|
من يقف وراء سياسة تأهيل البعث
علي خضر
الحوار المتمدن-العدد: 946 - 2004 / 9 / 4 - 12:11
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ان اول من نظم المقاومة ضد السلطات الفاشية في المانيا وايطاليا في ثلاثينيات القرن العشرين هم الشيوعيون الذين قرأوا التاريخ جيدا ووجدوا بأن البرجوازية لن تتحرك معهم ما دامت مصالحها الطبقية والثقافية غير مُعرضة للخطر. وعندما غزت هذه السلطات، المتحالفة مع اليابان، النمسا في عام 1938 وجيكوسلوفاكيا في 1939 كان التردد في ردعها هو موقف كل القوى البرجوازية الاوربية. بل ان قسما من هذه القوى كانت تتعاون مع الفاشية، وكذلك كان موقف الكنيسة المسيحية. ولم تدخل بريطانيا وفرنسا الحرب الا بعد ان دخلت الجيوش النازية في بولندا وبدأ الخطر على مصالحهم التجارية يظهر بوضوح. وبالرغم من ذلك وعلى عادة التفكير البرجوازي فأن تحركهم كان بطيئا والتعبئة الشعبية كانت على مستوى وطنيتهم، فسقطت باريس بأيدي الفاشست في اواسط سنة 1940. وفي الفترة الاولى للاحتلال كانت المقاومة الشيوعية السرية المسلحة هي الوحيدة التي تكافح بحزم من اجل الاستقلال. حركات المقاومة الاخرى مثل الديغولية وغيرها ظهرت فيما بعد وبدعم من بريطانيا وامريكا. وعندما انتهت الحرب اغمضت الحكومات الاوربية الغربية عيونها في البداية عن نشاطات بقايا الحركة الفاشية ثم بدأت باعطائها الفرصة، بحجج قانون حقوق الانسان والديمقراطية، لاحتلال مواقع يسهل من خلالها مواجهة القوى اليسارية الخطرة على سلطتها. بالطبع ان تطبيق الديمقراطية الرأسمالية يعتبر العامل الاول في امتصاص النقمة الشعبية وبناء المجتمع الطبقي الذي يرفض العنف الداخلي من خلال استخدام الحوار السلمي في حل المشاكل الاجتماعية والسياسية. ان قراءة التجربة التاريخية لاوربا الغربية تظهر لنا بوضوح ان وطنية الطبقة الحاكمة تنحصر بالدفاع عن مصالحها الخاصة ومستقبلها حتى لو كان ذلك يتطلب منها التعاون مع الشيطان. ان هذه التجربة درس مهم لمعرفة ما يحدث حاليا في العراق.
فمنذ تنصيب الحكومة المؤقتة أصبح التردد وحتى التوقف في سحق الحركة الفاشية المُتمثلة في بقايا قوى البعث البائد والقوى الاسلامية الاصولية الجديدة هو الموقف الرسمي لها. ان هذا الموقف هو تصور للشكل الذي تظهر فيه قضية مستقبل العراق في اطار وجود هذه القوى وتحديد مواقعها في النظام الجديد. وهذا بالضبط ما نجده بالتجربة الاوربية حيث نجد نفس الممارسة السياسية عند الحكومات البرجوازية الاوربية تجاه الحركة الفاشية. وحسب هذه السياسة فان الحكومة العراقية المؤقتة، الموجهه او المضغوط عليها بشكل مباشر او غير مباشر من قبل قوى الاحتلال، ستحتاج للبعثيين وللاصوليين في المستقبل القريب من اجل مواجهة القوى التي تطالب بانشاء دولة القانون وترفع شعار الديمقراطية منذ عشرات السنين والتي تشكل خطرا على وجودها في السلطة. وهذه القوى تتمثل بالحركة الشيوعية والحركة الديمقراطية ومن ضمنها الكردية.
ان عدم قيام الحكومة المؤقتة بوظيفتها في المبادرة ببناء علاقات اجتماعية جديدة تؤدي الى بناء الديمقراطية، في الوقت الذي تتطلب فيه آلية التحرر من الاحتلال اولا واخيرا التخلص من الفاشيين البعثيين والاصوليين، هو تنفيذ لسياسة قوى الاحتلال التي تعرف بأن بقائها والحفاظ على مصالحها مرتبط بطبيعة النظام القائم وانتماءات قادته الطبقية وقوته جماهيريا. ان ميكانيزم سيطرة الدول الاخرى على العراق تأتي من دعمهم لمجموعة محددة من اعضاء قادة الحكم الذين يلائمون اهدافها سياسيا او اقتصاديا او بالاثنين معا. وتبذل كل الجهود من اجل خلق الشروط لتقوية هذه المجموعة، ومن ضمن هذه الشروط خلقها لشريحة اجتماعية مرتبطة كليا بهذه المجموعة لتبرر وجودها بالسلطة. وفي العراق، بما ان سلطة القرار بيد الاحتلال فان تنفيذ هذه السياسة لن يكون صعبا. فترتبط هذه المجموعة السياسية وشريحتها الاجتماعية بمصالح مشتركة مع قوى الاحتلال هذا الذي يمنح هذه الأخيرة الشرعية في البقاء. وهنا ينطرح السؤال التالي: من هم الذين يكونون هذه الشريحة ومن هم قادتها؟ بالتأكيد فأن الشيوعيين وكل الذين كافحوا من اجل الديمقراطية خلال فترة الهيمنة البعثية، وربما أيضا بعض القوى الاسلامية المتفتحة، لن يدخلوا في لعبة دعم الاحتلال او التعاون معه. فالمقصود اذن هي تلك الشراذم التي شاركت أو تعاونت مع النظام الفاشي في اضطهاد وقمع الشعب العراقي بعربه واكراده وكل اقلياته والتي يفكر بها حاليا الاحتلال من اجل استمرار وجوده. ما هو الحل؟ ان اولى الخطوات هي ان يتم قطع الطريق على المحتلين الذين يعملون من اجل اضفاء الشرعية على وجودهم وبقائهم. وهذا يقتضي ان تقوم القوى اليسارية والديمقراطية بحزم وبدون اي تردد بسحق البعثيين الفاشيين والاسلاميين الاصوليين وباقي الانتهازيين ومنعهم من خلق شريحتهم الاجتماعية التي ترتبط مصالحها بوجود الاحتلال. وان تقوم نفس هذه القوى بدعم التوجه الديمقراطي من خلال تنظيف المؤسسات الحكومية المهمة والوزارات من كل العناصر المُخربة وفتح المجال لابناء البلد المخلصين الذين اثبتوا صدق معارضتهم للنظام البائد خلال سنوات حكمه والذين يمتلكون الكفاءة في المساهمة العملية في بناء الديمقراطية. ان اي عمل من هذا النوع سيؤدي الى دعم فعلي لسياسة التحرر والاستقلال وقطع الطريق على عودة الفاشست.
علي خضر (مدير المركز الثقافي العربي/بلجيكا
#علي_خضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المافيا البعثية تعود للسلطة
المزيد.....
-
RT ترصد التوغل الإسرائيلي في القنيطرة
-
بوتين: نسعى للريادة في الذكاء الاصطناعي
-
فرنسا تسحب مقاتلتين ميراج من تشاد إيذانًا بانسحابها العسكري
...
-
منظمة ألمانية تنتقد تمويل أوروبا لتونس وليبيا لإدارة الهجرة
...
-
الجيش الروسي في سيفاستوبول يسقط 5 مسيرات أوكرانية ويصد اثنتي
...
-
هل هناك تواصل مباشر بين طهران وإدارة العمليات العسكرية في سو
...
-
وكالة الطيران الروسية تمدد القيود على الرحلات إلى إسرائيل
-
أوربان: زيلينسكي يرفض مقترحا قدمته هنغاريا بإعلان هدنة مع رو
...
-
الحرس الثوري الإيراني: طورنا مع وزارة الدفاع طائرة مسيّرة -ف
...
-
مسيّرات غامضة على الساحل الأمريكي وعضو في الكونغرس يقول: على
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|