كريم الهزاع
الحوار المتمدن-العدد: 3111 - 2010 / 8 / 31 - 17:09
المحور:
المجتمع المدني
لم تعد قراءة النصوص بتلك السهولة التي من الممكن للمتلقي أن يصدر أحكاماً عليها أو على كاتبها جزافاً ، وإذا استطعنا ذلك ، ليس علينا أن نتجاوز استنطاق النص إلى استنطاق الكاتب ذو التحولات الفكرية المؤمن بجدلية النص وسيرورة المعنى ، من هذا المنطلق تساءلنا ومازلنا نتساءل .. هل مسموح لأي شخص من غير المتخصصين أن يفسر النص الأدبي كما يتلقاه ؟ و من المخوّل له أن يقول أن هذا النص به تجديف أم لا ؟ وهل من حق الكاتب أو الأديب أن يقول ما يريد حتى ولو كان يغاير السائد في المجتمع ؟ ألا تمثل محاكمة الأدباء للفكر تقيداً لحرية الرأي والإبداع ؟ كيف نقرأ النص ؟ كيف نتعامل مع سياقات مفرداته ؟ كيف ندخل مخزونة القدسي ؟ ومن أي حوافز وأبعاد ؟ كيف نستكشف فيه ما هو منه وما ليس منه ؟ كيف ننظر إليه مقايسة بالتاريخ ؟ هل نجعل من النص تعالياً متسامياً على كل الحدود البشرية وحدود الزمن؟ هل يمكن أن ندخل عناصر التاريخ كمكون للنص ، أو كمظهر للنص ؟ هل بإمكاننا أن نفهم النص ، مع وجود فواصل الطبيعة بيننا وبينه ، ومع وجود فواصل " التذهن " الحاكم على كل فهم ، والذهن في واقعه قطيعة مع الخارج ؟ كل هذه الأسئلة وغيرها كثير ، باتت تشكل مفاتيح للمراجعة في العلاقة مع النص ، بما هو تأثير سار في تشكيل الأذهان والأفكار والمنظومات والجماعات . . بعض هذه الأسئلة حملتها وذهبت لكي أسئل أصحاب الاختصاص من أجل نشرها كتحقيق صحفي ، نشر قبل عامين في جريدة " الوسط " الكويتية وموقع " الحوار المتمدن " الإليكتروني ، أقول ومن بين أصحاب الاختصاص كان المفكر والكاتب والأستاذ الجامعي الراحل أحمد البغدادي ، والذي قال بأنه " وفقا لنظرية " موت المؤلف " باعتقادي أن النص الأدبي يصبح ملكا للقارئ بالمعنى المجازي , ومن ثم يمتلك القارئ حق تفسيره على أكثر من وجه ولأكثر من مرة , وفق فهمه للنص المكتوب أمامه ، و القول الفصل في قضية " التباس النص" يعود بلا شك للمتخصص في النقد الأدبي , وليس بالضرورة أن يكون هو نفسه أديبا .
ورداً على السؤال التالي ، هل من حق الكاتب أو الأديب أن يقول ما يريد حتى ولو كان يغاير السائد في المجتمع ؟ أجاب البغدادي " نعم , من حق بل من واجب الكاتب والأديب تبني التغاير مع ما هو سائد في المجتمع , ذلك أن خضوعه لما هو سائد يعني فيما يعنيه تأييد السائد وعدم نقده له , وبالتالي لن يكون هناك أي تأثير للكتابة الأدبية أو الثقافية بشكل عام . فالثقافة فعل ثوري دون عنف , وكاتب لا يواجه المجتمع وأنماطه السائدة ليس سوى ببغاء يردد ما يتبناه الآخرون . إذن لماذا الكتابة ووجع الرأس والقلب ؟
وماذا عن قضية التعرض للأديان ؟ أجاب البغدادي بأن " قضية التعرض للأديان بأسلوب نقدي يهدف إلى تصحيح الأفكار النمطية السائدة أمر مطلوب ، فيما يعرف بنقد النص الديني الذي وضع الفيلسوف أسبينوزا أسسه الفكرية . لكن في مجتمعنا العربي الذي لم يلج مرحلة الحداثة بعد في حين أن العالم المتمدن قد دخل مرحلة ما بعد الحداثة , من المستحيل لما تسببه عملية النقد من أذى غير مبرر للنفس . والعكس من ذلك ما نشاهده في العالم الغربي وتطوره في قضية نقد النص الديني . والمشكلة في العالم العربي ــ الإسلامي أنه يحق للكاتب نقد النص الديني غير الإسلامي ولو بهدف الهدم والتشويه , باعتبار أن الأديان الأخرى ليست أديانا وفقا للمفهوم الإسلامي , أو أنها أديان محرفة وبالتالي يجوز التعرض لها " .
وكيف ترى قضية محاكمة الأدباء ؟ وما هو الحل ؟ أجاب البغدادي بأن " محاكمة الأدباء دليل مرض يسكن قيم المجتمع , وبالتالي فالمجتمع أو النظام السياسي الذي يحاكم الأدباء مجتمع جاهل ونظام حكم استبدادي . وبسبب هذه المحاكمات الغبية التي تتم في عالمنا العربي لا يجد الإبداع الفكري الظاهرة, هذا العالم غير المتحضر، الحل لقضية محاكمة الأدباء على صفحات الصحف يكمن في سيادة روح التسامح وتقبل الرأي الآخر, شريطة عدم التحريض على الإيذاء. ولا يجب أن نعجب من عالم عربي تعمه الأمية العادية والأمية الثقافية شيوع هذه الظاهرة , لكنها أمر لازم لكي يتقدم المجتمع نحو الأفضل , المأساة أننا نقصد التجريح الشخصي وتشويه الآخر لكي يتم نبذه , وليس بهدف التواصل الفكري " .
و من المخوّل له أن يقول أن هذا النص به تجديف أم لا ؟ ، أجاب البغدادي, " لا شك أن رجل الدين أو المتدين بشكل عام هو من له الحق بتحديد ما إذا كان في النص تجديف أم لا , لأن النص يؤخذ بظاهر ألفاظه , لكن القضية في العالم العربي لا تتوقف عند اتهام النص بأنه تجديفي , كما يبدو من الظاهر . المشكلة عندنا فيما يترتب على التهمة من أذى قانوني واجتماعي وربما يؤدي بالكاتب إلى القتل ( المرحوم فرج فوده مثالا ) . وللعلم فأن العالم أجمع قد هجر كلمات كالتكفير والتجديف كاتهام للنص الأدبي , عدا عالمنا العربي , المترع بالفساد حتى الثمالة!! " .
وأقول ما كان لي أن أكتب هذا المقال وأستعيد إجابات المفكر الراحل البغدادي لولا ما رأيته من حنق وحقد وتصفية حسابات حتى مع الموتى جسدياً ، والأحياء فكراً وحضوراً ، أمثال فرج فودة ونصر حامد أبوزيد والبغدادي والطاهر وطار وغازي القصيبي ، ولم يتوقف الأمر عند تصفية الحسابات بل تجاوزه إلى استنطاقهم والتفكير بالنيابة عنهم وتخيل عودتهم إلى الحياة وتغيير مسار حياتهم وأنماط التفكير لديهم ، ولا أريد أن أذكر أسماء ، وكما يقول أبو فراس الحمداني " فقلت : كما شاءت و شاء لها الهوى قـتـيلـك قـالـت : أيــهــم فـهـم كـثـر" ، ويحتفظ التاريخ بصورة قاسية للحقد تبلغ أوضح صورة لها في قيام الملك "شارل الثاني" باستخراج جثة " أوليفر كرومويل " من قبره ، وشنقها لمدة أسبوع !.. بعد أن قال مقولته الشهيرة : هل مات كرومويل ؟ فلنشنقه أذن ! .. ويفعلها بعض رجال الدين الآن بعد موت فرج فودة وفؤاد زكريا ونصر حامد أبوزيد والبغدادي والطاهر وطار والقصيبي !! .. يفعلها المبشرون والمبشرون برأيي ، هم أكثر الناس شكاً وتشكيكاً بما يبشرون به سواء كانوا مؤمنين أو لا دينيين . ومن يضيع معظم وقته في دعوة الآخرين للإيمان أو اللادين هو شخص يسعى لتعزيز إيمانه أو العكس بإقناع الآخرين به . وهو أكثر الناس تعرضاً لتغيير موقفه لأن جزءاً كبيراً من قناعته مستمد من قناعات الآخرين التي يحاول تغييرها لتتوافق مع رأيه وليعزز بذلك إيمانه أو قناعاته ، وهذه حكمة تعلمتها من التحولات الكثيرة في البحث عن الذات و الفردانية ، بعيداً عن هذا القطيع الذي يقوده هذا المبشر ، ويمارس عليه وصايته ، ويقرأ بالنيابة عنه ، ويفكر بالنيابة عنه ، ويمنحه بركاته وأوهامه وأحلامه ومراهمه ومسراته المؤجلة ليأخذ منه وقته ونقوده وتفكيره لأنه شخص مستلب وبلا عقل ، إذ أن عقله تعرض للإزاحة عن جادة الطريق بسبب مشروع غسيل الأدمغة عبر الترغيب والترهيب ، إذ كيف يفكر بحرية من يشعر بالخوف ؟ من المبشر ومقولاته ومقدساته ، لدرجة أن يتحوّل إلى إرهابي أو قاتل لأحد المفكرين أمثال فرج فودة ودون وعي ، فمثلاً أثناء المحاكمة سئل قاتل فرج فودة :
- لماذا اغتلت فرج فودة ؟
- القاتل : لأنه كافر .
- ومن أي من كتبه عرفت بأنه كافر ؟
- أنا لم اقرأ كتبه ؟
- كيف ؟
- أنا لا اقرأ ولا أكتب .
- وكيف حكمت عليه بالكفر ؟
- هم قالوا لي بأنه كافر .
- ومن قال لك ذلك لماذا لم يخبرك بأنه هناك آية في القرآن تقول : " لا أكراه في الدين " .
- .......
هذا نموذج من ثقافة القطيع لا من الفردانية ، وكما يقول اينشتاين : " الفرد ما يعوّل عليه أما القطيع فلهم أحلام العصافير " ، والفردانية خيار صعب في عالمنا الثالث عشر ، في ظل غياب المؤسسات المدنية التي تحمي الفرد وتكفل له حريته وهويته وخياراته ومعيشته ، وبالرغم من كل ذلك لابد للمرء أن يشق طريقه بنفسه وبأي ثمن عابراً كل النصوص وكل المعلمين ، ولا تعني الفردانية في معناها الكبير العزلة أو عدم تسجيل موقف إنساني إلى جانب من يدافعون عن المجتمع والفرد وحريته وحرية التعبير .
#كريم_الهزاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟