|
تحليل المنظومة الثقافية العراقية وسبب عجزها!
كريم الشريفي
الحوار المتمدن-العدد: 3115 - 2010 / 9 / 4 - 02:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
علينا ان نُعّرف الثقافة بدأء حتى نستطيع الوقوف بشكل علمي على خصائصها ، وأشكالها، وروافدها، ومنابعها . حقيقة لم أجد تعريف واحد ونهائي الى مفهوم الثقافة في الموسوعات الفكرية والفلسفية لان هناك آراء عديدة ومختلفة ومتباينة ايضاً طبقاً للمدرسة الفلسفية أو الفكرية التي تقوم بتعريف الثقافة .. إلا أني وجدت تعريف قد يكون الأبرز كونه شامل لكل مكونات الثقافة. (فالثقافة هي محصلة جميع النشاطات المادية ،الأقتصادية ،الحسيّة، الذهنية ،الفكرية ،الجمالية ،الأدبية والروحية للمجتمع .. يعني هي الأرث الأجتماعي بمجمله لأي شعب من الشعوب. يحتاج هذا الأرث الى مؤسسات لتأطير تلك النشاطات للأستمرار من جيل الى جيل ) .فالثقافة من خلال تراكم هذه البُنى يُراد منها سُبل للتعبير عن حاجة للرقي و النهوض بهذا الأرث للأفضل.لذا نسأل أنفسنا نحن هل هذه النشاطات التي ورثناها كبناء ثقافي عريض استطعنا ان نبلغ به ناحية التطور - والمعرفة- كونها جوهر الثقافة.. أم ان هناك عوامل أدت الى كبح وعرقلة هذا النهوض؟ حقيقة المشهد العراقي الثقافي لدينا مشهد يراوح بل يتهاوى على أغلب الأصعدة وفي اكثرها حيوية - المعرفة والفكر- بات متدهوراً، وهذا التدهور ناتج عن الأفرازات الضارة والسلبية التي وجدت طريقها الى الفرد الذي هو أهم عامل لتراكم المعرفة وتحديثها لصنع ثقافة ايجابية تساهم في تطوير الفرد والمجتمع .. نقولها بقليل من الجلد ان انسان نا غير معافى معرفياً لانه في دوامة من الثنائيات المتناقضة، والأختلاف فيها ضارب اطنابه مثل ، الدين والجنس ، العلمانية والأصولية ، الهوية والأنفتاح، الديمقراطية والقومية، الفن والحياة الخ.. لدينا مايشبه التوافق والأجماع أحياناً على مفاهيم هي في صلب المعرفة والفكر بينما عند الآخرين هي محل دراسة وتباين وأختلاف .هذه الثنائيات إذا تناولها المفكر والممتهن بالثقافة والمعرفة بشكل علمي سنجد آفاقاُ جديدة وأبواباً من التحليل المعرفي الذي يضيف الى المشهد طرق تفكير جديدة تتم من خلال الحوار والنقاش والتحليل.،لكن عندنا العقل النخبوي منفصل عن الواقع ويخشى الدراسات الأجتماعية التي تؤسس الى صرح معرفي اولي متحججاً بالكوابح الكثيرة التي تعرقل عملية الأنطلاق .. بلا شك هناك كوابح وموانع كثيرة منها موضوعية حيث نسبة الأمية ، أحادية نظم التعليم ، ضعف مهارات التواصل، ضعف المشاركة، افتقار الباحثين والمفكرين، قصور بالتفكير التحليلي والنقدي لتناول القضايا ، حرية التعبير .هذه كلها كوابح لكن الآن لدينا أفضل الفرص لاسيما وأن العولمة فتحت لنا أبواب لايمكن لأحد غلقها بالكامل. نحن نمّر بأزمة ثقافية بجوهرها الهام المعرفة والفكر بل البعض يسميها كارثة، رغم الرتوش والتزويق والبهرجة التي تقوم بها بعض المؤسسات السياسية الدينية لسقط الواجب كونها واجهات سياسية اصبحت حتى توحي بأن المشهد الثقافي في صحة وعافية وهي قتيم المهرجانات والندوات والمؤتمرات الثقافية لتأصيل الهوية العراقية والمصالحة بين ابناء المجتمع للعيش متحابين هذه في مجملها نشاطات الحكومات في العراق . حقيقة هذه الأدعاء لايصمد امام تمزق الهوية الحاصل والتردي في منظومة القيم وهي الأكثر أهمية من أي قيمة آخرى وشواهدنا السلبية كثيرة للأسف وأهمها الخلل الحاصل بالوطنية العراقية ، والنكوص بالأخلاق ، وانعدام العدالة الأجتماعية . لهذا نطالب النخب التنويرية بالمجتمع العراقي أن تُكثر الدراسات التي تكرس القيم الحقيقة للوطنية ، وتبشر بحرية المواطن الصحيحة وتؤكد على القيم العصرية كون هذا النشاط في صميم العمل الذهني والمعرفي . بمعنى آخر ان هدف الثقافة الأشمل هو الوصول للقضايا الأكبر للأنسان منها العدالة ، والحقوق، والحرية . ظنّي ، بل اعتقادي الذي يشاركني الكثير به من المهتمين بهذا الشأن هو ان التدهور الحاصل في المشهد الثقافي العراقي ناتج عن ان منظومتنا الفكرية لازالت آحادية الجانب لرؤية الحياة ، والفرد ،والمجتمع .. وهذا الجانب الآحادي يتلخص بالرؤى الشاملة لأختصار الثقافة كمنظومة بفرع من رافد واحد من المعرفة وهو الفلسفة.وهذه المنظومة الفكرية هي رجال الدين الذين يفسرون حياة الناس فلسفياً في مفاهيم انتهى زمنها منها حقيقة الله وقدرته، والخلاص ، والقيامة ،والقضاء والقدر ..لهذا اصبح فكر الأنسان العراقي مكبل بل مشوه لانه يرى حياته ليس فيها فسحة أكثر من حدود تلك المفاهين ، بهذه الطريقة من مصادرة فعاليات الأنسان سيتحول مثلما هو حاصل عند الكثير أعفاء للعقل من التحليل والنقد في ظواهر الحياة التي يعيشها المرء . بينما الثقافة عند الآخرين تخطت المسلمات الثابتة وتحررت من حشر الأنسان ورغباته في مفاهيم ذهنية تقليدية .فذهبت بعيداً.. الثقافة عند الشعرب المتحررة من تكبيل الذهن هي تنوير وحرية مما جعلها تنوع وعي الفرد بشكل حيوي لتنقله من العيش الى فن العيش . يقول الفيلسوف جاك دريدار( كان هدف الفيلسوف والمثقف والمشتغل بالفكر والمعرفة هو ايجاد الحقيقة النهائية التي أكد عليها الفلاسفة الأغريق منهم الأبيقوريون ، والرواقيون ، والصوفيون فيما بعد - الأغريق عندهم صوفيون – بينما في الشرق يتعلم الفلاسفة التمارين الروحية للوصول للسعادة وأعتقد كان يقصد الصين والهند). بالحقيقة أن مثل هذه المدارس لم تصلح في عصرنا هذا كون الهوية المعرفية تغير منهجها وطرق تعلمها وتدريسها ، بدليل أن الميتافيزقيا واللأهوت ، والخلق الغائي ، والقيامة لم تعد مرحب بدراستها في الغرب لا فلسفياً ولا منهجياً. كونها أصبحت عديمة الفائدة ، بل تؤذي الفكر لانها انتهت أو في طريقها . الأقبال على العلوم التجريبية مثلاً في دولة فنلندا 50 الى 1 للعلوم الفلسفية. - يعلق اسيفن دنبرغ- الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء بقوله ( الطبيب يعالج المرضى ، والميكانيكي يصلح عطلات السيارة ، والخباز يعجن الخبز ، لكن لأي شيئ يصلح الفيلسوف)؟ عندما نتحرر من المفاهيم الجاهزة للمؤسسة الدينية التي نصّبت نفسها وصياً على حياة الفرد بكل شيئ ..تختار له طريقة العيش ، وطريقة التفكير وتفسر له كل القضايا المتداخلة في الحياة اليومية على اعتبار ان هؤلاء وحدهم الذين يحتكرون المعرفة ولهم الحق في تقرير ماهو صالح منها ، ونبذ ماهو ضار للفرد .وهذه القناعة شبه راسخة عند الناس في القصبات والأرياف والأقضية وحتى بعض المحافظات. بأن رجل الدين يملك الحقيقة وحده مرة كونه سليل نبي، وآخرى حفيد وصي ، وثالثة منسوخ من ولي ..أن أجمل ماقرأت للكاتب – برتراند بادي – مقارنته التأريخية حول فصل المجتمعات المسيحية والأسلامية حيث يقول : (( أن الحداثة في اوربا نهضت عبر التحرر من النظام السياسي الأمبراطوري، بينما تحدد النظام السياسي الأسلامي عن طريق انشاء الصرح الأمبراطوري، مما جعل ابراز الفردية في العلاقات الأجتماعية أكثر صعوبة)). والحقيقة هذا التصور تحدد في اوربا عندما تحرر السياسي من الكنيسة ، وصاغ ذلك البابا غريغوري السابع قوله – ان المصدر الدنيوي تابع للسلطة، مقابل الأصل اللإهي لسلطة البابا – وكرس توما الأكويني هذا بشكل واضح لايقبل اللبس عندما فصل السياسي عن الديني . لكن في ثقافتنا هناك صورة واحدة للسياسي والديني متمثلاً بشخص الخليفة الذي يمارس السلطة السياسية .. بطش، ظلم، قهر، عزو والدينية التي تضفي الشرعية له. ويؤكد الماوردي ( أن الخليفة ممثلاً عن النبي) .. اذا لم نتحرر من الديني سنبقى رهائن عند رجال الدين وهؤلاء ضد الثقافة ويريدون طمسها لان الثقافة وعي وانتصار . كريم الشريفي
#كريم_الشريفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
واقع منظمات المجتمع المدني في العراق..
-
الفقراء أحق من المدراء يارئيس الوزراء!
-
إبداع الأمم يُقاس بعدد منتّجي المعرفة لديها!
-
المومياء عدنان ال(ﭘﺎرﮀﻪ ﭽ
...
-
الشعب العراقي يطالب المالكي بتعويضات عن إصراره على الترشيح!
-
التيار الصدري سيُفشل ترشيح المالكي لرئاسة الحكومة المقبلة!
-
تظاهرة الكهرباء ..دروس وعبر !
-
حلبّجة... وشماً غائراً في ضمائرنا..
-
الفضائح المسكوت عنها..!
-
الإنتخابات الماراثونية للبرلمان العراقي 2/2
-
إقبال الناخبين يدعو للأعجاب الشديد..!
-
الإنتخابات الماراثونية للبرلمان العراقي 1/2
-
(المكتوب مقروء من عنوانه ) إتحاد الشعب نموذجاً!
-
الأنتخابات الفضائحية
-
أيهما سينتحر أولاً .. الهاشمي أم المالكي؟
-
لا...لكاتم الصوت !
-
الخَيلُ أَعلمُ بِفُرسانِها!
-
تأجيل الإنتخابات المقبلة سيخلق فراغا دستوريا في العراق 2/2!
-
تأجيل الإنتخابات المقبلة سيخلق فراغا دستوريا في العراق 1/2!
-
من مخلفات الثقافة العرجاء..
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|