|
اللوم يلقى دائماً على الجفاف، الدول الاسلامية تعاني الفقر والتخلف لغياب العدالة الاجتماعية
مرام المصري
الحوار المتمدن-العدد: 945 - 2004 / 9 / 3 - 09:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تأليف :غاي سورمان قيمة أخرى حقيقية وليست اسطورية في الاسلام غالبا ما طرحت خلال الخمسينيات، ليس لشرح فشل الرأسمالية، ولكن من أجل الابتهاج بهذا الفشل ألا وهي: التشديد الذي وضعه القرآن على العدالة وتوزيع الغنى، تحتم قيادته باتجاه الاشتراكية وليس باتجاه الرأسمالية. فالاشتراكية التي كانت في تلك الحقبة تحت هيمنة الماركسية، اعتبرت أكثر عدالة وأكثر فعالية من الرأسمالية. ألم يكن الاسلام هكذا متقدما على الغرب المسيحي؟
كثير من المنظرين ـ مثل ماكسيم رودينسون في فرنسا - هنأوا انفسهم بذلك، كما استلهم رؤساء الدول العربية منها. ولكن فشل الاشتراكية العربية لم يظهر عدم فعالية الاسلام، بل عدم فعالية الاشتراكية ولو كانت عربية. ما دفع بحاملي هذه النظرية الى الصمت. وبدءاً من عام 1980، أخذ الاسلامويون على عاتقهم مبدأ العدالة الاجتماعية دون أن يقترحوا، مع ذلك، منهجا للتطور لا يكون رأسمالياً أو اشتراكياً بل اسلاموي. الاقتصاد الإسلاموي هذا، يبقى حتى الان، شعاراً هو «الاسلام هو الحل» أكثر منه مثالا أو تجربة قابلة للتحقيق.
في حدود امكانية تحليل ما يفهمه الاسلاميون عندما يكتبون بأن (الإسلام هو الحل)، لقد وضعوا الاسلام بمكانة أقرب الى اقتصاد السوق منها الى الاشتراكية. فالتفضيل الإسلاموي هذا يعتمد على القرآن، المبغض للاحتكار والمشجع لحرية التجارة، كما يفسر أيضا عبر الفشل الاقتصادي للدول في حضن العالم المسلم، نلاحظ في النهاية بأن الاسلامويين، يجتذبون أعضاء من وسط التجّار والمؤسسات الصغيرة، اذ يدافعون في المقابل عن مصالح زبائنهم هؤلاء.
اجمالا، تبدو قيم الاسلام الاقتصادية ملتبسة، إذ أن بعضها يميل الى الرأسمالية، وبعضها الآخر يعارضه. فهي تستطيع أن توضح الرأسمالية من أصولها، ولكنها لا تسمح بفهم أسباب اختفاء الرأسمالية في القرن الخامس عشر0 مفارقة تاريخية : ظهرت الرأسمالية وهي شكل من أشكال الازدهار الأولية في العالم الاسلامي لكنها سرعان ما اختفت منه لتنبثق في ذات الوقت، في العالم المسيحي. يوجد هناك على الأقل، أربعة توضيحات متعارضة، لن نستطيع الحكم بينها لكونها تتعلق بماض بعيد.
الايضاح الأول الذي لا يتمسك به الغربيون غالبا، لأنه يبين صفة دينية أكثر منها تاريخية، ولكنه شائعا ومرددا باستمرار في أرض الإسلام، وخاصة من قبل علماء الدين : لقد سقط الاسلام ـ باستيلاء المغول على بغداد في عام 1268 ـ لأن الخلفاء خانوا تعاليم النبي. فاستنتج المؤرخ ابن خلدون، الذي تطور ونقح هذه النظرية، قانونا دوريا للحضارات: يؤدي فساد السلطة - حسب رأيه-الى فساد القيم الاجتماعية، والاخلاق، وفي النهاية الى انهيار الحضارات المصابة.
كثير من المفكرين الدينيين رأوا أن ظهور خليفة صالح، ومخلص للقرآن وحده الكفيل بترميم أو تجديد مجد الاسلام وذلك بإعادة صنع وحدته وازدهاره. لنذكر وجهة نظر أخرى أكثر تعقيدا من تلك النظرية، شرحها علماء الدين الأرثوذكسيون، أعداء الطرق الصوفية : العبادات الشعبية، بتفضيلها التصوف، والفكر السحري، والانعزال عن العالم، قد حولت الاسلام عن الحياة العملية والاقتصادية. ان صعود، ما سماه محمد أركون (الاخوانية)، لتمييز التجربة الصوفية عن استعمالها السياسي، يتوافق في الواقع مع الانحدار الاقتصادي للمسلمين.
ولكن أليس الانحدار ما قد شجع الصوفية على صبّ القوى نحو الحياة الداخلية، بدلا من صبها في عالم في طريقه للزوال؟ من جهة أخرى، ان نقد الطرق الصوفية جذرياً، يدعو للتصور على انها ليست اسلاماً حقيقياً، وهذا ما يحتج عليه الصوفيون. ولكن المراجعين الغربيين الاكثر صرامة للتاريخ العربي، يعتبرون أن العالم الاسلامي لم يعرف ابدا تطورا نابعا منه: فالازدهار المعروف عنه في القرون الاولى، لم يأت الا عن طريق خيرات مناطق الفتوحات. في منتصف القرن الخامس عشر، في حين استهلكت الفتوحات وانتهت، توقف العصر الذهبي وتطور الاسلام .
دور التجارة
نظرية تاريخية أخرى أكثر كرما، تعتبر أن الاسلام قد حقق تطورا اقتصاديا نابعا من داخل العالم الاسلامي بفضل التجارة. فبدءا من عام 1492، ألغى الاسبان والبرتغاليون احتكار الملاحة البحرية من قبل العرب، فحطموا تلك التجارة الاسلامية بين آسيا وأوروبا0كما ان عام 1492 هو أيضا تاريخ طرد المسلمين خارج اسبانيا، انها السنة المحورية لانقلاب مصير العرب الاقتصادي والسياسي في آن واحد.
نستشف هنا مخطط نقد معاد للامبريالية : ان عدم تطور العالم الاسلامي، من المغرب حتى جاوا، كان نتيجة ثورة الغرب، التي هي استهلال لاستعمار لاحق. ولكن بعد خمسين عاما من الاستقلال، لماذا لم تنهض بعد معظم البلاد المسلمة؟ أعداء الامبريالية، الذين لا يزال لهم دور فعال في جامعات العالم الاسلامية يقلبون الاعتراض بحجة أن الامبريالية لاتزال مستمرة تحت غطاء الدولة الناتجة عن الاستعمار: الحكومات المصرية، المغربية، أو السودانية، تظهر كحكومات مستقلة.
ولكنها ليست سوى مستشاريات استعمارية، في خدمة المستعمرين السابقين، هكذا يقولون. لا يمكن عزل هذا النقد دون فحصه وفهمه، يبقى أن نبرهن على كون الاستعمار أو الامبريالية أو حتى الصهيونية، ومحتقريها يندمجون معا، لمنع النمو الاقتصادي فعلا. التاريخ الاقتصادي للعقود الثلاث الأخيرة قد أظهرالعكس، وخصوصاً لدى معرفة أن الشعوب المرتبطة بالامبريالية تزدهر بسرعة أكبر من تلك التي تنغلق داخل نظام الاكتفاء الذاتي.
كما ان الشعوب التي هي أقل مواجهة مع الامبريالية هي الأقل تطورا والأكثر محاصرة بالاسلامويين : مثل آسيا الوسطى، الجزائر، اليمن، السودان. تظهر نظرية عدم تطور المسلمين كنتيجة للامبريالية أو العولمة دون اساس، إذا قارنا فشل المجتمع المسلم بنجاح المجتمعات غير المسلمة الخاضعة لنفس السيطرة الغربية.
يقودنا هذا الى الشرح النهائي لعدم التطور: وهو سحق البرجوازية المغامرة الجريئة من قبل الدولة. فإذا اعترفنا ان التطور يمر بالرأسمالية، وأنها بالتالي تتطلب برجوازية حرة بشرع الاعمال، نلاحظ أن معظم الحكومات المسلمة هي حكومات شمولية وستبقى، فلا يوجد للبرجوازية المستقلة مكان في تلك الحكومات. ترى، هل باستطاعتنا أن نوضح هذه الحقيقة التاريخية في الاسلام؟
يحث القرآن، في إطار عدم التمييز بين السلطة الدنيوية الجسدية والسلطة الروحية، على تكثيف القوى والسلطات ويمنع أن تنبثق جماعة اجتماعية مستقلة مثل البرجوازية. لا يترك الاسلام (مجالاً للمقامرة) في المجتمع، على العكس من تمييز السلطة في الغرب المسيحي ـ حيث يتنافس العرش والهيكل، البابا والامبراطور ـ أو في الامبرطورية الصينية التي تزودت بمؤسسات تجارية ـ مستقلة.
اذا بدت هذه النظرية بأنها مؤسسة على علم الدين، فهي ليست مدعومة من قبل التاريخ، لانه، خلافا للافكار السائدة، كانت القوى السياسية والسلطة الدينية في العالم الاسلامي غالبا منفصلتين وبقيتا هكذا. فمنذ قرون عديدة، يعمل العلماء، والاخوانيات، والمرابطين او الأولياء، والجامعات، غالبا باستقلال نسبي، لبعدهم الجغرافي عن المركز السياسي وعلى العكس، احترم الغرب المسيحي الأرثوذوكسي حتى حقبة حديثة، طريقة السلطة الواحدة، وإذا استطعنا القول، انه بدونها قد تطّور كثيرا.
الاستبداد والفقر
أليست إذن الاستبدادية الشرقية هي من يوضح الفقر أكثر من الدين؟ نحن نميل بحماس نحو هذا التوضيح، إذا كان هناك حاجة لتوضيح موحّد، ولكن هذه الاستبدادية ليست ملازمة للاسلام. فإذا كان صحيحا أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان قائداً حربياً، وبأن الخلفاء الاوائل قد نشروا الاسلام بحد السيف، فإن هذه الظروف التاريخية ليست مرتبطة بالاسلام.
ففي آسيا الشرقية، لم يكن الاسلام منتشرا بسبب المحاربين، انما بواسطة التجّار والمبشرين؛ ففي الهند، كان دخول المنبوذين في الاسلام يتم بتلقائية، فلقد حررهم الاسلام من نظام القمع الطبقي إذا، العلاقة بين الاسلام والحرب هي عرضية وليست ضرورية. كما لا نستطيع أن نتظاهر بعدم وجود مجتمع مدني فيه؛ إذ كانت الجمعيات والمساجد والمحاكم، والاسواق هي أماكن للاجتماع تساعد على بروز مجتمع مدني. لقد تميّزت السلطة الدينية عن المؤسسات الدينية، منذ العهد الاول للخلافة؛ وجّه العلماء تنبيهاتهم الى الخليفة الاول، وكان الخليفة يأخذ نصائحهم بعين الاعتبار.
وفي القرن االثاني عشر والثالث عشر، العصر الذهبي للاسلام، كان التجّار في الاندلس يؤلفون مجتمعا مستقلا عن السلطة الدينية، وعن السلطة السياسية. فالوحدة السياسية والدينية في الاسلام هي إذا اسطورة سياسية حديثة، تتعارض مع تاريخ المسلمين، التاريخ الذي يبين المنافسة الدائمة بين السلطة الدينية والسياسية. صحيح أنه في عصرنا، في مصر وفي الباكستان وفي تركيا تبذل السلطات السياسية جهدها بدون نجاح للسيطرة على الجوامع، بينما ينشأ في كل يوم جامع جديد.
إذا كان صحيحا أن المستبدين قد حطموا دائما المؤسسات المدنية الاجتماعية، فانهم لم يتصرفوا باسم الاسلام. لا في الامس ولا اليوم. إذا، لا نستطيع توضيح الفقر بسبب الاسلام بحد ذاته، إلا إذا حصرنا تاريخ كل المسلمين في قراءة احادية للقرآن. هذا الاغواء الايديولوجي موجود عند الاسلامويين، وهذا مفهوم بما فيه الكفاية؛ كما هو موجود في العديد من المستندات الخطيّة او الوثائق الغربية، الشيء الذي يثير المزيد من الغضب. هل يقبل هؤلاء الكتّاب فهم تاريخ الغرب بقراءة أحادية للانجيل؟
طبعا لا، ولكنّا نتصرف غالبا بهذه الطريقة عندما، نشرح كل شيء عن المسلمين من خلال الدين. إنه لأمر وارد جداً أن يكون الفقر في أرض الاسلام ناتجا عن عمل الاستبدادية السياسية كما نجد في كل الحضارات وهذا احدث باسم الاشتراكية في مصر، الاستبدادية المستنيرة في المغرب وفي أندونيسيا والثورة الاسلامية في ايران.
الى أية حقبة يعود تحطيم البرجوازية النشيطة من قبل الانظمة الاستبدادية؟ يقدّر المؤرخ الباكستاني فضل الرحمن بأن، السلاطين الذين بذّروا الاموال على أنفسهم وعلى مغامراتهم الحربية منذ القرن العاشر، قد أضعفوا التجّار بضغط الضرائب العالية. فالتاريخ الاقتصادي للاسلام يمتزج جيدا مع تاريخ تحطيم المؤسسات والمنشآت بسبب السياسة: فرضية سنحاول إثباتها بتحليل تجربة المغرب.
حالة المغرب
لماذا نعتبر المغرب فريدا؟ هذه البلاد تحتل مكانة فريدة في العالم العربي لاستمرارية حضارتها ومؤسساتها، فلا يوجد أي إبداع جديد أو مصطنع يعتبر وليد تفكيك الاستعمار. حالة البلاد عريقة، وليست استنساخا عن الغرب. كما أن شروطها الجغرافية ملائمة. أمّا الشعب الذي له اصول بربرية وعربية، فلم يواجه فتناً عرقية أو دينية صعبة. إن كان قد استعمر من قبل الفرنسيين، فالجميع، في فرنسا كما في المغرب، يعترف بأن هذه الحماية القصيرة، التي لم تخلو من العنف، عملت كحافز للتطوير، وجهزت المملكة بمؤسسات حكومية .
وأسس بناء ذات نوعية عالية. وبالرغم من ان المصادر الطبيعية لا تنقص المغرب، وبشكل خاص الفوسفات، يبقى المغرب ضعيف التطور، فدخل الفرد الشهري يجعله يصنف في ربع الشعوب الأكثر فقرا في العالم كما ان نصف سكانه أميون، ونصف العائلات لا تملك وسيلة للحصول على ماء للشرب.
وبحسب تصنيف هرمي للامم المتحدة، يحتل المغرب المرتبة 123 من مراتب التطور البشري، أي في المرتبة الاخيرة. نستطيع أن نضاعف مؤشرات البؤس التي لا يراها السائحون العابرون على عجل، فهم لا يحتفظون من عبورهم في المغرب سوى بالضوء والألوان. لقد خُدع ذكاؤنا بتوهج تعكسه ارادة الطبقة المتنفذة.
علينا أن ندقق فيما إذا كانت العلاقات العامة تعوض عن السياسة الاقتصادية والتطور. نرد بقسوة: لا ! ففي طرقات الدار البيضاء وبعيداً عن الدوائر السياحية، توجد فتيات صغيرات طردن من القرى بسبب الفقر، يحملن على أذرعهن رضّعا ينهبهم الجوع. نحن لسنا في أعماق أفريقيا السوداء، بل على بعد ثلاث ساعات في الطائرة فقط عن الحضارة الغربية لا يوجد أسف يجدي في مسح البؤس والجهل وغياب الخدمات الطبية لهؤلاء الاطفال ذوي التغذية السيئة.
فلا تجد أمهاتهم اليائسات مساعدة إلا في بعض المستوصفات الخاصة النادرة. عندما يعبر الأغنياء المغاربة أمامهن في طرقات الدار البيضاء، لا يرمونهن بنظرة ولا حتى بحسنة؛ هذا بدون شك لانهم لا يرونهن. أو لانهم لا يرونهن كما نراهن نحن. تحت التخلف، في قبوله اللا إنساني بالقدر الذي هو اقتصادي، يحتفظ في تبديله غير المجدي في نفس المكان، بعالمين مختلفين محجوبين الواحد عن الآخر : الغنى الفاحش للقلّة، والبؤس المطلق لكل الآخرين. وبين الاثنين، طبقة متوسطة هزيلة، في أغلب الأحيان تقبض رواتبها من القطاع العام، وتحاول تقليد العادات الغربية على حساب ديون باهظة.
كيف تم الوصول الى هذه الدرجة من الاستقطاب في المجتمع خلال ثلاثين أو أربعين سنة؟
في اليوم التالي للاستقلال في عام 1956، كان المغاربة فقراء ولكن لم يكونوا بؤساء. كانت الفروق الاجتماعية أقل، وكانت الآمال كبيرة. بدا للخبراء بأنه يكفي أن تعهد مهمة تطوير، وتخطيط المغرب، لدولة قوية، وإضافة مساعدات خارجية وسيحل الازدهار، كما اعتقدوا، كنتيجة حتمية.
بعد مرور أربعين سنة غدت الدولة سمينة، الخطط مهملة، المساعدات منفقة، ولكن النخبة القريبة من الحكم أصبحت أغنى! كيف تحولت المغرب من 7% من النمو السنوي المرجو في الستينات، والمحقق عند الشعوب الأخرى، إلى 0% إذا أخذنا بعين الاعتبار الارتفاع السكاني؟ أسوأ الأسباب هي في العادة التي تعطيها السلطة لشرح هذا الفشل :
وهكذا نسمع الحكومات المتعاقبة وهي تردد، بأن الجفاف في هذه السنة حطم النمو، هل سيصبح المغرب فقيرا بسبب الجفاف؟ بالفعل، لقد تحسن النمو في السنين الممطرة. ولكن بسبب الاقتصاد القديم (السابق للعهود الكلاسيكية) الرازح تحت رحمة الطقس. لتخفيف هذا التعلق، وجب تعميم السقاية أو تنوع العمل في الصناعة الصغيرة والوسطى. إلا أن الاختيارات الزراعية المنسقة من الدولة قد زادت الاعتماد على الطقس.
بعد رحيل المستوطنين الفرنسيين، صادرت السلطة الحاكمة أراضيهم، احتفظت لها بالثلث، ووزعت الثلث الثاني على الوجهاء، زبائن النظام وما تبقى، أي الفتات، تُرك لرؤساء القرى مقابل ولائهم للسلطة. وقام هؤلاء المستوطنون الجدد المغاربة بري أراضيهم من الدولة والمساعدات الدولية، مما سمح لهم الانتاج بتكلفة زهيدة كميات كبيرة من الحمضيات المدفوعة بالعملة الصعبة في السوق الأوروبية. وبفضل مجانية الارض والماء، أثرى الملاّك الجدد، بينما خسر الفلاح المسكين، المصدر الوحيد الذي يسمح له بالمحافظة على زراعة بعلية وسباخية وبالنسبة لهؤلاء، لم يبق لهم حل سوى الهجرة، بينما ندعو الاجانب لزيارة المنشآت التي يقال عنها حديثة، والتي تغني الاستقراطية. من المذنب؟ بالطبع الجفاف هو المتهم!
كاريكاتور الاستقلال
لم يكن الاستقلال من الاستعمار إذن سوى نوع من الكاريكاتور للاستثمار الاستعماري، كون الارستقراطية المغربية قد الغت الاستعمار لصالحها، بدون ازمات الضمير التي كان بإمكان المستوطن الفرنسي أن يشعر بها. يطبق نفس الشيء على الفوسفات، الذي يمثّل للمغرب، تقريبا، ما يمثله البترول للبلاد العربية الاخرى.
إذن كان يجب شرح الفقر في المغرب كنتيجة للامبريالية، فمن الأجدر أن يذكر بدلا منه الاستبداد الذي تمارسه الامبريالية الداخلية على المجتمع المغربي. ألا يتوجب علينا أن نلوم تحّفظ البلاد الشمالية في قبول الانتاج الزراعي ودراق المغرب؟ إذا كانت أوروبا أقل حماية في سياستها الاقتصادية، فسيغتني الجنوب بصورة أسرع. في الواقع، سيكون هذا أمرا مرغوبا، وهذا ما يحصل الآن بشكل تدريجي بفضل استقبال الفواكه والخضار المغربية في أوروبا. ولكن ليست سياسة الحماية وحدها هي ما يشرح تأخر الآخرين.
إذا اقترحت المنشآت المغربية على الاوروبيين انتاجا أكثر تنوعا وأكثر اتقانا من الحمضيات بلا ترتيب، فسيشتري المستهلك بشكل أكثر، اعتمادا على سمعة الماركة المغربية. ولكن المصدّرين المغاربة يفضلون اتهام الحمائية على تكثيف المساعي للتسويق : ان هذا التصرف هو تصرف غير رأسمالي يشرح بدون شك، على طريقة من استملك منشأته بدون تعب. إذن، انفتاح الشمال لا يضمن بأن الانتاج المغربي سيزداد، ولا يعد أيضا بتوزيع أفضل للثروات، في اللحظة التي لا تتغير فيها تركيبة الانتاج المغربي، حتى انه من الممكن ان يشدّد على الفروق الاجتماعية في الجنوب ...الجفاف هو السبب، أقول لكم!
هنالك، سبب آخر آت من الخارج، ملام بشكل دائم من قبل السلطة واليسار المغربي، وهو متعلق بالتدخل المنحرف لصندوق النقد الدولي هل يزيد الصندوق الدولي من معاناة الفقراء، هذا هو ما نفهمه عندما يُفضح من قبل أعداء العولمة في الشمال وفي الجنوب؟ في سنوات الثمانينيات، حين كانت الدولة المغربية مفلسة بسبب انفاقها المبالغ به طلب النظام المغربي مساعدة من صندوق النقد الدولي، فأنقذ الصندوق العملة والسلطة بفضل ديون يمولها مانحو البلاد الغنية.
هذا هو عمل صندوق النقد الدولي عندما نطلب مساعدته، ولأن لا أحد مجبر على أن يلتمسه، يطلب الصندوق، في المقابل، أن توفى قروضه، الموهوبة بفائدة ضعيفة جدا، والموزعة لعدة سنوات طويلة، مما يجبر المستدينين على تنظيم ميزانيتهم. اختار النظام المغربي مواصلة الانفاق العسكري الذي كان يبدو له ضروريا، مضحيا بالمصروف الاجتماعي، وبشكل خاص المساعدة المخصصة للمواد الاساسية هذا السيناريو الكلاسيكي، موجود في عديد من البلاد المنقَذة من قبل الصندوق الدولي الذي يلعب دور البنك والضحية.
عندما ثار سكان المدن الكبرى، وقمع الجيش هذه الثورات، المسماة بثورات الجوع، في عام 1981، حمِّل صندوق النقد الدولي المسئولية. ولا يزال لحد اليوم متهما في المغرب، في الوسط الجامعي واليساري، لان لوم الصندوق الدولي أقل مشقة من لوم النظام. هذا اليسار ذاته الذي فضح بسرعة، عمليات التخصيص التي ترى توسيع السلطة المطلقة غير مقبول ويؤدي الى تدمير الثروة الوطنية. ولكنه لا ينتقد تخصيص المال بالشكل الذي تقوم به الدول، هذا لانه في الواقع، يؤمن دخل الجيش والموظفين، أي الجامعيين (التقدميين).
اجمالا، الاسباب الخارجية - الحمائية الاوروبية، والجفاف - لا يفسر بها وحدها الفقر، الذي يعيث بقسوة معاقبا المغرب، كما لا يوضح الفقر ايضا عدم المساواة الاجتماعية، إيضاحات تلك الاسباب لا تقاوم الفحص والتدقيق، حتى لو أن بعضها يستطيع جزئيا أن يساهم في البؤس. تذكروا إن هناك شعوبا أخرى كالمغرب، فد بدأت من نفس العتبة من سلم الفقر، ثم ازداد عناها عشرة أضعاف في الوقت الذي وزعت فيه الثروة بطريقة عادلة.
لقد حان الوقت للتوقف عن مناقشة التطور بمصطلحات إيديولوجية، وكأن لاشيء قد حدث منذ ثلاثة عقود. لنقارن بالأحرى تجارب ملموسة لمحاولة فهم فشل بعضهم ونجاح البعض الآخر! لا الجفاف ولا الامبريالية يتمتعان بقيمة تجريبية للشرح أو التخفيف من تخلف المغرب.
ترجمة : مرام المصري
#مرام_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ينبغي صدور أحكام الاعدام ضد قيادات ال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|