|
أزمة الفكر أم أزمة نظام!؟
بختيار بكر
الحوار المتمدن-العدد: 945 - 2004 / 9 / 3 - 09:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لفتت مأساة أهالي دارفور- المسلمون غير العرب- الأنظار إليها مؤخراً، لعوامل عدة أبرزها: 1- الحجم الكبير الذي بلغة عدد المشردين والقتلى، وللواتي تعرضن للاغتصاب، إذ تؤكد آخر تقارير منظمات الإغاثة الدولية، وفق إحصاءات تقريبية، أن نتائج سياسية الحكومة السودانية الممنهجة في سياق الإبادة الجماعية، قد بلغت مليون مشرد في دولة تشاد المجاورة، كما أن العدد مرشح لأن يتضاعف عدة مرات في الأسابيع المقبلة، ما لم يتم إيقاف هذه المجزرة الرهيبة. إضافة إلى عشرات ألوف القتلى، ومثل ذلك عدد اللواتي ملكن جرأة وأوردن حقيقة تعرضهن للاغتصاب. أن كل ذلك يقوم به الجيش السوداني، وفق عقيدة ( الأرض المحروقة) العسكرية المعروفة، أما أصالة بكافة صنوف أسلحتها، أو وكالة عن طريق القبائل العربية بتسليحها وتدريبها وتعبئتها، وأبرز منظماتها عصابات ( الجنجويد) ذات التاريخ المزري، في كافة صنوف الإبادة العنصرية المقيتة من القتل، الخطف، النهب، والاغتصاب.....الخ. بل أن ما يثير الاشمئزاز والقرف هو الأخيرة تقوم بأداء المهمات القذرة التي يعجز عنها الجيش. 2- الزيارة التي قام بها مؤخراً وبشكل متزامن كوفي عنان رئيس أكبر منظمة دولية، وكولن باول وزير خارجية أقوى دولة في العالم. 3- قرار الأمم المتحدة والذي أتخذ بغالبية الأعضاء القاضي بإمهال الحكومة السودانية شهراً واحداً لنزع أسلحة الجنجويد وحلها وإيقاف مسلسل الإبادة الجماعية المتبعة بحق أبناء دارفور. 4- أستنفار وكالة الإغاثة الدولية، وحشد طاقاتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مئات ألوف النفوس البشرية من التشرد والاغتصاب والموت إما قتلاً أو جوعاً. 5- نقل أجهزة الإعلام المستقلة بمهنية و أمانة ، صورة الحقيقة لفصول المأساة والتي يتعرض لها أبناء دارفور، إلى الجماهير الواسعة التي سرعان ما شكل رأيها العام المتبلور عوامل الضغط على حكوماتها. - لقد أفرزت الظروف الدولية المستجدة التي حدثت خاصة منذ انتهاء الحرب الباردة، ولا زالت فصولها تتتابع نحو الأفضل إلى يومنا هذا، مرحلة جديدة من في تاريخ العلاقات الدولية، إذ انتهت بموجبها أكذوبة ( عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول ذات السيادة)، حتى وإن أبادت حكومات تلك الدول جزء من شعوبها، كما حدث في العراق أيام حكم الطاغية المخلوع، وكما يحدث الآن في مناطق أخرى من العالم. - أن ما يحدث في دارفور ومناطق أخرى في السودان، وما كان يحدث في الأمس القريب في جنوبه، ما هو إلا نتاج طبيعي للذهنية المسيطرة على رؤوس كثير من قياديي وقواعد الأمة العربية، ممن أجزم إليهم ضحايا لأفكار " الدمار الشامل" القائمة على تقديس المزاوجة بين كل ما هو عشائري متخلف وإسلاموي رجعي سلفي متعفن وعروباوي عنصري متعصب ومتعنت.
الإبادة الجماعية، التي أخذت في الآونة الأخيرة أبعاداً خطيرة أسبابها كثيرة نذكر منها: أ?- الأنظمة الدكتاتورية الشمولية المتعاقبة على دسة الحكم، منذ أن حصل السودان على استقلاله، وتخلص من الاستعمار الإنكليزي سنة 1956 م. تلك الأنظمة الفردية التي لم تكد تنحرف عن مسار قبلي بتخلف واحد، مع بعض الفروقات الفردية هنا أو هناك منذ أيام الأزهري إلى عهود الانقلابات الدموية، بدءاً بانقلاب إبراهيم عبود وانتهاء بانقلاب الرئيس الحالي حسن البشير، مروراً بانقلابي جعفر النميري وعبد الرحمن سوار الذهب. في الحقيقة، حكم هؤلاء جميعاً بقوة الحديد والنار مستندين على فكر أسلاموي عروباوي، قائم على تهميش وإلغاء كل ما يخالف ذلك، مستعينين بأمثال المهدي والترابي....الخ. ب?- الإرث الاستعماري الثقيل: - العثماني بكل تخلفه ورجعيته. - الإنكليزي القائم على إبقاء جميع مشاكل الاجتماعية والطائفية والدينية والأثنية عالقة، بل بتعميق الخلافات بدل حلها، ليتمكن لاحقاً من الدخول من خلال ثغراتها وتحقيق طموحاته الاستعمارية على مبدأ ( فرق تسد). - المصري الذي أشترك مع الإنكليز ومن قبلهم مع العثمانيين في استعمار السودان، وبذلك أصبح من حيث يدري أم لا يدري، مطية لطرفين مختلفين ظاهرياً ولكن متفقين ضمنياً: 1- التوسع الإمبريالي الإنكليزي الباحث عن الأسواق والموارد. 2- الفكر الإسلامي العربي القائم على الفتح والرسالة الخالدة. ج- الثروات الهائلة لإقليم دارفور،مما يثير أطماع الحكومة والعشائر العربية البدوية الباحثة عن الكلأ لمواشيها، حيث تتمتع دارفور بالمناخ المعتدل والأرض الخصبة ووفرة المياه، أضف إلى ذلك الثروات الباطنية الهائلة وعلى رأسها اكتشاف البترول مؤخراً. د- لا مبالاة المنظمات الدولية والإقليمية لما يجري في السودان، من إبادة جماعية وتطهير عرقي، وتغييب للحريات الديمقراطية. ذلك أن تلك المنظمات لا تمثل سوى مصالح أعضائها، والقائمة على الإبقاء على التقسيم الاستعماري للعالم الذي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وترسخ بعد الحرب العالمية الثانية. إذ أن أي إخلال بقدسية الحدود القائمة أو أية مساعدة مهما كانت ضئيلة- لفئة تتعرض للاضطهاد في أية بقعة كانت من الأرض، تعتبر من قبلها تدخلاً غير محمود العواقب في شؤون الدول، أعضاء تلك المنظمات أو تهدد مصالح بعضها الآخر. هـ- الصمت المخزي والمريب للأنظمة والأحزاب والمنظمات العربية، حتى تلك التي تدعي الديمقراطية والتقدمية، على مجازر الحكومة السودانية، بل أدهى من كل ذلك هو تشجيعها لكل الممارسات العنصرية والطائفية في جنوب السودان وأقاليمه المختلفة، واستعدادها ( للجهاد) ضد أثنيات السودان وطوائفه المختلفة، تحت إمرة الحكومة، بحجة مكافحة الصهيونية العالمية والحملة الصليبية الجديدة. و- عدم إبلاء مسألة دارفور الاهتمام الكافي، في اتفاقيتي (مشاكوس ونيفاشا) وما سبقتهما من مباحثات جادة ومجهدة، بين المعارضة والحكومة. أو لنقل عدم التزام الحكومة ببنود هاتين الاتفاقيتين اللتين تعتبران أنجاراً كبيراً لجميع شعوب السودان عامة، ولأبناء جنوبه خاصة. إذ أتى الاتفاقان ليكملا بعضهما وليؤكدا على حق تقرير مصير شعب الجنوب بعد فترة انتقالية، وحقه في اقتسام ثروته مع الحكومة، ريثما يتم اختيار نمط الحكم المستقبلي، فدرالياً كان أو كونفدرالياً أو أستقلالاً ناجزاً، وفق صناديق الاقتراع، وتحت رعاية الأمم المتحدة. - أعتقد أن الحل الأسعافي السريع لمأساة أبناء دارفور، ريثما يعتمد الحل النهائي، يوجب ما يلي: 1- اعتماد منظمة الأمم المتحدة كل الوسائل التي تلزم الحكومة السودانية بإيقاف كافة أشكال الأبادة الجماعية التي تتبعها، من العمليات العسكرية والدعم اللا محدود لعصابات الجنجويد، وإجبارها على البدء بمفاوضات جادة مع ممثلي دارفور الحقيقيين، على أن يشارك في تلك المفاوضات كافة اطراف الحراك السياسي السوداني. 2- تنويع مصادر الإغاثة العاجلة وتعديد شرايين الحياة المتبعة لإيصال المعونات إلى من يحتاجها بحيث تشترك كل دول الجوار في ذلك 3- اعتبار إقليم دارفور بكامله "ملاذاً آمناً" يجري حمايته أرضاً وجواً، بالتفويض من المم المتحدة ليتمكن المشردون البؤساء من العودة إلى مناطق سكناهم. بقي أن أساءل: 1- هل كل مآسي أهل دارفور مسؤول عنه النظام السوداني ذو جميع الصفات البغيضة، أم أفكار "الدمار الشامل" التي تتحكم في عقول مسئولين وتسيرهم، أم لكلاهما معاً!؟ 2- أليس من الأفضل أن يعيش الإنسان بشرف وكرامة في وطن ديمقراطي مرفه صغير، من لأن يعيش في وطنٍ مستعبد كبير مفلطح، تتصارع فيه طوائف وأديان وأثنيات مختلفة، وتديره سلطة شمولية مطلقة وفق قوانين الطوارئ والأحكام العرفية!؟.
#بختيار_بكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|