هل تدافع الجالية المسلمة في هولندا عن نفسها بشكل حضاري؟

صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 945 - 2004 / 9 / 3 - 07:19
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

قام الثنائي, ايان حرسي علي (نائبة برلمانية عن حزب VVD, من اصل صومالي ومعروفة بمواقفها المثيرة لمشاعر المسلمين) وثيو فان خوخ (مخرج سينمائي معروف بالصلافة البالغة والعدائية للمسلمين وانتاج برامج جنس من ادنى المستويات) بانتاج فلم "الاذعان" (باللغة الانكليزية), تقوم فيه فتاة ترتدي النقاب وثوب شفاف يكشف كل جسمها, بالصلاة ومناجاة الله بكلام عن مغامراتها الجنسية, لمدة 12 دقيقة. تبرع فان خوخ بتكاليف الفلم البالغة 18 الف يورو. ايان:"اريد ان اعري قسوة الاسلام على المرأة بالمعنى الحرفي للكلمة"

تعليقات الصحافة كانت منافقة بشكل عام, فافترضت ان الثنائي المذكور يريد تحرير المسلمين من محرماتهم ووضعها على طاولة النقاش, وتحرير المرأة خصوصا, وحصرت النقاش في السؤال فيما اذا كان المسلمين سيتمكنون من تقبل استفزازه (الفني) وصدمته والاستفادة منه. اغلب المقالات اكدت على ان معظم المسلمين لن يتقبلوه لانهم على العكس من المسيحيين لم يتعودوا عروضا تتحدى المقدسات. وما يعتبره المثقفون العلمانيون حرية الفن الهادفة للاستفزاز والصدمة, يعتبر غالبية المسلمين اهانة مقصودة لاعمق مشاعرهم الدينية. ركز الكلام كذلك على العنف ضد النساء في "الدوائر الاسلامية".

بالطبع ان فرضية النية الطيبة للثنائي لااساس لها من الصحة, فهما يتباريان في استفزاز المسلمين وينحدران الى مستويات في غاية التدني من اجل ذلك. ويعمل فان خوخ حاليا على اخراج فلم عن السياسي الهولندي المغتال بيم فورتان, الذي كان قد اسس حزب كتلة فورتان سيء الصيت, على الاقل لدى المسلمين والاقليات.

الصحافة قالت ان ردود فعل الهولنديين كانت في معظمها ايجابي على الفلم, فتحمس البعض لحملة ايان "لتحرير المرأة المسلمة" وقارنها بالحملة ضد التمييز العنصري في جنوب افريقيا, والتمييز العرقي في الهند والسود في اميركا وملاحقة اليهود في المانيا.
البعض القليل نسبيا من ردود الفعل الهولندية كان انتقاديا واحيانا بشكل لاذع للفلم واتهم هؤلاء الثنائي باثارة الضغائن والبحث عن الشهرة بغض النظر عن الاذى الذي يتسببان به للمجتمع الهولندي. وكأمثلة لردود الفعل تلك:
"ايان ثور هائج في مخزن الخزف الاسلامي. لاتفعل الا تحطيم كل شيئ. انها عمياء تثير الكراهية مرة بعد اخرى."
"لوان العكس حدث لقامت الدنيا ولم تقعد في العالم المسيحي, لكن من سيدافع عن المستضعفين المسلمين؟"
"حماقة لاتستحق التعليق, ولاتدل الا على سطحية معرفتنا بالاسلام."
"يكفي ما قالته هرسي علي "ان العالم الاسلامي كله سينقض علي" لمعرفة دوافعها الحقيقية. "
"تاريخهما يثبت انهما مهووسان بلفت النظر لاغير"
"هرسي تخون ثقة الناس وتستغل جهلهم بالقران لتخرج الكلمات عن معانيها. الخوف من الاسلام في هولندا يعطي ايان حرية الحركة, ويستفيد منها رؤساؤها لغايات انتخابية, وذلك اهم عندهم من نتائجه على الحياة الاجتماعية في هولندا."
خديجة اريب النائبة البرلمانية عن حزب العمل PvdA ترى ان المسلمات سيشعرن بالاهانة من الفلم..وان ايان تسعى الى المجابهة وهذا مثير للقلق.

قيادة حزب ال VVD اليميني اللبرالي الذي تنتمي اليه ايان حرسي علي رحبت بالفلم بشكل عام. رئيس الفريق البرلماني للحزب فان ارتسن : ايان امرأة ذات رسالة لذا فهي معنا في الفريق, اما زالم فيرى الفلم خليعا اكثر مما يجب, ووزير الداخلية رمكس قال ان ليس في الفلم ما هو غير قانوني.

اما ردود الفعل للمنظمات الاسلامية فكان معظمها يؤكد على اعتبار العمل تافها لايستحق الا التجاهل التام, واعتبرته "استفزازا لا يساعد الحوار".
هاسي كاراكار من مللي خوروس : "اذا اردات ايان حربا دينية فلها ذلك.انا لن استجيب لذلك"
محمد سني من "الاسلام والمواطنة" يأمل ان يحتفظ المسلمون بهدوئهم: "يجب ان نتمكن من مناقشة التمييز ضد النساء واليهود والشاذين جنسيا ولكن ليس بهذه الطريقة."

من ناحية اجد ان الاهمال خيار اولي ممتاز لمواجهة مثل هذه الهجمات الاستفزازية الرخيصة, ولكنه غير كاف ولايضمن احد التزام جميع المسلمين به. ان الخطر الاكبر الذي يتهدد الجالية المسلمة الان هو استجابة بعض افرادها للاستفزاز المتكرر بارتكاب عمل عنيف, مما يوصل مثل هذا الثنائي ومن وراءه الى غايتهم.
ومن ناحية ثانية, فان قبول مثل تلك الاستفزازات بلا رد, امر قاتل للمعنويات للمسلمين والاقليات, ويدفع الى المزيد منها بالنسبة لمستفزيهم, والى تقوقعهم بعيدا عن المجتمع.

فما هو الرد؟ الرد ببساطة هو اعادة الضربة بشكل حضاري. ليس بشكل رد على الفلم, بل اهماله, والبحث عن طريقة تصبح فيها الجالية اقوى واقدر على الرد مستقبلا. تقوية الجمعيات, تطوير مستوى اللغة الهولندية, العمل على توكيد ما هو صحيح ويفتخر به من التراث, وبنفس الوقت الشجاعة لرفض مالايناسب الحياة الان ويعرقلها.

صحيح ان مثل هذا المستوى المنحط من التعامل, ينعكس على صاحبه, وصحيح ان الاهانة لاتلحق بالمسلمين بل بالهولنديين جراء ذلك, اذ يبدوا فان خوخ ممثلا منحطا لهم في هذه الساحة, الا ان الخطر الاكبر يواجهه المسلمون وعليهم تحمل مسؤوليته.

ان كان المسلمين حريصين على الدفاع عن انفسهم كمسلمين فيجب ان يثبت ذلك باستعدادهم على العمل والتضحية من اجله. لقد تبرع فان خوخ ب 18 الف يورو للاساءة الى الاسلام في هولندا, فكم سيتبرع من يريد رفع اسم الاسلام فيها؟

#صائب_خليل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات