|
وثائق المؤثمر الثاني للحزب الاشتراكي الموحد : مشروع أرضية الثورة الهادئة
الحزب الاشتراكي الموحد - المغرب
الحوار المتمدن-العدد: 3120 - 2010 / 9 / 9 - 08:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
I- في أفق وعي نقدي متجدد :
تهدف هذه الأرضية إلى المساهمة في المجهود الرامي – بمناسبة المؤتمر الوطني الثاني للحزب الاشتراكي الموحد- إلى بنينة الرأي العام الحزبي حول مقاربات معلنة، من المفترض أن تنكب على تقديم أوضح القراءات الممكنة لمعالم المرحلة، واقتراح أجدى سبل التمفصل بين الغايات الإستراتيجية الحزبية ، بما هي مبادئ مؤسسة لمشروعه المجتمعي، وبين تصريفها التكتيكي بما هو رؤية للاستحقاقات والأولويات التي يمليها تدبير وإدارة الصراع المجتمعي في شرطه الراهن وما يرتبط به من مستلزمات.
à إن هكذا منطلق يفترض التأكيد على جملة من المسلمات أهمها :
1. أننا لا نملك الحقيقة بل نتملك اجتهادا منفتحا على النقاش والإثراء والتطوير والتقاطع.
2. أن من حسنات النقاش، التفكير بصوت مسموع والقطع مع الدارج من مقاربات مضمرة تمارس بالتقسيط دونما الإعلان عن ذاتها.
3. أن منتهى التبلور في تيار ليس حتمية قدرية ولا يمكنه أن يكون برغبة ذاتية في التميز- وفق قاعدة "خالف تعرف" – بل يجب أن يجسد حاجة وحقيقة موضوعية من حيث محمول مقاربة ما ومدى مترتباته العملية تنظيميا وسياسيا وليس مجرد صيغة خطابية لشرعنة تجييش متنافر الهوى والأهواء يستند لآليات خارج حزبية ومحكومة بنوازع شخصانية أو روابط دكاكينية سالفة .
4. أن التيار – أي تيار- ليس ولا يمكن أن يكون حزبا داخل الحزب أو على هامش الحزب، بل قوة تطارحية ترمي توجيه دفة الحزب- خطه المرحلي- أو التأثير في توجيهها من منطلق قاعدته التأسيسية المبدئية المؤطرة وآليات مشروعيته المؤسسية.
5. أن الاصطفاف في تيار ما لا يبيح التحجج لا لجهة التفريط في حقوق رأي الأقلية أو الأقليات ولا لجهة إشاعة الشلل وافتعال الأزمات والأوضاع المحجوزة من قبل هذه الأقلية أو تلك، ذلك أن قضايا الممارسة الميدانية المحلية والجهوية هي قضايا إجرائية عملياتية بالأساس وتتطلب مبادرات مستندة إلى واقع الحال الميداني بما يستلزمه من مرونة وتكييف بين المرجعي والظرفي على خلاف التموقفات بالنسبة للقضايا الوطنية والمبادرات الرامية إلى إدارة الصراع والمساهمة في الحراك السياسي العام والتي يجب أن تعكس مقتضيات الشرعية كما تحصلت مؤسسيا في حضن المؤتمر، إذ تظل محكومة بالمراقبة والمحاسبة ومن ثمة من حقها أن تمتلك مختلف الإمكانيات لتصريف مقاربتها لا أن يعمد إلى البحث الدائب عن سبيل لشلها بما يرسي مفهوما وفهما منحرفا للتيار بقتله في المهد كمبادرة تأسيسية في الحقل الحزبي الوطني.
وتأسيسا على كل ما سلف، نعتقد أن كل مناضل ومناضلة بقدر ما يجب أن يحتكم لضميره وقناعاته وخبرته الخاصتين, بقدر ما يجب أن يتسلح بحسه النقدي وبثقافة السؤال وهو يمارس اختياراته لكونها لن تحدد فقط طبيعة الحزب الذي سنكونه فحسب بل وأيضا مساحة القوة التي سنشغلها، في المرحلة المقبلة، دفاعا عن القضايا الأساس لمجتمعنا والقدرة الاقتراحية التي سنعبئها في هذا السبيل والتي يفترض أن تعكس قيمتها المضافة في الحقل الحزبي الوطني لا مجرد رقم أو دودية زائدة.
II- في التسمية :
منذ انهيار المنظومة السوفياتية ، ورغم النقاشات النظرية التي سبقته- بعقد على الأقل- في الساحة اليسارية الوطنية والتي حاولت جاهدة استعادة المعنى لمفهوم الثورة ضدا على الابتذال الذي حوله قسرا من حمولته التاريخية لمرادف انقلابي يتغيا السلطة حصرا من منظور يحكمه هوس التغيير النخبوي من فوق في " تسريع للتاريخ ".
منذ ذلك الحين، والمفهوم غذا كالنعجة الجرباء منبوذا ، مخافة إثارة الإزعاج تارة وأخرى مخافة الإحالة على " ثراث " أصبح" أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام".
إن اختيارنا لهذه التسمية ليس من قبيل الاعتباط، بله تركيز مكثف لمقاربة ستتكشف تدرجا ، تعكس فهما محددا لمواطن الحجز والإعاقة في وجه التغيير المجتمعي ورؤية معينة للأولويات التي يفرضها سلم مباشرة هذا التغيير ضمن نسقية رامية لتثوير حقيقي للذات والموضوع في آن .
وهي بالمحصلة ، رد اعتبار لمفهوم الثورة كاستحقاق يساري بمضمونه التغييري التاريخي لا بمعناه ألابتذالي الانقلابي المحكوم بهلوسة السلطة.
III- في الإعاقات التاريخية للتحول الديمقراطي :
ليس في ما نعانيه ونواجهه اليوم وعلى شتى المستويات ، مجرد إرادات مهما كانت تراتبيتها أو تموضعها الفردي والفئوي في الجسم المجتمعي ، بل هي ذاتها ليست عدا تعبير عن محصلة اعم لمعضلات أعمق.
فمن التبسيط ، المضلل أحيانا ، أن نستخف بالمعضلات التاريخية والمجالية، ونقف عند توصيف قمة جبل الجليد العائم دون الذهاب رأسا وبجرأة لعمق الفهم المطلوب بصورة مفارقة لما يفترض يسارا من الاخد بالتحليل التاريخي على اختلاف مستوياته، وما يترتب عن ذلك من إنتاج تحليل مرجعي مفرز لمؤشرات أفق واضح، ومعالم ممارسة عقلانية غير متخطبة من حيث استحقاقاتها الذاتية والبرنامجية المرحلية / خطها السياسي/ خريطتها للطريق.
إن المعضلات الأساس التي تأسر دفع التغيير الديمقراطي الحداثي في مجتمعنا وتحجزه كأفق ممكن هي، بإيجاز لا يخلو من إخلال بنظرنا في المجمل:
1. إن النمط الذي أرسي بأوصال مجتمعنا ماديا وذهنيا وعلى مدى 15 قرنا هو نمط للقوة/ اقتصاد الغزو، وليس نمطا للإنتاج وهو ابعد ما يكون عن أصول نظرية الحق كما تطورت بقسم مهم من القارة الأوربية.
2. أن العلاقة بين الدولة الدينية ، كما أرسيت بعد الاسلمة، و" رعاياها " ظلت مؤطرة ومشرعنة بنظرية " الفيء". بعد أن شكلت هذه النظرية من خلال نازلة " تخميس الامازيغ " رأس حربة الانتفاضة والقطيعة الولائية إزاء خلافة المشرق، ليعاد إنتاجها وبأدوات "ممزغة ".
3. أن البنية المعاشية ظلت بنية ركودية شأنها شأن البنيتين الاجتماعية والذهنية، قائمة على عوائد التوسع غزوا، وريع التبادل البدائي ، وأتاوات قطع الطريق أو حمايتها، وعوائد القرصنة المشرعنة بالجهاد في حين شكل الرقيق من الدرجة الأولى أو الثانية قوة للعمل لدى قبائل أو لدى المخزن (حالة المخزن السعدي) بينما ظلت المواقع السهلية محط كر وفر لغوائل أللاستقرار (تنقيل قبائل، نزوح القبائل الجبلية أو الجنوبية بحثا عن مرعى، تطاحنات المشروعيات، دورات الجفاف والمجاعات والأوبئة) بينما ظلت المراكز الحضرية حلقات لاقتصاد الكفاف في نسقيه التبادلي والحرفي.
4. أن البنية السياسية التي أطرت هذه المنظومة هي بنية سلطانية مركزية في شرعيتها وفعلها، منبنية على شبكة من الولاءات والتحالفات تجمع بين ما يشبه "أمراء حرب" بقوة بأسهم المحلي أو بقوة معنوية مضافة له (شرفاوية ،دينية).
5. إن بنية المعرفة في هكذا مجتمع ظلت في المعظم نقلية لاهوتية ذات علاقة صميمية بمنظومة ثيوقراطية على اختلاف تراتبيتها ، متكيفة مع الأعراف الاجتماعية المتوارثة التي استدمجت في إطار الاسلمة لتحقيق التوافق المجتمعي والتقليل من الاحتكاك بين اللاهوت التقليدي، العالم واللاهوت الشعبي الممارس.
6. إن هذه الطاحونة التاريخية ، قد عملت تدريجيا على تدمير الهوية التاريخية للمجتمع وتبخيسها لمصلحة إعلاء قيمة العناصر الهوياتية والثقافية الوافدة عروبية مشرقية أو مورسكية خاصة بعد نجاح " حركة الاسترداد الأوروبي" من منطلق ما استندت عليه من " قيمة مضافة" (شرف الانتساب، المعارف، الصنائع، فنون الحرب).
7. إن هكذا مجتمع ظل ، ما دام قادرا على الممانعة الحربية بل والتوسع غزوا في ظل شروط متكافئة لجوار متوسطي غارق في ظلمائه القرسطوية، أو جوار مشرقي عثماني لا يختلف عنه جوهريا، بيد انه أفلت زمام التكافؤ مع تحول المقومات الأولية لاستمرار ممانعته بانقلاب النفوذ من الأبيض المتوسط للمحيط الاطلسي ، ونمو حركة الكشوفات الجغرافية بمترتباتها، ونمو الحركة النهضوية وتحقق الثورة الدينية وما أعقبها من حلقات انبلاج الحداثة، معرفة، ومعاشا، وعلاقات اجتماعية ونفوذ دولي.
8. إن الممانعة القائمة على أرضية لاهوتية قوامها التكفير في استعاضة عن هوية الأرض قد تحولت إلى شرك مدمر لكل حراك باتجاه التفاعل والتثاقف والمحاكاة واللحاق، وظلت الفئات المنتفعة من الوضع القائم بما فيها الفقهاء حراس الحيلولة دون أية إرادة للإصلاح بما فيها تلك الصادرة عن إرادة الفقيه الأكبر/ السلطان. بل تحولت بعض الإصلاحات ذاتها لبؤر نهب وسلب ومفسدة. بل كان الجسم الفقهي المؤثث لرجالات الدولة مصدر خيانة ورشوة كما سيغدو بعضه مجال موالاة وحماية للقوى الاستعمارية المتهافتة على المجال المغربي.
9. إن الإيديولوجية الإسلامية، وليس الإسلام كتدين، كعقيدة للحكم ذات الخلفية الفارسية ومنظومة مؤطرة لاقتصاد الغزو، والمنضدة/ المستنفذة المفعول بفعل حركة التاريخ المنافية لركوديتها، تقع في قلب المسؤولية عن مأزق الإخفاق التاريخي الذي وقع المغرب ضحية له نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 من حيث تدميرها لكل مقومات التطور العقلاني والإنتاجي للمجتمع، كما مقومات التطور المؤسسي لبنية الدولة وللعلاقات الاجتماعية التراتبية والمجالية، فهي لم تكن تصلح لغير الانقلاب على ذاتها لإعادة إنتاج ذاتها من خلال تكفير شرعية قائمة لمصلحة شرعية طامحة .
10. إن الموقع ألمجالي للمغرب كرأس حربة متقدم في مواجهة الاحتكاك مع عالم ما بعد النهضة، جامح التغيرات والحلقات الثورية المادية والمعنوية قد وضعه كما في سابق المحطات التاريخية، موضع تقاطب القوى الناهضة أوروبيا والباحثة عن مجالات حيوية مضافة لتحسين شروط نفوذها القاري.
وهو التهافت الذي سيفضي بعد 1912 إلى إرساء بنية دولتية قائمة على تقاسم الأدوار بين سلطة دينية ذات سيادة على النفوس وسلطة زمانية استعمارية تستأثر بالمجال وتتوزع قدراته الطبيعية والاقتصادية وطاقاته البشرية لمصلحة متروبولاتها.
11. إن أربعة عقود من الاستعمار كانت كافية لبلقنة المغرب لعدة ازدواجيات، سلطة تقليدانية في مقابل إدارة عصرية، مغرب المركز النافع في مقابل مغرب المحيط غير النافع، فلاحة تسويقية وبوادي عصرية في مقابل فلاحة معاشية وبوادي الفلاحة الياناصيبية أسيرة دورات الجفاف، صناعة تقليدية تداور الأزمات وتتحول إلى فلكلور وصناعة عصرية لا تسمن من جوع في السباق التكنولوجي لما بعد الحرب العالمية الثانية،مدرسة للنخب الفرانكوفونية بما فيها أبناء الأعيان ورجالات الحركة الوطنية ومدرسة للشعب للتكوين المهني أو للعوربة السلفية.
على أن من حسناتها ،إن جاز المصطلح ،عودة الوعي إلى الانتماء لشيء اسمه الوطن وإن بخلفية مؤطرة تمتح في الغالب من المرجعية الدينية أكثر من مرجعية الأرض والإنسان، وأكثر التصاقا بمشرق ينهض بإيديولوجيته القومية المصطنعة اصطناعا في الحضن الانجلوفوني.
بيد أن هذه العودة القوية لأسلافنا في وجه عنجهية مستعمر، بلغت حد نفي سلطان لم ييسر مراميها، والذين استفادوا من الظروف المتأتية لما بعد الحرب ع II، أبرزت أنهم ما كانوا ليدركوا منتهى أوفاق أيكس_ ليبان بمحدودية نظرهم الأبوية، وربما بخوفهم من تجاوز الأحداث إثر ولادة جيش التحرير.
هذه الأوفاق التي أورثت المغرب مجالا ممزق السيادة الترابية ، مأسور الإرادة الاقتصادية من قبل مراكز استعمارية ومعمرين وفئات نامية في حضن الاقتصاد الاستعماري، ندر من كون به ثروة عصامية ، أجلت الجواب على ألأسئلة الأساس، وبالأخص من يحكم من ؟ وكيف ؟
وهي الأوضاع التي مافتئت، بعد فورة الحماس، أن تكشفت عن مآزق دموية بدأت بأكل الاستقلال لأبنائه وانتهت في دورتها الجهنمية باستعادة الدولة السلطانية المعصرنة، لزمام التحكم ببناء وتوسيع شبكة ولاءاتها الريعية عبر مساحات في أجهزة الدولة ، أو في بنياتها القطاعية حيث استعاد الفيء/ الغنيمة قوة حضوره عبر المحسوبية والزبونية والفساد والتنفذ عبر سلسلة إجرائية من ظهائر 1962 إلى وزيعة الأراضي المسترجعة إلى قوانين "المغربة".
ولقد واكبت ذلك كثافة تغطية نارية جهنمية لتدمير ما تبقى من ممانعات سابقة أو ناهضة من رحم المجتمع واحتجاجاته العفوية أو المنظمة ، تغطية آزرها احتضان دولي متواطئ وصموت في ظل الحرب الباردة ومناخاتها. 12. إن هذا المسار الذي حشر فيه المجتمع حشرا، وللصيغة مرماها، قد اغلق مسامه التنفيسية مع اكتمال مغربة الأطر وتشبع الهياكل الدولتية برغم المناورة ب " الخدمة المدنية" وبتراكم مديونياته القطاعية، فلاحة وصناعة. ومفاجأته بكلفة استحقاق الوحدة الترابية معززة بخصم المغرب التاريخي : دورات الجفاف.
هو ذا السياق الدافع والمحث لهامش الانفتاح المؤطر ب " المغرب الجديد" إلى حدود نهاية الثمانينات، بمنح جرعات تدبيرية ضمن نفس النسق : الفيء المستقطب لنخب جديدة. إذ لم يعد للمخزن السلطاني ما يعطيه مقابل " تأليف القلوب" غير مساحات للتنفذ والنهب المحلي والوجاهة الوطنية لخدمة شبكات الانتفاع التي تحولت لمدارات لامندوحة من المرور عبرها ، في مناورة استبدالية لقوى وطنية صميمية منهكة ومستنزفة ، تتآكل مشروعيتها تدريجيا ، لكنها تظل قادرة على التحفز واسترجاع بعض الزخم المجتمعي ، غير أن كعب أخيلها: قابليتها الكبيرة للمساومات السهلة في المنعطفات التاريخية .
وكما ضحت أوفاق إيكس_ليبان بالأجوبة الإستراتيجية لمغرب الاستقلال، فإن التوافق الضمني لمنتصف السبعينات بين المشروعية التاريخية السلطانية والمشروعية الوطنية قد ضحى بجيل ناهض برمته ، محدثا فراغا جهنميا كانت تشغل مساحته قوة ممانعة، شكلت بأحلامها الكبرى، وخطابها وكفاحيتها وتضحياتها ووطنيتها الصميمية جنين مشروعية شعبية ناهضة في وجه قوى أرباع الحلول ، بغض النظر عن كل انزلاقاتها الخطابية أو النظرية أو بعض تموقفاتها السياسوية حتى.
13. إن هذا الفراغ قد استثمر من قبل مهندسي السلطان ،وعلى رأسهم بديل كديرة ادريس البصري، في تطعيم وتوسيع وتنويع روافد قاعدة اجتماعية منسجمة مع نسق الدولة السلطانية وبناها المادية والإيديولوجية ،بالاحتضان الواسع لمختلف انوية انبعاث "الرهبانية" الحديثة والسعي لترويضها ،مبرزا جهلا مدقعا بالتاريخ.
فما لم يتم حسبانه هو خطر (انقلاب السحر على الساحر) إذ أن التفكير الأدواتي المركز على خلق فزاعات ضاغطة لكبح أفق تفكير وأهداف المعارضات، خاصة الأكثر راديكالية ، قد انتهى بالمحصلة لاستنساخ جسم كل الشروط الموضوعية المادية والذهنية متوافرة لاستشرائه، ليشهر السلاح المفضل والأكثر فتكا لدى كل الإيديولوجيات الدينية، والإسلامية إحداها: "التكفير". وما الحواضن الخارجية غير دعائم لوجستيكية مادية وإعلامية وسيكولوجية ، في لعبة التماثل والانعكاس لإعادة ترقيع، وضمان تماسك الصورة الهوياتية المؤدلجة : استيهام الأمة العابرة للأوطان.
14. إن هذا النمط / النسق العام، قد بلغ مع منتصف الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين اختناقات ظرفية حادة أهمها:
أ* تحول معطيات واستحقاقات الشرط الدولي بصورة جذرية بالتهالك الدرامي للنظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية و احتلال القطب الانكلوساكسوني (انكلترا- الولايات المتحدة الأمريكية) لمركز الريادة والتنفذ الدوليين، وفرض أجندة قائمة على تحرير التجارة الدولية لإفساح المجال لعولمة متوحشة، قائمة على تسييد المصالح الرأسمالية الكبرى ودحر الحمائيات التقليدية والعمل على تصفية الممانعات الإقليمية المرتبطة بها سواء عبر افتعال أزمات أو حلحلة أخرى أو تجميدها، وضمان عدم تشكل قطب بديل عبر مسعى التطويق (الحالة الروسية) أو التقليم والردع ( الحالة الصينية) أو الإضعاف عبر التهميش أو قضم النفوذ والاختراق (الاتحاد الأوروبي) كل ذلك جرى ويجري ضمن استحقاقات مطلوبة قائمة على تعميم الديمقراطية الانتخابية وحظر الانقلابات والترويج لخطاب الحقوق الإنسانية على اختلاف أجيالها، ولمفهوم وسياسات الحكامة الرشيدة وهي منظومة معايير جديدة أملاها سقف تطلعات الشعوب ومسعى استيعابها وتوظيفها من قبل القوى النافذة دوليا لغاية ضمان سيولة أسرع لمصالحها ولغاية الابتزاز حتى.
ب* إن انزياح هذا الغطاء الدولي، قد تزامن مع اخفاقات اجتماعية واقتصادية بل وسياسية داخلية متعددة.
فعلى الصعيد الاقتصادي كانت المديونية قد بلغت أشدها بالتهام قرابة ثلث الناتج الوطني الخام، وظلت القطاعات المراهن عليها هشة برغم التفقير الممنهج لسياسات التقويم الهيكلي وإعادة التأهيل القطاعي مع وضع فلاحي مضطرب. وبلغت المنظومتين التربوية والتكوينية درجة اللاجدوى أمام عدم قدرة الإدارة الدولتية بمفهومها العام على استيعاب المزيد من الموظفين رغم تحويل الجماعات المحلية، بمسعى من وزارة الداخلية ، لباحة لتزجية الوقت الثالث مؤدى عنها من المال العام المحلي ولدعم الزبونيات الانتخابية ل "شبكة الفنادقية" شأن إطلاق يدها في تأثيت أحزمة البؤس حيث عربدة بدونة السياسية والمجال بترييف المدن بلا رادع وفي استهتار إزاء كل قواعد المشروعية القانونية، فغذت النصوص، كما كانت دوما ، حبرا على ورق مشرع لتآكل أرضية الفساد والاغتناء اللامشروع.
وفي مقابل هذا الوضع ظلت فئات "المترفين" المشدودة الوثاق لآلة "تأليف القلوب" وجني المغانم دائمة التشكي لابتزاز المزيد من الإعفاءات والإجراءات المشرعنة لإطلاق اليد في الأعناق والأرزاق، بينما تعرض بعض " المتنطعين" منهم لحملة التطهير الشهيرة في "حركة" تأديبية للمخزن السلطاني شبيهة ب " حركات التتريك" التي كانت تستهدف القبائل "السائبة".
ولقد فضحت هذه المرحلة العقم البنيوي لما يصطلح عليه تجاوزا ب"البرجوازية"المغربية وعجزها عن بلورة قاعدتها ومشروعها الخاصين بعيدا عن آليات السلطان .وهو ما سيتأكد لاحقا بالتجاء قسم منها لقوة شوكة الفصائل " الرهبانية" كما في كل الفاشيات الناهضة (نموذجي: إيطاليا، وألمانيا لما بين الحربين) ولم يكن الحال الاجتماعي أقل حصيلة من هذا المشهد الكارثي ، سكنا وصحة وثقافة وقضاء ومصادر عيش . وغدا التململ متمكنا من النفوس في كل مكان مؤشرا لأزمة اجتماعية وسياسية تدق على الأبواب وبعنف ويصعب في الشرط الدولي إياه إغراقها دمويا على شاكلة الدورات السابقة- الريف 59 مارس65،ابريل79،يونيو81 يناير84 دجنبر 90..- دون أن يشكل ذلك مقامرة بالمنظومة السلطانية ذاتها .
15. إن استشعار هذا المأزق الحثيث، هو الذي أسس لإخراج " التوافق" والذي بدأ تمهيدا بالتأشير على مبادرات حسن النية بتنفيس الاحتقان على جرعات، وإعادة الصياغة الدستورية لمساحة تدبيرية أوفر مع ضمانات انخراط في روح عصر ما بعد الحرب الباردة، مقابل التزام برنامجي استراتيجي قوامه الأساس أوراش استحقاقات صندوق النقد الدولي (إصلاح التعليم، إصلاح القضاء خاصة التجاري، إصلاح الإدارة والضغط على الكتلة الأجرية، إصلاح عالم الشغل، رفع يد الدولة عن عدة قطاعات إستراتيجية : نقل ،اتصالات، تحرير الأسعار وتقليص مجال تدخل صندوق المقاصة، إصلاح المنظومات الجبائية والجمركية والاستثمارية...).
والحصيلة قبل أو بعد انتقال السلطة، أن التسوية التي تم طبخها على مهل والتحكم بإخراجها الميداني لتعبئة شحنة الحماس اللازم للالتفاف حولها بدءا من صياغة ميثاق الكثلة والترويج له إلى تنصيب حكومة اليوسفي مرورا بضمان التصويت شبه الاجماعي على دستور 1996، قد خبت مراهناتها، إذ ظلت مختلف الايجابيات التي رتبتها جانبية، قياسا مع ما ظل بنيويا مستعصيا على التحول لمحدودية إرادته وضعف شروط تبلور هذه الإرادة من حيث موازين القوى المعبأة ذاتها ،لا الموضوعية المتاحة لجهة المناخ الدولي والاستعدادات الخام مجتمعيا.
وهكذا تراجع سقف المساومات لبضع مقاعد حكومية تضمن البقاء في السباق، في ظل سلطة خارج حكومية، حتى و إن كان الثمن: تفكيك جبهة الصف الديمقراطي-وهو ثمن سياسي باهض- لخطب ود ثقة لا تحتاج لشهادة إثبات أصلا.
فما الذي تغير حقا على مستوى بنية الإرادة/ جوهرها؟
16. إن التمعن في الحصيلة المكثفة للمرحلة يفضي للقول بان بعض ما تحمله من مكاسب – وإن بدت للملاحظ الخارجي ثورة ( هيئة الانصاف والمصالحة،تقرير المكاشفة الاجتماعية لـ50سنة،مدونة الأسرة،المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، إزاحة بعض الوجوه كالبصري...) فهي للمتأمل في تاريخ المغرب العميق تبدو بمثابة خطوات إصلاحية خجولة ومترددة لا تملك القوة الدافعة لإطلاق انتقال ديمقراطي فعلي.
ولمن الأكيد أن هناك إرادة في الإصلاح ، لكن جوهرها محدود ولا يبلغ مدى الثثوير الاجتماعي قياسا بطبقات الخصاص المراكمة تاريخيا.بل هي تتغيا استمرارية الجوهر السلطاني.
إن الأمر لا يتعلق بتشكيك سياسوي أو حكم على النوايا، ولا باستصغار أي إصلاح على بساطته في ظل حقل اجتماعي ملغوم بالردة الماضوية وبضعف تأهيل النخب شبه الحداثية وبأدوات دولتية توارثت أعرافا فاسدة ومفسدة أكثر مما توارثت تقاليد مؤسسية واحتكام لقواعد المشروعية القانونية، وتشبع بأخلاق النزاهة والضمير المهني.
بيد إن لمطمح مغرب حداثي ديمقراطي، يتجاوز حدود الشعار والاصلاحات الهشة، كإرادة صميمة ،جملة استحقاقات أولية غير مكلفة لكنها جسورة ولا يمكن النظر لها فقط من ثقب الحاجات الاجتماعية الملحة، فلقد ظلت أنظمة الحزب الوحيد تبرر مشروعية بطشها ونزوعها التحكمى لعقود بحاجات الشعب الأولية عدا الترف" الليبرالي البرجوازي"، مع ما لهذه الحاجات من أولويات ضاغطة لا تقبل التأجيل .فالمغرب الحداثي الديمقراطي حقا، يستوجب المشي على قدمين :
قدم اجتماعية / اقتصادية وقدم سياسية/ ثقافية/تربوية.
وإذا كانت للحداثة مفاتيح غير قابلة للاستبدال في استحقاقاتها، فإن جوهر الديمقراطية واحد لكن صيغ تصريفه قابلة للإبداع ولا تخضع لمنطق ال kit .
17. إن المفارق الكاشف عن محدودية الإرادة في إطلاق صيرورة انتقال ديمقراطي حداثي حقيقي هو استمرار التخبط في عدة ازدواجيات دالة.
أ. وجود نظام للتمثيلية الشكلانية في ظل مشروعية سلطانية مهيمنة وعلى شتى المستويات المركزية واللامركزية وهو ما يتمثل في:
- وضع الحكومة في حالة " منظمة غير حكومية".
- دور الملك/ السلطان في التشريع والتنفيد بما لايبرر بمجرد توخي السرعة والنجاعة وتلافي الانحراف.
- وجود آليات دولتية غير خاضعة للحكومة ذات قدرة تحكمية سواء في الإدارة المحلية أو المنتخبة.
- وجود آليات منتجة ومؤثرة في صناعة القرار وإعماله أو توجيه ومراقبة تنفيذه خارج الآليتين التشريعية والتنفيذية (برلمان-حكومة)
- وجود قطاعات حيوية وحساسة خارج المراقبة البرلمانية وخارج السلطة الفعلية للحكومة ووزيرها الأول (الأمن-الجيش)
إن كل ذلك يفيد احتكارا للشرعية والمشروعية ،ومنظومة مبنية على التوجس وعدم الاعتراف بركن أساس لأية ديمقراطية:الإرادة الشعبية والتي هي في هكذا منظومة قائمة، مفوضة ومفوتة للسلطان بموجب "البيعة" والتي تظل مقتضياتها "خارج دستورية" فالدستور لا يبدأ فعلا ومفعولا إلا بعدها وهو ليس عدا فرع/ مجال من مجالاتها ،وهي التي تؤسسه ولا يمكنه التأسيس لها وهي "إلاهية" وهو "بشري" وهي "مقدسة" وهو "مدنس" بما يجعلنا حقا في لجة دولة دينية ب"رتوش" زمانية ، حيث يتلاشى مفهوم "العقد" لمصلحة واقع "التسليم" وسمو لغة "الخدام" و "الرعايا" على حساب لغة "المواطنين".
ب. وجود نظام للتنشئة الاجتماعية قائم على ازدواجية صارخة، فمن جهة هناك التزام واحتكام وإعمال للقواعد والمساطر والأحكام القانونية الكونية الإنسانية ومن جهة أخرى نعمد إلى تلقين ناشئتنا مناهج تربوية تحتكم ل "لوائح حمو رابي" المأسلمة بغرس "ثقافة الحدود" عبر ما يسمى ب " "التربية الإسلامية".- لاحظ اختبارات التربية الإسلامية لامتحان الباكالوريا مؤخرا -
غير أن الأخطر من كل ذلك هو المنحى " الصهيوني" لتنشئتنا الدينية، ذلك أن الصهيونية في جوهرها كعقيدة سياسية ليست أكثر من محورة الذات وتحويل مبشرات المتن اللاهوتي الثوراتي لمشروع سياسي وهو أمر لايقف عند حدود اليهود الأكثر تعصبا ولا بعض الاتجاهات الأصولية المسيحية- الانجيليون- بله أيضا عنصر مركزي في الايديولوجيا الاسلامية ، فمقابل "شعب الله المختار" هناك "خير أمة" ومقابل "الوعد ألإلهي بأرض الميعاد" هناك "الوعد الإلهي بالاستخلاف في الأرض" جميعها، ومقابل تحويل اليهودية من ديانة سماوية إلى" قومية" و"شعب" بل و"عرق"، هناك مسعى لهذا المنحى في الايديولوجيا الإسلامية تحت مقولة " الأمة" وما لعبة حرب التأويل لدى البعض سوى مداورة غير مجدية،في أتون قتل العقل.
ج. وجود نظام للارتقاء الاجتماعي قائم على هيمنة البعد الريعي على حساب البعد الإنتاجي وبعد القوة والغلبة على بعد الحق. وبعد الانتفاع على بعد العمل وبعد الولاء/ الزبونية/ المحسوبية على بعد الاستحقاق/ الكفاءة/ الجدارة.
وهذه المفارقة المتشعبة الأركان تهمش وتبخس الاستثمار العصامي وتدمره، وتحبط الطاقات الجديرة وتهمشها، وتنزع من النفوس روح المغالبة الكفاحية اليومية وترسي محلها ثقافة السهولة ونزعة المجانية ومرض الوصولية الانتهازية لنغدو ليس فقط أمام آليات ووقائع مادية بل أمام ذهنية متشربة هي في الأصل/ الجذور إعادة إنتاج متجددة لثقافة الفيء/ الغنيمة ، عوض توليف الإرادات على قاعدة مشروع اجتماعي واضح المرامي التنموية وقادر على تعبئة أوسع الطاقات الخيرة وأجدى الكفاءات الجديرة وأوفر الثروات الوطنية الغيورة والنزيهة والعصامية .
إن ما سلف أعلاه لا يشمل الثروة فحسب، بل يهم السلطة أيضا سواء في شقها الدولتي العام، أو في أنساقها المدنية والسياسية الخارج دولتية ( أحزاب جمعيات) بما فيها النخب شبه الحداثية.
18. إن هذا الثالوث المؤشر له سياسيا وإيديولوجيا واجتماعيا/اقتصاديا، هو مربط الإعاقة التاريخية للمغرب في وجه أي مشروع حداثي ديمقراطي، والاشتغال على ثثويره هو المحدد لمدى الانخراط في أي إرادة لانتقال ديمقراطي حداثي، يخرجنا حقا من دائرة السلطنة لدائرة المملكة المستندة لمشروعية الإرادة الشعبية والمسلحة بمشروع تنموي وطني واضح المعالم الإستراتيجية سواء في مرتكزاته الهوياتية بما هي حسم في فضاءات انتمائه الإنساني والمجالي/ دوائر مجال نموه الحيوية. أو رهاناته القطاعية الصلبة، أو معالم الإنسان المؤهل لبلورته باقتدار أو الصيغ المؤسسية المستوعبة للتدافع الإنساني في بلورة أجدى البرامج الاقتراحية وتعبئة أوسع ثقة/ تعاقد اقتراعي لتجسيد لبناته في حياة الناس، ارتقاء معاش ،وامن واستقرار، وعدالة اجتماعية، وضمان حقوق وحريات، وإشعاع جهوي ودولي.
IV – في مفاصل التثوير واستحقاقاته :
من منطلق ما سلف تتبدى معالم ثلاثة اوراش إستراتيجية :
1. الورش السياسي/ المؤسسي
2. الورش الايديولوجي/ التربوي/ الثقافي
3. الورش الاقتصادي/ الاجتماعي
1. في الورش السياسي/ المؤسسي
ما يلزم أن نقر به حين نخلص أننا إزاء بنيان لدولة السلطان، "سلطنة"، باعتبار كل ما سلف، انه وبالتبعية، نحن في دولة ما قبل السياسة ، ذلك أننا أمام" ما يصنعه الله" لا ما يصنعه البشر، على اعتبار أن السياسة فعل وإرادة بشريين وليست لا أمرا ولا وحيا إلاهيا.
ومن هنا يمكن أن نفهم أيضا لماذا ظل مغرب ما بعد الاستقلال أسيرا لشرنقة صيغة الدولة كما تبلورت في مرحلة ما بعد الاسلمة،أي دولة لاسياسية حيث تظل السياسة حصرا وحكرا على السلطان و"أهل حله وعقده" لا مجالا ل "العامة" و " الرعاع".
إن هذا بنظرنا هو المفصل الجوهري في كل بنيان سياسي مؤسسي حداثي ديمقراطي محصلته ملكية مواطنة تستند وتعترف بشرعية ومشروعية إرادة المواطنين، كما يعترفون بشرعية ومشروعية سيادتها ، أي نصل إلى تأميم الملكية بدل خوصصتها السلطانية للمجتمع .وفي ذات الآن يتوجب أن تجد المسألة الدينية حلها الإصلاحي في أواليات الهوية كما في تدبيرها بصورة يعترف فيها أن ما يشكل انتماءنا ولحمتنا، هو انتماؤنا لهذه الأرض أولا، ولإنسانها ثانيا، ولما ارتضيناه كنظام لها ثالثا، ولما توافقنا عليه في إطار حرية التفكير والاعتقاد حقوقا ومسؤوليات رابعا .
فنحن مغاربة مغاربيون امازيغيون/ افارقة/ عرب/ موريسكيون/ ديموقراطيون/ قبل أن نكون مسلمين أو يهودا أو نعبد الحجر أو الشجر .
وليتوجب الانتباه أننا بعد ثلاثة عقود أو نصف قرن لن نكون فقط بلدا متعدد الروافد الاثنية والثقافية والمعتقدات بل ومتعدد الجنسيات أيضا.
إن إصلاحا دينيا شبيها بالإصلاح الانجيليكاني على الشاكلة الانجليزية عهد الحروب الدينية، ممكن في إطار فصل واضح للسلطات ،لا مجال فيه لاعتداء أي كان على مجال "السياسة" بدعوى كونه"المهدي المنتظر" أو "خليفة لله في الأرض " أو "حارس الحاكمية والناطق باسم حوزتها" أو "متحدث باسم الكائنات الخارج كونية"
إن حل هذه المعضلة/ العقدة هو ما ييسر حل المسالة الدستورية وإلا ظلت كل الدساتير الموضوعة مجرد نصوص على الهامش أمام "دستور" ضمني/ عرفي يمتح من نسقية الدولة الدينية، وظل نظام التمثيلية شكلا كرنفاليا بلا روح حقيقية: المواطنة.
وحالما حلت هذه المعضلة / العقدة التاريخية، أصبح حل قضايا فصل باقي السلطات، وفعالية النظام التمثيلي ،ومجال مراقبته ومحاسبته، وآليات تنصيب واختصاصات الوزارة الأولى والحكومة في الشأن التنفيذي، والتنصيص على حقوق المواطنة وواجباتها، و اللامركزية الجهوية والمحلية قضايا تفرض نفسها بالاستتباع لضمان توازن المشروعيات. أما في ظل التفرد، كما سلف تحليله، فان أي حديث عن نظام للتمثيلية والمشاركة والانتخاب وبالمحصلة ال "السياسة" ،سيظل حديثا شكلانيا شأنه شأن الحديث عن أحزاب في غياب اعتراف صريح بوظيفيتها في ممارسة السلطة والتأثير فيها،أو عن ديمقراطية محلية في ظل وصاية تحكمية واستخفاف بمؤهلاتها الانتخابية .
2. في الورش الايديولوجي/ التربوي/ الثقافي .
لا يمكن الادعاء بالانتماء للحداثة دون تشرب للتنوير العقلاني ورد الاعتبار للإنسان وللقيم الخيرة الكامنة فيه وقدرته على الإبداع في مواجهة ثقافة النقل والتقليد والاستتباع.
ولا يمكن الادعاء بالانتماء للفضاء الديمقراطي، دون الاعتراف بحرية الإنسان كمواطن وقدرته على المشاركة في صنع مصيره حاضرا ومستقبلا وتشربه لهذه القدرة والثقة في الذات كمسؤولية وواجب الانتماء لهذه الأرض وإنسانها ومؤسساتها.
بيد أن ما وضع في أجندة التدمير، ومند السنين الأولى للاستقلال هو ملاحقة أي شكل من أشكال الفكر الحداثي الديمقراطي في اوصال المجتمع.
ولقد شكل البطش السياسي، أبرز ساحات هذا التدمير بتركيز ثقافة الخنوع والتسليم وتبخيس قيمة الذات أمام الآلة الجهنمية لدولة أريد لها أن ينظر لها دوما ككائن غريب عن الذات بما خرب كل حظوظ الثقة فيها خطابا أو أفعالا حتى غدت مختزلة الحضور في "الرعب"وموضوعا للحذر المزمن.
وبموازاة ذلك استخدم "الدين" وبسياسوية مقيتة في التشنيع بكل قيم التنوير وردع كل مطمح في الاحتجاج أو إبداء الرأي في المصير الوطني، وشكلت في هذا السياق "سنة البعث الإسلامي" أوج حملات محاكم التفتيش، التي استقدم لها فقهاء الظلام من كل صوب وحدب، في الهجوم على كل منحى ديمقراطي حداثي، وكل تطلع للعدالة الاجتماعية.
ولستشكل "افرانII " المحطة الأساس في تصفية الحساب مع ممكنات ومواطن استنبات هذه المطامح.
فبعد أن تم حظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، واجتثاث اليسار السبعيني، فرض اصلاح تعليمي ذو منحى "طالباني"، حيث تمت تصفية شعب برمتها( الفلسفة، علم الاجتماع...) ومكن للفصائل الرهبانية بقصد مخطط من التنفذ داخل الجامعات ومحاصرتها كمصدر إشعاع فكري، وأعيدت صياغة المناهج رأسا على عقب ، وعوربة التلقين في المجمل الأساس وفرضت هندسة للتوجيه، بل بلغت الجرأة مداها باقتراح هيكلة تحكم على كل فاشل في التعليم الابتدائي بالحشر في "المدارس القرآنية" لو أرسيت على عهد غير المأسوف عليه "عز الدين العراقي" المدعوم بحماس حزب الاستقلال (والذي ظل وفيا لريائه الاجتماعي منذ مرحلة الحركة الوطنية ) لكان المغرب حاليا اقرب للحالة "الكشميرية". ومع ذلك نجح الحكم في عسكرة المدرسة المحمدية للمهندسين، وبولسة الجامعات وإطلاق يد المجموعات الفاشية الرهبانية فيها وفرض قنوات اخرى لتأهيل المدرسين بعيدا عن الجامعة وصخب حراكها الفكري والسياسي مما دجن أجيالا منهم غذت أقرب إلى الارتزاق منها لحمل رسالة تربوية وتنويرية ووطنية، وفي الأدنى غدت لاترى في رسالتها إن سلمت من اعتناق الفكر ألرهباني، سوى مهمة تقنوية تلقينية.
وبالمقابل أطلقت اليد الطولى لدعم ترويج النفايات التاريخية الصفراء لمشرق مهزوم لا يملك غير التشبث بأهداب وهم الماضي والاستنجاد بالخوارق، من ترويض الجن ، واستحضار الأرواح ، والتداوي البدائي، واستعادة هوس الفحولة عبر الاسترجاع الرمزي لثقافة وتقاليد وأد البنات وغيرها من التمظهرات التي لم يعتدها المغرب حتى في أعثى مراحل تصلب منظومته السلطانية، الماضوية أصلا.
إن محصلة كل ذلك في تنشئة أجيالنا ،تتمثل في وضعهم في جحيم تصادم صارخ بين استحقاقات وشعارات الانخراط في العصر، وما نلقنهم إياه رسميا في مناهجنا، وبصورة غير رسمية عن طريق سيطرة الشبكات الرهبانية على مفاصلنا المدرسية الرسمية، والخاصة(المدارس القرآنية ، بعض مدارس القطاع الخاص) وما تعج به الساحات والمكتبات من كتب ووسائط شبه مجانية ، وما تنفثه قنوات البترودولار من ضروب الرياء ، الجامعة بلا حياء أو وجل بين الترويج للإثارة الشهوانية الغرائزية البهيمية والورع المنافق الرافض لعقل الحداثة، الغارق في الوله بمستهلكاتها ومبتكراتها المادية بإفراط مرضي.
إن هذا البناء الايديولوجي/ التربوي/ الثقافي ، الخادم الطيع لتأبيد منظومة السلطان، وثقافة التسليم وإلغاء الذات لا يمكنه إلا أن يكون نقيضا جوهريا لأي مطمح ومشروع حداثي ديمقراطي ، وليست هناك من حلول وسط قادرة على التبنين في وجهه . فلقد اخفق عصر التدوين ولم يصمد في وجه بنية النقل، وآلت النهضتين السلفية والقومية بالمشرق إلى سراب، وغدا الصدام السيكولوجي بين واقع الحال المدقع معاشا وكينونة اجتماعية ومساحة اعتراف سياسي بالوجود والمعنى والشراكة وبين ما بلغته أمم المعمور حقيقة أو يوطوبيا ، غدا هذا الصدام، مصدرا لتفريغ شحنة الكراهية بتعليق مشجب العجز على الآخر بصورة سادية، أو على الذات بصورة مازوشية وأصبح النهل مما بذات اليد، تنشئة رسمية ومجتمعية، مضاف لها الوافد من جاهز الأجوبة الأكثر سوداوية سلاحا لاستدعاء مشروع فاضل/ خلاصي/ قابع في وهم التاريخ وقائم على تكفير /نبذ/ رفض/ المشروع الحاضر حتى ولو كان جوهره ماضويا، لتسترجع آلية التكفير/ محرك التاريخ الإسلامي، منذ دولة النبوة ،في إعادة إنتاج ذاته الركودية،زخمها واستعاد "الكهنوت الرهباني" صدارته كمنتج / مصدر لشرعنة صلاحية "الفتوى" وهو مؤشر لهزيمة فاضحة للمثقف المؤثر لسلامة الذات والعرض من هجمة" الاستحلال" الهمجي أو تبرم السلطة والسلطان.
إن هكذا مآل يفرض عل اليسار كحامل طليعي للقيم الحداثية الديمقراطية استعادة المبادرة في حقل الشباب بشكل عام والمدرسي بشكل خاص، كما استعادة المبادرة في الحقلين التعليمي والثقافي والإعلامي/ التواصلي، بدل بعض المساعي السياسوية الممالأة، الرامية لاكتساب بعض المساحة في التموضع، لكنها من حيث لا تدري تسهم في تضييع وطن والمراهنة بمستقبله .إذ تساهم في محاصرة كل القوى والطاقات والمبادرات التنويرية الناهضة والمغالبة مدنيا ،وتعزز طفو النفوس المهزومة، وتسيد المرتزقة من أشباه المثقفين اللذين استمرؤوا الخلط بين الدرجات الجامعية وموقع statut المثقف كانتماء لرؤية وجودية/قضية ما في الفكر والمجتمع والعالم،ليمتهنوا التوصيف بالبياض.
3. في الورش الاقتصادي/ الاجتماعي.
أسلفنا في معرض تشخيص الموانع أعلاه، ما نعتقده أسباب عدم قدرتنا على اللحاق التاريخي والذي أشرنا في معرض تناول شقه الاقتصادي / الاجتماعي لمعضلة "الريع" كبنيان ل "الفعالية الاقتصادية" و"ذهنية" الفيء والغنيمة" المهيكلة له وموضعته ضمن البنيان الاجتماعي التراتبي والمجالي كقاعدة اجتماعية من " المؤلفة قلوبهم" لضمان تماسك واستقرار وإعادة إنتاج بنيات الحكم السلطاني/ الدولة الدينية .
وما جرى ويجري منذ الاستقلال، هو استدماج كل الآليات والقطاعات العصرية وإخضاعها لروح النمط، وهي التجربة التي جربت بنجاح منذ" السياسة الأهلية " أو "سياسة الأعيان" التي بلورها مهندسها الماريشال ليوطي في ارشاء النخب التقليدانية لضمان موالاتها للآلة الاستعمارية ، وكان من الذكاء التاريخي بحرصه الشديد في توجيهاته لإدارة الحماية بعدم المساس بالعماد الايديولوجي والتراتبات الاجتماعية التي تشكل روح وحضانة هذا النمط وتأبيد إعادة إنتاجه وتكييفه.
إن المحصلة ، أننا غدونا أمام قلاع للتنفذ يصعب اختراقها وقصم تسيبها ، فأبسط إجراء لتنظيم النقل (قضية التاكيغراف على سبيل المثال) تقود للشلل العام والابتزاز بالملف الاجتماعي، وقس على ذلك في أسواق الجملة وقطاع النسيج والجلد والصيد البحري......
وما يقال عن القطاعات الإنتاجية والخدماتية، كإشارات ،يمكن سحبه على اللوبيات البيروقراطية التي ولدتها ادارة الدولة والقطاعات العامة وشبه العامة، وكذا ما يمكن سحبه على شبكات "الفنادقية" المتخصصين في تجارة الخردة وكراء الأسواق والمواقف العمومية واستغلال المقالع، واللذين كونوا إلى جانب تجار البؤس الاجتماعي بأحزمة السكن العشوائي وغير اللائق وبعض المضاربين العقاريين الأكثر شراهة والوسطاء التجاريين والعقاريين قوة ضاربة متحكمة في كل البنيان الجماعي المحلي وأسواق نخاسته البشرية بكل امتداداتها وتداخلاتها السلطوية.
إن" الريع" قد تحول إلى نموذج للنجاح الاجتماعي بجني المكاسب السهلة، فغدا الرأسمال المراكم سيولة إما باحث عن قطاعات بدورات رأسمالية قصيرة ومدرة لأرباح مضاعفة أو مكدس باحث عن عوائد ثابتة بعيدا عن وجع دماغ الاستثمار ومخاطراته.بينما وبتواز مع كل ذلك ظلت بنية معظم المقاولات شخصية أو عائلية.
وإذا كانت قلة من الثروات عصامية وجديرة بالمواطنة ، فإن أكثرها يتوسع على حساب سرقة المال العام بصورة مباشرة غشا وتدليسا وتهربا ضريبيا (رغم العفو الضريبي المتوالي) أو بصورة غير مباشرة بتحويل الطاقات البشرية المؤهلة والمكونة ليد عاملة مجانية في إطار السخرة وفي تكرار كاريكاتوري لتجنيدها بدعوى التدريبSTAGES والتخلص منها بعد أشهر لتجنيد فوج جديد ، بل لم يتورع الكثير عن تجنيد المتدربين من اجل التشغيل في الورق لنهب المنح والإعفاءات من المال العام.
ولم يسلم القطاع العام وشبه العام من هذا الوباء ، وما يعاش في أحد قلاعه الأساس كمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ووحداته الإنتاجية والخدماتية يقدم أبلغ صورة لما يمكن أن يبلغه هذا النمط من حيث استباق تفويت الخدمات والأعمال لتكوين شركات انتفاع وانجاز أشغال الصيانة.
ولمن اغرب ما آل إليه هذا المنحى الذهني ،أن تحول "الريع" لمطلب اجتماعي، وحق وراءه طلاب ، فبرغم تخمة التوظيف الجماعي وتحوله لعبئ مستنزف للمال العام مقابل وظائف بدون وظيفة عدا تزجية الوقت الثالث المؤدى عنه أو الانخراط في سلك الموظفين الأشباح، أصبحنا نلحظ حركات للمعطلين تواظب على المرابطة اعتصاما بالجماعات المحلية سعيا للظفر بمنصب أو مطالبة العمالات بحصة من "الكريمات" (وكلاء جملة، سيارات أجرة، نقل مختلط...) بل بلغ الوضع مبلغا كافكاويا بدفاع بعض رجال ونساء التعليم عن "حقهم" في أن يكونوا فائضين ، أوبنصف حصة كي يتفرغوا للقطاع الخاص وقس بعد ذلك على ما شئت من قطاعات ومرافق.
واذا كان من اللازم البحث في مراجعة جذرية للنسيج الاقتصادي الوطني لجهة قطع دابر نهب المال العام على اختلاف صوره وتجفيف منابع "الريع" والعمل غير المنتج.
فإن نفس المراجعة يجب أن تشمل الأولويات الإستراتيجية قطاعيا بالنظر للتحولات العالمية وللحاجات الوطنية ،لجهة المراهنة على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والمتطلبة للاستثمار في الإنسان بغض النظر عن الخطاب المبالغ فيه عن سلبيات هجرة الأدمغة في عالم معولم.
بيد أن كل ذلك ، يتطلب حسما استراتيجيا في نوعية المنظومة السياسة وطبيعة التنشئة الاجتماعية، فطالما ظل النسق السياسي على حاله جوهريا ، طالما ظلت الحاجة قائمة لقاعدة اجتماعية ولمنظومة للتنشئة توازي وتواكب حاجاته" لتأليف القلوب" وليس لبناء وطن وترسيخ وتصليب والدود عن مؤسسات من موقع الندية والمشاركة : المواطنة الجديرة والكاملة.
V- استحقاقاتنا في سبيل المجتمع الديمقراطي الحداثي :
في ظل هكذا مأزق تاريخي مركب، من المفترض أن يقف اليسار، كل اليسار، رأس حربة القوى والإرادات المجتمعية ذات التطلع الديمقراطي الحداثي.
بيد أن هذا الافتراض يظل معلقا بفعل ما يعانيه هذا اليسار من وهن متعدد الأعراض.
ü فهو لا يزال يجر خلفه آثار الضربات القاسية التي تلقاها في غير ما موقع من المواقع الضاربة التي كانت تشكل مربط قوته.
ü وهو لم يستعد بعد توازنه ووضوح نظرته وثقته بنفسه بعد تهالك المنظومة السوفياتيثة وانخراط الصين في أبشع نموذج رأسمالي للاستغلال المتوحش للإنسان، مضاف لشمولية منظومتها الاصلية.
ü وهو متنافر البوصلات والأهواء، بين من لا يزال مشدود الحنين ل "ديكتاتورية البروليتاريا" و "القومية" العروبية ، ومن ضيع كل مؤشر، منغمس بتسرع في رؤى " ما بعد حداثية" وبينهما "أصناف" متعثرة تسعى لتلمس سبيل إلى التجدد والتجديد تطفو تارة وأخرى يجرفها التيار مجاراة للحفاظ على البقاء في دائرة الحركة.
ü وهو منقسم بين فاقد للأمل في شيء اسمه "الصف الديمقراطي " مراهن على جزر يسارية أو يسراوية، وبين مراهن على هذا " الصف" اقرب لليأس من جدوى أشتات يسراوية وبينهما داع لجبهة حداثية ديمقراطية نكون فيها ما تكونه قدرتنا على رفع تحدي السقف التثويري La mise à niveau لا ما يمليه البعض من اشتراطات هيمنية أو يجر إليه البعض الآخر من انعزالية . وشتان ما بين أن نكون مطلوبين وان نكون طالبين
ü وهو منقسم بين داع لحشد الفعالية المجتمعية النقابية خصوصا في مركزيات / ملحقات وفق مرمى تحالفاته السياسية باتجاه "الصف" أو باتجاه "التجمع" وبين داع لاستقلالية المدني عن السياسي شعاره "دع ألف زهرة تتفتح وألف مدرسة تتبارى" حيث السؤال ليس أين نكون؟ وإنما ماذا نفعل هنا أوهناك ؟ وبينهما داع خجول للبحث في ممكنات "مركزية" نقابية جديدة على مقاس اليسار .
ü وهو منقسم بين متعصب لأولوية المفتاح الدستوري في الحراك العام لكن سقفه كما تبدى ضئيل بالنظر لمتطلبات تثوير الحقلين السياسي والمجتمعي الوطني، ومتخبط بل وغير مميز أحيانا بين المتن الدستوري والقوانين العادية، بما يطرح السؤال عن مدى استيعابه حقا للمسألة الدستورية وقضايا الإصلاح المؤسساتي بالمغرب معرفة وتحليلا وتوطينا/ تنزيلا نصيا، وبين معترف بالمكانة الجوهرية للمسألة الدستورية وله فيها نظر لكنه يرى أن محموله بالنظر لواقع الذات وشروط الحراك العام يفرض بدءا، خارج "الخطاب" والتموقفات الظرفية ، مجهودا في العمق لاستعادة زمام الحضور مجتمعيا والتقليل من الاهتلاك/ الاستنزاف الداخلي.
إن ما سلف يجعل المسافة بين الطموحات والإمكانيات القابلة للتعبئة في المعترك الوطني، كبيرة ولا تنفع الارادوية اللفظية في اختزالها بما يفرض صياغة مقترب عملي عقلاني،يقرب هذه المسافة دون أن يحرق مراحلها/استحقاقاتها ،لتقليص هذه المسافة ليس بالضغط على الطموحات وتقليص سقف ممكنها المأمول أو ممكنها المقبول، كما هو حال البعض في الحقل الوطني، بل عبر الاشتغال على الإمكانيات المعبئة والقابلة للتعبئة لتنميتها وتثمينها.
1. معاركنا القادمة.
مما تحصل أمام اليسار المغربي الحامل للمشروع الحداثي الديمقراطي ولقيم العدالة الاجتماعية والتضامن الإنساني الكوني معركة مركبة طويلة النفس هدفها تثوير المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
وككل ثورة حقيقية، فإن الصراع ضد ما يحجز التحول التاريخي لمجتمعنا ويشده إلى الخلف، له أكثر من ساحة ويمر ضرورة من أطوار ،مفارقة أحيانا، تبعا للمتغيرات الظرفية، ولمستوى نضج الذات الحزبية ودرجة وضوح الرؤية أمامها وشحنة الإصرار و الروح القتالية المتمكنة منها وقدر تأهيلها و دربتها لخوض المعارك تحت أي ظرف والإبداع فيها، كما لمستوى نضج الذات المجتمعية وتحفز قواها الحداثية وتغلبها على احباطاتها والإصرار على طموحاتها.
وفي مجتمع كمجتمعنا، لا تقل أهمية ومفعول المكتسبات المحققة على صعيد ما ، وبجبهة / مجال ما ، عن مثيلاتها بباقي الاصعد والجبهات.
فحيثما تحقق اختراق ما، تداعت مفاعيله لتيسر اختراقات أكثر حيوية ، غير أن ذلك ليس مضمونا ولا ميكانيكيا خاصة في ظل واقع ذاتي مهلهل أو قيادة مرتبكة قد لا تجيد غير إضاعة الفرص وسوء التموضع واضطراب المواقف أو التباسها في إدارة الحراك العام .
لنكن حاسمين في وضوحنا تصريحا لا تلميحا، فليست هناك وصفة ما للاشتراكية. فهذه الأخيرة قيم تبنى تاريخيا بما يوفق بين حرية الأفراد وصياغة مشتركهم التضامني، فليست هناك اشتراكية ما يمكن أن تبنى على سحق الكائن الإنساني المفرد بدوس حرياته وحقوقه الأولية. ومن غير الممكن تصور الصيغة أو الصيغ التي سيحدوها هذا المجتمع أو ذاك في سياق تطور عقله الجمعي لبلورة ما يراه حق مطلق ل " الجماعة" في مجال من المجالات أكان سياسة أو اقتصاد أو غيره.
إن المعنى الاشتراكي اليوم، هو في مواجهة شراسة ووحشية الرأسمال واستعادة مركزية الإنسان في كل إدعاء ل "النمو" أو "التنمية" وفي مواجهة آلة الإقصاء الاجتماعي التي يفرزها النمط الرأسمالي والأنماط اللصيقة بآلياته الدولية ، وتجريده الحثيث للإنسان من فاعليته : العمل وللأرض من مضيافيتها، نهبا وهدرا للثروات غير القابلة للتجدد وتلويثا للبيئة الحيوية للإنسان والكائنات الحية وتهديدا للحياة، حروبا من اجل النفوذ أو تسببا في كوارث نووية أعظم مفعولا.
وهذا المعنى العام، له استحقاقاته الوطنية في مواجهة البطالة، والتجهيل الممنهج وإهدار الثروات جشعا للإثراء، وبؤس الخدمات و تشوه وهجانة النسيج الاقتصادي و سيادة الاعتباط السياسي باستمرار حظر الحق في المواطنة الكاملة، مشاركة ،وحقوقا فردية وجماعية، واعتراف هوياتي مؤسسي، وهو الحظر الذي يفكك اللحمة المجتمعية ويجردها من صوغ مشترك/ طموح جماعي منصب على مصير مستقبلي جدير بالاحترام والاقتداء بين أمم المعمور، وأولاها شعوب الجوار .
التأسيس الدستوري لبناء دولة الحق والقانون
ولهذه الاستحقاقات الوطنية العامة، في شرطنا التاريخي، عنوان عريض: بناء مجتمع حداثي ديمقراطي متضامن ،و هو عنوان ذو متطلبات أهمها،المراجعة الدستورية القابلة لتضمين:
أ- دسترة " البيعة" كعقد تلقائي التجدد يحدد مجال حصانة الملك وحقوقه وواجباته وآليات الحق في الرقابة الدستورية العليا عليها
ب- التنصيص على آليات تشاورية و تحكيمية بين مؤسسة الملك والمؤسسة الحكومية ضامنة لتوازن المشروعيات و التقليل من فرص تصادمها.
ج- الاعتراف للأحزاب السياسية المؤسسة وفق القانون بالحق في ممارسة السلطة السياسية عبر التمثيل الانتخابي والاعتراف للأغلبية البرلمانية أو ائتلافها بحق رئاسة الحكومة و تشكيلها.
د- إغلاق المتن الدستوري على أية مراجعة بالنسبة للنظام الملكي والتمثيلية الديمقراطية والتعددية السياسية والنقابية والخصوصية الهوياتية وحظر قيام أي نظام للحزب الوحيد أو لدولة دينية بدل الاقتصار في النص الحالي على إغلاقه بالنسبة للنظام "الملكي" بمنحاه السلطاني .
هـ - الاعتراف بالتعدد الهوياتي للشعب المغربي و دسترة الأمازيغية كلغة وطنية.
و- دسترة الجهوية وإخضاعها للانتخاب المباشر و مأسستها بعيدا عن آلية الوصاية القبلية.
ز- جعل الموظفين السامين بما فيهم الولاة و العمال و السفراء و مدراء المؤسسات والإدارات العمومية،سلطة تعيين و محاسبة بيد الحكومة مع حذف دسترة سلطة العمال والولاة وإخضاع جميع الصناديق العمومية لتدبير الحكومة وفي خدمة تطبيق برنامجها السياسي.
ح- تمكين البرلمان من سلطة مراقبة و محاسبة حقيقيتن إزاء الحكومة أو إزاء المؤسستين الأمنية و العسكرية.
ط- إلغاء الغرفة الثانية لمصلحة المجلس الاقتصادي/ الاجتماعي كإطار تداولي، وحظر ظاهرة النواب الرحل و اعتبارها كاستقالة تلقائية.
ي- تمكين القضاء، عبر الاعتراف به كسلطة مستقلة، من آليات تدبير و مراقبة ذاتية ناجعة.
ك- التنصيص على المساواة في الحقوق و الواجبات بين كل المواطنين و المواطنات بما يستدمج مختلف أجيال الحقوق المنصوص عليها دوليا.
م-إنشاء محكمة دستورية عليا تختص بالرقابة القانونية على أفعال مختلف مؤسسات الدولة والتحكيم الدستوري، و مراقبة صلاحية مختلف العمليات الاقتراعية، و محاكمة الوزراء والموظفين الساميين بإحالة من لجان التحقيق البرلمانية أو أية سلطة تحقيق واتهام قضائية، ثبت لها استغلال للنفوذ أو الاختلاس أو إرتشاء أو خيانة عظمى.
وكما يتضح أعلاه، و رغم ما لحالة المشروع الجهوي المطروح لحل قضية الصحراء المغربية فإننا لم نتبنى الدعوات الداعية إلى تبني المنحى الفيدرالي على اعتبار هذا الأخير قد يهم الشعوب التي تعاني انقسامات حادة طائفية أو قومية أو ثقافية حتى، و الحال أن المغرب برغم عدم تكافؤ تنميته المجالية و تمركزها بالمحور الاطلنتي (القنيطرة –الجديدة) و برغم التهميش الثقافي واللساني لمقومه الإثني الأساس (المكون الأمازيغي) و برغم تعثره في استعادة كينونته الترابية التاريخية، بما جعل من الوحدات الترابية المستعادة تشكو بفعل واقع استعماري ظل هو ذاته متخلفا في مركزه إلى حين انهيار البنى الديكتاتورية، باستثناء الحالة " الصحراوية" فإن هذا الإقصاء من دائرة التنمية على اختلاف أبعادها لم ينعكس قط في انقسامات مبنينة، وما يؤشر له حينا حول منطقة " الريف" هو أكثر ارتباطا بالمفعول العام للاستبداد السلطاني والذي عانت منه مناطق شتى كانت مسرحا للتوثرات كإقليمي خنيفرة و الراشيدية أو غيرهما. بينما يقع مفعول التنكر الهوياتي على مجمل المغرب و لا يمكن حصره جغرافيا لأن الأمازيغية لا ترتبط برقعة محلية محدودة ما، و إلا تم تبخيسها و تقزيمها، فهي تشمل عموم الكيان الوطني بل تتعداه في كينونتها إلى مجالها التاريخي الحيوي – جنوب شرق ليبيا وبحيرة تشاد و حوضي النيجر و السنغال-
وفضلا عن مراجعة المتن الدستوري، يتوجب مراجعة جملة من المكونات القانونية المؤثرة بقوة في الحياة الوطنية و من أهمها :
أ- قانون الأحزاب، بما يعترف بوظيفيتها سواء لجهة نظام التمثيلية أم لجهة الحق الصريح في تولي السلطة و التأثير فيها، كما يقر بحقها في التمويل استنادا لمعايير موضوعية ممكنة التطور و المراجعة بتطور ترشيد الحياة السياسية (عدد المنخرطين المصرح بهم، الفعالية المجتمعية، عدد الفروع المحلية النشيطة...) مع وضع آليات زجرية للمخالفات المرتبطة سواء بالمعطيات المصرح بها أم بالوثائق المحاسبية.
ب- قانون الجهات: بما يلغي الانتخاب غير المباشر و يرسي قاعدة الانتخاب الثنائي المتزامن للجماعات الحضرية و القروية و الجهوية و يرفع الوصاية القبلية لمصلحة الوصاية القضائية، و يضع الأمر بالصرف في يد السلطة المنتخبة، و يوسع دائرة الاختصاصات انطلاقا من تقييم موضوعي للمرحلة الحالية من التجربة " الجهوية".
ج- القانون التنظيمي لمجلس النواب، بما يتلاءم و اعتماد غرفة واحدة، و بدوائر تعتمد الجهة والتمثيل النسبي وفق قاعدة اكبر بقية مع ضمان حق الأحزاب المعترف بها قانونا و الموجودة في حالة قانونية – من حيث وثيرتها المؤسسية – في منح التزكية لأعضائها واعتماد نسبة 3 % كعتبة في التوزيع و حذف أي عتبة للتزكية و الترشيح.
د- مراجعة مدونة الانتخابات، بما يحقق :
v تغيير يوم الاقتراعات الانتخابية و الاستفتائية لتتم يوم العطلة الأسبوعية الرسمية: "الأحد"وكتحفيز حقيقي لحق المشاركة السياسية.
v مراجعة الأهلية الانتخابية للترشح بالنسبة للمستوى التعليمي لئلا يقل عن الباكالوريا بالنسبة للانتخابات الجماعية الحضرية والقروية والإجازة بالنسبة للانتخابات الجهوية و التشريعية، بما يضفي قيمة على التعلم و يضع بعض الحد لشيوع الرداءة خاصة بالنسبة للاضطلاع بمهمة التمثيل حيث أن توفر حد أدنى من المعارف وإدراك معطيات المحيط الوطني و الدولي حيوي لمن يتطوع لهذه الخدمة العمومية.
v إفساح المجال للجالية المغربية بالخارج بمختلف أوضاعها القانونية من حيث الجنسية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية ضمن آليات موضوعية مناسبة تعتمد حق التصويت دون اشتراطات عدا المرتبطة بأهلية السن وحق الترشح باشتراط الشروط العامة للأهلية إضافة لشرط الانتماء لأحد فروع الأحزاب الوطنية ببلد المهجر وتزكيته وعدم الانتماء لأي حزب من أحزاب بلد الهجرة المستقبل.
v وضع معايير تحترم و تبجل العملية الانتخابية و بالأخص من قبل السلطة المشرفة عليها، إذ كثيرا ما لوحظ أن سلطة الإشراف الحالية تعمد لوضع مكامن الإلصاق في الدعاية الانتخابية بأماكن بشعة و غير صالحة بل منها من يضع هذه الأماكن تقصدا بمطارح الأزبال و التبول العمومي.
v خلق آلية مستقلة للإشراف على كل العمليات الاقتراعية، بداء من استقبال الترشيحات إلى الفرز و إعلان النتائج و تمكينها من حق البث في الطعون و بصفة نهائية غير قابلة للاستئناف للتقليل من إغراق القضاء بالطعون المفتعلة، و من استخدامها وسيلة لعدم استقرار المؤسسات المنتخبة.
هـ- مراجعة القوانين الناظمة لاختصاصات الجماعات الحضرية و القروية. بما يلغي نظام المقاطعات لمصلحة وحدة المدينة حقا وحقيقة ،و يرفع واقع الوصاية القبلية. ويخلق نظاما تحفيزيا للمغادرة الطوعية مع تمكين الجماعات من إمكانيات استثنائية على قاعدة الحصة من الضريبة على القيمة المضافة لتيسسير أداء مستحقات السلاليم الدنيا لضمان تقاعدها المبكر و وقف التوظيف غير المنتج بها، و حصر جملة من الأشغال المرتبطة بميزانية التسيير في القطاع الخاص (صيانة المعدات، صيانة البنايات، صيانة الأسطول...) بصورة تعاقدية، لتحفيز المقاولات الصغرى و الحد من النهب الممنهج والهدر المرتبط ببنود أساسية من ميزانية التسيير.
و- مراجعة قانون الصفقات العمومية، لخلق آلية تحفيزية حمائية لمصلحة مقاولات الشباب الحديثة، باعتماد أسقف مالية متدرجة تسمح بولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة لسوق الصفقات العمومية إما مباشرة أو عبر المناولة مع وضع سقف مالي معقول لمجال ولوجيتها (سندات الطلب، أقل من 250 ألف درهم مثلا...)مع مساطر أوسع تخفيفا كحذف اشتراطات الضمانة البنكية وإشهاد الأعمال السابقة ...
ز- مراجعة قانون الاستثمار بما يضمن خلق آليات دعم و استقرار استراتجيين للقطاعات العالية القيمة المضافة أو المرتبطة بتثمين استكشاف و استثمار الثروات الوطنية خاصة بالنسبة للطاقات المتجددة أو الأحفورية، شبكات التطهير البيئية و إعادة استعمال المياه العادمة، تحلية المياه البحرية و تدبير المحميات المائية البحرية والبرية ، تربية الأسماك والطحالب البحرية لتنمية الثروات السمكية و استغلالها، تنمية الواحات و تجديد غطائها النباتي و تطوير الابتكارات في مجال محاربة التصحر، مع وضع محفزات عبر إعادة التصنيف الجبائي للجهات ضمن رؤية عامة لإعداد التراب الوطني تستهدف تحقيق الإنصاف الاجتماعي و التقليص من الفوارق التنموية ضمن رؤية موضوعية ومنتجة تتجاوز المنحى الاحساني.
ح- مراجعة قوانين التعمير و قانون نزع الملكية من اجل المنفعة العامة، لمصلحة وقف هجانةالتعمير وحدة المضاربة العقارية و التهرب الضريبي (le Noir )، مع تمكين الجماعات من تنمية رصيدها العقاري بإقرار الانتقال الأوتوماتيكي لكل مجال تم التوسع الحضري به بموجب قرار إداري، إلى الملك العام الجماعي مع وضع آلية مناسبة للتعويض المنصف و المعقول في إطار مسطرة موضوعية، و حذف مسطرة آخر بيع لكونها أثبتت طبيعتها الاحتيالية في استنزاف المال العام وتبخيس أهمية القرار الإداري كأحد الروافد التنموية والمجهودات الجماعية الاستثمارية في البنى التحتية في إضفاء قيمة مضافة على العقار الداخلي والمحيط ،وإحداث صندوق عقاري جماعي خاص بتمويل تعويضات النزع أو الاقتناء بالتراضي مع تطهير/افتحاص دقيق لتجربة صندوق التجهيز الجماعي منذ إحداثه والذي نعتقد أن فضائحه لاتقل عن فضائح القرض العقاري.
وتيسير مسطرة إعداد و التصديق على التصاميم المديرية و تصاميم التهيئة ضمن آلية تشاورية حقيقية ومكاتب دراسات مشهود لها بالكفاءة و ليست مجرد مكاتب تؤسس على عجل وعلى المقاس للفوز بالصفقات و انجاز تصاميم مشوهة و كاريكاتورية على الورق.
ط- مراجعة قانون الحريات العامة بما يوسع من دائرتها و يعزز ضماناتها في انسجام مع قواعد القانون الدولي و الحقوق الإنسانية الكونية و ييسير المساطر القانونية لممارسة بعضها و يستدمج تجريم خطاب الكراهية كأحد أشكال العنصرية (الكراهية ضد النوع، الكراهية ضد معتقدات دينية، تكفير الناس والمؤسسات..).
ي- مراجعة قانون الصحافة بما يلغي العقوبات السالبة للحرية، مع وضع ضمانات تقر التوازن بين الحرية و المسؤولية و إدماج التمييز بين المسؤولية المهنية و المسؤولية الجنائية كما هو الحال في الوظيفة العمومية. أي بين ما قد يرتكبه الصحفي من خطأ مهني و يعالج في هذا الإطار و بين ما يقترفه هو ذاته كشخص مستغلا وضعه الاعتباري المهني بسوء نية مفردا أو بتوجيه رؤسائه ضد الأشخاص أو المؤسسات و يحاسب عليه بهذه الصفة دون أن يطال مقاولته الصحفية.
ك- وضع قانون للإضراب يشمل القطاعين العام و الخاص في صورة مدونة ،بما يرسي ضمانات ممارسة هذا الحق و يلغي المساطر الهادفة للتضييق عليه أو لشل مفعوله الاحتجاجي بصورة غير مباشرة بطرق احتيالية قانونية مرجحة لسلطة رب العمل " الخاص" أو " العام".
ل- وضع قانون للنقابات المهنية، بما يحرص على التعددية و الضوابط المؤسسية، والاستقلالية ويرسي قاعدة التنافي القانوني بين الصفة القيادية السياسية والصفة القيادية الحزبية مع ربط الانتماء النقابي بالممارسة المهنية الفعلية .
إن المعركة الدستورية و المؤسساتية ليست ، برغم ثقلها في تطوير المجتمع تحديثا و دمقرطة سوى أحد أوجه الصراع/ جبهاته مع قوى الشد إلى الخلف، و هي ذاتها تتطلب شرحا وإقناعا في صفوف المجتمع لتعبئته أمام ضغط اليومي و المباشر على اهتماماته وأولوياته.
معاركنا على صعيد الجبهة الإيديولوجية
إن ربح الرهان السياسي/المؤسساتي، يقتضي إحداث تغيير عميق في وعي الناس ومدركاتهم إزاء محيطهم الوطني و الكوني، ومن ثمة نظرتهم إلى العالم لتغدو أكثر عقلانية وأجلى وضوحا و أقل تأثرا بالخطاب الشعبوي أيا كان مصدره.
ومن غير الممكن تحقق هذا الاختراق دون شرطين مجتمعيين حاسمين: شرط اختراق الجبهة الإيديولوجية/ الثقافية/ الإعلامية و التربوية، بما له من حيوية في إشاعة حالة استعادة الوعي تجاه الغيبوبة الغيبية، المسماة زورا ب "الصحوة"، و شرط استعادة الجبهة الاجتماعية المدنية للحمتها والتوافق على حد أدنى يرسي تعددية حقيقية، بدل إرساء الشتات المواقعي. وفيما يخص الشرط الأول فان استنهاضا عاما مطلوبا على مستوى أكثر من ورش.
فعلى الساحة الثقافية تشكل الفنون، على اختلاف ميادينها رأس حربة في تهذيب الذوق العام و استعادة ثقافة الحياة في وجه الثقافة الجنائزية، فضلا عن اضطلاعها بالقدرة المكثفة على النقد الاجتماعي (مسرحا، سينما، و غناء ....)، كما يشكل الشعر المنتمي لقضايا إنسانه كرافد للإنسان الكوني، لا شعر الاستمناء الذهاني (الذي استبدل الوطن باللغة و الإنسان بالمفردات و الجمالية العفوية بالاصطناع بدل الصنعة، و حب الناس بثقافة السوق و التسويق) شأنه شأن باقي ضروب الآداب ساحة التطلع لحياة أجدى ،لإنسان غدا بضاعة في سوق مزاد الموت المجاني، و الإحباط و اليأس، و التباري على الغيبوبة...
بينما يشكل الاهتمام الثقافي العالم، وجها آخر لمعركة استعادة الوعي. فأمام التاريخ المؤدلج أو المدجن بانتقاء، تحت ضغط الضرورات التوفيقية القصدية ، يقف تاريخ الوقائع لإماطة اللثام عن "فضيلة وهمية" للسلف، لتنوير الأذهان و تحرير الأفهام، من سيطرة الكذب و استئساد الافتراء و ازدهار سوقه، نظير كل المخدرات المدغدغة للوجدان، المغيبة للعقل و حاسة النقد والتمييز و القاتلة لروح المسؤولية إزاء واقع الحاضر ومصير المستقبل. و ما ينصب على حقل التاريخ، ينصب على ضروب أخرى للمعرفة، فلسفة وعلم اجتماع، و غيرها....
ولعل الورش النظري و العملي الأكبر و ذو الدور التثويري، الوازن في شحد الطاقات وتأهيلها للاضطلاع بمسؤوليتها إزاء مجتمعها ووطنها هو الورش الشبابي وعلى الأخص منه الشباب المدرسي بدءا من الطفولة و انتهاء بالطلبة.
وإذا كان هذا الورش متعدد الحلقات الميدانية، من جمعيات الطفولة إلى التنظيم الطلابي، حيث يفرض الواقع القائم حاليا، الخروج من دوامة نوستالجيا " عبادة الأصنام"(شخصة في شئ اسمه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب) عبر فتح نقاش وطني يستحضر هاجس المصائر لا المواقع.
فإن من أهم تلك الحلقات، التركيز على مسلسل التنشئة الاجتماعية، من حيث نقد المناهج والمقررات، في ما يشبه هجوما مضادا على الماضوية في شتى تلابيبها والوقوف وبحزم و بدون ممالأة شعبوية أمام الانزلاق القائمة في الجسم التربوي، بدءا من ظاهرة الارتزاق إلى ظواهر اللامبالاة و انعدام الكفاءة المهنية، إلى استغلال الفضاء التربوي لنشر وتشجيع ثقافة التجهيل والميز النوعي (فصل التلاميذ عن التلميذات) و التمييز الاجتماعي (أقسام أبناء الأعيان). وقمع الحريات (تفضيل المقنعات في النقط عن غيرهن أو النقد الجارح لغير المقنعات وشن الحروب النفسية عليهن). وغير ذلك مما غدا يمارس بمدارسنا الابتدائية والإعدادية والثانوية، بما فيها بعض مؤسسات القطاع الخاص، و استغلال رعب الانتقام من المصير المدرسي لدى التلاميذ وأولياءهم على السواء و تواطؤ بعض الإدارات بصورة قصدية أحيانا وأخرى تغطية للمشكلات حرصا على سلامة المواقع الإدارية.
إن النقابات التعليمية مطالبة، بعيدا عن الهواجس النفعية، التي بلغت لدى البعض حد التمكين من الاختراق، في تكرار بليد لتجربة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، بالاضطلاع بدورها الطبيعي الذي فقدته لمصلحة التركيز فقط و فقط على فتات الماديات وإغفال التعرض للقضايا المهنية والتربوية، أخلاق وضمير مهنة ومحتويات ومناهج وطرق. ولمن واجب اليسار أن يفضح هذا التفريط و يتصدى له أيا كان موقع مناضليه نقابيا دون ارتكان للمساومات البئيسة التي قد تغري ضعاف النفوس لكنها لا تنال من إراة المناضلين المستحضرين لمصير الأوطان عوض هيئات الأركان.
وفضلا عن كل ذلك، تظل الساحة الإعلامية/ التواصلية إحدى القنوات التنويرية/التعبوية الأساسية بما تنقله من دائرة الظل و التعتيم إلى ساحة التعميم والنقاش العمومي من قضايا ،و بما تلعبه من دور في محاصرة شتى الأعراض المجتمعية عبر وضعها في دائرة الضوء الكاشف. فهي أداة توعوية وردعية أيضا، وأمام استشراء ظواهر الفساد والتسلط والترهيب لابد من تحقيق قدر من " توازن الرعب"، إذ أن سلاح هده الظواهر هو ثقافة الصمت، بينما سلاح المناضلين تجاهها هو ثقافة الفضح، دون الركون لما درج عليه البعض من تسويق الإثارة بالموضوعات المستهلكة التي حولت موضوعات من قبل " الملكية" أو الأجهزة الأمنية و رموزها المشخصنة إلى بضاعة رائجة تحت دعوى كسر الطابوهات.
وإذا كان هذا الكسر مطلوبا بما فيه قنوات التمويل في غياب سوق إشهارية حقيقية، فإن العبرة بالخواتم، أي بما يتحصل في وعي الناس من إدراك ، ومن أدوات كفيلة بتفكيك الحاضر وامتلاك بعض القدرة على بناء المستقبل لا تمييع الحاضر وتسويد المستقبل ببعث الحياة في جلادي الماضي، والنفخ الماكر في قوى الغيبوبة التاريخية وغض الطرف الانتهازي عن مشروعها و شرعنته و تلطيفه/تبيئته في أفهام الناس كي تغدو، كما في قناة جزيرة الابن العاق، المقابر الجماعية و صور أشلاء الجثث بها ومشاهد الذبح على الهواء، بمثابة الحدث العابرfait Diver تآلفا مع الصورة المكرورة دونما رجة في الوعي والوجدان الإنساني ضد الهمجية.
المسألة الاجتماعية ومسؤولياتنا
وإذا كان للجبهة الاديولوجية على مستوى ساحات الفعل الفني والثقافي والتنشيئي الاجتماعي بشكل عام أهمية حيوية في استعادة الوعي بالذات وتحديات المحيط، فإن الجبهة الاجتماعية لا تقل عنها أهمية من حيث دورها في تمرن الناس على الفعل التضامني حول مشتركاتهم الدنيا أو طموحاتهم السامية بتشعب مجالات هذا الفعل أكان انتظاما مدنيا مستمرا أو ظرفيا في خدمة قضايا نبيلة بعينها، أو انتظاما مهنيا نقابيا للدفاع عن تحسين شروط وجودهم المعيشي و الارتقاء بمناخات أداءهم المهني و محتواه أيضا.
إن اكتساب قيم الشراكة والمشاركة والتضامن ووحدة المصير لا تستحدث بمراسيم سلطوية من فوق، كما تراءى للبعض ذات لحظة تاريخية، بل هي قيم تبنى وتجرب وتطور بالتراكم و التمرين المستمر في اليومي المعاش ومناضلي اليسار ، كحملة لهذه القيم، هم أولى بلعب دور طليعي في هذا الباب ،لا نيابة عن المجتمع بل معه و به ،لاكتساب القدرة الكافية للتمنيع الذاتي الدفاعي، لأن هو ذا مشروعهم الاجتماعي، الذي يبنى يوميا و لن يسقط وحيا من السماء، و لن تخلقه سلطة ما. فالسلطة في جوهرها تقوم، أيا كانت طبيعتها، على مساحة من الإرغام، قد تكتسح كل مجالها وآلياتها كما في الشموليات التوتاليتارية أو الفاشية أو الديكتاتورية أو الاستبدادية المطلقة، وقد تنكمش في حدود سلطة الردع بالقانون كما في الديمقراطيات الأكثر ليبرالية، لذا فالمجتمع الأقوى هو المجتمع الأقدر على أوسع مشاركة، و أوسع انتظام، وأوسع قدرة على التيقظ ورد الفعل الدفاعي. والحال أن مجتمعنا، و إن كان قوي الحذر، شائع حس التقية لكنه في نفس الوقت لا يزال ذو ذهنية خلاصية باحث عن مناضلين في صورة " المهدي المنتظر" أو بلغة كاريكاتورية ينتظر" من يعلق الجرس". و كثيرة هي المعارك التي أدت فيها" الطلائع" الثمن باهظا، من تضحياتها ومن دموع أبنائها ونسائها وظل مجتمعنا متعاطفا من بعيد، يمجد البطولة سرا، ويخزي المتنطعين جهرا، لكنه من فرط الرعب، وإيثار سلامة الذات ظلت حاسته التضامنية أقرب إلى الشلل.
إن وعي طبيعة مجتمعنا و ذهنيته، التي ترسخت و تشربت عبر قرون طويلة من توالي الغزاة وضروب القهر، و إيجاد الوسائل الكفيلة بتفكيكها و استنبات بدائل لها تمتح من قيم التآزر والتضامن والإحساس بالآخر ك " أنا" جمعي لا " كمجرد" " غير" كلها مهمة لمناضلي اليسار، لمنح المعنى المادي و الروحي لمشروعهم المجتمعي في حياة الناس حتى و لو استغنوا عن العناوين أحيانا، فالعبرة بالمعنى و ليست بالمبنى.
غير أن ما سلف، يفترض على الأقل استنهاض و ترشيد العمل على ساحتين، ساحة العمل المدني لجهة فضح ما يعتريه من شوائب الارتزاق، و دعم و الارتقاء بالتجارب الرائدة و السعي للم شتات الجهود المتناثرة الضعيفة المفعول و المهدرة للطاقات.
وساحة العمل النقابي التي أصبحت ،أكثر من ذي قبل، أمام استحقاق تطهير حقيقي من أولغارشيا تحولت، حتى في تقاعدها المهني، لشبكة موضوعية من بارونات العمل النقابي بامتدادات محلية. وذلك لتجاوز حالة التشرذم والشتات واستعادة المعنى، سواء لصفة الانتماء النقابي أو للاستقلالية، أو للتعددية كتعددية اجتهادات خطوط نقابية مؤسسة لا " تعددية" بؤر انتفاع مواقعي، أو أدرع سياسية ، للضغط والمساومة، في نظرة قاصرة ومشوهة لمفهوم " موازين القوى" الذي غدا البعض يعيد إنتاجه كحالة نفسية مصطنعة ،ترتبط بالتهييج الشعبوي أو القدرة على التجييش الظرفي لاكحالة نوعية/كيفية من تطور الوعي الاجتماعي و فهم لما يجري، وما يتطلبه هذا الذي يجري من وقفة، يختلف مداها باختلاف استعدادات الناس وبسقف تطلعاتهم وغير ذلك من المتغيرات المؤشرة لحدود التراوح بين الممكن المأمول و الممكن المقبول.
2- مهامنا القادمة :
مما لا شك فيه، أن كل ما سبق، قد أشر ضمنا أو صراحة لما ينتظر أن نضطلع به على مستويات شتى في حالته الخام.
بيد أن ما يتوجب استدماجه في التحليل، أننا لسنا في بيئة مخبرية معزولة نتحكم في فرضيات تجاربها و في موضوعها و أدواتها المعبئة و في معايير قياس نجاحاتها أو نفيها.
فنحن في محيط دولي جارف التحولات مضطرب المتغيرات، و نحن في محيط إقليمي حاد التقاطبات و الاختلالات.
ونحن أخيرا، وليس بآخر، في محيط وطني لسنا به لحد الآن، دون مزايدة وبتواضع موضوعي واجب، سوى " قوة رأي" في الساحة.
ولمن الأكيد أننا نمتلك ممكنات أكبرمن ذلك، ولو أحسنت إدارتها (ليت التاريخ يكتب ب " لو") لربما كنا في حالة/ تموضع أحسن بكثير مما نحن عليه اليوم.
غير أن نظرنا يجب أن يتجه دوما للمستقبل، حتى و نحن في حالة قصوى من النقد الذاتي، كي لا نسقط في فخ جلد الذات، أو الاستنزاف الداخلي.
وخدمة لذلك وانسجاما معه و كما لوحظ على امتداد ما سبق لم نعرض و لن نعرض إلا بقوة الموضوع لبعض مكامن ضعف أو هنات التجربة الماضية، فضلا عن كوننا نعتقد أن القيمة الفعلية أو المضافة لأي رأي اجتهادي في حقل اليسار لا ينبني فقط و فقط على نقد غيره من الاجتهادات، بل على ما يعرضه بصورة إيجابية Positive بغض النظر عما يطرحه الآخرون و ترك مساحة واسعة للمناضلات و المناضلين لبلورة قناعاتهم الخاصة في تبن لهذا الاجتهاد أو ذاك أو التقاطع مع هذه الأرضية أو تلك.
نحو حزب يساري من طراز جديد
وفي هذا السياق، و لكي نكون كذات أولا أقدر على خوض المعارك المشار لها، وترتيب أولوياتها ووسائلها و ميادينها و توقيتها، سواء أكانت معارك دستورية/ مؤسساتية أو معارك سياسية وطنية ترتبط بقضايا و إدارة ملفات من حجم ملف الوحدة الترابية، أو معارك إيديولوجية أو اجتماعية أو غيرها من الاوراش المطروحة و ساحاتها المتشبعة.
فإن الاهتمام، بواقع هده الذات و استنهاضها يتطلب الالتفات لما تبين من ثغرات في صيرورة صياغة الوحدة على اختلاف مراحلها.
وفي هذا الباب نرى :
أ- ضرورة العمل من أجل تمكين التنظيمات المحلية الجماعية و الجهوية من أوسع نطاق لحرية المبادرة، و عدم استنزافها في الآليات التداولية غير المجدية أو ببرامج مسقطة من فوق على عجل و تمكينها بالمقابل من بلورة برامجها الخاصة مع وضوح الرؤية الحزبية التي تمكنها من استدماج القضايا الوطنية في هذه البرامج.
والسهر على توفير تكوين مكثف لأطرها، يسمح بتمكينها من أدوات التعاطي مع قضاياها المحلية وتوفير كل سبل الدعم الممكنة لنقل صدى معاركها و حركياتها للمستوى الوطني سواء عبر الإعلام الحزبي أو عبر المبادرات التضامنية الوطنية التي تقتضيها طبيعة وحجم هذه المعركة أو تلك.
ب- دعم مبادرات تبلور صحف حزبية جهوية، و تمكين أطقمها من التأطير والتدريب اللازمين ومن الدعم التقني الأولي مع وضع آليات ضابطة مهنيا و حزبيا على المستوى المحلي للتتبع والتقويم والمحاسبة.
ج- صياغة برمجة تضامنية منتقاة وعلى قاعدة معايير موضوعية تجمع بين الأهداف الإستراتيجية التنظيمية وبين المؤهلات البشرية والدينامية الخاصة بالمجتمع الحزبي المحلي، تهدف لتمكين الفروع النشيطة من إمكانيات لوجيستيكية مساعدة (مقرات، تجهيزات، أدوات اتصال و تواصل، تغطية نفقات...).
د- مراجعة الضوابط الحزبية، بما يرسي آليات لضمان التواصل/التعامل المؤسسي الشفاف بين الأجهزة الفرعية و الوطنية و يضع حدا للجزر والقنوات المشخصنة، وذلك عبر التوزيع المعلن للمسؤوليات التاطيرية الوطنية و قواعد المحاسبة عليها فيما يعود للمسؤوليات التنظيمية الصرفة وبما يميز بين القواعد المؤسسية لتواصل الهياكل الحزبية الوطنية وبين القواعد التواصلية الفكرية والتداولية الخاصة بالتيارات، و يضمن وضوح الحقلين وسلاسة أدائهما بعيدا عن أي خلط، كما يرسي حظرا جليا ومعلنا لثقافة" التعليمات".
هـ - إنجاز مناظرة وطنية مشتركة مع التنظيمات المدنية الديمقراطية النقابية والجمعوية يكون همها الانكباب على سؤال: أية علاقة ممكنة بين الحزبي والمدني بمشاركة خبراء دوي معرفة واهتمام بتطور الحقل السياسي الوطني والحزبي منه على الخصوص وكدا مهتمين بالدراسات الاجتماعية الوطنية، تفضي لتوصيات و اقتراحات، تكون موضوع ندوة وطنية داخلية ملزمة، بمثابة آلية موجهة للأداء الحزبي الوطني و الفرعي المفرد و الجماعي على الواجهتين النقابية و الجمعوية.
و- انجاز ملتقى وطني يجمع بين الطاقات الحزبية العاملة في الحقول التربوية و الفكرية و الثقافية و بين الشباب المدرسي الحزبي (تلاميذ- طلبة) للتباحث في ممكنات انبعاث الفكر الحداثي الديموقراطي في الحقل الشبابي يجمع بين سلسلة عروض عامة و ورشات عملية ويفضي لأهداف مبرمجة وآليات تتبع ومحطة تقويم.
ز- إنشاء مؤسسة وطنية للرصد والدراسات والأبحاث والتكوين، منفتحة على الطاقات الفكرية الأكاديمية غير المتحزبة، يكون من شأنها أن تلعب دورا حيويا في الدعم الاستشاري المبرمج وفق الانشغالات الحزبية، وكذا في مد مختلف الطاقات والهياكل الحزبية بالمعطيات والتكوينات الحيوية في إطار دورات قصيرة و مركزة لرفع مستوى تأهيل الكادر الحزبي من حيث القدرات التنظيمية القيادية و التواصلية مع التفكير المستقبلي في تكوين امتدادات جهوية و محلية لها des Antennes .
ح- مراجعة القوانين الأساسية والداخلية بما يفضي لاستقرار الأجهزة ويسمح بتمكينها من المدى الزمني المعقول لإنجاز برامجها. ويستحسن في هذا الباب جعل مدة انعقاد المؤتمر الوطني في 04 أربع سنوات على أن تكون بعد المحطات الانتخابية النيابية أو المحلية لتكون فرصة لتقييم أداء، و ليست قبلها كي لا تكون محطات تنافس أو تطاحن انتخابوي. ومادامت هناك الآلية الاستثنائية فهي كفيلة عند ضرورة الأزمة أو الترهل بمعالجة تجديد النفس أو حلحلة الأزمات، لكن التنظيم سيربح عنصر التقليص من الاهتلاك الداخلي وضغط دورة " السباقات" التنظيمية حيث لا يلبث أن يخرج من إحداها حتى يدخل لأتون الدورة التالية لها و هو معترك إلهائي عن مباشرة المهام المطلوبة في المجتمع.
كما يتطلب الأمر أيضا حصر دورات المجلس الوطني في دورة سنوية واحدة تنعقد نهاية كل موسم اجتماعي ل 3 أيام، تكون كفيلة بتقويم حصيلة الموسم المنصرم ووضع القرارات الضرورية لتصويب التوجه و توجيه الاستحقاقات البرنامجية للموسم المقبل.
وبما أن هناك الآلية الاستثنائية، فهي كفيلة بمعالجة الحاجة للبث في القضايا المستجدة المستلزمة لقرارات المجلس الوطني و في هذا الأمر خلق لأجواء الانصراف للمهمات الميدانية على أن تكون المحطات التداولية و التقريرية، محطات تقويم و محاسبة و تقرير في المستقبل من المهام الواجب التركيز عليها و الأهداف الواجب تحققها مركزيا و محليا، كما نكون بذلك قد وفرنا استنزاف المالية البسيطة للفروع و تضحياتها في سبيل صرفها في تمويل مهامها على الأرض.
ط- الارتقاء بالإعلام الحزبي لجريدة يومية ذات مهنية عالية وتاطير مناسب و توزيع معقلن وشبكة مراسلين واسعة وكفؤة تعتمد على التطوع والمسؤولية والجدارة والنزاهة، مع توفير قاعدة لوجستيكية وطاقم تقني وتحليلي و إداري حيوي، ملتزم وخبير، فالإعلام الحزبي لا يتلاءم في أهدافه و متطلباته مع الإصدار الأسبوعي و سيظل مهما كانت الطاقات الخيرة المشرفة عليه محدودالنتائج دائم العبء على المالية الحزبية.
ي- إصدار مجلة فكرية – ثقافية دورية منفتحة على كل الطاقات الفكرية، الثقافية والإبداعية الوطنية ذات المنحى الحداثي الديمقراطي ،و تكون إطارا لندوات دورية لنقل عدة قضايا من إطار التداول المحدود، للنقاش العمومي و إصدارها في شكل ملفات أو أعداد مزدوجة. كما تكون كفيلة بربط الجسور الفكرية – الثقافية- السياسية مع الطاقات المغاربية والجهوية والعالمية ،لخدمة نفس الأهداف الإشعاعية، فضلا عن بعدها التثقيفي الداخلي والوطني وفي تصريف المعركة الفكرية- الثقافية العامة وجعل المعرفة و إشاعتها في خدمة تنمية الحس السياسي السليم والنظرة العقلانية للعالم.
ك- عقد ندوة مشتركة حول الشغل و التشغيل بالمغرب، مع جمعيات المعطلين و أطر من مكتب التكوين المهني و بعض رجال الأعمال الوطنيين النزهاء، تفضي إلى توصيات ووثائق تكون موضوعا لاتخاذ قرارات عملية من قبل المجلس الوطني لا طلاق مبادرات وطنية لدعم التشغيل المنتج، كما لدعم قضايا المعطلين إزاء المخاطبين الحكوميين أو غيرهم عبر اقتراحات عملية تتجاوز الشعارات والالتفاتات التضامنية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ذلك أن قضية بطالة الشباب المتعلم والمكون ستظل أحد الملفات الاجتماعية الأكثر ملحاحية في الوضع الوطني وستزداد حدة مع ازدياد هشاشة النسيج الاقتصادي الوطني والهجمة الرأسمالية المتوحشة. ولمن المفترض أن يكون للحزب سياسة اقتراحية دقيقة وموضوعية بعيدا عن العموميات أو الشعارات الشعبوية.
ل- الدعوة لندوة وطنية للفصائل الطلابية /المدرسية لمختلف القوى الوطنية الديمقراطية وفق أرضية مناسبة بغاية النظر في واقع ومآل الحركة الطلابية وصياغة ميثاق جديد يكون قاعدة لانبثاق منظمة طلابية/مدرسية جديدة ذات مرجعية حداثية ديموقراطية وافق مطلبي وطني يعيد الاعتبار لدور الجامعة في التكوين والبحث وتنمية الحس التنموي الوطني والفكر العقلاني.
3- تحالفاتنا الوطنية و الدولية.
أ-في التحالفات الوطنية:
إذا كانت بعض القوى الوطنية الديمقراطية تعاني من عقدة التمحور حول الذات، بما يدفعها صوب انحرافات املاءية، و تشنجات تجعلها لا تحتمل نقد مسلكياتها وأداءها في الساحة السياسية الوطنية، أو الساحة الاجتماعية أو ساحات محلية قطاعية أو جماعية.
فان بعض التموقفات بالمقابل من حيث التصريف، تنبئ عن غموض في التموضع وتضفى على بعض الاصطفافات طابعا عدائيا عوض أن تتخذ طابعا نقديا موضوعيا وعقلانيا.
ومرد هذه البلبلة هو غياب قراءة موضوعية لأطراف الساحة الوطنية، سواء من حيث توازناتها أو من حيث خطوطها و ممكنات أدائها و معها حدود التقاطع و مستويات النقد والمؤاخذة.
وفي هذا الباب لسنا مطالبين بالانحباس في قمقم الإفرازات النفسية لمآزق الماضي في تعاملنا مع هذا الطرف أو ذاك أو قراءتنا لآداءه و تموضعه في الصراع العام.
وعلى العكس من ذلك يتوجب أن نكون قوة توليفية منفتحة وصارمة في آن بوضوح مبتغاها و متطلباته التعبوية في الساحة الوطنية.
إن استحقاقنا الوطني العام، يفرض من حيث مفصله الثوري الحاجة لجبهة حداثية ديموقراطية يستحيل في غيابها وفي ظل تهلهل عام للصف الديمقراطي واليساري وجنينية المجتمع المدني و تعدد مكامن ضعفه، التعويل على تحقق اختراق دستوري/مؤسسي أو اجتماعي أو ايديولوجي ذي بال فيما تبقى من هذا العقد أو حتى في حدود العشرية المقبلة.
وليس دوما من اللائق نقد عجز أو محدودية نظر الآخرين، بقدر ما يتوجب إطلاق مبادرات ترفع سقف الحراك الاجتماعي وبصورة إيجابية وترك هؤلاء الآخرين لتفاعل ذواتهم بحثا عن تموضع أرقى و غض النظر عن ردود أفعالهم السلبية الأولية
أي عكس الآلية التي ظل منها اليسار في العقدين الأخيرين يتفاعل مع الحراك السياسي/ الاجتماعي وبصورة اقرب إلى الذنبية (لاحظ مرحلة إطلاق ميثاق الكتلة الديمقراطية و ما تلاها) بما انعكس في تراجع سقف مطمحه وتخبط تموقفاته، واضطراب رؤيته، وشل قدرته على الحركة السلسة.
إن نقد الذات، يفرض القول أننا في المرحلة السابقة قد أخطأنا الخصم، بانزياح بوصلتنا عن المعارك الأساس والإعاقات الحقيقية، ونحن نعي أن فاقد الشئ (الحكومة) لا يعطيه وإن طبيعة القوى المؤتثة للصف الديمقراطي قد تمكنت منها خطوط انتخابوية لا يمكن أن تتصور لذاتها وجودا وقوة خارج الواقع الدولتي كما هو (وهذا ثمن سوء إدارتها لإستراتيجية النضال الديموقراطي) بما جعلها عرضة للضغط المستمر على ممكنها المقبول لمصلحة الممكن المملى، صوب الأدنى فالأدنى.
إن مبرر وجودنا، ليس في مقارعة هذه القوة السياسية أو تلك، حتى ولو كانت خصما، فنحن لا نوجد لان ضدنا/غيرنا موجود، بل مبرره واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي وإيديولوجي. هي ذي قضيتنا، والآخر قد يكون خصما أو حليفا، ومتقاطعا في إطارها و من ثمة فلسنا موجودين للتخصص في شيطنة الآخرين.
وما سلف يفترض أن نكون واضحين، حتى في خلافاتنا كما في تقاطعاتنا، فالتحالف لا يعني التماثل ولزوم تواطؤ الصمت عن الهنات والمؤاخذات.
ولمن أغرب ما نسجناه في هذا المشهد العبثي لاضطراب رؤيتنا، تحالفنا مع " النهج الديموقراطي" مع خلافنا معه حول مجمل القضايا الأساس للمرحلة.
فنحن نختلف معه حول الإصلاح الدستوري، حيث يكتفي النهج بشعار"دستور ديموقراطي" لا لون له و لا طعم و لا رائحة ،و نحن قوة سياسية عملية اقتراحية برنامجية ولسنا قوة تهوى المزايدة الشعارية اللفظية هروبا أو تهربا من مسؤولياتها السياسية.
ونحن نختلف معه حول الكينونة التاريخية للمغرب و على رأسها قضية الصحراء المغربية حيث لا يكف عن الحديث عن تقرير مصير الشعوب و لم يقدم ولو موقفا واحدا عن إقصاء قبائل صحراوية برمتها من حق التصويت حين كان الحديث يجري عن استفتاء أممي، كما لم يصدر موقفا واحد من جرائم البوليساريو في حين يعمد و بوسائط شتى واقنية متنوعة وطنية ودولية، للنفخ في أبسط حادث شخصي أو اجتماعي بالمناطق الصحراوية.
ونحن نختلف معه حول آلية النضال الديمقراطي بما فيها الديمقراطية التمثيلية كتعبير عن إرادة الشعب و المواطنين سواء في مجتمعاتهم المحلية أو مجتمعهم الوطني.
ونحن نختلف معه حول القضية الهوياتية الوطنية، و هو قومجي في بنى أطروحته لا يركب الأمازيغية إلا لتسويغ مطلب " الفيدرالية" كما لو كان المغرب بلدا قيد التأسيس مثناتر الأوصال و ليس موطنا ذو كينونة إنسانية و مجالية و ثقافية تاريخية منذ آلاف السنين بما يخفي تبني النظرة الكولونيالية لتاريخ الدولة بالمغرب.
ومع ذلك نصر على الممالأة، في ضيق رؤية تعتمد صديق- صديقي: صديقي، و"عدو" – "عدوي": صديقي ، وتفسير الواضحات من المفضحات.
وبالعودة على البدء، فإن مقتضى الجبهة الوطنية الحداثية الديموقراطية يفرض لزوما، إعادة تقييم شاملة لتموضعاتنا بما تنتجه من فاعلية تقدمية بالمعنى التثويري التاريخي وليس بما تنتجه من مزايدات مجانية تعمق انعزاليتنا السياسية وتجعلنا نراوح الدوران حول الذات في حلقة المزايدات و الاستعداء المجاني.
إن النقد الموضوعي، العقلاني حق لا يتصور أن يكون موضوع مساومة أو رقابة ذاتية حتى، بدعوى التحالف، ولسنا دعاة لمصادرة حق أحد ما في نقدنا حتى ولو كان حليفا. غير أن النقد شئ والقطائع المفتعلة والنـزعة الاستعدائية أمر مختلف تماما.
إن الذي يسمح بهكذا علاقات موضوعية، هو الاعتراف المتبادل باختلافاتنا واحترامها، وبناء المشترك العملي على قاعدة الوعي والقبول بها، بدل سلوك التمويه واستبلاد الآخرين أو تسخيرهم التكتيكي عبر بناء "مشترك السراب اللفظي".
وبناء على ما سبق فإننا نرى أنه من غير الممكن بناء جبهة حداثية ديمقراطية بعيدا عن الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وهذا ما يجب أن يستوعبه رفاقنا في" الطليعة" أو الفصائل الأخرى بما فيها "النهج الديمقراطي" الذي نشاركه المعارك الاجتماعية الظرفية ولا نشاطره أيا من القضايا السياسية، لاختلاف مشروعنا بصورة جدرية طالما ظلت عقارب ساعته الايديولوجية متوقفة في النصف الثاني من القرن 19، و طالما ظلت روح حركيته ذات جوهر ميكيافلي.
وكما يلاحظ فإننا لم نعرض لأي شئ اسمه " الحزب الاشتراكي الكبير" ذلك أننا لسنا مع العقلية الأشعبية التي تخلق الوهم و تصدقه. فوحدة القوى اليسارية أمر مرغوب، بيد أن هذا المطمح هو سيرورة تاريخية من الفرز والتجديد والانصهار المشترك للطاقات في المعترك المجتمعي و على اختلاف ساحاته، و هو ليس غاية في ذاته بل لأجل ذاته، أي ليس حشدا عدديا بقدر ما هو تآلف حول مشروع مجتمعي واضح.
وإذا كان ما يقرب اليوم بيننا و بين "الاتحاد الاشتراكي" و" التقدم و الاشتراكية"، و"الطليعة"، و"المؤتمر"،و بعض المكونات" التروتسكية" المدركة لخصوصية المرحلة التاريخية عالميا، و المميزة لأسبقيات التناقضات الأساسية على الثانوية يسمح بوجود مقاربات إئتلافية ثنائية وثلاثية أو أوسع من ذلك في إطار جبهة حداثية – ديمقراطية، سياسية، ومدنية. فإنه لا يوفر لحد الآن ممكنات انصهار جماعي في بوثقة حزبية واحدة، طالما ظلت تجربة التيارات جنينية و لم تحقق بعد التراكمات المشجعة، وطالما لازالت الثقافة السياسية مبنية على موازين قوى الديمقراطية العددية بكل ما تنتجه من تشوهات سلوكية. وطالما ظل البعض انطلاقا من وضعه الكمي يعاني من عقدة التمحور حول الذات، وطالما، لا تزال هناك التباسات في ماهية المشروع الاجتماعي في علاقة مع تجديد الفكر الاشتراكي و نقد تجربته التاريخية عالميا ووطنيا.
ولمن الجدير بالتنبيه أن لا صيغة الجبهة الديمقراطية، الحداثية، و لا صيغ ائتلاف أو ائتلافات لقوى يسارية سيقف حائلا دون المشاركة الحكومية لهذا الطرف أو ذاك أو المشاركة الانتخابية لهذا الفصيل أو ذاك بعيدا عن الآخرين، ليس فقط من منطلق اعتباراته الذاتية وتقديراته، بل وأيضا من منطلق الوضع المعقد لحالتنا الوطنية والتي في اعتقادنا لا تخضع فقط للتراتبية الثلاثية في مستويات سلم الحركية السياسية (الممكن المرغوب، الممكن المطلوب/المأمول، الممكن المقبول) بل يجب التصريح علنا وللناس، وللعالم أن بعدا رابعا لازال يحكمنا هو"الممكن المملى" والذي من شأن عدم التعاطي معه في دائرة من دوائره السياسية برلمانية او جماعية في الادنى أن يدخلنا في دوامة اللاستقرار و في سياسة "الكرسي الفارغ" بما يعيق شروط " التفاوض الاجتماعي"، و مادمنا نرفض أن نسلك سبلا بديلة عنه ومادام الطرف الآخر يقبل بقواعد اللعبة و يرفض ايضا أن يلجأ للضربات تحت الحزام كما لجأ لها سني الرصاص بكل و يلاتها و تبعاتها.
ب- في التحالفات الدولية:
ما يلاحظ أن دائرة علاقاتنا الدولية، اقليميا، و جهويا، و قاريا و عالميا، منكمشة وغير واضحة المعالم بل و مضطربة.
ولا يمكن إنكار ما لأهمية العلاقات الدولية في عالم معولم تتداخل به محددات الداخل والخارج، من أهمية إشعاعية و من إطلاع على الخبرات وتبادل التجارب واستطلاع للمواقف...
ولمن الغريب أن تتسم العديد من مواقفنا على الصعيد الدولي بمفارقات عجيبة : فنحن حداثيون ولم ندع يوما لالقاء اليهود في البحر، ولكننا مع "حماس" ونحن ضد" الطائفية" والدولة الدينية، ولكننا مع " حزب الله" وضد اليسار الديمقراطي اللبناني ونحن نستميت دفاعا عن وحدتنا الترابية لكننا مع "تشافيز" والرئيس البوليفي الجديد الذي "صفعنا" وهو يطل من شرفة الرئاسة يوم تنصيبه و خلفة بالدراعية الصحراوية عبد العزيز المراكشي، وهكذا يصفعنا المدافعون عن حقوق الشعوب الأصلية، و نحن المدافعين عن حق شعبنا الأمازيغي في جزء – مجرد جزء- من مجاله التاريخي : الصحراء (و هل هي مجال لقبائل بادية العراق؟)....
كثيرة هي محطات إثبات الوجود الدولي، التي فوتت أو أسيئ بها التموضع بما يفرض التداول في علاقاتنا الدولية من التفصيل و بعيدا عن لغة الشعارات العامة، لنخلق الانسجام الواجب بين رؤانا ومصالحنا الوطنية وبين تموقفاتنا المؤسسة او الطارئة وعلاقاتنا الرسمية الدولية.....
وليجدر بنا أن نضع علاقاتنا الدولية و تموضعنا في إطارها، والمواقف المترتبة عنها موضع نقاش مفصل، وأن نربطها بمشروعنا المجتمعي وتحدياته، وبقضايانا الوطنية الأساس سواء في السياسة أو الفكر أو التنمية.
وسواء تعلق الأمر بمسلسل بورتو، أو برشلونة أو مشروع الشرق الأوسط الجديد أو أي من أجندات، الأطراف المتنازعة للمشاهد الكونية والقارية أو الجهوية، فإن موقفا نقديا يجب أن يبلور، نحدد من خلاله تحالفاتنا وتقاطعاتنا وخطوطنا الحمراء، ومدخل ذلك ندوة وطنية حول تحولات الوضع الدولي وتوازناته وبؤر أزماته واستقطاباتها بما يفضي لقراءة مؤسسة تفضي لتوصيات تكون محط تدارس واستخلاص لبوصلة استعادة الحياة لعلاقاتنا الدولية و خلق آليات على صعيد المجلس الوطني، كما إلى جانب المكتب السياسي، خاصة بتتبع و إدارة تدبيرهذا المجال الحيوي من الحركية السياسية و الإشعاعية لأي حزب جديربهذه التسمية.
لقد القينا الضوء، على ما نعتقده مفاصل تثوير في مجتمعنا، سياسة وتنشئة، واقتصادا وسبل معاش، وبيننا في حدود الممكن المتاح.الأجندة العملية لمفاتيح كل ذلك وما تفرضه من استحقاقات بالنسبة لنا على مستوى تأهيل الذات، وما يتوجب عليها من بناء تحالفات وطنية و دولية.
وإذا كنا قد اكتفينا في غير ما مفصل، باقتراح آلية ما، للتداول و بلورة شروط القرار فليس معناه أن ليس لدينا رؤية ملموسة و اقتراحات عملية، ولكن وعينا الحاد بمواطن ضعفنا، و حاجتنا التي لا تزال، للأسف قائمة، للتوافق بما هو تعبير عن ضعف في تمثل وإدارة وتدبير الاختلاف، يجعلنا هذا الوعي أميل للآليات التطارحية بالتركيز أكثر على الندوات الوطنية، لمنح مساحة واسعة للنقاش و الفهم المتبادل قبل الفرز والحسم. ولمن الأجدى تغليب التداول في قضايا حيوية دون البقاء سجناء لـ"النادي الصالوني" من بلوغ مواقف حاسمة مبلورة على عجل لكن لا أحد سيجعلها موجها لممارسته الفردية والجماعية لنعيد انتاج دائرة " المباراة الصفرية" أي أبعد من أن نكون حزبا، و أقرب من أن نكون "مجيمعات" وليس تيارات حتى. و هذا ما لا نأمله وسنناضل ضده بنزاهة وصرامة وشفافية أيضا.
التوقيعات: لحسن صبير، محمد الوافي ، محمد غندي، محمد بولعيش، مصطفى صبير، عبد الهادي بلكورداس،
عبد السلام شفشاوني ، عبد المجيد غرس، عبد القادر حجاري، عبد الحق صيفار، الحميد زفزاف.
فى 2006-10-14 عن
#الحزب_الاشتراكي_الموحد_-_المغرب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزب الاشتراكي الموحد في مؤثمره الثاني : أرضية الهوية للرفي
...
-
استعدادا للمؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد / وجهة نظر: ا
...
-
بلاغ سكرتارية المجلس الوطني الحزب الاشتراكي الموحد
-
رسالة إلى الرفاق في الحزب الإشتراكي الموحد ( بمناسبة التحضير
...
-
رسالة مضاءة بشمعة أمل إلى بنات وأبناء مغربنا الحبيب .الرفيق
...
-
بيان الفرع المحلي للحزب الاشتراكي الموحد بأوطاط الحاج .
-
مساهمة في التحضيرللمؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد : مؤت
...
-
في أفق المؤتمر الثالث : من أجل مغرب الديمقراطية والحرية والع
...
-
فرع سيدي بيبي للحزب الاشتراكي الموحد يدين الفساد و الفوضى و
...
-
بيان الفرع المحلي للحزب الاشتراكي الموحد يفضح التدبير الجماع
...
-
النظام الأساسي للحزب الاشتراكي الموحد
-
الحزب الاشتراكي الموحد يدين الأحكام الجائرة في حق المعتقلين
...
-
احتفال حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية فرع القنيطرة بفعالي
...
-
في أفق انعقاد المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد : الأزمة
...
-
في أفق انعقاد المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد :مساهمة
...
-
في أفق انعقاد المؤتمر الثالت للحزب الاشتراكي الموحد :مساهمة
...
-
في أفق انعقاد المؤتمر الثالت للحزب الاشتراكي الموحد : عناصر
...
-
الجهوية في المغرب من منظور الحزب الاشتراكي الموحد : الورقة ا
...
-
وثيقة مرجعية للحزب الاشتراكي الموحد حول الإصلاحات الدستورية
-
الأساتذة الجامعيين الديمقراطيين يشخصون الواقع المأساوي للنقا
...
المزيد.....
-
موزة ملصقة على حائط.. تُحقّق 6.24 مليون دولار في مزاد
-
تقارير عن معارك عنيفة بجنوب لبنان.. ومصدر أمني ينفي وجود قاد
...
-
قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها ف
...
-
إسرائيل تهاجم يوتيوبر مصري شهير وتوجه له اتهامات خطيرة.. وال
...
-
بوليتيكو: الصين تتجاوز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في
...
-
وسائل إعلام عبرية: اختفاء إسرائيلي في الإمارات والموساد يشار
...
-
غرابة الزمن وتآكل الذاكرة في أعمال عبد الله السعدي
-
فوائده كثيرة .. ابدأ يومك بشرب الماء الدافئ!
-
الناطق باسم -القسام- أبو عبيدة يعلن مقتل إحدى الأسيرات الإسر
...
-
-تحليق مسيرة ولحظة سقوط صواريخ-.. حزب الله يعرض مشاهد استهدا
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|