|
من أجل إعلام ديموقراطي
الحسين بحماني
الحوار المتمدن-العدد: 3118 - 2010 / 9 / 7 - 13:04
المحور:
حقوق الانسان
يعكس الحيز الذي تحتله تمازيغت في الإعلام العمومي المروكي (المغربي)، من تلفزيون وإذاعة، المكانة التي تُولاها لدى "صناع القرار" والدوائر الرسمية للدولة. إذ أن هناك إجماع ضمني على أن إيمازيغن لا حق لهم في إعلام يعبر عن هموههم ويطرح قضاياهم الحقيقية للنقاش والمعالجة وتبادل الرؤى حولها في إطار من الديموقراطية والانفتاح بدون عقد ذات دوافع إيديولوجية بالأساس، وتحليا، ولو قليلا، بالروح النسبية التي تجعل الثقافات متساوية من حيث ما يمكن أن تجلبه للمنتمين إليها من الثراء المعنوي، وبحيث تقيَـم خارج الإسقاطات التي تجعل هذه وتلك في صدام وعداء ناتج عن المقارنات الخاطئة.
الدوافع الإيديولوجية هي التي تمنع في كثير من الأحيان من التزام القوى السياسية بقيم الديموقراطية والمساواة. هي تلك التي تجعل هذه اللغة في مرتبة وتلك في مرتبة أخرى، هذه الثقافة ذات شأن والأخرى أسفل سافلين. هذا العمى الذي في النهاية سيجر على البلاد الويلات، وقد جرها بالفعل بعد أن هُددت الثقافة الوطنية بالاندثار لصالح الثقافات الأجنبية، هو المانع في تقدير حق الثقافات في الوجود والنماء. والأدهى أن هذه الثقافة تمثل الذات الحضارية للشعب وليس هناك وعي بأننا سنتحول بسبب ذلك إلى أجانب على أرضنا. لهذا عمدت الحركة الأمازيغية منذ نهاية الستينيات إلى إعادة تعريف مفهوم الثقافة وفق معطيات العلوم الإنسانية الحديثة.
من هذا المنطلق يجب إعادة النظر في الحيز المخصص للتعبير بتمازيغت في الإعلام السمعي البصري العمومي، فقط لفتح الباب أمام الباحثين والمبدعين من المثقفين والإعلاميين للتعبير عن الثقافة الأمازيغية وللمزيد من الإنتاج لإبراز مظاهر الحضارة والتاريخ الأمازيغيين، وصرف اعتمادات من أجل تبويئها المكانة المستحقة. لنفترض مثلا أن جالية أجنبية تقطن في بلد من البلاد الديموقراطية، ليست ناطقة بلغة (أو لغات) هذا البلد ولديها ثقافة مختلفة تمارسها. أقل شيء تستوجبه الإنسانية قبل الديموقراطية هو إنشاء مجالات في الحياة العامة والإعلام تستجيب لاهتماماتهم وتطرح قضاياهم للنقاش، وتجعلها متنفسا لهم لضمان الكرامة الإنسانية أولا ثم بعدها ضمان انتمائهم للمجتمع الذي يتماسك بتنوعه. ثم إن الحديث عن الاندماج، في نظري، سيكون حديثا عن الانتماء للوطن، للأرض وليس ولاء للدولة (التي في النهاية تجسد إيديولوجياها على أرض الواقع). وذلك ما تضمنه هذه الدول (الديموقراطية) لمواطنيها، ولا مجال للمزايدات الرخيصة في هذا.
لنرجع إلى حالة إيمازيغن بوطنهم والتجاهل الذي حظوا به في كل مناحي الحياة. هذا التجاهل ترجم بالفعل على المستوى الإعلامي حيث نُسيت تمازيغت كليا من مشاريع الدولة الخاصة بهذا المجال، فلو كان الناس قبل هذا يفهمون ما يذاع كل يوم على إذاعات الراديو في شأن تنقلات الملك وأسفاره ومشاريعه، لما كانت هناك أصلا إذاعة أمازيغية ولما كانت هناك "لهجات" أصلا، لهذا أنشئت الإذاعة الأمازيغية، هذا بالإضافة إلى أنها لم تحظ بصفة الأمازيغية إلا بعد نضال مرير.
طالبت الحركة الأمازيغية بإلحاح، على مدى سنوات من النضال والتضحيات من أجل الحقوق المشروعة لإيمازيغن، بضمان الحق في إعلام ديموقراطي عبر إدماج الأمازيغية في الإعلام العمومي الذي يموله الناس من ضرائب أموالهم، ولم يستفيدوا منه منذ الاستقلال إلى التسعينيات حيث عمدت الدولة بعد الضغط إلى تخصيص حيز صغير للبث بالفروع الثلاثة للأمازيغية فيما يسمى آنذاك باللهجات. وبعد أن اتسعت قاعدة الحركة أفقيا، وبعد تطور الخطاب الأمازيغي نحو آفاق سياسة أكثر رحابة أصبحت الدولة تستجيب ولو بنوع من المماطلة للمطالب الأكثر حيوية، والتي تجلب لها الانتقادات من قبل المنظمات الحقوقية داخليا وخارجيا.
في البدء بدأت القناتان الأولى والثانية في بث برامج ناطقة بالأمازيغية أساءت برمجتها إذ أدخلتها في الأوقات الميتة التي تعرف أدنى نسب المشاهدة، وأحيانا أخرى بثت برامج أمازيغية في عرضها الأول مدبلجة إلى العربية، مما يطرح السؤال عن النوايا الحقيقية للقائمين على الشأن الإعلامي في عدائهم لكل ما هو أمازيغي. بل من الجدير بالذكر التذكير أن القناتان قد تعهدتا ببث نسبة ثلاثين في المئة 30% من برامجهما بالأمازيغية في دفتر تحملاتهما في تعاقد مع الهيئة العليا للسمعي البصري. وبعدما تملصت الدولة (وزارة الاتصال) آنذاك من مسؤولياتها رفعت التنظيمات الأمازيغية من ضغطها واحتجاجها ( التنظيمات من قبيل لجنة الدفاع عن الأمازيغية في التلفزيون، المنابر الأمازيغية...) فوعدت وزارة الاتصال بقناة تلفزية أمازيغية في 2007.
من دون التطرق إلى التسويفات المتتالية التي حظيت بها القناة نفسها حتى سنة 2010 والتجاهل الذي ووجهت به حقوق إيمازيغن في الإعلام ولا إن كانت القناة، إن كانت قناة تلفزية بالفعل، تعبر عن ما أريد لها أن تعبر عنه من قبل إيمازيغن (وليس المخزن كإشارة للتعريب عبر برامجها)، من دون مناقشة كل هذا يجب التذكير أن هذا الحيز الضئيل جدا يجب أن يتم وضعه في الميزان من أجل تقدير كم هو بالنسبة لعدد ساعات البث التي ستستجيب للحاجة الملحة للتعبير وطرح القضايا الراهنة للنقاش وكذا نشر الوعي والتثقيف وتغطية جوانب الثقافة والإبداع والفن من المسرح والسينما والأغنية، وكل هذا وغيره مما يقوم به الإعلام بلغة الأم. من هنا يجب على الدولة وعلى النخب كذلك أن تطرح في برنامج اشتغالها حق إيمازيغن في إعلام ديموقراطي حقيقي بالحيز المستحق الناطق بالأمازيغة في جميع القنوات التلفزية والإذاعات العمومية بنسبة 30% على الأقل. أو التفكير في إنشاء قنوات تلفزية وإذاعات ناطقة بتمازيغت في ضمان لحق المواطن في إعلام يستجيب لحاجته وذوقه ويطرح مشاكله وهمومه للنقاش ويساهم في نشر الوعي بلغته، وليس كوسيلة أخرى للتعريب والفلكلرة كإشارة فقط.
من هنا يجب التفكير في الوسائل الناجعة للنضال في سبيل انتزاع الحقوق المشروعة، وهنا الإعلام كمثال فقط، وكذلك بدائل سياسية من أجل توحيد إيمازيغن والضغط على المستوى السياسي بتنظيمات قوية لها سند جماهيري. وبالموازاة مع مع ما ذكر، اقتراح حلول من أجل المسألة الإعلامية هنا عبر إنشاء المزيد من القنوات التلفزية الخاصة عبر الدياسبورا الأمازيغية والتي تلتقط عبر الأقمار الاصطناعية في البلدان الأمازيغية.
#الحسين_بحماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في مفهوم الدولة - 2
-
في مفهوم الدولة - 1
-
بمناسبة العام الأمازيغي الجديد 2960: وجهة نظر عن الحلول السي
...
المزيد.....
-
سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد
...
-
ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت
...
-
الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
-
بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
-
بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة
-
مذكرة توقيف بحق نتانياهو وغالانت: ما هي حظوظ تطبيق قرار المح
...
-
مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية ترحب بالقرار التاريخي للمحكمة
...
-
الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه
...
-
الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس
...
-
دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|