|
هل للخيال صورة في المرآة ؟
نضال فاضل كاني
الحوار المتمدن-العدد: 3112 - 2010 / 9 / 1 - 08:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اقتباس : « الخيال أكثر أهمية من كل الحقائق في العالم » . البرت اينشتاين من المعروف أن قمة الجبل الجليدي التي تظهر فوق سطح البحر لا تمثل إلا خمس الجبل الحقيقي القابع تحت سطح الماء .. وإذا جاز لي التشبيه فإنني أقول : أن العقل بكل ما يتسم به من منطق ونظام وعقلانية وتوازن وصفاء ليس إلا قمة لجبل الخيال القابع في باطن الإنسان . الخيال جبل عظيم يقبع تحت السطح ، حيث الباطن ، وفيه كل شيء ومضاده ، فيه المعقول واللامعقول ، وفيه المقبول واللامقبول ، فيه الحقيقة والأوهام ، وفيه العلوم والأساطير ، فيه العبقرية وفيه الجنون .. أكاد أقول أن الخيال حطم أسطورة المستحيل ، إذ لا مستحيل في الخيال . من هنا قال بعضهم وما أخطر ما قال : ليس العقل مركز الفكر وإنما الخيال . ترى ما مدى مصداقية ذلك ؟ الشائع أن الخيال مجرد حكايات وهمية جميلة ليس لها في الواقع أدنى نصيب ، وفي الأغلب تتعلق تلك الحكايات بالعوالم الأخرى بكل ما فيها من غرائب وعجائب لا تمت لعالمنا المحسوس بصلة ، كتلك التي نسمع عنها في حكايات ( ألف ليلة وليلة ) أو ( كليلة ودمنة ) .. قبل حوالي 130 عاماً ، كان ( دي ساوتولا ) الهاوي لاقتفاء الآثار والتنقيب عنها ، يدخل إلى كهف مخفي موحش في ( التاميرا ) جنوب إسبانيا مع ابنته الصغيرة مدفوعاً بفضوله ورغبته في الاكتشاف. فوجيء بابنته ماريا تصرخ: ( بابا : انظر هناك لوحات من الثيران ) ، بعد أعوام قليلة مات دي ساوتولا في حزن وكمد لاتهامه بتزوير اللوحات المرسومة والمنحوتة على جدران الكهف والتي سُميت فيما بعد ( ثيران التاميرا ) ، ولكنه حُظي بعد موته بتكريم كبير ، حين تأكد أن عمر اللوحات المنحوتة يعود إلى خمسة عشر ألف عام للوراء ... يبدو الخيال وكأنه وجد مع الإنسان منذ خلقه ونشأته ومنذ أن تشكّل وعيه بذاته وبما حوله . أنا كنت واحد ممن إذا ما سمع بكلمة خيال ، يتبادر إلى ذهني أفلام الخيال العلمي ، وأفلام كارتون خاصة تلك التي تتعلق العوالم والمجرات مثل كارتون فارس الفضاء والغواصة الزرقاء وما إلى ذلك . بينما من وجهة نظر عالم الجيوكيمياويات الروسي ( الكسندر فيرسمان ) أن الخيال هو الشرط الأول الذي ينبغي أن يتمتع به العالم وإلا لم يكن علمه مثمرا ، فيقول : « ينبغي وقبل كل شيء أن يمتلك العالم خيالاً خصباً ، لأن الخيال يلعب دوره في العلوم كما يلعب دوره الحاسم في الفنون ». ما يشير إليه ( فيرسمان ) دقيق جدا ، إذ أنه يلمح إلى أن المنطق لوحده غير كاف في العملية العلمية كما أن الإحساس غير كاف لوحده في الفن ، والقاسم المشترك بينهما الخيال . وهذا الرأي يؤيده مؤسس البيولوجيا الجزئية الهنغاري ( البرت سانت ديوردي ) حين يقول : « نادراً ما توجه البحوث وفقاً للمنطق ، فهي في أغلب الأحيان تجد نفسها مسيرة بفعل التلميحات والافتراضات والحدس ...إن النسيج الرئيسي للبحوث هو الخيال الذي تتشابك فيه خيوط التحليل والقياس والحساب ». لا شك أن الأمر قد التبس على من يتنكرون لطاقات الخيال الخلاقة ، ذلك أنهم رأوا أنه جامع لكل شيء فظنوا أنه مستودع الهوس ، غافلين عن أن كل شيء في الحياة أشبه ما يكون بالسلاح ذو الحدين ، يمكن أن ينفع بقدر ما يمكن أن يضر ، وأن معيار التقييم في طريقة الاستخدام أو التوظيف ، خذ على سبيل المثال عود الثقاب يمكن أن توقد به النار لغرض التدفئة أو الطبخ أو المنافع الأخرى ، كما يمكن أن يستعمل لعمل الحرائق المدمرة .. أذكر اني سمعت ذات مرة في الأخبار أن شخصا تعرض للتسمم بسبب شربه لكميه كبيرة من المياه في مسابقة أجرتها إحدى القنوات الأمريكية المحلية .. تعجبت حينها كيف يمكن أن يتحول الماء وهو الذي جعل منه كل شي حي الى مادة سامة ، وظهر ان ذلك ممكن عند اساءة الاستعمال . وهذه سنة الحياة ونواميسها عموما . كذلك الخيال هو في حقيقة الأمر طاقة هائلة في الإنسان ، يمكنه أن يهملها أو يزدريها وعندها لن يشعر بفائدتها وربما لن يشعر بها أصلا ، ولكن ومن جهة أخرى يمكنه أن يستثمرها وأن يستفيد منها إلى أقصى حدودها ، واللطيف أنها إمكانية لا حدود لها البتة .. يقول العالم الروسي (نيكولاي بيروغوف ) : « إن كل ما هو عظيم ورائع في حياتنا وفي حقول العلوم قد تكون بفعل الفكر ومساعدة الخيال ويمكن التأكيد بكل شجاعة أن كوبرنيكوس ونيوتن لم يتمكنا من الوصول إلى مواقعهم العلمية التي يحتلونها اليوم إلا بواسطة الخيال ». ولعل من أقوى ما قرأته عن أهمية الخيال ، التصريح الذي ذكره اينشتاين حين قال : « الخيال أكثر أهمية من كل الحقائق في العالم » ، هذا العبقري يعلم تماما أهمية الخيال ، لأنه يدرك كيف استفاد من هذه القوة الخلاقة في أبحاثه ونظرياته التي هزت عرش العلم حتى يومنا هذا ، ويبدو أن سقراط ، قد توصل لهذه الحقيقة قبل اينشتاين بقرون عديدة حين قال : « إن المعرفة ليست العلامة الحقيقية للذكاء وإنما الخيال » . في التصوف انبرى الشيخ ابن عربي ليؤكد أن الحقائق الشهودية تثبت بأن الخيال هو الحضرة الحقيقية التي خلق منها كل ما موجود في الوجود ، ومنها تتنزل جميع المعارف والعلوم على جميع الكائنات . وفي علم الاجتماع شحذ الدكتور علي الوردي إمكاناته ليؤلف كتابه ( خوارق اللاشعور ) ليثبت فيه أن العقل الباطن أو اللاواعي هو المادة الخام لجميع المدارك والفهوم التي يستوعبها الإنسان ، وأن لهذه الخلفية الباطنية تأثيرات عظيمة على تفكير وسلوك الإنسان - والمجتمعات - شعر بذلك أم لم يشعر وشاء ذلك أم أبى ، وما يسمى باللاوعي هو مستودع الخيال ذاته . إن إدراك ما لهذه القوة الباطنة المتمركزة في الذات الإنسانية من طاقات خلاقة ، يختص به رجال قليلون في كل علم وفن ، وهؤلاء بنظري هم ثلة تفكيرهم تسامى عن التفكير التقليدي ، وأدركوا أن التفكير المنطقي هو جزء ضئيل من عالم التفكير اللامنطقي الذي ينطوي في ذاته على كل شيء . باعتقادي أن هؤلاء لا يستغربون أن يكون للخيال صورة في المرآة .
#نضال_فاضل_كاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فوبيا المستقبل .. والمنفذ الروحي للضوء في آخر النفق
-
وفجأة ظهر الشبح وكأنه القمر
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|