|
حرق القرآن الكريم..كلنا ندين بشدة ولكن..!
نضال شاكر البيابي
الحوار المتمدن-العدد: 3124 - 2010 / 9 / 14 - 12:51
المحور:
حقوق الانسان
لو حدث..ونفذ القس المتطرف تيري جونز وعده بحرق مئات المصاحف ..، السيناريو المتوقع في هذه الحالة زلزال من الجموع الغفيرة الغاضبة من المسلمين العرب وغير العرب ستزدحم بهم الشوارع ، منددين ومتوعدين في مسلسل هزيل ومكرور ، وأقول أنه هزيل ، لأن هذه المشاهد تتكرر بنفس الوتيرة عند كل حدث مشابه ، ولا دروس مستفادة ، ولا عبر ولا عظات ولا هم يحزنون ، وما أشبه اليوم بالأمس ، ولا سلوكيات تتغير ، ولا وسائل تتطور في تعاملنا مع قضايانا المتشابهة. لن نرى سوى مظاهرات غاضبة "تنفيسية" وقودها الحماس الديني والغيرة المزدوجة، وأقول أيضا أنها مزدوجة، لأنها غيرة عوراء تتعامل مع الإساءات التي تأتينا من خارج محيطنا العربي والإسلامي بحساسية مفرطة بينما تغض الطرف وتلجم الأفواه وتتجمد الدماء في الوجوه اليابسة عن الإساءات الصارخة لأقدس المقدسات في العالم العربي والإسلامي. عندما قُتلت المواطنة المصرية مروة الشربيني على يد ألماني متطرف، قامت الدنيا ولم تقعد،واكتفى أغلب المسلمين العرب وغير العرب بالصراخ والنواح والعويل وبالانفعالات المتأزمة ومطالبات ساذجة للسفارة الألمانية بالاعتذار وكأن المتطرف ربيب السفارة الألمانية وما إلى هنالك من مطالبات سطحية تخرج الحدث عن سياقه الحقيقي والموضوعي، ولو فكر هؤلاء المتحمسون والمتحمسات الهتّافون والهتّافات( جماعة بالروح بالدم ..) بعقلانية وإنصاف لوجدوا، ووجدن ، مئات من مروة الشربيني في العالم العربي والإسلامي اللاتي كن ضحايا لموجات العنف والمحاكمات الهزيلة في طالبان والسودان والصومال وغير تلك الدول التي استشرت بها جرائم فاقعة من هذا النوع تحت ذرائع واهية هي أوهى من بيت العنكبوت،ولم نسمع همسا من تلك الجموع أو حتى تنديد خجول لرفع العتب . نحن لا نزايد على أحد منا في التعبير عن غضبه وسخطه عندما يساء لنا أو نهان وتدنس رموزنا المقدسة ،وهذا حق أصيل، لا خلاف في ذلك، لكن حريا بنا أن نكون منصفين في تعاطينا مع قضايانا، فما هي جدوى حملات الصراخ والنواح والعويل ،عندما تأتينا الإساءة من خارج تخوم وطننا العربي، بينما نصمت صمت القبور عندما يهان الإنسان وتسحق كرامته بين ظهرانينا في إساءات مشابهة ،وأحيانا هي أكثر بشاعة وقبحا من تلك الحوادث المعدودة التي حدثت في أوربا أو أمريكا . تظاهراتنا وتنديداتنا وصراخنا الجمعي واتحادنا إزاء هذه القضايا ، لا يثبت بأي حال من الأحوال وحدتنا نحن أبناء الدين الواحد وتلاحم صفنا كم يحاول بعض المتحمسين تصوير ذلك،بقدر ما يثبت فقرنا المعرفي وخواءنا الفكري وتناقضاتنا الصارخة ومدى هشاشة وعينا وتحيزنا الأعمى ضد كل كل ما هو موجه لنا من "الغرب" الذي مازلنا –والواقع كذلك- نشعر إزاءه بدونية، وصمتنا المخزي عن مسلسل الإساءات وحلقاته التي تتجدد كل ومضة في عالمنا العربي والإسلامي من طنجة إلى جاكرتا..! وحالنا مازال مع الأسف كما قال الشاعر العربي القديم: وَهَل أنا إلاَّ مِن غَزِيَّةَ إن غَوَتْ غَوَيْت وإِن تَرْشُد غَزِيَّةُ أَرْشد وهل يمكننا أن نتجاهل ونغض الطرف عن الأعمال الإرهابية البشعة وعمليات التصفية التي ارتكبت على أيدي المتطرفين الإسلاميين بين أبناء الدين والوطن الواحد كما حدث في العراق ومصر وغيرهما التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال ؟! فضلا عن الجرائم التي راح ضحيتها مئات من السياح الأجانب الأبرياء الذي كان كل ذنبهم أنهم جاءونا من ثقافات مختلفة للتعرف على ثقافتنا وحضارتنا ..! وهل سنشهد ردود فعل موازية لردود فعلنا في الجانب الغربي؟! وهل سنشهد بيننا تعاطفا صادقا مع الضحايا والأبرياء بصرف النظر عن دينهم ومذهبهم وعرقهم؟! في واقعنا إجابات حاسمة ومخجلة لتلك الأسئلة مع الأسف الشديد! دائما نكرر.. إن الإرهاب لا دين له ، والأمر كذلك ،لكن الحكمة الأكثر رواجا واستهلاكا عربيا وإسلاميا إزاء قضايانا الداخلية هي: "الصمت" مفتاح الفرج حتى يرث الله الأرض ومن عليها..! لذلك بؤر العتمة تزداد اتساعا ونزداد يوميا تمزقا وشرذمة عند كل موجة إعصار! ولو تأملنا بحصافة ردود الفعل العربية والإسلامية إزاء تلك القضايا التي تضمنت إساءة لنا لوجدناها - غالبا – بعيدة كل البعد عن الروية والتفكير الموضوعي وعن المحاولات الجادة لإيجاد وسائل عملية مؤثرة تخدم مصالحنا من جهة وتحفظ ماء وجوهنا من جهة أخرى. وأهم تلك الوسائل في تقديري مزيدا من الحرية ومزيدا من حالات تدشين الوعي ، ومزيدا من تشجيع النقاشات العلمية الجادة حول عيوبنا ونقائصنا ومشاكلنا لا أن نداريها ونطمرها بمزيد من التراب بحجج الخصوصية وعدم نشر غسيلنا للآخرين . الوعي الذي أعنيه في هذا السياق ما عبر عنه الكاتب الدكتور سليمان العسكري" الوعي الذي يحرك الطاقات الإيجابية في المجتمع ويعلي من قيم العقلانية،وتصحيح المسارات الفكرية والاجتماعية ،وما ينعكس عليه من تخليق قدرات عقلية نقدية يمكنها مواجهة كل أوجه الفساد والتسلط والمظاهر الشكلية السطحية الهشة،وهي العقلية التي نريد أن تمثل الأغلبية لدى الجمهور العربي، لأنها ستكون بمنزلة الإشارة على تحقق الوعي.." ولو نظرنا قليلا إلى ألد أعدائنا الدولة العنصرية الصهيونية -المتقدمة ديمقراطيا والمتطورة صناعيا رغم حداثة سنها مقارنة بالدول الدينصورية - في كيفية تعاملها مع وسائل الإعلام من خلال ترويج صورة الضحية لشعبها المحاصر من " قراصنة وقطاع طرق" رغم أنيابها التي تقطر صباح مساء من دماء الأبرياء! ولنقارن بعد ذلك بينها وبين وسائل إعلامنا العربية في كيفية دفاعها عن قضايانا المصيرية وشتان ما بين الاثنين والفارق بينهما مسافات ضوئية. " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [1] سورة الرعد الآية 11. ومن الأمثلة الصارخة على حرق التعاليم السماوية ووطئها بالأقدام إذا تضاربت مع مصالحنا الذاتية ، ورغم أننا نلوك تلك التعاليم خمس مرات يوميا في محاريبنا ،إلا أنها لم تغادر حناجرنا ، والإيمان يبدو لي في حالات كثيرة لا يغادر تخوم المحراب! ا-الفضيحة الأخلاقية الكبرى .. شرعنة تزويج القاصرات واغتصاب الطفولة باسم الدين والمقدس والسير على نهج السلف الصالح، والحقيقة أن الزواج أو الاغتصاب "المشرعن" للطفولة، هو زواج أفلاطوني بامتياز ، يجمع بين بقايا رجل شبق أو بقايا جثة نتنة وبين طفلة تتشبث بدميتها وتنتظر موتها البطيء ،البطيء جدا و نهاية البداية لأنثى ..!ولدمعة طفلة مغتصبة مضطهدة أقدس من كل المقدسات..! 2- شرعنة الفقر وإيهام الفقراء أن فقرهم محض إرادة قدرية ، ليس بالإمكان الفرار من براثنها، والدوافع هنا معروفة ولا حاجة لنا لطرقها! 3- تعسف الشرطة الدينية في محاكمة الناس على النوايا والقلوب التي لا يعلمها إلا رب القلوب ،ناهيك عن إنجازاتها المباركة المتمثلة في مطاردات مجنونة للحفاظ على "طهرانية" المجتمع أدت في حالات معينة إلى موت الضحايا كما ذكرت صحفنا المحلية ، وعلى أية حال أرشيف الهيئة حافل ومتخم بانتهاكات مباركة نؤجل الحديث عنها باستفاضة إلى وقت لاحق. 4-أحكام الجلد الظالمة الهمجية كنحو ما حدث لأحد الشباب المساكين الذي فقد بصره على وقع سياطها الوحشية التي نهشت جلده وعظمه وبترت روحه ، وأيا كانت خطيئته أليست هناك وسائل رادعة بديلة عن هذه الممارسات البدائية التي تبتر الروح وتنتهك كرامة الإنسان والتي تأصل للتمرد في أبشع صوره؟! وفي هذه الحادثة المؤلمة، من الجاني الحقيقي ومن المجني عليه، وأي تعويض يمكن أن يرد للمسكين بصره؟! 6- أحياء الصفيح وحالات الفقر المدقع في أهم ضواحي المدن العربية التي مازال فيها الكثير ممن لا يجدون فراشا يليق بآدميتهم ،فضلا عن تفشي ظاهرة التسول واضطرار الأطفال للعمل لسد الرمق، ناهيك عن الصبايا اللائي ذبلن على أرصفة الطرقات وعند أبواب المساجد وهن يتوسلن السماء ودعاة الآخرة و جيوب وقلوب المحسنين . 7- مصانع تفريخ الكراهية وتمزيق أبناء الدين والوطن الواحد المتمثلة في بعض منابر الجمعة التي تحترف ابتكار أخبث الخطابات التحريضية وضخ عروق الشباب والشابات بوقود الاحتقانات المذهبية القميئة والعصبيات الجاهلية تحت دعاوى زائفة ، من خلال نبش قبور الموتى واستنبات الأحقاد التاريخية وإشغال الأجيال الغضة عن هموم الواقع الحقيقية وتطلعات المستقبل في مشاهد مزرية تعري كل شعاراتنا الوحدوية المهلهلة المهترئة. علما أن الفكر الجيد يحررك ويفتح أمامك أفاقا رحبة ، بينما الفكر الرديء يكبلك ويغيب عقلك ووعيك ومن ثم يوجهك، وهؤلاء الخطباء والدعاة للصنف الثاني أقرب وأجدر في الوقت ذاته. 8- تفشي الفساد والمحسوبية في أهم مؤسسات الدول العربية ، والكوارث التي تحدث بين فينة وأخرى صرخات فاقعة مدوية لواقع مؤسساتي متهالك يستدعي مراجعة عاجلة لتدارك ما يمكن تداركه حتى لا يحدث في قادم الأيام ما لا يحمد عقباه، وأهالي الضحايا ينتظرون بفارغ الصبر الإعلان عن أسماء الجناة ! 9- اختطاف الإسلام والتاريخ والمستقبل من الجماعات السلفية المتطرفة التي تنضح كراهية وتخلفا وخرافة وعقلياتها وأدبياتها حبلى بتأويلات ظلامية متزمتة تنفينا عن ذاكرة التأثير التاريخي والحضاري ، وأهم إنجازاتها المباركة ترويج صورة سوداوية قاتمة عن الإسلام والمسلمين . والكثير غير ذلك ولكن لا سبيل لنا في هذه العجالة لطرق كل الأبواب ! والسؤال الأخير والأهم في تقديري هل ستخرج هذه الجماهير الغفيرة لشوارعنا العربية دفاعا عن حقوقها المسلوبة وقضاياها الداخلية الشائكة بنفس الحماسة والغضب ؟!
#نضال_شاكر_البيابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهيئة عندما تنتهك إنسانيتنا!
-
شخصنة الاختلاف
-
عندما يتحول المثقف إلى روزخون ..!
-
مجتمعنا السعودي وبعبع الحرية
-
البريك والرغاء الطائفي وتأصيل الكراهية..!
-
الكارثة الأخلاقية..تكريم الجلادين..!
-
انتظار المخلص..وأسئلة حائرة
-
شات القنوات الفضائية والحب المحرم
-
(المرأة ومجتمع التناقضات)
المزيد.....
-
الرئيس الإسرائيلي: إصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق
...
-
فلسطين تعلق على إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال
...
-
أول تعليق من جالانت على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار
...
-
فلسطين ترحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقا
...
-
الرئيس الكولومبي: قرار الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو منطق
...
-
الأمم المتحدة تعلق على مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة ا
...
-
نشرة خاصة.. أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت من الجنائية الد
...
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|