سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 3124 - 2010 / 9 / 14 - 00:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التطرف يولد التطرف ... والعنف يولد العنف ...هذه حقيقة اجتماعية مهمة جدا...
وألان وبعد إن قرر القس بأنه لن يحرق نسخ القرآن الكريم , بل انه لم يكن ليحرق تلك النسخ أبدا , لا ندري هل سوف نشكر هذا القس لتراجعه عن حرق النسخ , أو إننا سوف نلعنه لأنه تجرأ وفكر بحرق نسخ المصحف الكريم ....
الحقيقة انه بين الشكر واللعن ...توجد مسافة طويلة بين الحقيقة والخيال , وتقع في هذه المنطقة الرمادية أزمة مسجد نيويورك , لكن قبل إن أضع طرحي هذا هناك تساؤلات وحق لي إن أتساءل خصوصا بعد انقشع غبار الأزمة وعدنا للمربع الأول ... إلى مسجد نيويورك .... أتساءل لو كانت نفس الأزمة حدثت في عالمنا العربي أو الإسلامي , ماذا يحدث ساعتها ؟!!!
ماذا لو طالب احد أئمتنا المسلمين بحرق الإنجيل أو أي كتاب مقدس يعود إلى أي ملة أخرى معترف بها أو غير معترف بها ماذا يحدث .....
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى , ماذا لو طالب احد المسيحيين أو اليهود , ببناء مركز مسيحي أو يهودي بقلب العالم الإسلامي ...مثلما يطالب الإمام فيصل عبد الرؤوف ببناء مركز أسلامي في قلب أمريكا ...نيويورك , ماذا يحدث برأيكم ....
إلا يعني هذا الذي حدث هو انتصار للنموذج الأمريكي في الحياة , إن مجرد خروج أكثر 20 منظمة يهودية ومسيحية في مسيرة تطالب بحق الإسلام والمسلمين ببناء هذا المركز ,. وفي قلب أمريكا , نيويورك , لا لسبب فقط لان النموذج الأمريكي في الحياة , سجل حقيقة جميلة في الدستور الأمريكي (( حرية المعتقد )) ... وتحت مظلة هذا القانون , ومع حقيقة علمانية الدولة في أمريكا , استطاع المسلمون , إن ينتشروا بصورة كبيرة داخل المجتمع الأمريكي , فاق كل التصورات , وفاق حتى نظيره في المجتمع الأوربي , حتى أصبح المجتمع الإسلامي في الأمريكي واقع وحقيقة , لا يستطيع أي احد إن ينكر وجوده بهذه الصورة وهذا الحجم , لدرجة إن الرئيس الأمريكي يهني العالم الإسلامي بمناسباته عند حلول شهر رمضان وعند حلول الأعياد الإسلامية ...بل أنهم يقيمون وليمة إفطار في رمضان للوجوه الإسلامية في أمريكا داخل البيت الأبيض ....
أزمة مسجد نيويورك , بدأت حين قرار الأمام فيصل عبد الرؤوف إقامة مركز إسلامي في المنطقة التي تقع في قرب منطقة غراوند زيرو والتي شهدت هجمات 11 سبتمبر 2001 .... عملية التفكير في بناء المركز هذا في المكان هذا بالذات هيجت مشاعر الناس , واليمين المتطرف في أمريكا ...وظهرت الأصوات هنا وهناك تطالب بمنع إقامة هذا المركز في هذا المكان بالذات , إلا إن إصرار الإمام فيصل عبد الرؤوف أدى إلى تطور في الموضع وادي إلى شبه مواجهه بين التطرف الإسلامي والتطرف المسيحي , وظهرت لنا قصص وحكايات أمثال هذا القس والذي طالب بحرق نسخ من مصحف المسلمين , ولكنه في نهاية الأمر طالب الإمام فيصل بالتراجع عن إقامة المركز الإسلامي في ذاك المكان مقابل التراجع عن حرق مصحف المسلمين ... الحقيقية والتي يجب إن نثبتها هنا , إن الاحتجاج ليس على إقامة مركز إسلامي في نيويورك , بل حتى أكثر المحتجين تشددا , قالوا إن من حق المسلمين إقامة مركزهم الإسلامي , بل الاحتجاج كان فقط على الموقع , بل أنهم طالبوا المسلمين إن يبنوا مركزهم في أي مكان أخر في نيويورك ماعدا هذا المكان , مطالبين بمراعاة مشاعر الخمسة ألاف الذين قضوا نحبهم في مركز التجارة الدولي , بل إن الملياردير الأميركي دونالد ترامب القريب من الجمهوريين اقترح شراء موقع المركز الإسلامي في مانهاتن بزيادة 25% عن السعر المطلوب لنزع فتيل وضع "متفجر" حسب قوله ...... لكن حقيقة لا نفهم أبدا إصرار الإمام عبد الرؤوف لإقامة المركز بهذا المكان , ولا ادري لما الرغبة بتصعيد الموقف مع أي كان , وفي نفس الوقت يستطيعون بناء المركز في مكان أخر , ويتجنبون المواجه والصدام , في وقت المسلمون يحتاجون إلى الهدوء , والى التفهم والى حسن المواجهة والسياسة اللينة حتى يستطيعون الانتشار في المجتمع الأمريكي .....يقول الإمام فيصل عبد الرؤوف صاحب مبادرة قرطبة " إن التراجع عن خطط بناء المركز سوف يثير مشاعر المسلمين الراديكاليين مما سوف يدفعهم إلى شن الهجمات ضد الولايات المتحدة الأمريكية "في حوار برنامج لأري كينغ لايف علي شبكة سي إن إن " الشي المهم إن الراديكاليين سوف يتذرعون بهذه الواقعة " .... لا استطيع إن اقتنع بهذه الحجة والتي يبرر بها الإمام فيصل لنفسه , إن الراديكاليين , لن يقتنعون بأي حجة , وهاهم يقودون حربا ضروسا ضد الولايات المتحدة الأمريكية , وبشهادة الأمريكان أنهم لم يستطيعوا التغلب على القاعدة ...لا بل إن القاعدة استطاعت تحريك الكثير من الخلايا النائمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية ...وان إحصائية بسيطة تظهر إن معظم أتباع القاعدة هم من المسلمين الذين ولدوا داخل الولايات المتحدة الأمريكية .... يقول الرئيس الأمريكي اوباما إن حربنا ضد القاعدة , ولم تكن يوما حربنا ضد الإسلام , وهي حقيقة ولكن لتشابك الخطوط ما بين ما هو إسلام وماهو قاعدة خلط الأوراق بشدة ... فظهرت امريكا وكأنها تحارب الإسلام , وحتى اليمين المتطرف الأمريكي دعا في وقت من الأوقات لحرب صليبية جديدة ....نظر لها كثير من المسلمون بأنها حرب صليبية حقيقية ... عاد فيما بعد ونفى إن تكون حروبه صليبية ..إنما كانت حربا ضد الإرهاب .
ولكن مع شدة المأساة التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر 2001 , ومع ارتفاع طبول الحرب الأمريكية وكل الدول التي تبعتها , ومع شدة الدمار الذي لحق في كل من العراق وأفغانستان , إلا إن الإسلام كان في هذه الفترة يخترق بهدوء أحيانا , وبقوة الصدمة التي أحدثتها أحداث سبتمبر أحياناً أخرى , وتوجهت الأضواء بشدة تجاه هذا الداخل إلى الأرض الأمريكية , بات الناس يتساءلون ماهذا الدين , وماهو , وكيف اخترق الذات الأمريكية , وبالصدمة تلك وبالهدوء الذي تحرك به , أصبح للإسلام مساحة واسعة وانتشار كثيف يحسب له إلف حساب ....
هذا الانتشار كان ادعى لمؤسسيه إن يتحركوا بسياسة هادئة , حتى يتم نقل صورة جميلة للإسلام , أقيمت الكثير من المراكز الكبيرة , والكثير من المساجد الصغيرة , وكان القانون الأمريكي سند هذا الانتشار , تحت مظلة (( حرية المعتقد )) ..الفقرة المقدسة في الدستور الأمريكي , والتي جعلت لأمريكا نكهة خاصة تحمي الأديان تحت علمانية الدولة ....
هناك تصور بين الباحثين إن أزمة مسجد نيويورك هي نوع من الإسلام فوبيا , وان هناك تخوف حقيقي من هذا الداخل للمجتمع الأمريكي , ويقولون في عرضهم للامران قضية مسجد نيويورك مؤشر على موجة جديدة وخطيرة من موجات العداء للإسلام – أو الإسلاموفوبيا – في أميركا، موجة ظن المتابعون - قبل سنوات قليلة - أنها بعيدة عن شواطئ القارة الأميركية ... ويقولون من كان يتصور قبل عامين أو ثلاثة إن تشهد المدن الأميركية مظاهرات تعج بالمتظاهرين المطالبين بوقف بناء مسجد وترفع شعارات تهاجم الإسلام ذاته وتطالب بخروجه من أميركا تحت أعين الإعلام الأميركي، بل ويخرج سياسيون كبار لدعم تلك المظاهرات ومطالبها ونشرها في ولايات مختلفة ...
المشكلة إننا ننسى إننا من حركنا المياه الراكدة ...وأننا نحن من هاجرنا إلى تلك الأرض , لأننا في بلادنا وصل بنا اليأس لدرجة كبيرة لم نستطيع بها الحياة , كثير من الجاليات العربية والإسلامية هاجرت إلى أمريكا نتيجة اضطهاد بلدانها وأهلها لها ووجدت في أمريكا الفرصة للحياة الكريمة والحرية , وتحت ظل هذه الحرية وخصوصا حرية المعتقد , استطاعت بناء المدارس والمراكز الإسلامية والمساجد .....ولو كانت هناك إسلام فوبيا حقيقة , لما استطاع الإسلام الانتشار بهذه الصورة الكبيرة ... والذي يحدث هو أمر طبيعي مثلما يتوجس خيفة من إي قادم جديد ...لكن خروج عشرات المنظمات المدنية والدينية المسيحية واليهودية تطالب بحق المسلمين لبناء مركزهم الإسلامي دليل علي الحيوية العالية في المجتمع الأمريكي ...وهذا لا نجده أيدا في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ..والتي لا زالت مغلقة إن لم يكن على الدين الواحد فعل المذهب الواحد .....
في نهاية المطاف يعود الإمام فيصل عبد الرؤوف ويقر بأنه لو كان يعلم إن كل هذه الإحداث سوف تقع , ما كان قرر أو فكر منذ البداية بإقامة المركز في هذا المكان بالذات .... أنها عودة للذات واعتراف متأخر ...لكنه شجاع بنفس الوقت ....
أحيانا لا تبدو الحقائق واضحة ... وأحيانا نعتقد إننا نملك الحقيقية كاملة ..وأحياننا نتصرف كأن الوجود ملك يميننا ...وننسى إن هناك من يشاركنا في الإنسانية ... أزمة مسجد نيويورك قسمت المجتمع الأمريكي إلى قسمين فمنهم المؤيد ومنهم المعارض , لكن المنتصر الأخير تلك الفقرة المقدسة من الدستور الأمريكي والتي تقول (( بحرية المعتقد )) .
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟