همومُ الكردي في المَنْفى

بلند حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3119 - 2010 / 9 / 8 - 22:28
المحور: القضية الكردية
    

في ظل الأنظمة الشمولية يبقى المواطن متّهَماً حتى تثبت براءته، والبراءة مرهونة بإبداء فروض الطاعة أو الولاء للسلطان، وإلا تنتظر المواطن رحلة معاناة، بدءاً من الفصل التعسفي من الوظيفة أو التحريم من لقمة العيش، وانتهاءً بالسجن، وربما التصفية الجسدية(الشيخ معشوق الخزنوي، فرهاد).
إذاً، فأبرز العوامل التي تدفع الانسان إلى الهجرة ومغادرة أرض الوطن، القمع السياسي والاجتماعي والظروف المعيشية السيئة. والمنفى بدورة سجنٌ أو قفص آخر بحلة جديدة، لذا لا نبالغ إن قلنا، ان المنفيّ يشبه مَنْ يَتّقي الرمضاء بالنار، لأن أنظمة المنافي أو المهْجَر أو الدولة المضيفة ـ على حدِّ وصف د.عبدالرحمن منيف ـ متواطئة مع أنظمة التهجير، فيغدو المنفى مكاناً وهمياً للحرية، وفي بعض الحالات " ينتهي المأوى الآمن، إلى حد تسليم المنفيين بتهم ملفّقة أو غَضِّ النظر عن تصفيتهم جسداً "(1)، وما جرى لـ(قاسملو وشرفكندي وآخرين) خير شاهد على هذا القول.
هنا، في المنفى، يُنْظَر إلى المنفي من دياره كمشاغب يجب ترويضه، فتقام الاصلاحيات لهذا الشأن، تذكرنا باصلاحيات(أنطون مكارينكو)، مما ينجم عن ذلك نسيان المنفي لذاته أحياناً والسعي للظهور بالصورة التي ترضي الآخر(البلد المضيف).
هنا، في المنفى، يكتشفُ المنفيُّ وَطَنَهُ بشكل أعمق، لكنْ تستحكم به هجرتان قسريتان، الأولى هي الوطن والثانية هي اللغة، فيغدو المنفى شديد الغربة، بالغ القسوة، وكما يقول المثل العربي(ما بيعرف الحكاية، إلا الذي ذاقَ المقلاية)، أو المثل الكردي القائل:
(‏‏ê zanê zanê û ê nizanê baqê nîskaye)
فاللغة والأنساق الثقافية إذاً، تشكل جزءاً هاماً من المنفى، إلى جانب العادات والتقاليد وطراز المعيشة، خصوصاً إذا علمنا ان الكردي المهَجَّر، مضطر إلى استخدام لغة المنفى كوسيلة للتفاهم، لكنها ليست أداة للتواصل فحسب، سواء وعى هذا الأمر أو جهله: " وانما لها بنيانها الفكري، وتحدد ـ غالباً ـ طريقة التفكير "(2) أيضاً.
خلاصة القول، مصير الكردي في سوريا أشبه ماتكون بمصير ذاك الفأر الذي ذكره(غورباتشوف)(3)في حكايته التراجيدية كطرفة. تقول: قذفت الأمواج بقطعة من الجبن في عرض البحر ذات يوم، وعلى متنها فأرٌ، إن أكلها مات غرقاً وإن تركها مات جوعاً.
في وسعنا القول ان هذه الترسيمة النظرية مازالت تتمتع براهنيتها في واقع الكرد السوريين، فرغم مافي قلوبهم من غصص تجاه السياسة المنتهجة بعجرها وبجرها، ورغم ما تفبركه أو تلوكه ماكنة النظام من فتاوى مزيفة ومضلِلة ضدهم، ورغم المآسي وسيوف التكفير التي تشهر في وجوههم، ورغم المأزق الذي حُشِروا فيه، ورغم الظروف التي دفعتهم إلى المنافي، مازالوا يرددون تلقائياً قول الشاعر:(بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة).
ــــــــــــــــــ
(1و2) ـ هذه المقتبسات من(الكاتب والمنفى)، د. عبدالرحمن منيف، الطبعة الأولى، دار الفكر الجديد 1992م.
(3)ـ (ميخائيل غورياتشوف)، الزعيم السوفييتي الداعي إلى التفكير السياسي الجديد لبلاده و للعالم بأسره، تحت شعار البيريسترويكا والمزيد من الغلاسنوست.

#بلند_حسين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات