|
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....10
محمد الحنفي
الحوار المتمدن-العدد: 3124 - 2010 / 9 / 14 - 00:54
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
الإهداء:
ـ إلى كل مواطن أمسك عن ممارسة الفساد في إطار الإدارة الجماعية.
ـ إلى كل موظف جماعي امتنع عن إفساد العلاقة مع الموطن العادي في الإدارة الجماعية؟
ـ إلى كل عضو جماعي أخلص لمبادئه، ولضميره فامتنع عن أن يصير وسيلة لتكريس الفساد الإداري.
محمد الحنفي
وإذا وجد هناك إعلام، وتواصل جماعيان: فما هو واقع هذا الإعلام؟ وما هو واقع هذا التواصل؟.....6
وانطلاقا من السعي إلى ضمان تكريس نفس الوجوه، ونفس الهيئات المسيطرة على المجلس، نجد كذلك الحرص على إظهار اختلالات التدبير الجماعي، وكأنها غير قائمة.
فمهمة الإعلام الجماعي، في أي جماعة حضرية، أو قروية، هي طمس الحقائق القائمة في الواقع، وتلميع المفترض المنعدم، أو شبه منعدم، من أجل تقديم المدبرين الجماعيين، وكأنهم مثاليون، لا يرقى الخطأ إلى مسلكيتهم، كيفما كانت هذه المسلكية، ومهما كانت نتائجها.
وانطلاقا من هذه المهمة المزورة، تزوير الانتخابات الجماعية، نجد أن الإعلام الجماعي، يحرص باستمرار على تقديم التدبير الجماعي، وكأنه تدبير مثالي، وفوق الشبهات، مما يجعل سكان الجماعة يعتقدون، فعلا، أن المسؤولين الجماعيين القائمين على تدبير العمل الجماعي، وفي مختلف المصالح الجماعية، هم الأنسب لذلك التدبير، رغم أنهم يعلمون أن الفساد السياسي القائم قبل، وأثناء، وبعد الانتخابات الجماعية، هو الذي أنتج المجالس الجماعية القائمة، والتي لا يمكن وصفها إلا بالمزورة. والإعلام الجماعي يعرف ذلك، ولكنه يزور الحقائق، أو لأن القائمين به من مدبري عملية التزوير، ومنذ زمن بعيد، أو متوسط، أو قريب.
والإعلام الجماعي عندما يحرص على عدم إظهار اختلالات التدبير الجماعي، وكأنها غير قائمة في الواقع، فلأنه:
1) يحرص على أن يبقى القائمون به، جزءا لا يتجزأ من المجلس الجماعي، ومن الإدارة الجماعية، حتى لا ينفلت الأمر من بين أيدي الأعضاء الجماعيين، الذين يحرصون، باستمرار، على أن يكون الإعلام الجماعي في خدمتهم، حتى يضمن لهم تلميع صورتهم في صفوف سكان الجماعة، سعيا إلى إعادة انتخابهم مستقبلا، أو لضمان وصولهم إلى المؤسسة البرلمانية.
ولذلك، يحرص الأعضاء الجماعيون على أن يكون الجهاز الإعلامي الجماعي جزءا لا يتجزأ من المجلس الجماعي، أو من الإدارة الجماعية، لضمان التحكم المطلق في هذا الجهاز، وتوجيهه حسب ما يخدم مصالح الأعضاء الجماعيين.
2) يسعى إلى أن يتناول الإعلام الجماعي الموضوعات التي تبرز تحركات الأعضاء الجماعيين، من أجل أن يظهروا، وكأنهم يقومون بعمل جبار لصالح سكان الجماعة، في الوقت الذي لا يعملون إلا من أجل أن يصيروا مؤهلين للعودة إلى عضوية المجلس، ولو عن طريق تزوير الإرادة الشعبية، لتصير بذلك الموضوعات التي يتناولها الإعلام الجماعي المفترض قيامه، مجرد موضوعات وهمية، لا علاقة لها بالواقع القائم في الجماعة.
3) يعمل على تكريس تضليل سكان الجماعة، عن طريق إبراز الأعضاء الجماعيين ،وكأنهم يعملون على تدبير الأمور الجماعية، وكأن هذا التدبير يحترم، على الأقل، مقتضيات التدبير المنصوص عليها في الميثاق الجماعي، التي لا تخدم بدورها إلا مصالح الأعضاء الجماعيين، باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، أو باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من المؤسسة المخزنية، أو مرشحين لأن يصيروا كذلك، آجلا، أو عاجلا، نظرا لانخراطهم في نهب الموارد الجماعية، بفعل الضوء الأخضر، الذي يتوفرون عليه من قبل الطبقة الحاكمة، أو من قبل السلطة الوصية.
والإعلام الجماعي عندما يضلل سكان الجماعة، خدمة لمصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، أو خدمة لمصالح الأعضاء الجماعيين، المرشحين لأن يصيروا كذلك، أو خدمة لمصالح المؤسسة المخزنية، فلأنه يرتكب بذلك خرقا جسما في حق سكان الجماعة، أي جماعة.
ذلك أن من حق سكان الجماعة، المستهلكين للإعلام الجماعي، وغير المستهلكين له، لاعتبارات معينة، أن يكون الإعلام الجماعي واضحا، وأن يصير وسيلة للتعرف على ممارسات الأعضاء الجماعيين، وممارسات موظفي الجماعة في مختلف الأقسام، والمصالح الجماعية، حتى يتبينوا من يخدم مصالحهم بإخلاص، ومن يستغل تواجده في عضوية الجماعة، ليمارس النهب المطلق للموارد الجماعية، ومن أجل إشراك سكان الجماعة في العملية السياسية الجماعية، التي تمكنهم من من مواجهة هدر الموارد الجماعية، بفعل النهب الممنهج، الذي يمارس عليها.
والوضوح الإعلامي الجماعي، لا يمكن أن يكون إلا وضوحا لصالح إيجاد وعي سياسي متطور، في صفوف سكان الجماعة، الذي يقودهم إلى مواجهة الممارسات التي تتناقض مع مصالح السكان، مهما كان مصدرها، لتكريس التقويم المستمر للأعضاء الجماعيين، وللمجلس الجماعي، وللأحزاب السياسية، التي يتواجد المنتمون إليها في المجلس الجماعي.
4) يحرص على غض الطرف على كل الممارسات، التي تسيء إلى العمل الجماعي النزيه، الذي يفترض قيامه، لضمان حماية نهب الموارد الجماعية، وحتى قبل أن تصل، في بعض الأحيان، إلى صندوق الجماعة لصلح الأعضاء الجماعيين المؤهلين على الالتحاق بالتحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، وبالسرعة الفائقة، جزاء لهم على الحرص على خدمة مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف.
والمفروض في الإعلام الجماعي الصادق، إن كان هناك إعلام جماعي صادق، أن يعمل على فضح كل الممارسات التي تستهدف نهب الموارد الجماعية، ومهما كان مستوى هذا النهب، من أجل الحفاظ على تلك الموارد، التي يجب أن تكون في خدمة مصالح سكان الجماعة، وفضح القائمين بعملية النهب، حتى يصيروا تحت طائلة القانون، ومن أجل أن يصروا معروفين في صفوف السكان، وعلى جميع المستويات، حتى يتأتى قطع الطريق أمام إمكانية عودتهم إلى عضوية المجلس الجماعي.
ومعلوم أن الإعلام الجماعي، المفترض قيامه على مستوى كل جماعة، لا يمكن أن يكون إلا في خدمة الأعضاء الجماعيين، الذين تفرزهم عملية التزوير، في مختلف محطات التزوير، المسماة بالانتخابات الجماعية، خدمة لتكريس الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية، التي تحرص الطبقة الحاكمة على الالتزام بها على مدى عقود الاستقلال المغربي.
5) يعتبر أن ممارسات المسؤولين عن مختلف المصالح، والأقسام، وسيلة لتكريس الابتزاز على سكان الجماعة، من الذين تربطهم المصالح الخاصة بمصالح، وأقسام الجماعة، من أجل إنتاج المرشحين للتصنيف، إلى جانب التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف.
ولذلك فالإعلام الجماعي لا يعتبر ذلك انحرافا، بقدر ما يعتبره مسارا صحيحا، لخدمة مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف. وهو ما يشجع الأعضاء الجماعيين على الانخراط في ممارسة الوساطة بين السكان الجماعيين، وبين المسؤولين عن مختلف المصالح، والأقسام، حتى ينالوا نصيبهم من الكعكة، التي يتلقاها أولئك المسؤولون، الذين ينتفخون بسرعة البرق، من أجل أن يتجاوزوا في ممتلكاتهم ما يمكن أن يتوفر لدى التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني، على مستوى الجماعة.
وإذا كان لا بد من الوقوف على ما أشرنا إليه، فإننا نقوم بعملية إحصاء ما صار يتوفر لدى المسؤولين عن الأقسام، والمصالح، في كل جماعة حضرية، أو قروية، من الجماعات المحلية، بعد توليهم المسؤوليات الأساسية. وما كان يتوفر لديهم قبل تولي تلك المسؤولية، حتى نستطيع أن نقارن.
والإعلام الجماعي عندما يعتبر ما ذكرنا عاديا، فلأنه يساهم، بشكل كبير، في عملية تبييض الممارسات التي تتناقض مع احترام كرامة الإنسان، في كل فرد من أفراد سكان الجماعة، ليصير الإعلام الجماعي وسيلة مثلى لتكريس الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، في حق سكان الجماعة.
وهكذا نجد أن إظهار الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، لاختلالات التدبير الجماعي، وكأنها غير قائمة في الواقع، يرجع للاعتبارات الآتية:
الاعتبار الأول: كون العمل الجماعي، برمته، يتكون كوحدة عضوية متكاملة، لا يمكن الفصل بين أجزائها، سواء تعلق الأمر بالمجلس الجماعي، أو بالمكتب الجماعي، أو بالأعضاء الجماعيين، أو بالإدارة الجماعية، أو بالإعلام الجماعي.
فالوحدة العضوية الجماعية تعتبر مسألة أساسية، في ظل الشروط الموضوعية القائمة، التي تقود إلى قيام عمل جماعي، وإعلام جماعي فاسدين.
وهذه الشروط الموضوعية القائمة تتمثل في:
1) قيام دستور غير ديمقراطي، لا يضمن نزاهة الانتخابات، ولا يسعى إلى إيجاد قوانين انتخابية تضع حدا لكل أشكال الفساد السياسي، والإداري، الذي يقف وراء تزوير الإرادة الشعبية، في كل الانتخابات التي عرفها المغرب، منذ حصوله على الاستقلال السياسي. وهو ما يطرح ضرورة التغيير الدستوري، من أجل ضمان قيام انتخابات حرة، ونزيهة.
2) غياب قوانين انتخابية رادعة لكل أشكال التزوير، ابتداء بإعداد اللوائح الانتخابية، وانتهاء بإعلان النتائج، لضمان إيجاد مؤسسات تعبر عن احترام الإرادة الشعبية على جميع المستويات، وسعيا إلى إيجاد مجالس جماعية تعبر عن احترام إرادة سكان الجماعة، حتى تكون في خدمة مصالحهم.
3) عدم وضع خطة لمحاربة الفساد السياسي، والإداري، في كل المؤسسات المنتخبة، وفي كل الإدارات القطاعية، والمركزية، وفي مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تخلص المجتمع المغربي من كل أشكال الفساد، التي لا تنتج إلا الممارسات الفاسدة، التي تنعكس سلبا على السكان بصفة عامة، وعلى سكان كل جماعة، على حدة، بصفة خاصة، وأملا في بناء مجتمع خال من كل مظاهر الفساد الإداري، والسياسي.
4) انتشار مظاهر الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، في نسيج المجتمع، بفعل الشروط الموضوعية التي تختل فيها الموازين لصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، مما يؤدي إلى انتشار البطالة، والبطالة المقنعة، والدعارة، والتهريب، والاتجار في المخدرات، والاتجار في اللحوم البشرية، والتهجير، وبيع الضمائر في مختلف المحطات الانتخابية، وتزوير العملات، وقرصنة الأعمال الفنية، وغير ذلك، مما لا يمكن تجاوزه في ظل الشروط الراهنة.
5) انتشار عقلية الإرشاء، والارتشاء في صفوف السكان، وفي صفوف الموظفين، على حد سواء، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام، أو بالقطاع الخاص، أو بشبه العمومي، مما يجعل العلاقة بين الإدارة، والمواطنين، تتحدد على أساس ذلك الفساد القائم، وعلى أساس تلك العلاقة، بالإضافة إلى تفشي المحسوبية، والزبونية، والوصولية، في تلك العلاقة.
6) غياب التربية على حقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. الأمر الذي يترتب عنه جهل السكان بحقوقهم المختلفة، التي تنتهك أمام أعينهم، من قبل المسؤولين في مختلف القطاعات، وفي مختلف الجماعات، وفي مختلف الإدارات، بما فيها المحاكم، التي تفتقر سلطتها إلى الاستقلال عن السلطة التنفيذية بالخصوص.
فجهل السكان بحقوقهم المختلفة، هو نتيجة للاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية القائمة في المغرب. وهو ما يدعو إلى ضرورة فرض اختيارات ديمقراطية، وشعبية، تمكن من قدرة المواطنين على ضرورة امتلاك الوعي بحقوقهم المختلفة، والتي يجب أن تلعب المدرسة العمومية، في الوعي بها، دورا كبيرا، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المقروءة، والمسموعة، والمرئية، من أجل إيجاد سكان لهم القدرة على الوعي بحقوقهم المختلفة.
7) عدم قيام الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، بدورها في رفع مستوى وعي السكان بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يجدوا أنفسهم معنيين بالنضال من أجل تغيير تلك الأوضاع لصالح السكان، وفي أفق مناهضة الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، والعمل على تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في ظل دولة مدنية، ديمقراطية، باعتبارها دولة للحق، والقانون.
8) غياب قيام منظمات جماهيرية، تحترم في إطارها مبادئ العمل الجماهيري: النقابي، والثقافي، والحقوقي، والتربوي، والتنموي، ... إلخ، مما يجعل الجماهير المعنية بتلك المنظمات لا تثق فيها. وهو ما يحول تلك المنظمات إلى وسائل للاسترزاق، وخاصة تلك التي تتوسط بين العمال، والمأجورين، وبين الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، أو تشتغل على المشاريع التنموية، التي تهرب أموالها إلى جيوب المسؤولين عن الجمعيات التنموية، والتي غالبا ما تظهر على ما صار يتوفر لديهم من ممتلكات.
9) غياب العمل على تنوير أفراد المجتمع، من خلال البرامج الدراسية، ومن خلال الإعلام المستهلك، سواء كان مقروءا، أو مسموعا، أو مرئيا، مما يؤدي إلى تمكين الفكر الظلامي، الذي يمتلك أدوات هائلة، تمكنه من السيادة في المجتمع، مما يجعل ذلك الفكر بديلا للفكر التنويري، الذي كان سائدا، على الأقل، خلال ستينيات، وسبعينيات القرن العشرين.
10) السماح بإنشاء الأحزاب السياسية، والجمعيات، والنقابات، على أساس ديني، على خلاف ما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي صادق عليها المغرب. وهذا السماح بإنشاء هذه الأحزاب، يعتبر خرقا سافرا لتلك المواثيق، التي تنص على عدم السماح بإنشاء أحزاب سياسية، أو جمعيات، على أساس ديني، أو عرقي، أو لغوي، حتى لا يقف ذلك وراء التكتلات الطائفية.
وهذه الشروط الموضوعية، هي المنتجة للوحدة العضوية في العمل الجماعي، حتى لا يخدم إلا مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، بالإضافة إلى خدمة مصالح الأعضاء الجماعيين، والعاملين في الإدارة الجماعية، والمكلفين بالإعلام الجماعي، الذي لا يعمل مطلقا على تفكيك ما هو قائم في الجماعات المحلية، حتى تعمل على خدمة مصالح السكان.
الاعتبار الثاني: كون العمل الجماعي مصدرا لتجديد التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، الذي لا يتجدد بشكل طبيعي، نظرا لتخلفه؛ لأن التحالف المذكور، لا يقوم إلا على أساس:
أولا: سيادة النهب في جميع المجالات، وعلى جميع المستويات، وخاصة في الجماعات المحلية، التي تتعرض مواردها للنهب الممنهج، من قبل المسولين، والأعضاء الجماعيين، ومن قبل الموظفين الجماعيين، ومن قبل المسؤولين عن مختلف المصالح، والأقسام الجماعية، إلى درجة استنزاف الموارد الجماعية، وما في جيوب سكان الجماعة، الذين لهم علاقة بمصالح الجماعة.
ثانيا: استغلال النفوذ، الذي يخوله الميثاق الجماعي للمسؤولين الجماعيين، ولباقي الأعضاء الجماعيين، ولموظفي الجماعة. ذلك النفوذ الذي يسري على سكان الجماعة، الذين يخضعون، بفعل استغلال النفوذ، إلى الابتزاز المعمق، من قبل المسؤولين الجماعيين، ومن قبل الأعضاء الجماعيين، ومن قبل الموظفين الجماعيين، حتى يتعود أفراد سكان الجماعة على القبول بممارسة الابتزاز، الذي صاروا يعتبرونه فرضا لا مناص منه، فيذهبون إلى الجماعة، وهم مستعدون للدفع خارج إطار القانون، مما يؤدي إلى المساهمة في إعادة تجديد التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، عن طريق الجماعات المحلية.
ثالثا: التلاعب في الممتلكات الجماعية، وتوظيفها لخدمة مصالح المسؤولين الجماعيين، ومصلح الأعضاء الجماعيين، ومصالح الموظفين الجماعيين، من أجل تجنب صرف ما صار تحت أيديهم، حتى يحافظوا على تنميته، في أفق التحول إلى بورجوازيين، أو إقطاعيين كبار، ومن أجل نسيان حالة الفقر، التي كان يعاني منها الأعضاء الجماعيون، والموظفون الجماعيون، قبل تزوير الانتخابات لصالحهم، أو قبل توظيفهم بالطرق المعروفة في مختلف المصالح الجماعية.
رابعا: توظيف العلاقة القائمة بين سلطة الوصاية على الجماعات المحلية، وبين المجالس الجماعية، لتحول المجالس، والإدارة الجماعية، إلى امتداد لتلك السلطة. وهو ما يجعل الأعضاء الجماعيين، والمجلس الجماعي، والموظفين الجماعيين، جزءا لا يتجزأ من تلك السلطة الوصية، الأمر الذي يترتب عنه مضاعفة ابتزاز سكان الجماعة، وامتلاك الشجاعة الكافية للتلاعب في الموارد الجماعية، مهما كان مصدرها، ومهما كان المشروع الذي ترصد له، ومن أجل أن يساهم كل ذلك في نقلهم إلى مستوى أعلى، يؤهلهم للقيام بعملية تجديد التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف.
والإعلام الجماعي، لا يمكنه في مثل هذه الحالة، إلا أن يشرعن ما يمارس على مستوى الجماعة، وأن يبارك، ويمجد عملية التجديد، التي تحول الجماعات المحلية إلى مصدر لتجديد التحالف البورجوازي، الإقطاعي المتخلف، والمتمخزن في نفس الوقت، متمحلا في سبيل ذلك كل وسائل الدفاع المقبولة، وغير المقبولة؛ لأن ما يهمه هو الدفاع عن مصالح الأعضاء الجماعيين، وعن مصالح الموظفين الجماعيين، وعن مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، الآتي من رحم استغلال الموارد الجماعية، وابتزاز السكان الجماعيين الذين لهم علاقة بالمصالح الجماعية.
والإعلام الجماعي، لذلك، لا يملك الشجاعة الكافية لقول الحقيقة؛ لأن الحقيقة ثورية، ولأن الإعلام الجماعي لا يمكنه إلا أن يكون جبانا، نظرا لوقوعه تحت طائلة التدجين، من قبل المجلس الجماعي، ومن قبل الموظفين الجماعيين، خاصة، وأن من يتحمل المسؤولية الإعلامية الجماعية إما عضو في الجماعة، وإما موظف في الجماعة.
الاعتبار الثالث: كون العمل الجماعي وسيلة لتكريس الممارسة المخزنية في المجتمع المغربي. ذلك أن الممارسة المخزنية تنفذ إلى نسيج المجتمع عبر وسائل كثيرة، كالبرامج التعليمية، والوسائل الإعلامية المختلفة، والمؤسسات الدينية، والأحزاب الإدارية، والمؤدلحة للدين الإسلامي، والمؤسسات الصحية... إلخ.
ويعتبر العمل الجماعي واحدا من الوسائل التي تكرس المخزنة في النسيج الاجتماعي، من خلال:
أولا: جعل العلاقة مع المجلس الجماعي وسيلة للتمرس على قبول الذل، والهوان، من أجل قضاء المصلحة الشخصية، التي هي حق من حقوق سكان الجماعة، والتي لا تقتضي إذلال النفس، وهوانها، بقدر ما تقتضي النضال الفردي، والجماعي، من أجل الحصول على تلك المصلحة، وطرق جميع الأبواب، سواء تعلق الأمر بالمجلس الجماعي، أو بالإدارة الجماعية، أو بالسلطة الوصية، أو بالمصالح المركزية لتلك السلطة، أو بالحكومة، أو بالقضاء، ووضع الملفات بين أيدي الجمعيات الحقوقية، والنقابات، والأحزاب السياسية: الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، سعيا إلى تلقي الدعم اللازم من أجل قضاء المصلحة الفردية المتعلقة بالمجلس الجماعي، أو بالإدارة الجماعية.
ولتكريس التمرس على قبول الذل، والهوان، ودعم المخزنة في النسيج الاجتماعي، تتحول الخدمة التي يتلقاها سكان الجماعة المحلية، إلى امتياز، تعبيرا عن تمكن المخزنة من السكان، الذين يخضعون خضوعا مطلقا للمجلس الجماعي، الذي يصير هبة من الله، فكأن ذلك المجلس لم يصل إلى المسؤوليات الجماعية، عن طريق الانتخابات المزورة، التي تفبركها، باستمرار، السلطة الوصية، حتى تكون المجالس الجماعية مطابقة للتصور الذي تضعه المؤسسة المخزنية للجماعات المحلية.
ثانيا: اعتبار التمرس على المخزنة وسيلة تمكن من:
1) احتلال مكانة خاصة لدى الأعضاء الجماعيين، ولدى السلطة الوصية، مما يمكن المتمرس على المخزنة من تحقيق مصالحه الخاصة في الإدارة الجماعية، وتحوله إلى وسيط لدى الأعضاء الجماعيين، أو لدى العاملين في الإدارة الجماعية. والوسيط لا يكون إلا بمقابل، وقنطرة لمرور الإرشاء والارتشاء إلى الأعضاء الجماعيين وإلى المسؤولين عن المصالح والأقسام في الإدارة الجماعية.
2) القبول بكل الممارسات التي تملى من الأعضاء الجماعيين، أو من الموظفين الجماعيين، أو من السلطة الوصية، حتى يصير المتمخزن أداة، ومثالا للعمل على نشر المخزنة في نسيج المجتمع: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، ليتحول المجتمع، بذلك، إلى كتلة مخزنية، تعمل على سحق كل البؤر، التي يمكن أن ينبعث منها شكل معين من أشكال الوعي المتطور، والمتقدم بكل حقوق سكان الجماعة.
3) التبشير بوعود المجلس الجماعي، على أنه شيء قيد التحقيق، من أجل أن يعتبر المتمخزن ذلك وسيلة مثلى لاحتلال مكانة خاصة لدى الأعضاء الجماعيين، ولدى السلطة الوصية، ولدى الأجهزة المخزنية المختلفة، التي تعمل على الاستفادة من ذلك التبشير الممخزن، واستثماره لصالح تعميق تكريس الممارسات المخزنية في المجتمع.
والإعلام الجماعي، باعتباره جزءا لا يتجزأ من المجلس الجماعي، ومن الإدارة الجماعية، لا يمكنه هو بدوره إلا أن يصر وسيلة لتكيس المخزنة في الواقع، تماما كما يفعل الإعلام الرسمي، حتى لا يتناقض مع المجلس الجماعي، ومع الإدارة الجماعية، ومع السلطة الوصية، ومع الأجهزة المخزنية، كما يدل على ذلك كونه لا يهتم إلا بما يقوم به الأعضاء الجماعيون بشكل جماعي، أو بشكل فردي، وإلا بما تقوم به السلطة الوصية، وإلا بما تقوم به الإدارة الجماعية.
وهكذا يتبن أن حرص الإعلام الجماعي على إظهار اختلالات التدبير الجماعي، وكأنها غير قائمة، يبين إلى أي حد يصير الإعلام الجماعي وسيلة للتضليل المطلق، الذي يطال العقول، والأفكار، والأفهام، والتعابير السائدة بين سكان الجماعة، والممارسات اليومية الهادفة إلى رفع مستوى أعضاء الجماعة إلى درجة التقديس، بحيث يصيرون، وكأن الباطل لا يأتيهم لا من بين أيديهم، ولا من خلفهم، فكأنهم أنبياء، ورسل إلى سكان الجماعة، مع أنهم مجرد أشخاص زورت الانتخابات لصالحهم، من أجل أن يصيروا أعضاء جماعيين.
فهل الإعلام الجماعي على حق عندما يغض الطرف عن اختلالات التدبير الجماعي؟
ألا توجد اختلالات مزمنة في التدبير الجماعي، وفي مختلف الممارسات الجماعية، وعلى يد الأعضاء الجماعيين؟
ألا توجد اختلالات مزمنة في تدبير الإدارة الجماعية، بمصالحها، وبأقسامها المختلفة؟
ألا يوجد اختلال في تدبير علاقة المجلس الجماعي مع سكان الجماعة؟
ألا يوجد اختلال في تدبير علاقة الإدارة الجماعية مع سكان الجماعة؟
ألا يوجد اختلال في تدبير علاقة المجلس الجماعي مع السلطة الوصية؟
ألا يوجد اختلال في تدبير علاقة المجلس الجماعي مع الإدارة الجماعية؟
ألا تدل سيادة الإرشاء، والارتشاء بين سكان الجماعة، والإدارة الجماعية، على وجود هذا الاختلال في مستوياته المختلفة؟
ألا يدل قيام الأعضاء الجماعيين بالوساطة بين سكان الجماعة، وبين الإدارة الجماعية، على تمكن هذا الاختلال من الجماعة؟
فلماذا إذن لا يتطرق الإعلام الجماعي إلى هذه الأشكال من الاختلال؟
هل يخشى القائمون بالإعلام الجماعي على مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؟
هل الإعلام الجماعي هو إعلام لأعضاء الجماعة؟ أم إعلام لسكان الجماعة؟
وإذا كان الإعلام الجماعي إعلاما لأعضاء الجماعة، فلماذا يوجه لسكان الجماعة؟
أما إذا كان إعلاما موجها لسكان الجماعة، فلماذا لا يتناول رأي السكان في أعضاء الجماعة؟
لماذا لا يفسح فيه المجال للرأي، وللرأي الآخر، في صفوف أعضاء الجماعة، وفي صفوف سكان الجماعة؟
لماذا لا يصير إعلاما ديمقراطيا، يسعى إلى بناء جماعة الحق، والقانون؟
والخلاصة أننا عندما تناولنا في هذه الفقرة، حرص الإعلام الجماعي على إظهار اختلالات التدبير الجماعي، وكأنها غير قائمة في الواقع الجماعي، إنما نسعى إلى القول بأن هذا الإعلام لا يختلف في شكله، وفي جوهره، عن الإعلام الرسمي / المخزني، الذي لا يهتم بالإنسان، بقدر ما يهتم بالطبقة الحاكمة، وبالمؤسسة المخزنية، من أجل جعلهما حاضرين في الممارسة اليومية لسكان المغرب: من الشمال، إلى الجنوب، ومن الشرق، إلى الغرب.
ولذلك اعتبرنا الإعلام الجماعي امتدادا للإعلام الرسمي / المخزني، واستمرارا له على مستوى الجماعة، من خلال اهتمامه بالطاقم الجماعي، الذي يقود عملية تجديد التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، حتى لا يقال لنا بأن الإعلام الجماعي هو إعلام متميز، يسعى إلى خدمة مصالح سكان الجماعة، سعيا إلى تحريف ما هو قائم في الواقع.
#محمد_الحنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقطة نظام: هل يناضل النقابيون من أجل تنمية مصالحهم، والحصول
...
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....9
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....8
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....7
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....6
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....5
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....4
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....3
-
الغياب الدائم للهمة عن منطقة الرحامنة، وعن جماعة ابن جرير: ا
...
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....2
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....1
-
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إطار لجميع المغاربة، وفي خدمت
...
-
الحزبوسلامي بين الحرص على استغلال المناخ الديمقراطي، والانشد
...
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...4 / 2
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...4 / 1
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|