|
الحزب الاشتراكي الموحد في مؤثمره الثاني : أرضية الهوية للرفيق محمد الصلحيوي
الحزب الاشتراكي الموحد - المغرب
الحوار المتمدن-العدد: 3115 - 2010 / 9 / 4 - 09:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
أتقدم إليكم، مناضلو ومناضلات ... ومتعاطفو ومتعاطفات الحزب الاشتراكي الموحد. بهذه الأرضية بقصدية النقاش والإغناء، وكل ذلك تحضيرا لمؤتمر حزبنا الثاني، والذي ينعقد في أجواء سجال حقيقي، نقطة ارتكازه، السجال طبيعة المرحلة والمهام المطلوبة لها، والمفروض النضال من أجل تحقيقها من طرف عموم الديمقراطيين ومن اليساريين خصوصا، ولأن السجال / النقاش قد أخذ بعدا خماسيا، فإن إعادة صياغة مفاهيمه الأساسية، وتحديد التوجيه الأكثر تعبيرا عن المرحلة مهمة من مهام مؤتمرنا، وقبل ذلك، لابد من تعيين أطراف الأبعاد الخمسة لهذا السجال / النقاش / الصراع.
سؤال أطراف الأبعاد :
1 – 1 البعد الحزبي الداخلي :
لاشك أن الحزب الاشتراكي الموحد يشكل أرقى تطور لمسار النقاش حول طبيعة المرحلة التي يمر منها المغرب، فلايمكن استيعاب العمق الفكري/النظري لحالة حزب وتيارات داخله، استيعابا واضحا يرقى إلى المبدأ بدون إعادة تشكيل مختلف اللحظات المفصلية في مسيرة الوعي الاندماجي حتى لحظة حزبنا الراهن، ولعل الفكرة التي شكلت الانطلاقة العملية لمنطق الاندماج لمكونات اليسار الجديد بداية ومع الحركة الاتحادية لاحقا، هي تلك الفكرة التي تبلورت وسط المناضلين والمناضلات آواخر التسعينيات وبشكل واضح وصاف، ومؤداها أن الجواب التاريخي على تشتت اليسار وتشرذمه يكمن في التجميع وإقصاء (بهزم) وعي اللحاق والتذويب، إن هذه الفكرة قلبت وضعية طالما اشتكى منها وقاومها المناضلون اليساريون واليساريات، وهي التي أنتجت محطات 2000 – 2002 – 2004 – 2005 ولأن الانتصار على وعي الإلحاق والتذويب في أي عملية وحدوية، لم يكن يقصد قتل الرأي وتعدديته، بقدر ماكان على طريقة وآلية التعامل مع الرأي الآخر المخالف، لذلك، فإن تجربة الاندماج تبتت تعدد الآراء داخل الحزب وأسسته عن طريق شرعنة وجود التيارات، وصولا إلى حزب بتيارات تركزت مختلف النقاشات الرِؤى (الذي كان في بعض اللحظات حادا) حول أربع موضوعات : التحالفات، العمل النقابي، ماضي الانتهاكات، الأمازيغية (وإن لم تكن الأخيرة على درجة من الحدة والضجة الإعلامية التي صاحبت الخلاف حول الموضوعات الثلاثة الأخرى) وكانت معادلة النضال الديمقراطي أم الانتقال الديمقراطي ؟ حاضنة تلك النقاشات ومازالت ...
1 – 2 بعد العائلة اليسارية :
إذا كان الوعي الاندماجي قد شكل / بلور توجها تنظيميا هو الحزب الاشتراكي الموحد، فإنه بالإضافة إلى ذلك قد ساهم في خلق أجواء تبلور تيار عام داخل الوسط اليساري أجمع على تفعيل المشترك واستبعاد منطق التبعية في النضال، ومع أهمية هذا التطور الذي زعزع أطروحة الصفاء النظري قاعدة التحالف السياسي، إلى أن الخيار الثالث لم يشق بعد طريقه السيار نحو تنظيم كل اليساريين، فلم يصل هذا الخيار بعد إلى قناعة نظرية وسياسية مشتركةـ ويتجلى ذلك في الكثير من المحطات منها الانتخابات – الواجهة الحقوقية، الواجهة النقابية، والأمازيغية أيضا. علما على أن الخيار الثالث قد مر على تبلوره مايفوق الثمان سنوات، والذي جاء ليعبر عن وجود إمكانية نضالية للتغيير باستبعاد خيار العدمية الذي يرفض أي مشاركة لتسيير الشأن العام، وبابتعاد أيضا المشاركة الاندماجية التي تعني المخزنة. وركز الخيار الثالث المشاركة كمبدأ وبدون الوقوع / الانخراط في التمخزن وهنا يصبح الخلاف حول مضمون النضال الديمقراطي هو نضال تأسيسي أم احتجاجي ؟
1 – 3 بعد الأحزاب الوطنية
إن السجال مع بعض أطراف الكتلة الديمقراطية بصيغتها التقدمية السابقة قد انطلق من خلاصة نظرية / سياسية في شكل معادلة هي : الحداثة والتحديث المجتمعي من موقع الدولة وباستبعاد عنصر الحركة الجماهيرية أم الحداثة والتحديث المجتمعي من موقع الحركة الجماهيرية ومواقع الدولة واجهة من واجهات النضال الديمقراطي. ولقد كانت لهذه المعادلة نتائج درامية سياسيا من حيث الانشطارات التنظيمية، لكن، مع نتيجة مقابلة جد إيجابية متمثلة في تيارين عريضين يحاول كل منهما كسب الرأي العام إلى جانبه : تيار الانتقال الديمقراطي المندمج في اختيارات الدولة، وتيار الإصلاح الديمقراطي الذي يقوده حزبنا الذي يدعو إلى تأسيس الانتقال بدل الدعاية له، وموضوعات السجال الأساسية دائما هي : التحالفات، العمل النقابي، المجال الحقوقي، ماضي الانتهاكات... مع استمرار الوعي الإلحاقي التذويبي الأمازيغي من طرف أطروحة الانتقال الديمقراطي.
1 – 4 بعد المجتمع المدني
يعرف المجتمع المدني المغربي حركية خاصة، بدون الانتباه إليها واستخلاص مايلزم من الخلاصات المدعمة للنضال الديمقراطي، بدون ذلك، لايمكن ولايستقيم شعار الإصلاح الديمقراطي، ومن هذا المجتمع المدني واجهتان : النخبة المثقفة والحركة الثقافية الأمازيغية، إن العلاقة مع هاتين الواجهتين علاقة توتر دائم، التوتر الذي يحيل على الكثير من الالتباس والغموض، فإن حصر النقاش معها ينتقل بسرعة إلى سجال ويصل في أحايين إلى صراع غير واضح المنطلقات والأهداف، فالكثير من المثقفين ديمقراطيين يوجدون في موقع التشويش عمليا إزاء نضال اليساريين لقناعتهم أنهم – المثقفون – يملكون التصور الأمثل للديمقراطية، إن ذلك نظرا لضعف نسقية اليسار الفكرية والسياسية والحال أن النسقية تؤسس من التواصل الدائم ين المثقفين والتنظيم وليس بالتنابز، أما الحركة الثقافية الأمازيغية فهي تيار ديمقراطي عام في جوهره، مع الإشارة إلى أن الحكم لاينسحب على ميول تحزيب الأمازيغية، ومرة أخرى يحضر إشكال النسقية الفكرية والسياسية خصوصا من طرف الحزب الاشتراكي الموحد الذي يعيش ارتباكا واضحا على مستوى نقل أطروحته حول الهوية الوطنية إلى مجال الممارسة والتصريف السياسي، والحلقة المؤثرة في التباعد هي غياب الفضاءات المشتركة لبناء الحوار خصوصا : المجال الحقوقي والواجهة النقابية...
1 – 5 بعد المحافظين غير الديمقراطيين
هؤلاء خليط من الأحزاب الإدارية والحزبيات الملحقة بها وكل المعارضين للديمقراطية كما هي متعارف عليها، إنهم يعارضون أي تقدم للمجتمع، ويلجأون في ذلك إلى كل أساليب الإفساد، في مقدمته الإفساد الانتخابي، الذي ينتج الإشكال الذي يلزم اليسار في علاقته مع الوضعية هو : لاديمقراطية مع غير الديمقراطيين أم بالديمقراطية نهزم غير الديمقراطيين ؟ أطراف كانت محسوبة على الديمقراطيين حسمت المسألة بممارسة سلوك دمقرطة التزوير والإفساد، أما حزبنا فلم يمارس بالشكل الواضح شعار الديمقراطية لهزم غير الديمقراطيين مع بروز ميل يؤيد شعارا غريبا خلال الانتخابات وهو : البحث عن المرشحين، الشعار الذي يؤدي واقعيا إلى الكثير من الانزلاقات أولاها مقولة الحظوظ، هذه الوضعية تربك خط النضال الديمقراطي الجماهيري حزبيا، تنشر وسط الرأي العام فكرة المقاعد أولا، وبعد ذلك البرنامج والمعادلة عكسية تماما، كل ذلك يفرز عمليا غياب النسقية الحزبية فكرا وممارسة.
جواب الانفتاح السياسي :
إن كل النقاشات والسجالات والصراعات التي عرفها الحزب الاشتراكي الموحد/ مع ذاته أو مع محيطه التحالفي أو مع خصومه السياسيين والطبقيين، حول طبيعة المرحلة السياسية الراهنة التي يمر منها نضال الشعب المغربي في مسيرته التاريخية أهي مرحلة نضال ديمقراطي أم مرحلة انتقال ديمقراطي ؟
إن الحقيقة التي لايمكن إنكارها هي أن الخاصية الأساسية لنضالنا الراهن غير مفصولة عن مسار يمتد إلى حدود ستينيات القرن الماضي، فمنذ ذلك التاريخ وعلاقة الدولة المغربية بالمجتمع هي علاقة انفتاح. انغلاق سياسي، فالحكم باعتباره ممثلا للدولة المغربية والحركة السياسية باعتبارها تعبير عن حركية المجتمع السياسية لم يصلا قط إلى قطيعة سياسية تامة، ولم يصلا إلى اتفاق / توافق سياسي تام ودائم، نظرا لهذه الطبيعة : الانغلاق والانفتاح، فبالعودة إلى المنعرجات السياسية الأساسية للمرحلة المشار إليها نجد أن كل هزة اجتماعية وطبقية إلا تكون متبوعة لانفتاح نسبي على القوى السياسية المهيأة لتقبل ذلك الانفتاح بكل محدودياته واحتمالاته، وبمجرد خفوت أو تراجع دوافع ذلك الانفتاح السياسي إلى ويعود الحكم إلى الانغلاق، أي إلى غلق الحقل السياسي، مايهيء الشروط الذاتية لصدام قادم، علما على أن ماهو موضوعي بنيوي، السؤال الحقيقي هنا هو : ماهي أوجه الاتفاق والاتفاق لما نعيشه راهنا مع الماضي ؟
إن الميزة الأساسية للانفتاح السياسي الراهن، هو أنه انطلق بمبادرة من القوى السياسية المشكلة لما يصطلح على تسميته بالمعارضة التقليدية، إنها خطوة التصويت الإيجابي على دستور 1996، والذي لم يلب الحد الأدنى من المطالب الديمقراطية، هذه المبادرة التي تلتها خطوة ما أصبح معروفا بحكومة التوافق بعد انتخابات 1997. وغير مهم هنا التحليلات والأوصاف التي يمكن تقديمها حول اللحظة، لأن التحليل والتوصيف تشكل بساطة متغيرات لقضية بعيدة عن المتغيرات الواقعية، فما هو واقعي ملموس وميداني هو أن العمود الفقري للمعارضة السياسية الكلاسيكية قد قالت ولأول مرة نعم لدستور ممنوح شكلا ومضمونا. ولأول مرة تتحمل تلك القوى المسؤولية الحكومية، إن هاتين الخطوتين المتلازمتين بمثابة الإعلان الرسمي لانفتاح سياسي للحقل السياسي المغربي كانت بعض معطياته معروفة من قبل إلا لأن الوتيرة تسارعت بعد 1998، من اتساع مجال حرية الصحافة، من إنجاز مجموعة من الإصلاحات القانونية، من فتح ملفات ماض سنوات الرصاص، من تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، من تأسيس المعهد الملكي للثقافة والأمازيغية، من تقرير خمسينية الاستقلال السياسي، والسؤال هنا هو : هل يرقى الوضع إلى حد اعتباره انتقالا ديمقراطيا ؟
لايرقى إلى ذلك نتيجة غياب المعطى الواقعي المؤسس والمتمثل في الرؤية التعاقدية للانتقال والمبنية على دعامتين : رؤية سياسية توافقية للمرحلة وهي الغالبة في المرحلة لوجود فاعل سياسي واحد، ثم رؤية دستورية بانية وهي الغائبة أيضا لوجود دستور لايؤسس للديمقراطية. إلا أن هذا لايجب أن يؤدي إلى الاعتقاد أن الانفتاح الحالي مجرد اختيار ظرفي سيزول كمازالت اللحظات الانفتاحية السابقة، وعلى اعتبار أن التناقضات الجهوية والكونية والوطنية بلغت من النضج على مستوى تفاعلاتها مايمنع التراجع عن شيئين اثنين هما : حقوق الإنسان والديمقراطية كحقوق لذلك فرفض معطى الانتقال الديمقراطي لايعني سلامة شعار النضال الديمقراطي الجماهيري إن بقي في المستوى الاحتجاجي ولم يرق إلى المستوى التأسيسي مما يفرض على الحزب مهمة سياسية مركزية راهنة هي: تحويل معطيات الانفتاح السياسي الراهن من مستوى مبادرات متلقاة إلى أسس للانطلاق، ولن يتأتى ذلك سوى بالتقدم وسلوك المبادرة الفكرية والسياسية والتنظيمية أيضا : فالدستور الثالث يعني إعادة صياغة الهوية الوطنية المغرية بشكل نسقي، والتحالفات تعني تدقيق نوع التناقض الراهن بين الرأسمال والعمل وبالتالي ماهية النضال النقابي وإن ذلك هو ما ستتم مطارحته أدناه.
الأمازيغية من الشتات إلى المغربة
إن انعقاد المؤتمر الوطني الثاني للحزب فرصة جديدة لنا كيساريين لتأمل علاقتنا بذاتنا الوطنية وبمنطق متجدد، فالحزب تراكم مهم من حيث الأفكار والآراء، بل وحتى المبادرات في لتعامل مع القضية الأمازيغية، فالقضية كانت دائما حاضرة في مداولات اليسار، فله الفضل على مستوى الأحزاب السياسية في التبني النظري الذي يحظى بما يشبه الإجماع حاليا، للهوية الوطنية، ومنذ سنوات والحزب يردد من خلال أدبيات مكوناته قبل الاندماج أن المغرب أمازيغي عربي إسلامي أو أن الهوية الوطنية المغربية أمازيغية عربية للحمة الإسلام، أو أنها عربية أمازيغية إسلامية إفريقية متوسطية، كل التعابير أدت ومنذ آواخر التسعينيات دور الصدقي في وجه منتقدي اليسار من الحركة الثقافية الأمازيغية، ومع التحولات والتطورات التي عرفتها القضية الأمازيغية من جهة، والخطوات الرسمية وفي مقدمتها تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من جهة ثانية، ونوعية الوعي الذاتي داخل الحزب من جهة ثالثة، كل ذلك يفرض / يحتم الإقدام على نقلة نوعية فكرية بالأساس خلص الحزب ومناضليه من الكثير من اليقينيات غير التاريخية، والأحكام غير البانية على ماضي المغرب وحاضره.
1 – 1 تطور الوعي الأمازيغي
إن الوعي الأمازيغي باعتباره وعيا وطنيا قد انطلق ليستعيد حضوره الوطني من خلال أرقى التعبيرات وهي الفنون، والذي بلور نقاش التراث. إن ذلك النقاش مهد الطريق لما سمي بالثقافة مقابل الثقافة الرسمية، وكان ذلك مدخلا لشعار الثقافة الوطنية الديمقراطية والتي توجت بميثاق أكادير 1991 الذي أسس المطلب الدستوري، والذي تفرع فيما بعد للوصول إلى :
- ترسيم اللغة الأمازيغية.
- ترسيم الحضارة الأمازيغية.
- ترسيم الهوية الأمازيغية.
إن دسترة الترسيم الوطني للهوية الأمازيغية هو المطلب العام الذي يعكسه تيار شعبي حقيقي غير منظم حزبيا وإن اخترقته حساسيات مختلفة.
1 – 2 الأمازيغية والاختيارات الرسمية
يمكن اعتبار تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تحولا كبيرا على مستوى اختيارات الدولة بصدد الأمازيغية، فالتحول يقر :
- أزموية الصياغة الدستورية للهوية المغربية
- أزموية مقولة الوطنية كما تم الدفاع عنها دائما.
- ديماغوجية التعريب وانسداد أفقه
- فشل الاستيلاب العروبي في تذويب المغرب.
فبصرف النظر عن طبيعة المعهد الاستشاري، وبصرف النظر عن طبيعة ظهيره المؤسس، وبصرف النظر عن ما يمكن أن ينجزه المعهد، فإن مجيئه كفضاء لضبط تيار الوعي الأمازيغي واستقطاب نخبته، قد أدى إلى نتائج عكسية تماما، فبوصول السجال والنضال إلى مستوى نقاط بين انتمائين : التيار الأمازيغي المحافظ الذي لايرى إمكانية أبرع ماكانوا بذلك اعتبر تأسيس المعهد قمة مايمكن تحقيقه وبالتالي الاندماج من الاختيار الرسمي رؤية وتصريفا للموضوع الأمازيغي، وتيار ثان يمكن وصفه بالتيار الديمقراطي الأمازيغي والذي يندرج نضاله من أجل اللغة والثقافة الأمازيغيتين ضمن رؤية الإصلاح الدستوري، ويتحرك بشعارين اثنين هما : لاتنمية بدون اللغة والثقافة الأمازيغيتين، ثم لاديمقراطية مع تهميش الأمازيغية، وهكذا نلاحظ أن الحدود التي وضعت للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أنتجت وعيا متقدما في طرح المسألة الديمقراطية.
1 – 3 الأمازيغية بين الداخل والخارج ...
قصدية التوصيف في الفقرتين السابقتين هي : تقديم لمحة مبسطة لمسار النضال الهوياتي للحركة الثقافية الأمازيغية والخطوة الرسمية تجاه ذلك، والاستخلاص السياسي الآن من التجربة كالتالي : استطاع المغاربة استرجاع ملف القضية الأمازيغية من دواليب الخارج إلى معمعان النضال الداخلي، بلغة بسيطة، مغرب المغاربة قضية لغتهم وثقافتهم الأمازيغيتين، والتمكن من إنجاز ذلك كان عبر ثورة ثقافية هادئة وسلمية، وعلى خلاف تجارب أخرى، وقد عرفت هذه الثورة الثقافية عوائق ثقافية فكرية وسياسية بل وحتى تنظيمية داخل بعض الإطارات السياسية التقدمية فمقولة "إماتة الهجمات" خلال آواخر السبعينيات، وتهم الظهير البربري الذي ألصق بالمناضلين إضافة لمقولة "اولاد فرنسا" بالإضافة إلى تهمة النزعة العرقية المهددة للوحدة الوطنية، كل هذه الأقوال مجمعة من حيث الجوهر على موقف إيديولوجي، لايرى المغرب إلا وهو كجزء من الأمة العربية، في هذه المواجهة كان على المدافعين عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين تأكيد براءة المغاربة كبعد أساسي للهوية الوطنية المغربية وبالتالي هم براء من / بعيدون على الوضع الأقلياتي، وكان عليهم ثالثة تثبيت أن ثقافة الشعب المغربي لاتموت بالإيديولوجيا التذويبية، ولاتحيي بالمقابل بقرار بتعدديتها حية في وجدان المواطن وفي مجال حياته، بل، المتأمل في تضاريس المغرب يكتشف أنها تتكلم بالأمازيغية، إذن، خلال هذه المرحلة (60 – 70 – 80 من القرن الماضي) كانت هناك عدة مراكز وأقلام باحثة في الخارج تدرس وتوجه وتنتج كل مايتعلق باللغة الأمازيغية. والانتباه للالتباس والغموض، بل، والضرر الذي تخلقه هكذا وضعية بالنسبة للنضال الأمازيغي، كان المطلوب رفع وتيرة الفعل الجمعوي والاجتهاد الفكري وكذا إقامة جسور التواصل والحوار مع المكونات السياسية المستعدة لذلك، كانت الوسيلة الوحيدة لما يمكن تسميته بمغربة النضال الأمازيغي (جريدة أنوال الثقافية شاهدة على هذا المنحى الإيجابي من حيث العلاقة والتواصل) واعتبارا لجملة تحولات وطنية وجهوية وكونية، استطاعت التجربة الوصول إلى مايشبه الإجماع الوطني حاليا على طبيعة الهوية الوطنية المغربية الأمازيغية العربية والإسلام اللاحم، مع إقرار الجميع بمبدأ تدريس الأمازيغية وبالتالي أصبحت الأمازيغية هوية وثقافة وكفة مندغمة في تصور الإصلاح الديمقراطي.
5 – من أجل انتماء هوياتي متجدد للحزب الاشتراكي الموحد
إحدى النقلات الفكرية الكبرى التي أفرزتها التجربة الاندماجية هي : تخليص الحزب من مقولة "الهوية الحزبية" والتي كانت زمن العنفوان تعني الانتماء إلى الأممية البروليتارية، والتي شكلت زمن صعودها التجاوز الإيديولوجي لمقولة "الوطن" باعتبارها مؤسسة على أن وحدة الطبقة العاملة وحدة كونية مخترقة للحدود والأوطان في مواجهة الرأسمالية الإمبريالية، وبالتالي كان الحرص الشديد على تحديد الهوية الكفاحية للأحزاب والحركات الثورية بالانتماء إلى الاشتراكية بمختلف تأويلاتها (قراءاتها) واعتبرت الهوية شأنا تاليا إن لم يكن ثانويا أمام الهوية الإيديولوجية، وهذه إحدى الأسباب التي دفعت / جعلت القوى اليسارية المغربية تهمش التأمل في مضمون الهوية الوطنية المغربية، وبالتالي معارضة أي طرح للأمازيغية، وبخروج مكونات اليسار المؤسسة لليسار الاشتراكي الموحد سابقا في شرنقة التشتت والتشرذم، وبجلوسها أمام مقولات النسبية، طرحت قضية الهوية الوطنية المغربية، أي أن الهوية للوطن أما الخط الإيديولوجي والطرح السياسي فمجاله مرجعي فكانت ثنائية الهوية الوطنية والمرجعية الحزبية.
والنقلة الثانية والتي هي بمثابة تطور حاسم يطال فكر الحزب الاشتراكي الموحد بطبيعة الهوية الوطنية المغربية، والتي تم التنصيص عليها وشكل واضح أيضا باعتبارها أمازيغية عربية إسلامية (الإضافات الأخرى تفصيلات). وبذلك أقام الحزب قطيعة باينة مع مضمون الحركة الوطنية باعتباره مضمونا إقصائيا للأمازيغية.
أما النقلة الثالثة لمتعلقة بمطالبة الحزب بترسيم اللغة الأمازيغية من حيث الدسترة كلغة لجميع المغاربة (وثيقة الاندماج) وهو المطلب الذي تكرر في كل الأدبيات الحزبية بتعبير دسترة الأمازيغية كلغة وطنية إلى جانب العربية ماذا يعني كل ذلك ؟
6 – أفق الانتماء الهوياتي الحزبي
كل الفقرات السابقة، سواء تعلق الأمر بخاصية المرحلة وطنيا والمتسم بما سمي هنا بالانفتاح السياسي الذي يتطلب نضالا ديمقراطيا تأسيسيا، وسواء تعلق الأمر بفقرة الأمازيغية من الشتات إلى المغربة والتي أفادت أهمية الثورة الثقافية التي عرفها المغرب على مستوى النضال الأمازيغي وكيف تم استرجاع ملف القضية وجعله شأنا وطنيا داخليا، سواء تعلق الأمر بالفقرة المتعلقة بالتحول الذي عرفه الحزب في قراءته لطبيعة الهوية المغربية في كل ذلك خيط نظري / سياسي واحد ناظم لمنطق الطرح، إنه خيط دمقرطة المجتمع كهدف استراتيجي (أترك جانبا نقاشا حول الحزب الاشتراكي الموحد لأن المسألة لاتتعلق باختيارات الفعل بل تتعلق بشكل الوطن الذي نطبق في إطاره اختياراتنا) مدخله الراهن إصلاح دستوري، وسيله الأخير النضال الديمقراطي. إن هذه الوصلة تفرض رؤية مغايرة وجريئة لموضوع شكل الوطن الذي تناضل من أجل تشييده، وموقع الأمازيغية (لغة وثقافة وهوية) أساسية فيه، ولأن الحزب قد طرح وثيقة مرجعية للإصلاح الدستوري، فإن الرؤية المستقبلية هنا أساسية، ومنطلق هذه الرؤية ثلاثة أمور هي : الوضعية الوطنية، الوضعية الكونية، وطبيعة التنظيم المفكر من خلاله.
من المجمع عليه أن المغرب أمازيغي من حيث الأصل ومركب الهوية من حيث الامتداد، فالهوية والتاريخ توأمان متلازمان يساهم الثاني في صياغة الأولى، ولأن الحقوق الهوياتية الأمازيغية حقوق ثابتة، لأن تأجيلها مشكلة الشعب الذي يطرحها ويطالب بها، فإن استمرار الإشكال بدون حل ديمقراطي يعني انتقال المغرب من وضعية التعايش إلى وضعية أخرى محتملة لأن الأمور حين تتحول إلى تناقضات فإن المتحكم الأبدي في إدارتها غير ممكن، والتجربة وهذه هي الوضعية الكونية، تؤكد أن الكثير من الأوطان تقع ضحية أزماتها غير المحلولة داخليا فتحل خارجيا، ولنا في العراق ولبنان أمثلة غير قابلة للدحض، فقد استغلت الإمبريالية التناقض الطائفي في العراق لتدك مسمار الفتنة والتقسيم ومآسيه الحالية نتيجة لذلك، أما لبنان فمعركته الحقيقية هي تدويل وضعيته أم لبنتها، ولأننا بعيدون حاليا عن الوضعيتين فإن الحل الديمقراطي هو سبيلنا لتصليب وحدتنا الوطنية أرضا وثقافة وهوية.
إن آلاف الأطفال المغاربة الذين يدرسون الأمازيغية وبحرفها الأصلي "تيفيناغ" هم رجال الغد وجماهير الشباب المؤطر داخل الجمعيات اتون التغيير الديمقراطي، فالمسألة إذن مستقبلية وليست راهنة فقط، ولمثل هذه الحالات الشعبية في كل مكان وزمان حل واحد هو : نسقية الفكر ووضوح الممارسة، فوضوح الهوية المغربية من حيث الطبيعة تستدعي :
- إصلاح دستوري ينص صراحة على طبيعة الهوية الوطنية المغربية، يؤكد انتماءه للمغرب الكبير وبالانتماء إلى الأمة الإسلامية عوض الأمة العربية وبسمو منظمة المؤتمر الإسلامي على جامعة الدول المغربية في علاقاتنا الخارجية مع التأكيد على التضامن الاستراتيجي مع شعوب المنطقة.
- دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية وطنية إلى جانب العربية، لأنها ببساطة من حيث الطبيعة التي لمفهوم الوطنية باعتبارها اللغة الأم وليست وافدة.
- المطالبة بإعادة النظر في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من حيث الهيكلة والوظيفة حتى يتمكن من أداء المهام التي من المفروض أن يؤديها.
- المطالبة بإنشاء قناة تلفزية أمازيغية وتربوية حتى يساهم الإعلام المرئي في التوجيه التربوي والثقافي.
- إعادة أسماء الأعلام والأماكن إلى صيغتها الأمازيغية الأصلية والتراجع عن التعريب المشوه له
#الحزب_الاشتراكي_الموحد_-_المغرب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استعدادا للمؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد / وجهة نظر: ا
...
-
بلاغ سكرتارية المجلس الوطني الحزب الاشتراكي الموحد
-
رسالة إلى الرفاق في الحزب الإشتراكي الموحد ( بمناسبة التحضير
...
-
رسالة مضاءة بشمعة أمل إلى بنات وأبناء مغربنا الحبيب .الرفيق
...
-
بيان الفرع المحلي للحزب الاشتراكي الموحد بأوطاط الحاج .
-
مساهمة في التحضيرللمؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد : مؤت
...
-
في أفق المؤتمر الثالث : من أجل مغرب الديمقراطية والحرية والع
...
-
فرع سيدي بيبي للحزب الاشتراكي الموحد يدين الفساد و الفوضى و
...
-
بيان الفرع المحلي للحزب الاشتراكي الموحد يفضح التدبير الجماع
...
-
النظام الأساسي للحزب الاشتراكي الموحد
-
الحزب الاشتراكي الموحد يدين الأحكام الجائرة في حق المعتقلين
...
-
احتفال حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية فرع القنيطرة بفعالي
...
-
في أفق انعقاد المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد : الأزمة
...
-
في أفق انعقاد المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد :مساهمة
...
-
في أفق انعقاد المؤتمر الثالت للحزب الاشتراكي الموحد :مساهمة
...
-
في أفق انعقاد المؤتمر الثالت للحزب الاشتراكي الموحد : عناصر
...
-
الجهوية في المغرب من منظور الحزب الاشتراكي الموحد : الورقة ا
...
-
وثيقة مرجعية للحزب الاشتراكي الموحد حول الإصلاحات الدستورية
-
الأساتذة الجامعيين الديمقراطيين يشخصون الواقع المأساوي للنقا
...
-
حول العمل الشرعي - وثيقة ل-منظمة 23 مارس - الماركسية اللينين
...
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|