أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاضل فضة - كندا وطن الإنسان















المزيد.....

كندا وطن الإنسان


فاضل فضة

الحوار المتمدن-العدد: 942 - 2004 / 8 / 31 - 11:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كيف يمكن أن ينظر الإنسان إلى واقعه في الإغترب، وكيف يمكن له أن يقيّمه؟
كيف يمكن له أن يكون واقعيا بعيدا عن الشعارات والخطابات والضبابية، الخانقة بسلوك وحكايات لا تتوافق مع عيش يومي أ و اقع عملي؟
قد تحمل الهجرة تحمل في خضم تجربتها فضاءات غير منظورة بديهياً. كونها قرار كبير في البعد الإنساني عن شبكة عائلية أولاً، وعن مدينة أو قرية ثانياً، وعن وطن متجذّر بزمن يمتد إلى الاف السنين.

الهجرة قد تكون فصلاً جديداً من حياة الإنسان، في ركوب قارب قلق وسط أمواج غريبة، أو عبور محيط فوق غيوم متراقصة على وسادة زرقاء اسمها السماء. إنها فصل مستحدث من الحياة في بيئة مغايرة، ونسيج مخالف مصنوع بخيوط اللغة والطقس والإنسان ونظامه، إنها رحلة المسافات الفاصلة لكل ارتباط مكاني قديم اوتاريخي. الهجرة تجربة في الدهشة والمفاجأة. وفي حلم حبات الندى في عالم جديد لم نخزّن في مشاعرنا منه، إلا الأمل والخوف المشوب بحلم باطني في حياة أفضل واجمل.

نعم إنها هجرتنا، نحن المعذبون جغرافياً، إلى كندا عالمنا ووطننا الجديد. هذا العالم الذي نادرا ما نتحدث عنه أو نقيّمه. هذا العالم الذي لا يتساءل أحد عن مزاياه إلا بمفهوم الاستمرارية العفوية احياناً. كون العدد الكبير من أبناء جاليتنا لا يزالون يتحدثون ويحلمون ويأملون في أوطانهم الأصلية الوطن السوري الجميل خيالاً وأملاً وحلماً صعب المنال.

ويبقى الحديث والحلم والأمل ضبابا، وفصلا مكررا يغادر ثم يعود بدون أن تحدث المعجزة والتفكير حتى في مشروع العودة العكسية. ويفرض الواقع الكندي البقاء واستمرار العيش، ويفرض الواقع السوري وترسباته السياسية والإقتصادية وعدم حدوث إلى متغيرات نوعية بهم استمرار هذه المعادلة. وينحسر الحديث يوما بعد يوم عن الوطن الأصل، ويشتدّ أياماً في حوارات جانبية، لكن الغلبة دائماً للإنحسار. فالزمن لايتوقف والسنون تمّر، واحدة بعد أخرى+، لتبقى الذكريات، وتستمر الحياة. ويصبح الواقع الماضي تاريخ هجرة، وإن كان الزمن قصيرا، لكنه تاريخنا الصغير في حجمه وواقعه أبدا. إنه تاريخنا المعاصر، وحكاياتنا المغطسة بالحزن والدموع، بالعرق المكدّر مرات، أو بلحظات السعادة المبتورة قلقاً مع الماضي مرات أخرى. إنه تاريخ على قدّنا، نتنّدر بالحديث به عن اللقاء مع الثلج الكثيف، أ والجليد الذي يجمّد كل شئ، أو حصار شهور الشتاء القاسي، في بيوت من القرميد والخشب، في بيوت تبنى دفئاً إنسانياً من نوع مغاير.

استقبلتنا كندا كما استقبلت الآخرين، وفتحت صدرها وقلبها، فتحت الفرص والأبواب لكل من كان قادر على العيش والتأقلم مع البيئة الجديدة. علمتنا ان الحرية ممارسة، في ظلِّ سيادة القانون والدستور. علمتنا أننا متساوون أمام هذا القانون وهذه الدستور، إن حصلنا على الجنسية منذ البارحة أو كان اجدادنا من المؤسسين لها كدولة.

علمتنا كندا انها الدولة الأجمل والأرقى عالمياً بإنسانيتها، وانها الدول الأفضل لمن يحلم بالعيش بأمن وسلام واستقرار إنساني واجتماعي نادر في عصرنا الحاضر. لم يكن مهمّا أن يكون لون القادم أسود أو أبيض أو أصفر أو أحمر. ولم يكن مهما أن نؤمن بالله أو لانؤمن به، لم يكن مهمّا الدين أوالمذهب، ولم يكن مهمّاً أن يكون القادم قومياً عربياً أو قومياً سورياً أو لبنانباً أو هندياً أو باكستانياً، لم يكن للإنسان في القانون والدستور الكندي في كيانه البشري الأبسط أن أن يتميز عن الإنسان الآخر حتى لو كان معاقاً أو مصاباً بعلّة دائمة. فالقانون الكندي أرقى من كل هذه التفاصيل. إنه القانون الذي لا يميّز، والدستور الذي ينحني تحت شرعة حقوق الإنسان عملياً لانظرياً أو تأطيرياً حسب مصالح أكثرية أو أقلية.

هذه هي البيئة الطبيعة للحياة في الوطن الكندي الجديد. حياة قد تكون قاسية في ظروفها المناخية. إذ أن البعض لم يجرّب أو يتعايش مع درجة 50 أو اكثر تحت الصفر. ولم يشاهد أو يتفاعل مع العواصف الكبيرة وماتحمّله من رعد وصواعق مدّمرة أو حارقة مرات. إنها ظروف مناخية متطرّفة في مزاجها وقاسية لمن لم يجرّبها.

لكنها بيئة ومناخ وارض طوّعوا عبر العمل الجاد للإنسان الكندي القديم والجديد. إنها بيئة السعادة والأمل والعطاء للإنسان الذي استوعب وعرف وفهم إن الحياة بكل قيمها الإيجابية، تختصر بالتعايش المشترك والمسالم عبر المساواة في الفرص والأداء والعمل الجدّي.

هذه هي كندا التي صدمت الذين لم يستوعبوا معنى حقوق الإنسان، وقيمه الكبيرة في كيان الدولة كلها. لذا لابد من حدوث بعض الصدمات للبعض المغترب الذي تمّرس على نمط حياتي مختلف، نمط حياة مبني على الفصل والتمييز والمواطنة أو المويطنة، ودرجات من الأهمية المرتبطة بسلّم من العشائرية أو المذهبية أو القبائلية المترسخة، وما يتبع من إمتيازات خاصة أو متخصصة.

كما أنها صدمت عديداً من القادمين الذين لايعرفون معنى النظام أو الحرية، أو حتى معنى المساواة عملياً. لذا بدلاً من جهود ومحاولات التطوّر والترقي في فهم وممارسة هذه القيم وهذه البيئة الإنسانية الجديدة، يحاول البعض التذاكي على هذا البناء الراسخ بإرتجال وإدعاء المعرفة بدون تملكها أو استيعابها، فقط بهدف الدفاع عن منطق غائب عن زمنه أو منظومة فكرية لاتمت لحاضرها بإي شئ.

كم أتمنى أن يعلم لمن فاته ذلك من المهاجرين العرب وغيرهم، أن هذا الدستور والقانون وسيادتهم الحديدية على الجميع بدون إستثناء، والمؤسسات الكندية وتوابعها ومناخ الحرية العملي والمساواة لم يأتوا بضربة حظ، أو من خلال إختراع إنساني فكري آني أو لحظي الزمن، أو أنهم ولدوا بخصوصية المصالح أو خصوصية الدين أو الثقافة. إذ لم يكن القانون والدستور والمناخ الأنساني الكندي إلا وليد تجربة حضارية طويلة الأمد، بنيت حجراً فوق حجر، بنيت بالدم والدموع، بنيت بالمعاناة الفردية والجماعية عبر الحرب والحوار. إنها حرية ومناخ دفع ثمنهم كثيراً وكبيراً ليس لكندا فقط، بل لكل الدول التي أمنت بمثل هذه القيم ومارستها.

نعم إن البيئة الكندية بيئة راقية وإنسانية وحضارية. وقد لاتكون الحالة المثلى لما يحلم به الإنسان في خياله الإفتراضي، لكنها وعبر كافة القيم والمعايير من أفضل دول العالم قطعاً.

صحيح أن البعض غير قادر على التأقلم بشكل كامل في هذا المحيط الجديد. ولكن الزمن الأتي كفيل بتسوبة هذه المعادلة مع الجيل الأوّل نسبياً وأكثر مع الأجيال القادمة. إذ لا بد لها مع التأقلم مع القيم الجديدة وإلا بقيت في حصار ذاتي (غيتو) غريبة عن المشاركة في حياة أفضل للجميع.

كم أتمنى أن تنتقل هذه التجربة إلى البلاد العربية كما هي بدون تغيير أو تدوير. كما هي في قانونها المدني، وفي أداء وشفافية مؤسساتها، في دستورها الإنساني الذي يفصل الدين عن الدولة، والذي يحمي الأقليات العرقية والدينية عبر قانون المواطنة بدون تمييز أو تفريق.

قد يكون بعض العرب غير قادر على فهم التأقلم مع هذه التجربة، وإن قبلها أو مارسها كونه موجود في مناخها، لكنه يبقى محمّلا بعقلية التمييز الديني والمذهبي والقومي والسياسي، إنه إنسان وإلى اليوم لم يتحرر أو غير قادر على التحرر من ترسبات الماضي وأثاره الثقيلة جداً على وجوده المعاصر بمصداقية قدّمها الوطن الجديد، وغير قادر هو على تقديمها بنفس المستوى. فما يزال بعض العرب وغير العرب يعانون من مسألة القوميات والأقليات والأديان والطوائف والمذاهب والعشائرية القميئة. إنهم بعض العرب المهاجرون في كندا أو غيرها، المنتشرون في كافة أصقاع الأرض، كثير منهم لايستطيع تجاوز عرقه ولونه ومذهبه، لايمكن له التعاون مع الآخر إلا عبر مناخه وترسباته الأقوى.

كم أتمنى من الذين جرّبوا ومازالوا يمارسون يومياتهم بأمن وسلام ممّيز، في الوطن الجديد، أن يحكّموا الضمائر ويقيموا بمعايير حقهم الحياتي وحق الأخرين، هذا السلام الإجتماعي ومعنى سيادة الدستور والقانون، معنى تكافؤ الفرص وحق العمل للجميع. كم أتمنى أن يتعلم الجميع من هذا الوطن الجديد. ويحدّثوا به كمثال يحتذى لدول عربية مازال حكامها وفئاتها وأنظمتها يغتصبون حق الإنسان المواطن في كل ممارساتهم. في بلاد عربية لاتعرف حق الإنسان في حرية الرأي وحرية المعتقد الفكري والديني والمذهبي بشكل لاعلاقة لأحد به.

عظيم هو الوفاء للذاكرة والتاريخ، وعظيم أن يتحلى الإنسان بمصداقية القيم الفردية والأجتماعية المتوارثة عن نظام إجتماعي متعاضد، لكنها لن تكون قيم مثلى مادامت تفصل بين إنسان وأخر، فالفصل يعنى الإضطهاد، والإمتياز لفرد مواطن عن أخر يعني إغتصاب حق هذا الأخر. ومنعه من التفكير بحرية وسجنه سنوات وسنوات لهذا السبب، يعتبر قهر وظلم وبدائية.

إنها كندا التجربة التي احببناها بقلوبنا وشعورنا، إنها كندا التي سمحت لنا أن ناكل ونشرب ونتحدث ونمارس كل عاداتنا وتقاليدنا ضمن حدود الدستور والقانون المطبق فوق الجميع.
إنها كندا الجميلة بثلجها الناصع جدّا، وشمسها المشرقة كخيوط الذهب، وبساتينها وغاباتها. إنه كندا بإنسانها القديم والجديد الذي تعلم معنى العيش المسالم بإنسانية تحتذى.
إنها كتدا وطن الأنسان دائماً وابداً.



#فاضل_فضة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعادة السفير الجديد
- احباط أخر الليل
- عندما تحرقنا الشموع
- المشهد السوري - أول التفكير
- المشهد السوري - المعارضة
- المشهد السوري - تحولات تاريخية عالمية وركود محلي
- المشهد السوري - المشاكل
- المشهد السوري - المقدمة
- تساؤلات سورية
- في هذا الزمن المتناثر
- حكايات واقعية من بلاد الأغتراب 2 فنزويلا
- أكبر من الحكاية
- بعض الخطاب السوري بين الإصرار والتكرار
- ماقبل الطامة الكبرى
- حكايات واقعية من بلاد الإغتراب
- بيننا وبينهم فروقات ليست طفيفة
- عندما يحاكم صدٌام حسين
- عندما يتناثر الرماد
- بين الحذاء والنعل العسكري
- ربيع الحوار السوري الذي لم يمت أنترنيتياً


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاضل فضة - كندا وطن الإنسان