رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3128 - 2010 / 9 / 18 - 02:16
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
في حواري أمس , مع إبني سيف , بخصوص توقف القنوات السويدية , عن نقل الدوري الإسباني ال لاليكا / La Liga هذا العام , وإقتصار نقل تلك المباريات على إحدى القنوات الخاصة التي تستدعي إشتراك وكارت و Box وماشابه , وكلفة ذلك
قادنا الحديث وتشعبنا كعادتنا دوماً , لنصل الى أمريكا وسياستها والعولمة والقرية الكونيّة .
سيف طبعاً , يصل في النهاية الى أنّ أمريكا تقريباً ,هي السبب في كل شيء ( مثل أستاذ فؤاد النمري ) مع أنّهُ ليس ماركسي ولا حتى يساري , لكن رأيهِ ناتج غالباً بسبب ما يسميّه إحتلال العراق ودمارهِ وما يسمعهُ عن حال البلد اليوم ( وهو مُحقّ نظرياً, الى حدٍ ما ) .
بينما أنا أسميّه تحرير العراق من صدام وزبانيتهِ , ووضعهِ على أعتاب الديمقراطية .
ولا أنظر الى الأمور بالأسود والأبيض فقط , بل بتفاصيل باقي الألوان .
ما علينا , تعددت نظرة الأجيال .. والموتُ واحدُ !
سأعود في نهاية المقال الى ملخص سريع لنقاشنا ورؤيتي لعالم اليوم .
***
الدوري الإسباني القوي / LA LIGA
كنّا في السنوات الماضية , نتمتّع بمشاهدة أهمّ مباريات هذا الدوري الممتاز , خصوصاً مباريات البارسا ( برشلونة ) ونجومهِ ميسي ورفاقهِ , والنادي الملكي ريال مدريد , ونجومهِ كريستيانو رونالدو وهوكوايين وكاسياس وراموس و زملائهم
وباقي مباريات الأندية المهمة, ك فالينسيا وأتليكتو مدريد وسفليا ( إشبيلية ) وأوساسونا .
هذا الموسم توّقف بث المباريات ,لأنّ مبلغ النقل التلفزيوني قد قفز بوضوح ( حسب شرح مقدّم البرنامج السويدي ) , بحيث يصعب على القناة العادية ذات الإشتراك العام شراء تلك المباريات .
سأضطر الى شرح الإشتراك التلفزيوني للمواطنين
يدفع كل منزل أو شقة ( ماعدا كثير من المهاجرين ) , لمحظة الإذاعة والتلفزيون ومقرّها في مدينة ((كيرونا )) أقصى شمال السويد , إشتراكاً سنوياً قدرهُ ( 2200 كرونة ) أو حوالي 300 دولار أمريكي .
نحصل على عدد من القنوات يتراوح بين 14 الى 18 وحسب المدن والمناطق .
والقنوات التابعة للدولة ثلاث أو أربعة فقط والباقي خاصة , فالأموال التي تجمع تكون لتسيير عمل القنوات الحكومية , بينما الخاصة تموّل نفسها طبعاً عن طريق الإعلانات .
***
ماعلاقة ميسي بذلك ؟
كما نعلم جميعاً أن كرة القدم / هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم , وميزانية إتحادها الدولي قد إرتفعت تدريجياً بحيث فاقت بكثير ميزانيات دول مهمة ومعروفة .
بل أنّ حقوق نقل كأس العالم الأخيرة قد وصل الى سعر خرافي
وأنّ قناة الجزيرة التي إشترت تلك الحقوق لتبيعها للقنوات العربية قد بالغت بأرباحها الى درجة إمتنعت دول عديدة ( كالمغرب ) من شراء تلك المباريات .
على كلٍ, تضطر الدول التي تشتري (غالي ) ,أن تبيع غالي لجمهورها , من خلال قنوات مشفرة
وهذا بدوره يقود الطبقة المتوسطة والفقيرة الى البحث عن طرق أخرى ( غير شرعية ) لأجل مشاهدة المباريات بأقل كلفة ممكنة
في الواقع إنّ كرة القدم هي سرّ الوجود ( عند البعض ) , وتستحق مباراة يلعب فيها ميسي ضد كريستيانو رونالدو أن يُدفع لها لمشاهدتها في المنزل .
لكن السؤال : كم ندفع ومين يجيب اللي ما عنده ؟
وهل نتخلى عن شيء يسعدنا في هذا العالم المزدحم بخيرهِ وشرّه ؟
هناك إختراع إسمهُ فك التشفير للقنوات المشفرة بجهاز وبرنامج معين .
ومن أشهر برامج فك التشفير برنامج / دريم بوكس,أي صندوق الأحلام, وهو من اكتشاف ألماني ولكنه يصنع في الصين وسورية , ويستعمل في البلدان العربية وغيرها ربّما , ويعتمد البرنامج على الانترنت , ويتم تجديده كل 6 أشهر , وبسعر لا يزيد على 50 دولار للمرة الواحدة , فيتيح مشاهدة جميع القنوات وعلى مختلف الأقمار الصناعية.
وهناك وسائل مختلفة تُستحدث دوماً , أغلبها عن طريق النت
***
لنلقي نظرة سريعة على عملية مشاهدة مباراة مهمة وكلفتها
اللاعب الفذّ يكلف ناديهِ مبلغ ضخم
النادي يسترجع المبلغ المدفوع أضعاف مضاعفة , وبطرق عديدة منها التذاكر والإعلانات وحقوق البث وكلّما ترتفع مصاريف النادي , ستطالب إدارتهِ بمبالغ إضافية لنقل المباريات ( أعتقد ريال مدريد هم الأكثر جشعاً في هذا المجال , كونهم يدفعون أسعار خيالية دائماً لشراء اللاعبين ) , ولولا وجود رونالدو لما أجهدتُ نفسي في البحث عن مبارياتهِ .
القنوات التي تشتري المباريات , ستطلب من جمهورها دفع المزيد
فلو إمتنع الجمهور ( وقال طزّ , في المباراة ) ستلغي تلك القناة فكرة شراء المباراة
طبعاً القناة نفسها لايكفيها إشتراك المشاهدين بل بين شوطي المباراة هناك إعلانات تجلب بضعة ملايين من الشركات المُعلنة
مع ذلك نلاحظ مايلي
قناة الجزيرة ( معقولة هنا ) كونها تبيع الإشتراك لحزمة قنواتها بمبلغ معقول لا يتجاوز 100 دولار في السنة
لكن في الدول ذات الدخل الفردي المرتفع , يتضاعف هذا الرقم كثيراً .
***
حتى القنوات الفضائية تختلف طبعاً فيما بينها من حيث قدرتها وكلفة إنشائها
فتبدأ من نصف مليون دولار للقناة البسيطة , ويصل المبلغ الى مئات الملايين كقنوات الجزيرة والMBC ومثيلاتهم .
مع ذلك هناك سؤال مُحيّر في هذا المجال
أليست الجزيرة رافعة لواء العزّة والكرامة العربية وعدوة الغرب الكافر ؟
فلماذا عصرت الناس عصراً في نهائي كأس العالم الأخير ؟
أخبرني صديق ( لم أعثر على الرابط ) ,أنّ الجزيرة إشترت حقوق البثّ من ال ART بمبلغ 2 مليار ريال سعودي .
***
من جهة أخرى , يصل حجم الإنفاق السنوي عالمياً , في مجال مباريات كرة القدم حوالي 250 مليار دولار . ( ربّما سيقول إستاذ فؤاد هذه سرقة من الصومال وبنكلاديش ) .
الأرقام مجنونة فعلاً لمن يسمع التفاصيل ,وحتماً تذهب بعض المليارات للفساد Corruption , لكنّ في الأساس هي قضيّة تجارة ( بزنس ) , لتلك الاتحادات والشركات والنوادي الرياضية والوسطاء .
والتاجر فاجر كما نعلم , حسب وصف الإمام علي , قالوا وإن آمن ؟ قال : وإنْ آمن !
نعم حتى متعة المواطن العادية يتّم المتاجرة والتكسّب منها .
هذهِ طبيعة الحياة اليوم , في جميع مجالات الحياة حتى في صالات القمار بلاس فيجاس ومثيلاتها في مونت كارلو , هناك مليارات تُصرف , لكن تبقى العجلة تدور بين دائن ومدين وإقتصاد جزئي وكلي وغير ذلك ( يعني ليست القضية سرقة من كوبا والصومال )
***
في بعض الدول المتطوّرة في المحاسبة , كالسويد مثلاً, يحتسبون مالياً حتى ساعات عمل ربّة البيت في منزلها إذا كانت غير موظفة ويُخصص لها أجر على ذلك تستلمهُ من الحكومة , رغم أنّ صديقها أو زوجها يعمل , ( ونفس الشيء يحدث لو كان الرجل عاطل والسيدة تعمل ) , ولو كان الإثنان عاطلان فسوف يُدفع لكلاهما , لذلك غالبية المهاجرين لا يندفعون لسوق العمل عادةً .( البعض منهم يعمل بما يُسمى بالأسود حتى لايدفع ضريبة )
عموماً كل شيء محسوب , حتى مشاهدة لوحة فنيّة والتمتع فيها يُحتسب مالياً ويقارن بحاجة المرء للسفر و إرتاد النوادي والمتاحف لمشاهدة اللوحات المماثلة .
هناك تفصيلات كثيرة في هذا المجال .. ما علينا
***
خلاصة ما أريد جلب الإنتباه لهُ , لتوضيح نظرتي لطبيعة الحياة في عالم اليوم هو ما يلي :
مقياس تطوّر الدول , أصبح يُقاس بمقدار الخدمات التي يحصل عليها المواطن وإرتفاع مستوى معيشتهِ في دولة معيّنة .
الخدمات ليست عيباً أو جريمة تخجل منها الدول , بالعكس الناس تُهاجر الى تلك الدول لتنعم بالرخاء والحرية هناك .
وتلك الدول الغنيّة , تقدم مساعدات بالمليارات سنوياً للدول الفقيرة والمتوسطة , وتلك المليارات تجمعها من دافعي الضرائب ومن العاملين في الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات .
بينما هناك مقياس للدول الفاشلة , تتسيده الآن الصومال والسودان ثم العراق واليمن وسوريا ودول عربية أخرى , ويكون الفساد والإرهاب هي نقاط القياس للتخلف غالباً .
ولا داعي لتكرار القول أنّ السياسة هي المُحدّد الأوّل لمصير البلد , فهذا بات واضحاً للجميع .
( الدليل وجود بلدان فقيرة بمواردها مثل هونك كونغ , لكن متقدّمة في كل شيء ) .
و مثال بسيط عن العراق يوّضح فكرتي , ودون مقارنتهِ مع الإمارات العربية مثلاً .
عام 1977 حسب ما أتذكر خرج علينا , طه الجزراوي وكان وزير الصناعة والمعادن وقتها ليعلن , أنّ معدّل حصة الفرد العراقي من الطاقة الكهربائية ( كذا كيلو وات ) و سيكون الأول بعد عامين في منطقة الشرق الأوسط , وكان وقتها العراق يشتري المصانع الجاهزة حتى التي لا يحتاجها , ويخزنّها في منطقة الحصوة وأبي غريب .
ومرّة دفع العراق عشرة ملايين دولار , كمقدمة لطلبية سيارات تيوتا لم تنتجها الشركة بعد , يعني ساهم في تنشيط وإزدهار تلك الشركة التي أصبحت عملاقة الصناعة اليابانية اليوم , ماعلينا .
بعد بضعة سنوات تغيّرت الطموحات والأحلام عند القادة , فدخل صديم ( الذي قال حينها إنّ العراق يطفو على بحيرة من الذهب الأسود ) , في حرب ضد إيران إستمرت ثمان سنوات , قادت البلد الى تداعيات مازال وسيبقى العراق وشعبهِ يعاني منها لعقود قادمة .
وهنا أتذكر هرم الدكتور/ إبراهام ماسلو , للحاجات الإنسانية الذي يتكون من خمس طبقات أو درجات تبدأ كما يلي :
أولاً / الفسيولوجية , كالطعام والجنس والسكن
ثانياً / الأمنية , للعيش بسلام وتأمين على النفس والممتلكات .
ثالثاً / الإجتماعية , كالصداقات والعلاقات والتستسة .
رابعاً / الحاجة لتقدير الذات والقبول لدى الآخر والإحترام والنجاح .
(تذكرت لقطة للمبدع عادل إمام في المصعد مع إحدى الجميلات / فلم السفارة في العمارة قالت لهُ أدخل معكَ الشقة , بس تقعد بإحترام .
فأجابها : أنا راح أحترمك إحترام !!! ح نفضل نحترم بعض للصبح )
طبعاً هذهِ اللقطة تقع ضمن الطبقة الثالثة من هرم ماسلو وليس الرابعة ( للتوضيح فقط ) .
ثم خامساً وأخيراً / الحاجة لتأكيد الذات , مثل الإبداع والإختراع والمجد والشهرة .
وهذه الأخيرة كان قد وصلها صدام وبدل أن يسعى للحصول على جائزة نوبل للسلام أو دخول (( مجموعة جنيس )) , كأسرع رئيس نهض بشؤون شعبه مثلاً
دخل جنيس ... لكن كأسوء رئيس بدد أموال شعبه في فترة معينة .
ثمّ فشلَ في تحطيم رقم هتلر في عدد القتلى جراء رعونتهِ .
لكن نجح لاحقاً بإثبات نفسهِ كأجبن رئيس على مرّ العصور عندما أخرجوه من حفرتهِ
***
جدير بالذكر أن عموم الشعب العراقي تراجع اليوم الى الدرجة الثانية في هرم د. ماسلو للحاجات البشرية بحيث يقبع عند درجة الأمن , بحثاً عن السلام والتخلص من الإرهاب .
إذن السياسة هي التي قادت الى ذلك المصير الأسود الذي يدفع ثمنهُ الشعب العراقي اليوم
وهي نفسها السياسة التي تجعل الغرب يتنعّم بالخدمات وحياة الرفاهية لشعوبهِ ويجعلهُ قبلة الناس دوماً .
يعتقد إبني , أنّ أمريكا تقود العالم , من خلال خداعها للشعوب
وضرب لي مثلاً عن صفقة السلاح الأخيرة مع السعودية بقيمة 60 مليار دولار .
وكيف خوّفتهم من قوة إيران المتنامية وتهديدها النووي وما شابه .
وجهة نظره محترمة طبعاً وأنا فخور بهِ لتلك النظرة التحليلية .
لكنّي أقول , حتى لو كانت أمريكا هي الشيطان الأكبر الذي يخدع الأبرياء ؟
هل يعفينا هذا من مسؤوليتنا ؟
هل يكفينا القول , خدعونا وركبوا ظهورنا بقادة عملاء من صناعتهم ؟
طبعاً على ظهورنا تستنسرُ البغاتُ , لو سكتنا على ضيمهم .
صار لنا قرن من الزمان نسمع أغنية / أمريكا عدوة الشعوب وتتاجر بمصالحهم
طيّب , لماذا تبقى جميع دولنا غبية ومستسلمة لذلك القدر ؟
ولماذا ينخدعون كلّ مرّة , كما إنخدع صديم فدخل حرب قادتهُ لحروب أخرى ؟
أكيد يتذكر الكثيرون , ذلك الكاريكاتير المميّز في صحيفة الغارديان بداية الثمانينات , رسم يصوّر صدام قد ضرب خميني بركلة ( جلاّق بالعراقي ) فإنحشرت قدمهِ في مؤخرتهِ وهو على وشك السقوط لفقدانهِ توازنه .
هل ننكر أنّ من بين أهم أسباب تخلفنا وجود مشايخ يملأؤون الدنيا زعيقاً بطاعة القائد / أو ولي الأمر ؟
هل ننكر سلبيتنا عموماً وعدم إنجاز أعمالنا على وجه الدقّة ؟
هل ننكر تقاعسنا وكسلنا وتفضيلنا الصوم والصلاة على العمل في المصانع والحقل ؟
هل ننكر صناعة الموت التي يُنظّر لها المشايخ فتصل قوافل الإرهابين وقاطعي الرؤوس من الصحراء الى العراق وغيره لتقتل الأبرياء في الأسواق والمدارس ؟
لماذا يجب أن يكون تردّي وضعنا هو مسؤولية الآخرين ؟ وبالذات الغرب الكافر ؟
ولماذا لاننهض مثل نهضتهم الكبيرة ؟ بس لا تقولوا مباديء , يبقى شكلنا وِحِش جداً
لو نظرنا كمثال واضح لأهم مشكلة في شرقنا الأوسط ( القضية الفلسطينية ) وما قادت إليه خلال ست عقود , ألسنا نتمنى اليوم أن نحصل على نصف فلسطين حسب قرار التقسيم عام 1947 ؟ فصائب عريقات يقول بلسانهِ : نحنُ نفاوض على 22% من تلك الأرض .
فلماذا إذن كانت ست عقود من الحروب ؟
بالطبع لا أقصد الدفاع عن الغطرسة الإسرائلية ( كي لايتصيد محموء معيّن ) بعض كلماتي
بل أقصد بوضوح السياسة التي تقود الى دمار الشعوب .
أو الى التطوّر والخدمات والرفاهية , حتى لو كانت بدون ال لاليكا !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
18 سبتمبر 2010
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟