|
مجزرة الخميس الدامي وسياقات اتفاق السيستاني الصدر .
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 942 - 2004 / 8 / 31 - 11:19
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
مجزرة شنيعة أخرى ارتكبت هذه المرة ضد متظاهرين مسالمين عزل من السلاح في عدة مدن عراقية منها الكوفة التي تعرض مسجدها الكبير إلى القصف المدفعي والنجف والحلة والديوانية في وقت واحد وراح ضحيتها مئة وعشرة شهداء وثلاثمائة وستة وسبعين جريحا أغلبهم في حالات الخطر الشديد . وقد يعتقد البعض أن الكلام عن هذه المجزرة وعن مسئولية مرتكبيها سيضر باتفاق الفرصة الأخيرة الذي جنب مدينة النجف مجزرة كبرى والذي بادر إلى طرح مرتكزاته الخمس المرجع الديني السيد علي السيستاني . بمعنى معين ، يريد هذا البعض أن تكون دماء الشهداء والجرحى ثمنا لاستمرار ذلك الاتفاق الذي لا يمكن نكران إيجابياته وفي هذا تجاوز خطير لا يصح السكوت عليه وخطأ سياسي و أخلاقي ستترتب عليه عواقب وخيمة . فالواقع أن تلك المجزرة حدثت بالضبط لإفشال ذلك الاتفاق ، بل إنها استمرت بنسق متصاعد مع استمرار المفاوضات بين السيدين السيستاني والصدر وكان الهدف منها توسيع أعمال القمع وتحويلها من محاولة لاستئصال التيار الصدري المناهض للاحتلال إلى عملية إبادة عرقية ضد عموم السكان العزل هذا أولا . وثانيا فليس ثمة من يضمن أن المحتلين لن يرتكبوا غدا مجزرة جديدة أشنع من سابقاتها وسيكون السكوت عن مجزرة اليوم تشجيع للمحتلين على الاستمرار بجرائمهم . لقد ختمنا مقالتنا التي نشرت على هذه الصفحة قبل أيام والتي خصصناها لمعركة النجف بالقول أن المطلع على تفاصيل الهمجية الأمريكية في الفيثنام سيميل إلى ترجيح احتمال أن المحتلين سيرتكبون مجزرة يختمون بها هذه الملحمة الوطنية للمقاومة العراقية غير أن العودة المفاجئة للمرجع الديني السيستاني ، وعلى الرغم من كل ما قيل عن دواعيها وخلفياتها ، هي التي أربكت حسابات الاحتلال وحكومته المؤقتة وجعلت المقاومة التي قادها التيار الصدري تخرج من المواجهة جريحة ونازفة ولكنها مرفوعة الرأس ومنتصرة سياسيا . لقد ارتكبت هذه المجزرة خلال المظاهرات التي خرجت في زحف جماهيري هائل تلبية لنداء المرجع الديني الأول السيد علي السيستاني ، وقد أعلن الجيش الأمريكي أن لا علاقة له بالقصف الذي استهدف آلاف الناس ، كما نفت قوات الحكومة المؤقتة أية علاقة لها أيضا بذلك ، ولكنها راحت تتخبط في توجيه اتهاماتها فقد أعلنت الشرطة في البداية أن مسلحين من جيش المهدي هم الذين يسيطرون على الكوفة وهم الذين أطلقوا القذائف على المسجد ، وبعد ذلك بقليل أعلنت مصادر الشرطة وما يسمى بالحرس الوطني أن القصف قام به مسلحو جيش المهدي الذين كانوا يستهدفون مركزا للشرطة في الكوفة لكن القذائف انحرفت عن مسارها نتيجة خطأ في التصويب . وما لبث محافظ النجف عدنان الزرفي أن عاد إلى مسمار جحا واتهم المتشدد السلفي الأردني أبا مصعب الزرقاوي ومنظمته التابعة لشبكة القاعدة بالقيام بتلك المجزرة . لا ندري كيف يمكن أن يوفق إعلام الحكومة والاحتلال بين هذه التناقضات المكشوفة فكيف يقصف الصدريون مركزا للشرطة في مدينة صغيرة يسيطرون عليها كالكوفة ؟ والأهم من ذلك لماذا سكتت الحكومة وشرطتها عن الأجزاء الأخرى من المجزرة التي حدثت في الحلة والنجف والديوانية حيث قتل العشرات بإطلاق نار مباشر وبهدف القتل من قوات الاحتلال والحرس الوطني ؟ يصعب تماما إن لم يكن مستحيلا التوفيق بين كل هذه التناقضات أو تصديقها ويضاعف من تلك الاستحالة ويحمل قوات الاحتلال وحلفائها من قوات حكومة علاوي مسئولية المجزرة ما أعلنه مراسلون صحافيون أجانب وعراقيون كانوا في الميدان وقد صوروا المجزرة لحظة وقوعها . ففي نقل مباشر من الميدان قال جواد الكسار كبير مذيعي قناة "العالم " الفضائية أنه كان في قلب المظاهرة حين مرت على مسافة من قاعدة أمريكية ، وعندها شاهد بأم عينية الرصاص والقذائف تنطلق من تلك القاعدة باتجاه المتظاهرين . وقد أكد الكسار أن المتظاهرين كانوا عزلا تماما من أي سلاح وان الشهداء والجرحى ظلوا يتساقطون بالعشرات والرصاص والقذائف تأتي من جهة واحدة هي جهة القاعدة الأمريكية .لقد بثت شهادة هذا الإعلامي وشاهد العيان عدة مرات في يوم المجزرة من شاشة القناة المذكورة ولا نظن أن أحدا يمكن أن يشكك أو يقلل من قيمة هذه الشهادة الدامغة . إن على أهالي الضحايا والجهات الوطنية العراقية أن تجمع وتوثق أمثال هذه الشهادات وتقدمها إلى لجنة تحقيق مستقلة تحقق في هذه المجزرة ومثيلاتها في الكوت ومدينة الصدر والفلوجة والعمارة ومكر الذيب. أما عن السياقات السياسية التي جاءت في خضمها هذه المجزرة والتي انتهت إلى ما يعرف باتفاق السيستاني الصدر فهي تنبئ وبقوة عن أن ثمة الكثير من الآلام والمآسي والمجازر التي سترتكبها قوات الاحتلال المأزومة وحلفاؤها في الحكومة المؤقتة المعينة وخصوصا بعد أن ساخ المشروع الأمريكي في العراقي في الوحل ، ولم تعد ثمة قوة قادرة على اقتلاعه وتعويمه . لقد أجهزت المقاومة العراقية بأشكالها المتنوعة من حرب العصابات إلى الانتفاضات الواسعة والإضرابات العامة والمقاطعة على الآفاق الإستراتيجية لهذا المشروع الاحتلالي وبات جنرالات الاحتلال يعترفون علنا بصعوبة القضاء على تلك المقاومة حتى صرح أحدهم بأن جيشه يلزمه عشرة أعوام على الأقل ليقضي على المقاومة العراقية . وضمن السياقات السياسية للاتفاق يمكن أن نلاحظ أن مبادئه المعلنة لم تشتمل على تلبية المطلب الأمريكي والحكومي بحل جيش المهدي وجلب التيار الصدري لما يسمونه " العملية السياسية " أي الانخراط ضمن جوقة أحزاب المؤتمر الوطني برئاسة فؤاد معصوم. كما يمكن ملاحظة إصرار المرجعية على مطلب إجراء الإحصاء السكاني في موعده بعد أن صرح وزير التخطيط مهدي الحافظ بإمكانية تأجيله لأسباب أمنية ، إذ يبدو أن المرجعية باتت تتوجس خيفة من تأجيل أو حتى إلغاء الإحصاء الذي بدونه لا يمكن الكلام عن أية انتخابات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية مما يجعل الوضع العام يدخل في نفق مظلم لا مخرج منه . والواقع فإن أي كلام عن الإحصاء السكاني والانتخابات العامة بتجاهل تام لواقع الاحتلال الأجنبي وممارسات قواته هو كلام لا أفق له أو لنقل أنه قد يؤدي ،وبغض النظر عن نوايا قائليه ، إلى ترسيخ الاحتلال وتطبيعه ، ولهذا فإن واجب الحد الأدنى الذي ينسجم حتى مع خطاب دعاة المقاومة السلمية يقتضي المطالبة بجدولة انسحاب قوات الاحتلال ووضع سقف زمني معقول لتلك الجدولة . وبمناسبة الكلام عن المقاومة السلمية وانتزاع السيادة عبر الضغط الجماهيري والسياسي الذي يتكرر بمناسبة أو بدونها يمكن القول بالاستناد إلى شواهد كثيرة انه كلام لا يستند إلى ما يعززه على أرض الواقع حيث لم نر طيلة عدة أشهر مضت وبالتحديد منذ المظاهرات المطالبة بإجراء الانتخابات العامة التي دعت إليها المرجعية السيستانية أي شكل من أشكال المقاومة السلمية أو الضغط الجماهيري المنظم والمتصاعد يقوده " السلميون " مما يجعلنا إزاء نوع من الانتظار السلبي وليس الكفاح السلمي . خلاصة القول ، أن السكوت عن مجزرة الخميس الدامي لن يكون في مصلحة اتفاق إنقاذ الحضرة الحيدرية وهو سيكون تخليا صريحا ولا مبرر له عن حقوق الضحايا من شهداء وجرحى ومفقودين . وعلى هذا فإن من واجب الحركة الوطنية والمرجعيات الدينية وفي مقدمتها السيد علي السيستاني المطالبة بفتح تحقيق شامل ومحايد وشفاف في جميع المجازر التي ارتكبت بحق العراقيين العزل والإعلان عن نتائج ذلك التحقيق وإلا فإن علينا الاستعداد لاستقبال شهداء جدد وجرحى آخرين في حمام دم قادم قد يفوق في دموية مجزرة الخميس الدامي ..وحينها لن تكون أكف الداعين إلى السكوت الآن خالية من دماء الضحايا .
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أياد علاوي تلميذ نجيب في مدرسة الكذب الصدامية !
-
نعم ، نعم ، لآية الله الكبرى الطفل علي إسماعيل إماما وقدوة
-
المعركة هي بين الاحتلال والحركة الاستقلالية وليس بين مقتدى و
...
-
تضامن الجلبي مع الصدريين و عشم إبليس في الجنة !
-
حلبجة النجفية بدأتْ ..سلاماً للمقاومين الزينين ،واللعنة على
...
-
نص الرد الذي نشر في مجلة الآداب البيروتية على اتهامات جماعة
...
-
لمعركة الكبرى لم تبدأ بعد :بوش يريد الصعود إلى الرئاسة على ج
...
-
توصيات التقرير وخلط السم الأيديولوجي بالدسم العلمي ./قراءة ف
...
-
/قراءة في تقرير المعهد الدولي للعدالة الانتقالية 6لكي لا ننس
...
-
كيف ينظر العراقيون إلى مأساتهم وجلاديهم وقضائهم /قراءة في تق
...
-
القنبلة الطائفية والعنصرية جاء بها الاحتلال وسيفجرها العملاء
...
-
نظام القمع والحروب والاضطهاد الشامل وصمت الغرب .قراءة في تقر
...
-
/قراءة في تقرير معهد العدالة الانتقالية 2مشهدية الانتقال من
...
-
الاحتلال هو النقيض التام للعدالة ولا يمكن للنقيض تحقيق نقيضه
...
-
الموجبات التاريخية والمجتمعية لمشروع المجلس التأسيسي الوطني
...
-
تحالف الدوري والزرقاوي سيدمر المقاومة العراقية من الداخل !
-
حكومة المنفى كحكومة علاوي غير شرعية و كلتاهما مرفوضة !
-
الانمساخ من مداح للطاغية صدام إلى مروج لحكومة -الوايرات - !
-
الطائفيون وحقوق الإنسان وأكذوبة الستين جثة .
-
من ينقذ البعثيين العراقيين من أنفسهم ؟ دفاعا عن الشعب العراق
...
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|