علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 944 - 2004 / 9 / 2 - 10:54
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
هل يحتاج الإنسان العاقل، وليس بالضرورة المسلم، من أن يقوم أحد بتذكيره بما حلّ بالشعب العراقي طوال الثلاثين عاماً الماضية من حكم صدّام؟ هل يستطيع الإنسان العاقل أن يتصور بلده تعيش تحت حكم شبيه بصدّام؟ لا يمكن للإنسان العاقل إلاّ أن يفرح بسقوط طاغية ليس له شبيه، بل من المستحيل أن يتصور إنسانٌ عاقلٌ في هذا الزمان أن يكون هناك من هو أكثر إجراماً وفتكاً من صدّام، ولا أكثر كرهاً للشعب العراقي وللإنسانية منه ومن حزبه العفن، حزب البعث الذي سخّر كل موارد الشعب العراقي لسحق الشعب العراقي وتدميره. إن جرائم صدّام أكبر من أن تُمحى من ذاكرة العراقيين وذاكرة كل إنسان يتألم لأمل أخيه في الإنسانية، ولست هنا لعرض تلك الجرائم فهي أكثر من أن تُعد.
جرائم صدّام كانت معروفة قبل سقوطه القبيح، وزادت المعرفة والقناعة بوجود تلك المآسي بعد سقوطه. سقط الصنم وفرح الشعب العراقي، وكلّنا رأينا تلك الصور على شاشات التلفاز وعلى أوجه العراقيين في كل مكان. لقد نال الشيعة النصيب الأكبر من الاضطهاد، فعلى أيديهم قامت ثورة العشرين وتم طرد الاحتلال الانجليزي ليأتي صدام ويحكم الأكثرية، ونال الشيعة ما نالوه من قتل وذبح وتعذيب، فلا يمكن مقارنة صدّام إلاّ بفرعون، وربما فرعون كان أقل دمويةً وعنفاً منه.
ما إن سقط صدّام حتى تنفس الشيعة الصعداء، بغض النظر عمن أسقط صدّام، فلا يمكن مقارنة أي حكومة احتلال بما فعله صدّام. ولكن لأن الشيعة هم الأكثرية، وبذلك سيمثلون النسبة الأعلى في أي حكومة قادمة، أبت الأصوات المتطرفة والحاقدة على الشعب العراقي إلاّ أن تلعب لعبتها القذرة بمحاولة النيل من الشيعة باتهامهم بالعمالة والوقوف مع المحتل. هذه الأصوات هي أصوات الحكومات العربية والكتّاب المأجورين وكذلك الكتّاب الحاقدين على الشيعة، فقط لأنهم شيعة، فلم يكلّوا من محاولة جر الشيعة إلاّ مواجهة خاسرة ضد الأمريكيين لن تأتي إلاّ برموز الإجرام السابق.
رموز النظام السابق هم من يذبح الأبرياء من العراقيين والأجانب، من النيبال والهند ونيجيريا، من إيطاليا وأمريكا، من لبنان وكوريا. هؤلاء هم من يسعون لزعزعة الأمن في العراق، بقولهم يجب إزاحة أحدنا الآخر، فهم يسعون للحكم ولو عنى ذلك تدمير العراق وأهله. ولأن الغاية لديهم تبرر الوسيلة، كما أتباع التيار الوهابي الذي كان يوماً يكفّر أتباع حزب البعث، فقد التقى الجمعان بعد سقوط صدّام وبدؤوا بعلميات التصفية الجسدية للرموز الشيعية وقاموا بعليمات التفجير في العاشر من محرم وقتلوا المئات من الشيعة ومثّلوا بجثث شيعة آخرين. بل زاد حقدهم على الشيعة أن قاموا بتسمية جماعاتهم الإرهابية باسم علي بن أبي طالب عليه السلام إمعاناً في تشويه صورة الشيعة. وكان الأحرى بهم أن يقوم بتسمية كتيبتهم الإرهابية باسم يزيد بن معاوية أو أي صحابي آخر "أفضل من علي". لم يكتفوا بذلك، بل قاموا بعمليات اغتيال لمسؤولين في الحكومة وأكاديميين وقاموا بتفجير مراكز الدفاع المدني والشرطة، كل ذلك بحجة مقاومة الاحتلال والمتعاونين معه.
المستهجن هو قيام بعض الكتّاب "الإسلاميين" بالطعن في الشيعة وبتكذيب موضوع أن الشيعة هم أغلبية في العراق وتكذيب وجود المقابر الجماعية وتكذيب أن الشيعة تعرضّوا للاضطهاد أبان حكم صدّام. هؤلاء الكتّاب طعنوا في السيد السيستاني لأنه لم يدعو إلى الكفاح المسلح ضد "المحتل الأمريكي"، وكأنهم أوصياء على الشعب العراقي والعراق. من ضمن هؤلاء الكتّاب كاتباً أشهر من نار على علم، معروف وكّنا نحترمه كثيراً قبل ذلك، ولكن يبدو أن أي تغير في صالح الشيعة هو خط أحمر عليهم محاربته تحت أي مسمّى، منها مقاومة الاحتلال وأعداء المسلمين وغيرها من الكلمات الطنّانة. هذا الكاتب هو الأستاذ فهمي هويدي، ومن يقرأ له مؤخراً المقالات التي تتحدث عن العراق يُصاب بالإحباط وكيف تحول من كاتب يُشار له بالبنان في موضوعيته، أصبح يتحدث بشكل غريب، ينفي كل ما أصاب الشيعة من آلام طوال فترة حكم صدّام، بل مدافعاً عن صدّام وأن الوضع في عهده أفضل، ومنتقصاً من المراجع الشيعية حيث قال بأن علماء الشيعة يهادنون الاحتلال ويغارون على مقدّساتهم أكثر من غيرتهم على الوطن وناسه وذكر بالاسم المرجع الكبير آية الله السيد علي السيستاني، الذي رفض اللجوء للعنف طالما لم تُستنفذ بقية الحلول السلمية.
الأستاذ فهمي هويدي لم يتحدث عن مقاومة الاحتلال في هضبة الجولان، ولم ينتقص من علماء السنة في مصر وغيرها لأنهم لم يدعوا إلى الثورة ضد إسرائيل في هضبة الجولان أو طرد السفير الإسرائيلي في مصر أو الحرب ضد إسرائيل لتحرير القدس، ولم يدعو الى قتل السياح الاسرائيليين الذين يستمتعون بشمس سيناء يوميا وعددهم سنويا اكثر من 100 الف سائح، ولم يدعو الى تفجير منشئات الغاز المصرية التي تصدر الطاقة المصريةالى اسرائيل، ولم يدعو الى ذبح الاف المصريين العاملين في اسرائيل والمتزوجين من اسرائيليات، ولم يدعو الى قتل عمر سليمان مدير المخابرات المصرية الذي يتعاون مع نظيره الاسرائيلي جهارا نهارا في ضبط الأمن، ولم ينتقد صديقه الحميم عمرو موسى أحد مهندسي اتفاق كامب ديفيد مع اسرائيل، ولم يطلب رحيل القوات الأمريكية المتواجدة في سيناء منذ 25 سنة، ولم يدعو الى ايقاف تدريب الضباط المصريين في أمريكا (العدوة بنظره). ولم ينتقص من الحكومة السورية التي إلى الآن لم تحارب إسرائيل لتحرير الجولان وتحكم شعبها بالحديد والنار. الأستاذ فهمي هويدي تناسى الكثير من الأمور وأصبح شغله الشاغل أن يُحمّل الشيعة مسؤولية احتلال العراق، لا صدّام الذي دخل بالعراق ثلاثة حروب راح ضحيتها أكثر من مليوني إنسان عراقي، وهو من أتى بالاحتلال. الأستاذ فهمي هويدي لا يهمه أن يموت الشعب العراقي تحت حكم بربري عربي يمارس كل أنواع الاضطهاد، فقط يهمه أن يخرج "الاحتلال الأمريكي", والذي هو أرحم بكثير من أي نظام عربي في الحكم حالياً.
الأستاذ فهمي هويدي ليس وحده في هذا المجال، بل العديد من الكُتّاب المحليين والعرب الذين لم يوجهوا ملامة للرئيس "القائد" صدّام حسين على قتله الأكراد بالأسلحة الكيماوية، ولا على أكثر من ثلاثمائة مقبرة جماعية للشيعة ضمّت عشرات الآلاف من العراقيين، بل ينكروا وجود تلك المقابر الجماعية، كما ذكرت سابقاً، تراهم اليوم يتحدثون في الشأن العراقي ويدعمون الإرهابيين وينعتوهم بأنهم "المقاومة". هذه المقاومة واضحة في ذبح الـ 12 نيبالياً عاملاً في العراق يوم أمس، وذبح الصحفي الإيطالي قبل أيام وغيرهم الكثير من الجنسيات المختلفة واعتبار ذلك عملاً جهادياً تم تحت اسم الله أكبر. هذا النيبالي الذي تم ذبحه كالشاة هو المجاهد رحمه الله وأدخله فسيح جنّاته، فقد ذهب للعراق لانتشال والديه وإخوته من الفقر، فذهب إلى ربه مجاهداً مكافحاً، رحمه الله ورحم الشهداء الآخرين من العراقيين والأجانب، من صحفيين وعاملين، من مسؤولين ورجال أمن وإطفاء، من أكاديميين وأطباء ومهندسين وغيرهم، طالتهم يد البغي البعثي والوهاّبي.
من يقرأ الصحافة العربية عامةً، والمصرية خاصةً يرى العجب من الدعوات التي تمتدح الإرهابيين وتدعوهم بالمقاومة، حتى أن تفجير سيارة شرطة تستحق صورتها أن تكون على غلاف صحيفة "الشعب المصرية" تحتها عنوان بأن المقاومة تقتل عملاء الأمريكان من رجال الشرطة. الصحافة السعودية ليست أحسن حظاً، فلازالت تصف ضحايا الاغتيالات والتفجيرات من رجال الأمن العراقيين والمسؤولين والأكاديميين بأنهم قتلى بدل شهداء ولا تصف قاتليهم بالإرهابيين، وتصف الضحايا من رجال الأمن في السعودية بشهداء الواجب والقاتلين هم إرهابيين.
إن كل المحاولات العربية الإعلامية في الإيقاع بالشيعة ليقاتلوا الأمريكيين في العراق هي من باب الحقد على الشيعة لإدخالهم أتون حرب الخاسر فيها الشيعة أولاً والشعب العراقي ثانياً. لئن قام الشيعة بالثورة على الأمريكان وفعلاً خرج الأمريكان من العراق دون وجود حكومة مستقرة قوية، سيعود البعث باسم "أنصار السنة وأنصار الإسلام" وستصب الأسلحة من حكومات الدول المجاورة للعراق تحت اسم "الحفاظ على وحدة العراق" ومكافحة "التمرد" ليتم ذبح الشيعة كما تم ذبحهم في السابق في عهد صدّام، وكما يتم ذبح الأجانب في العراق الآن، وسيعود الوضع إلى ما هو أسوء بمئات المرات. ولنا في دارفور عبرة، حيث قامت الدول العربية والجامعة العربية بالتغطية على التطهير العرقي والمذابح والجرائم من حرق البشر وهتك للأعراض ومجاعة وتهجير أكثر من مليون مواطن سوداني "غير عربي" في أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث، بل دعمت حكومة السودان ولازالت، ونفت وجود تلك المآسي، كما دعمت هذه الدول حكومة صدّام في السابق. فهل نريد أن نكرر التجربة مرة أخرى في العراق؟ الإنسان العاقل يقول "لا"، وأنا أقول ألف لا.
#علي_فردان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟