جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3117 - 2010 / 9 / 6 - 22:48
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
هل أنت صاحب خبرة وتجربة؟
إذا كانت خبرتك لا تقل عن 15 خمسة عشر عاما في مجال...فنرجوا منك تزويدنا بسيرتك الذاتية وذلك للاستعانة بك في إدارة....إلخ.
يعني ما فيش إنسان إلا ويدعي أنه صاحب تجربة وخبرة.
هذا الشكل للإعلانات يوحي لنا بأن الشركات ذات الذراع الكبيرة لا تقوم بتشغيل مُستخدم لديها إلا إذا كان صاحب تجربة وخبرة كبيرة وذلك لكي تتفادى الأخطاء والعثرات ولكي تحصل على ميزات موظف يدير الشركة بشكل جيد أثناء الأزمات, وغالبا ما تُصاب الشركة بخيبة أمل حيث يقع أصحاب الخبرات بأخطاء المُستجدين والأغرار والمبتدئين.
وما فيش إنسان إلا ويقع في الأخطاء علما أنه على علم بها وبكيفية تجاوزها إلا أن الإنسان يقع بها, وهذا يتناسب مع المثل القائل: ما بقع غير الشاطر.
وأصحاب الخبرات الطويلة يقعون في أخطاء المبتدئين وليس من المعقول أن لا نستفيد لا من أخطائنا الشخصية ولا من أخطاء غيرنا.
أنا مثلاً اليوم أثناء تواجدي في ورشة العمل قمتُ بهدم جدار قبل ملئه بالإسمنت كان قد أنشأه معلم بناء يعمل معي وقلت له : هنالك أخطاء يجب أن تتلاشى في المرة القادمة, وما أضحكني هو أنه أعاده مرة أخرى بنفس الخطأ أي أنه لم يتعلم من أخطاءه أو أخطاء غيره , ومع كل ذلك ادعى زورا وبهتانا أن خبرته في العمل أكثر من خبرتي وتجربته أكثر من تجربتي , فقلت له : طيب ليش ما تعلمت من أخطاءك أو أخطاء غيرك وليش خبرتك ما ظهرت ؟ ليش يتكرر معك نفس الخطأ!.
هنالك أخطاء في حياتنا لا نستطيع تعديلها وهي تتكرر رغما عنا عدة مرات وهنالك أخطاء نستطيع إصلاحها ,وفي عندنا مثل غير صادق بقول: الشاطر اللي بتعلم من أخطاءه والأشطر اللي بتعلم من أخطاء غيره, وفي ناس بحكوه بطريقة أخرى: الشاطر اللي بتعلم من كيس غيره , يعني نفس المعنى وهو : التعلم من أخطاء الآخرين, ولكن إلى أي مدى تكون هذه المقولة حقيقة واقعية ؟ إن معظم ما شاهدته في حياتي يقول عكس ما يقوله المثل الذي أدرجناه , أي أن الناس والبشر والأفراد العاديين لا يتعلمون لا من أخطاءهم ولا من أخطاء غيرهم.
وكان لي زميل عمل سنة 1999م ينتقد الآخرين (معلمي البناء) ويذكر أخطاءهم في العمل وأخطاء غيرهم علما أنه كان يقع بأخطائهم جميعا ولم يتعلم درسا من تجربة غيره وكل خطأ وقع به غيره أخبرني عنه أو كان يخبرني عنه وبنفس الوقت كان يقع بأخطائهم جميعاً , شو هذه المصيبة؟ والله فعلا مصيبة كبيرة جدا وهذا الشخص ليس غريبا عن ساحتنا السياسية والثقافية فحتى الرؤساء والملوك يقرءون تاريخ غيرهم وينتقدون أخطاء من سبقهم وبنفس الوقت يقعون بأخطاء الجميع ولا يتعلمون درسا من غيرهم لا ولا حتى من تجربتهم الشخصية.
يعني بدون لف ودوران ما حداش مننا بتعلم لا من كيسه ولا من كيس غيره , وكمان ما فيناش حدى صاحب تجربة حقيقية يعني لا نستفيد لا من تجاربنا ولا من تجارب غيرنا وبنفس الوقت ندعي بأننا متميزون عن باقي المخلوقات بالضحك أحياناً وبالبكاء أحياناً وبالخبرة أحيانا لأن الحيوانات ليس لديها خبرات في العمل والحياة قياسا بخبرة الإنسان في الصيد والعمل والمهارة ودعوني أتخيل أسطولاً يصطاد السمك في المحيط الهادئ أو الأطلسي ودعوني مرة أخرى أتخيل كيف كان الإنسان البدائي يخدع السمك ليصطاده ؟ وهذا التخيل ونتائجه سوف تُعلمني درسا أو ملاحظة هامة وهي أن الإنسان التقني ما زال يصطاد السمك بنفس طريقة الإنسان البدائي وهذه ملاحظة معناها أن السمك لم يتعلم من أخطاء غيره من السمك لذلك لم يلجأ الإنسان إلى تحسين وسيلة وطريقة جديدة لصيد السمك وحتى هذه اللحظة لم يكتشف السمك كيف الإنسان يصطاده وبمثال آخر : ما زلنا حتى اليوم نذبح البقر والدجاج بنفس الطريقة التي كان يستعملها الإنسان البدائي وهذا مرة أخرى معناه أن المخلوقات الأخرى لا تستفيد من تجارب غيرها أي أنه لا يوجد لديه مكونات من الممكن أن نسميها الخبرة والتجربة.
والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يدعي أنه صاحب خبرة وتجربة , حتى أننا أحيانا نقول بأن فلان مديرا لشركة كذا وكذا منذ عشرين سنة ولديه خبرة في الإدارة تُقدر بعشرين سنة وفلان أيضا خبرته في العمل عشرة سنوات , وغالبا ما نتقاضى أجورنا على حسب الخبرات والمكونات المعرفية , علما أننا لا نملك خبرات بل وأحيانا وغالبا ما نقع بنفس الخطأ أكثر من عشرين مرة أو مرتين أو ثلاثة .
يعني إحنا مش مستفيدين من الماضي ومكوناته , وما زال الشيوخ يضحكون علينا بنفس الطرق القديمة, والنصابين ما زالت طرق النصب والاحتيال لديهم ثابتة وكذلك الترهل الإداري والفساد والمحسوبية وكل هذه الأمور نعلم علم اليقين بأن غيرنا قد وقع فيها ومع ذلك نقع في نفس الحفرة وفي نفس المطب .
حتى السياسيين مش مستفيدين من الماضي وكذلك التعليم ونظامه.
ويقال بأن ديوان الخلافة الأموي قرأ على معاوية بن أبي سفيان تاريخ ملوك الفُرس ورغم كل ما عرفه معاوية من أخطاء الفرس في نظام الحكم الفارسي إلا أنه وقع بكل تلك الأخطاء عامدا متعمدا, وقرأ المؤرخون على الخلفاء العباسيين تاريخ الأمويين والأخطاء التي وقع فيها الأمويون ولم يعجب هارون الرشيد تصرفات معاوية لأنه أوصى بالخلافة لولده من بعده غير أنه وقع بأخطاء معاوية وأكثر منها وقع بعده كل الخلفاء بكل تلك الأخطاء بل وزادوا عليها أخطاء جديدة.
يعني وكأن الإنسان لا يملك في دماغه لا الخبرة ولا التجربة, وكمان إحنا نستمع لكثير من الناس وهم يذكرون عيوب غيرهم وأخطاءهم وبنفس الوقت لا يتركون لهم خطئا إلاّ وارتكبوه.
وكان جيش المسلمين في معركة (بواتيه) على علم بأخطاء المسلمين في معركة أحد وكيف تركوا الجبل والتفوا لتقاسم الغنائم ورغم ذلك ورغم كل تلك المعرفة فقد وقع الجيش الإسلامي في معركة بواتيه بنفس الخطأ وانهزموا شر هزيمة ونكل بهم شرّ تنكيل قُرب بواتيه في معركة بلاط الشهداء وهزمهم جيش شارلمان ويقال لو أن المسلمين انتصروا في تلك المعركة وتعلموا من أخطاءهم بمعركة أحد لكان الآن القرآن يُفسّر ويُقرأ في كامبردج وإكس فورد .
إذا الأجيال تكرر أخطاء الأجيال السابقة والأبناء يكررون أخطاء الآباء والأمراء يكررون أخطاء الملوك.
وتجتمع مجالس الحكم الإدارية في أغلب الدول العربية لبحث المستجدات والنهضة وتجاوز الأخطاء والعثرات والسيئات غير أنهم في نهاية كل مسلسل أو كل اجتماع يخرجون بأخطاء جديدة تزيد دهاء عن اللي قبلها , وكلما وُضعت خطة لتفادي حجم المديونية غير أننا في كل عام نصاب بزيادة في الديون كما نصاب أحيانا بزيادة التخمة .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟