صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 942 - 2004 / 8 / 31 - 11:17
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
انطلاقا من علاقتي المتينة بالعديد من الاصدقاء الاكراد, وقربي من مطالبهم المشروعة والحضارية بالفدرالية, ولاني كنت اشعر بالاسى لاشكالات في العلاقة بين الشعبين الطيبين: الكردي والعربي, كنت اجمع المقالات والمصادر تهيئة لدراسة الموضوع وتقديم مقالة او اكثر قد تسهم في الغاء حساسية لاداعي لها بنظري بين هذين الشعبين الذين تعرضا الى ظلم مشترك من قبل صدام وما قبله من انظمة لم ينتخب اي جزء من الشعب العراقي اي منها.
لذلك فعندما وجهت الي الدعوة لحضور ندوة يقيمها المركز الثقافي الكردي في دنهاخ, لم اكتف بقبولها بل عرضت تقديم كلمة فيها عن العلاقة بين العرب والكرد. وجد عرضي حماسا من اللجنة المنظمة. قضيت وقتا طويلا اقرأ ما جمعت من مقالات واجمع المزيد باحثا بشكل خاص عن النقاط الساخنة التي يختلف العرب والاكراد فيها, وكلي ثقة ان لاشيء يمنعنا ان نواجه تلك الاختلافات وونناقشها بصراحة ليكون لقاءنا مفيدا.
ومن جملة ما وجدت بضعة مقالات جميلة للدكتور منذر الفضل, الذي يحب الاكراد حبا جما. وكان من الواضح ان الدكتور الذي يتبنى القضية الكردية من اعماق قلبه, وله ان يفخر بذلك, قد بذل جهدا رائعا فيها. مع ذلك وجدت في مقالاته نظرة احادية الجانب, فلم يتطرق بأي نقد لاي موقف كردي حتى ولو بشكل ودي. كما ان احدى مقالاته تضمنت قائمة من حوالي عشرة نقاط حول ما يجب على العرب والاكراد عمله من اجل وحدة وطنية عراقية. لاحظت ان سبعة من النقاط, ان اسعفتني الذاكرة بدقة الارقام, كلها موجهة الى ما يجب على العرب عمله, اما الباقي فكان نقاطا عامة موجهة للطرفين عن تشجيع التعاون..الخ, ولم تتضمن اية نقطة عما هو مطلوب من الاكراد بالذات!
اعتبرت طريقة الفضل ودية وحميمة ولكنها غير فعالة. فهي من جهة توحي للكردي بان ليس هناك ما هو مطلوب منه فيهملها, ويراها العربي منحازة فيهملها هو الاخر. كانت وحهة نظري ان الاصدقاء لايجب ان يخشوا من مفاتحة بعضهم البعض. وفعلا كان عنوان مشاركتي: العرب والاكراد: هل نجرؤ ان نكون صريحين مع بعضنا؟
شارك في الندوة كل من تيني كوكس سكرتير الحزب الاشتراكي الهولندي (الذي انتمي اليه ايضا) و ايلدرت مولدرت, صحفي في الصحيفة اليومية الهامة "تراو" وسردار دوسكي, سياسي كردي وكان احد مرشحي الحزب الاشتراكي الهولندي لانتخابات البرلمان الاوربي الاخيرة. كان الحضور لابأس به وغالبيتهم من الاكراد العراقيين.
لم تمض دقائق على بدئي بالكلام حتى اثار استغرابي ان الجو كان مليئا بالشكوك والنظرات غير الودية, رغم ان طرحي كان معبرا عن صداقتي وتقديري للشعب الكردي وحقوقه, وطلبت ان نناقش خلافاتنا في نقاط رئيسة هي: المساواة والفدرالية وكركوك وحق الفيتو في الدستور والموقف من اسرائيل وكم تستحق اميركا من الثقة وهل صدام والانظمة الدكتاتورية الاخرى هي المسؤولة عن ماسي الاكراد ام ان العرب كشعب ساندوا تلك الانظمة؟ كذلك نبهت الى ان الوضع تغير في العراق وان الاكراد لم يعودوا تلك الاقلية المستضعفة, وهذا يعني امكانية اضافية لهم لتحقيق طموحاتهم, ولكن ايضا يحملهم مسؤوليات جديدة تتجاوز حدود مجموعتهم.
انبرى احدهم منزعجا بان الاكراد يبنون بلادهم في حين ان العرب يخربون الجزء الذي يخصهم, فلم لا يتركونا لحالنا؟ واخر قال بما معناه انه يستغرب لم نتهم الاكراد في موضوع اسرائيل وهي التي "تبني بيد وتقاتل بيد".
عبثا حاولت ان ابين لهم بانني عربي وسني لكنني لم اؤذي كرديا يوما, وكان لي دوما الكثير من الاصدقاء, وان علاقتي هذه بالاكراد هي نفس علاقة كل من اعرف من العرب وهي القاعدة وليس الشواذ. عبثا حاولت ان ابين ان الافا من العرب قاتلوا مع الاكراد, وان صدام قتل الجميع دون تمييز, وان ليس من العدل محاسبة العرب لذلك, وان هناك اكرادا كثيرين ساعدوا صدام في قتال عرب ضده, بل وقاتل بعضهم (الجحوش) الاكراد ايضا...كل هذه كانت حقائق معروفة للجميع, لكنها لم تكن الحقائق التي يسرهم سماعها.
اما مدير الندوة المغربي الاصل جمال عقوة, فتولى اولا الغاء محاضرتي من النقاش حين اقتصر تقريبا في توجيه الاسئلة الي الى امور عامة مثل : "هل يمكننا القول ان العراق بلد غني؟", وبذلك لم تطرح اية نقطة من النقاط التي عددتها في مقدمتي كنقاط ساخنة للنقاش, ومن ناحية ثانية تولى حماية اسرائيل وبشكل صفيق من اي انتقاد حين رفض السماح لي بالاجابة عن تعليق يمتدحها وجهه الي احد الحاضرين بشكل سؤال, على اساس ان هذا خارج الموضوع. , ولم يتح لي استعمال الميكرفون في الساعة الاخيرة من الندوة ولا مرة واحدة مكررا توجيه الاسئلة الى بقية المحاضرين ثلاث الى اربعة مرات لكل واحد, وبلا حياء, رغم ان هناك اسئلة كانت موجهة لي بشكل مباشر. وحين عاتبته بعد الانتهاء تظاهر بالدهشة واعتذر بان الامر لم يكن مقصودا.
لا اكتمكم انني اصبت بالخوف من عمق الكره والاحتقار الذي لمسته في الحضور من الاكراد للعرب عموما, وارجو ان لايمثل هذا الحضور جميع الاكراد اوغالبيتهم المثقفة, رغم اننا كنا في المركز "الثقافي" الكردي.
انني افهم ان فلاحا لايقرأ ولا يكتب, ويعيش هول احراق قريته قد لايستطيع ان يميز بين حاكم مستبد عربي وبين الشعب العربي في العراق, لكني لم استوعب ان تكون مجموعة من مثقفي الاكراد بهذه البساطة في التفكير, كأن صداما لم يقتل الا اكرادا, وكأن اميركا لم تدعم صداما وتسانده حتى في جريمة حلبجة. ثم لايجدون وصفا لاسرائيل العدائية المحتلة للعرب والتي تتدخل وتتجسس حتى على اقرب اصدقائها, غير انها " تلك الدولة التي تبني بيد وتحارب بيد". اما من تحارب بتلك اليد؟ واين تبني بالاخرى؟ فأمر غير مهم. لا ادري كيف يلام العرب ان يخافوا اسرائيل ويكرهوها وهي تضطهدهم وتهددهم وتقتلهم كل يوم وقد كرهتها حتى الشعوب التي كانت اصدقاءها في العالم حتى ان جميع شعوب دول الاتحاد الاوربي بلا استثناء, اعتبرتها "الدولة الاخطر على السلام العالمي".
عندما يبدأ المرأ بفرضية خاطئة, تكون استنتاجاته خاطئة, وكثيرا ما تكون مضحكة, مهما كان دماغه منظما وذكيا. و في هذه الامسية وقع الجمهور والمحاضرين في فخ فرضية خاطئة. فبدلا من النظر الى ان عصابة صدام قد اضطهدت العراقيين جيمعا (ليس بالتساوي), وهي الفرضية التي اراها صحيحة وقادرة على تفسير الاحداث بشكل عام, افترض الحضور وشاركهم المحاضرون, ان "العرب قد اضطهدوا الاكراد". وهكذا راح تيني كوكس يدعوا الاكراد للقبول بقدرهم للتعايش مع الشعب الذي اضطهده وجاء بامثلة مثل ما حدث في جنوب افريقيا, وسردار دوسكي حدثنا عن اننا جميعا قد تربينا على كره بعضنا وليس كره العرب للاكراد فقط (هكذا!) وان هذا ليس ذنب احد, فسياسيي الكرد علموا الكرد كره العرب, وعلم صدام العرب كراهية الكرد. لكن المنطق الذي يبدو سليما هنا عار تماما عن الصحة. فنظام صدام لم يقل كلمة واحدة ضد الكرد كشعب, بل كان يدعي (زورا) انهم جزء مهم من الشعب العراقي وانه مسؤول عنهم ..الخ, لكن هناك عصابات عصاة قليلة هي المسؤولة عن المشكلة. والاهم من هذا ان صدام واعلام صدام لم يكن له اية مصداقية داخل الشعب العراقي, العربي منه وغير العربي. بل ان العراقيين كانوا يحبون ما كان صدام يتكلم ضده باعتبار ان هذا لابد ان يكون جيدا ليزعج صدام. فكراهية العراقيين لاميركا لم تأت من الاعلام العراقي – الصدامي المضاد لها, ولكن لانها بالذات تخلت عن تخليص الشعب العراقي من صدام.
وتحت مضلة نفس الخطأ الابتدائي في الفرضية تحدث دوسكي وملدرت وكوكس عن "المصالحة" بين العرب والاكراد. لكننا لسنا بحاجة للمصالحة لاننا لم نتعارك اصلا, الا في ذهن من يفكر بشكل قومي متعصب ويرى في كل عربي صداما.
اقول بصراحة يا اخواني من المثقفين الاكراد الذين يؤمنون فعلا بأن مصلحة اكراد العراق بوحدة وطنية فدرالية, ان امامكم طريقا شاقا وخطرا ليس باقناع العرب, بل باقناع شعبكم الكردي (انزعج احدهم عندما قلت بود اننا شعب واحد) بالامر. اما التظاهر بقبول تلك الوحدة لان الظروف غير مهيئة تماما للانفصال بعد, فهو مراوغة منافقة يجب ان تتحلوا بالشجاعة لرفضها, فلربما لن تتاح لكم فرصة افضل للاستقلال, وانا اول من سيؤيد استقلالكم. كما يجب التوقف عن طرح النكتة البائسة بان قبول الفدرالية "تنازل للعرب" فلا اضن ان العرب ولا اي شعب اخر, سيكونون ممتنين لمن يعيش معهم مضطرا وهو يكن لهم مثل تلك المشاعر الظالمة, ولمحتلي ارضهم كل ذلك الاعجاب والحب.
لقد كنت امل, ربما بسذاجة من لم يفهم عمق المشكلة, ان اتمكن من طرح نقاط الخلاف الساخنة للنقاش وبشكل ودي وصريح, لكن تفاؤلي لم يكن في محله. وبدلا من ان تكون تلك الندوة مشجعا على المزيد من الحوار, اقتنعت ان الطرف المقابل ليس جاهزا لمثل هذا الحوار, وان الجواب عن سؤال عنوان محاضرتي هو اننا لايجب ان نجرؤ حاليا على الصراحة, لانها تحتاج ضروفا افضل, وعلينا ان نكتفي باقتراب تدريجي ونتجنب النقاط الساخنة, فليس بيننا من الثقة والود ما يسمح لنا باختراق نيرانها دون ان نحترق.
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟