مذكراته) بقوله تحت قبة البرلمان (أن لا مندوحة للعراق إذا أراد الاستفادة من موارد ثروته الطبيعية هذه وإذا أراد التخلص من جور هذه الشركات إلا أن يسلك سبيلا واحدا وهو تأميم هذه المرافق من قبل الدولة ونقل ملكيتها إليها وهذا حق صريح ضمنته القوانين الدولية ..) . كذلك كتبت الكثير من الصحف العراقية ، اليسارية واليمينية ، للمطالبة بالتأميم متحدية موقف القوى الاستعمارية الكبرى ، التي كانت تهدد العراق ، خصوصا بريطانيا وأمريكا ، من اتخاذ أية خطوة لتأميم النفط . في عامي 1952 و 1953 اشتدت مطالبة القوى الوطنية والقومية برفض (اتفاقية النفط) التي أبرمت بين شركة نفط العراق الاستعمارية وبين الحكومة العراقية حيث صادق عليها مجلس النواب 1952 بأغلبية 89 صوتا وتغيب عن حضور الجلسة 40 نائبا كما صادق عليها مجلس الأعيان بأغلبية 17 صوتا مقابل صوت معارض واحد . هذه الاتفاقية وغيرها من قضايا النفط لم يعرها كاتب مسلسل (آخر الملوك) أي اهتمام في جميع حلقات المسلسل ، متجاهلا اكبر واهم قضية عراقية كانت موضع بيانات احتجاجية متعاقبة أصدرها الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي العراقي وحزب الجبهة الشعبية المتحدة وحزب الأمة الاشتراكي (حزب صالح جبر) وحتى حزب البعث العربي الاشتراكي المتشكل حديثا بالعراق . أتذكر بهذه المناسبة أن الأحزاب الوطنية قد دعت إلى (إضراب عام) في أنحاء العراق كافة يوم 19 شباط 1952 احتجاجا على اتفاقية النفط الجائرة بحقوق العراق في ثروته النفطية وقد أضربت أسواق مدينة البصرة ومدارسها كافة وحدث اعتصام جماهيري بمبادرة وقيادة اللجنة المحلية للحزب الشيوعي وفرع الحزب الوطني الديمقراطي أمام مبنى شركة نفط البصرة في (الجبيلة) شاركت فيه قوى جماهيرية واسعة وقد ووجه الاعتصام بالقمع البوليسي وباعتقال عشرات المعتصمين . كانت تعقيدات قضية النفط العراقي والجور اللاحق بها من قبل الشركات الاحتكارية هي اللهب الكبير الذي سبق تتويج الملك فيصل الثاني وأعقبه . ظل اللهب قائما في كل سنوات جلوس الملك على العرش ، كما كانت هي محور الصراع الأميركي – البريطاني للسيطرة على السياسة والاقتصاد في العراق خلال 1953 – 1958 أي الفترة التي كان فيها الملك فيصل الثاني ملكا على العراق ، في نفس زمان مسلسل (آخر الملوك) إذ أن شعار تأميم النفط العراقي ارتفع مجددا عام 1956 في الشارع البغدادي بعد قيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في آب من نفس السنة ثم قيام العدوان العسكري الثلاثي على مصر في تشرين الثاني 1956 . هذه القضية المحورية الكبرى نسيها فلاح شاكر (مغمورا) أو تناساها (متعمدا) في مسلسله التلفزيوني ، وكأن البلد النفطي العراقي يخلو من حسابات القوى الاحتكارية النفطية العالمية وكأن تغيير الوزارات والحكومات المتعاقبة في العراق ، التي تناولها المسلسل ، لا علاقة له بالصراع من اجل السيطرة على ثروات شعبه وكأن حلف بغداد كان مجرد (خاطرة) استعمارية لا علاقة لها بالسياسة النفطية العالمية . لقد بدأت حلقات المسلسل وانتهت من دون التزام كاتبه بزمان النفط ومسعى شركاته للحصول على مئات الملايين من الدولارات سنويا بالتواطؤ مع قادة الحكومات العراقية المتعاقبة ، مما جعل الشعب العراقي غاضبا عليهم غضبا شديدا مهد لانفجار ثورة 14 تموز 1958 . هل من الممكن لأي مؤرخ عراقي ، حتى في الدراما التلفزيونية ، أن يقدم 30 حلقة سياسية من دون أن يكون هناك أي تركيز ، أو أشارة ، على النفط بينما ناضل فلاح شاكر ، كثيرا ، في مسلسله لتقديم مشاهد ثانوية لا تعلـّم المشاهدين حقيقة أصول وفصول الألم المبرح الذي تعاني منه جماهير الشعب العراقي نتيجة سيطرة حكومات القمع البوليسي التابعة للشركات النفطية ، بينما ربط المؤلف نفسه بمواقف هامشية في القصر الملكي أو في البلاط أو في الشارع محاولا في كل ذلك التهليل لديمقراطية الملك الموهومة ولوطنية نوري السعيد المزعومة . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع
#جاسم_المطير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منهج تضييع الحقائق في الدراما التاريخية / أخر الملوك نموذجا
-
قراءة في ذاكرة الفنان ناظم رمزي
-
نواب الشعب العراقي : موبايل حتى مطلع الفجر .. !
-
شاشة فضائية اسمها ( قناة الله) .. !!
-
الوصاية على الفنون عبوة ناسفة للإبداع
-
الاحتباس الوزاري
-
الشاعر إبراهيم البهرزي عاشق القرية الباحث عن الحرية
-
تهديم سلطة تقديس النصوص بآلية النور والعلم والتنوير
-
الوطن العراقي المفضل هو الوطن الثقافي المليء بخمائل الإبداع
...
-
عن ثقافة النائبات المحجبات في البرلمان العراقي ..
-
نبوءة كارل ماركس عن فشل الرأسمالية في معالجة الأزمة المالية
...
-
علّمنا استبصار الاشتراكية واستنطاق الأدب الساخر وأقنعنا أن ا
...
-
تهريب النفط العراقي مستمر والأخلاق مغلولة ..
-
عن جمهورية الموز والقرود ..!!
-
عن رؤية رشيد الخيون في لاهوت السياسة ..
-
الفاسدون يصومون في رمضان ويسرقون ..!
-
البرلمان العراقي ليس حرا .. عاطل رغم انفه ..
-
عن بغداد والأربعين حرامي
-
بغداد مدينة تتميز بعجائب الزمان والمكان ..!
-
مؤتمر القمة العربي رقم 47 في بغداد ولعبة الفساد المالي
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|