أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كامل كاظم العضاض - بين سيّار الجميل وعبد الخالق حسين، ثمة خيوط وصل، لايجب أن تنقطع















المزيد.....

بين سيّار الجميل وعبد الخالق حسين، ثمة خيوط وصل، لايجب أن تنقطع


كامل كاظم العضاض

الحوار المتمدن-العدد: 3109 - 2010 / 8 / 29 - 14:26
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


أن دافعنا الأساسي لكتابة هذا المقال هو لمحاولة منع إتساع الخلاف أوالشرذمة، لتشمل المثقفين العراقيين ذاتهم، هذه المرة، من الذين ما فتئوا يكتبون وينادون بعراق ديمقراطي موّحد، بعيدا عن الطائفية والمحاصصات المذهبية والعرقية، بل ويصرّون على خصوصية الإنتماء العراقي وليس العرقي، والدعوة الى مدنية الدولة وليس لتديينها أو لمذهبتها أو لعنصّرتها. ومن بين أبرز هؤلاء الكتّاب الذين نكن لهم إحتراما كبيرا، كل من الدكتور سيّار الجميل، المؤرخ والباحث الإجتماعي العراقي، والطبيب أو الحكيم عبد الخالق حسين، الباحث السياسي والإجتماعي والطبيب حرفيا. وقد وجدناهما مؤخرا يتراشقان الإتهامات ويشككان بصدقية بعضهما الآخر، وذلك عبر مقالين رئيسين، تضمنتا آراهما وردود بعضهما على الآخر، وهي ردود أحتوى بعضها، (و لا نرغب بتحديد ردود أي منهما)، على الكثير من الشعور بالمهانة أو القرف أو الإتهام بالمغالطة وعدم الدراية عند بعضهما الآخر، وأخيرا إستخلاصا إعتبارا متقابلا، بأن الآخر قد لا يكون صادقا أو باحثا أمينا، الى آخر ما هناك من إتهامات متبادلة! أنظر المقالين في الهامش،(1) و (2)، وأنظر (3) كذلك.
وبعد أن قرأت المقالين المشار إليهما، وقبل أن اقرر كتابة رأيَّ الخاص بي، مدفوعا بدافعي المشار إليه آنفا، رأيت بأنه لا بد لي، أولا، من الرجوع ثانية للمقالين وإعادة قرائتهما، وأن أقرأ ما سبق ولحق بهذين المقالين، ثانيا، وإستعراض سيرتهما الذاتية، ثالثا، كما يعرضانها هما في موقعيهما الخاصين بهما. وأنا لا أريد الإدعاء بأني صديق شخصي حميم لأي منهما، لأني لم أقابلهما شخصيا قط، ولكني سبق وتبادلت معهما بعض الآراء، ومرة كتبت قراءة موجزة لبعض أفكار الدكتور سيّار، ملوحا بحصافتها وعلميتها وأمانتها، وذلك في نفس اليوم الذي نُشرت فيه في صحيفة عراق الغد الغراء الإلكترونية بتأريخ 30/11/2006، تحت عنوان، "تعالوا نفهم الحقيقة، كما يقولها السيّار الجميل"، وهو لم يرد عليّ. كما تبادلت تعليقات مع الدكتور عبد الخالق، ما لبثت وأن إقتصرتها برسالة شخصية مباشرة له، دون أن أنشرها علنا، لأني إختلفت معه إختلافا بيّنا حول بعض أطروحاته المتكررة عن طبيعة المجتمع العراقي التي بدت لي في حينها متأثرة بآراء علي الوردي التبسيطية، ولتبريره المستمر للغزو الأمريكي، ولدور الأمريكان في إدخال الديمقراطية للعراق، الى آخر ما هناك من هذه الأطروحة الأخيرة التي يشاركه فيها، في بعض جوانبها، كتاب آخرون لامعون مثل الدكتور شاكر النابلسي والأستاذ الكبير عزيز الحاج، و لا نريد التوسع الآن خارج حدود مهمة هذا المقال الذي أرجو أن لا يكون طويلا! علما، باني كنت قد علّقت على مقال للأخ عبد الخالق حسين، كتبه هو في 10/9/2006، في صحيفة إيلاف الإلكترونية الغراء، يدعو فيها الى "تأجيل الديمقراطية في العراق"، لعدم نضج الرأي العام والثقافة السياسية في العراق. ولست هنا، مرة أخرى، معني بمناقشة هذه المقالات القديمة. ولكني أود المساهمة بتوضيح بعض الإشكاليات التي تواجه العراقيين، عموما، والمثقفين خصوصا، في ضؤ المآزق الكارثية التي يمر بها وطننا العراقي منذ الغزو الأمريكي، بصفة خاصة، حتى الآن.
بدءا لابد من الإشارة الى أن كل من الزميلين، الدكتور سيّار والدكتور عبد الخالق، وحسبما ورد في سيرة كل منهما الذاتية، مؤهلان مهنيا، الأول في علوم التأريخ الإجتماعي والسياسي، وقد نال أعلى الشهادات من بريطانية، وله خبرة أكاديمية واسعة، ونشر دراسات عديدة، وأشرف على دراسات عليا متعددة، وعليه، فالرجل ضليع في موضوعه، وهو من عائلة ثقافية معروفة في الموصل التي تخرج في جامعتها في قسم التأريخ. والثاني، وهو، وإن كان مولودا في أقصى جنوب العراق، الفاو، فقد تخرج في جامعة الموصل أيضا في قسم الطب، وذهب، بعد ذلك، للتخصص في بريطانية وعمل كطبيب محترف لعشرين عام. ولكن الى جانب مهنته الطبية، شغف في دراسة علم الإجتماع، ويعتبر الوردي أستاذه، وأنه في البداية كان منتميا للحزب الشيوعي، ومتاثرا، بطبيعة الحال، بالتحليل الطبقي، ويناهض الظلم الإجتماعي، ولكنه كان يعتبر عبد الكريم قاسم او عهده هو الأنزه والأشرف منذ سقوط العهد الملكي. ولكل من الرجلين فهمهما الخاص بهما بشأن تطور الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية في العراق، وذلك بمقدار ما توصل كل منهما، ليس فقط من خلال قراءته لتأريخ العراق، وإنما بمقدار المنهجية العلمية والفكرية التي إعتمدها كل منهما في تفسير التأريخ لتحليل الحاضر، ولتصوير المستقبل. ويبدو بأن الجميل، كاكاديمي درس في بريطانية، فأنه نهل من مدرسة أرنولد توينبي في منهجيته المعروفة لدراسة التأريخ، أما الدكتور عبد الخالق فهو، كما يذكر، قد تأثر بدراسات الدكتور علي الوردي في مجلداته المعروفة؛ " لمحات إجتماعية من تأريخ العراق"، والوردي كان باحثا إنثروبلوجيا أكثر منه باحثا في التأريخ الإقتصادي للعراق، فتحليله للصراع على الموارد الإقتصادية يأتي ثانويا لتحليله الإجتماعي المعروف بإطاره القائم على الصراع بين البداوة والحضارة، أو التمدين. ونعيد القول، بأننا لسنا بصدد دراسة المناهج الفكرية لهذين المرجعين، إنما لنقول، بإن إختلاف الجذور الفكرية الثقافية، لابد وأن يوّلد إختلافات في تفسير وتحليل أحداث التأريخ القريب والمتوسط. وقد إنعكس هذا الأمر في تحليلات كل منهما للواقع السياسي الراهن، ولمحاولة فهم أو إستيعاب جذوره، لغرض وضع تشخيصات قد تساعد على رصد مستقبل أفضل، من خلال خيار سياسي إجتماعي يشتركان فيه، وهو إقامة الديمقراطية في العراق على أساس المواطنة ومدنية الدولة، ورفض الإرتهان لسياسات قوموية عنصرية أو مذهبية أو إستبدادية، وهو أساس يبدو أنهما يتفقان عليه لإعادة بناء العراق بعد الغزو الأمريكي الذي كان و لا تزال له آثار مدمرة ليس فقط على بنية المجتمع العراقي، إنما على موارده، وخصوصا النفطية منها. وإذا كانت الغايات متقاربة، ولكن المداخل مختلفة، فما الضير في ذلك؟ وهنا لابد من التوضيح الخاص بحالة الإختلاف الوارد في مقاليهما.
بدون زج القارئ الكريم بتفاصيل نقاط الإختلاف والإمتعاض المتقابل، كما وردت في مقالي الكاتبين، نرجو أن نركز على نقاط محدودة، نعتبرها جوهرية، تاركين النقاط التفصيلية الثانوية، براينا، لمن يرغب من القراء بالإطلاع مباشرة بنفسه عليها، دون إعتماد تفسيراتنا. يبدو لي أن اكثر ما أثار الأخ سيّار الجميل في رده على مقال الأخ عبد الخالق، "الحل لأزمة تشكيل الحكومة" هو إشارات الأخير المتكررة الى أن مؤسسي الحكومة العراقية في عام 1921، كانوا أما إنكشارية أو مماليك، وحتى سلاجقة، مثل ياسين الهاشمي، بل وحتى فيصل الأول، فهو كان، في رأي الدكتور عبد الخالق، غير عراقي، وملك مستورد! ولعله كان يريد التعبير بأن العراقيين لم يكونوا هم من حكموا أنفسهم منذ العهد العثماني، وأن هذا الوضع إستمر بعد ذلك، تحت نظام الملكية الذي أقامته بريطانية بعيد الحرب العالمية الأولي. لا يبدو هذا الأمر مثيرا للغضب، ولكن الدكتور السيّار، بحكم كونه أستاذا في التأريخ الإجتماعي والسياسي العراقي، فهو يعرف سير واصول ومساهمات كل من ساهم من المؤسسين الأوائل في تأسيس المملكة العراقية، وساءه أن ياتي الدكتور عبد الخالق بتعميمات هي، أولا، غير دقيقة علميا، وثانيا، فيها، من وجهة نظره، تجني كبير على بعض القادة الأوائل، مثل الملك فيصل الأول الذي وصفه الأخ عبد الخالق بالأمير "المستورد"! والقائد البارز ياسين حلمي الهاشمي ذي الإنجازات العسكرية الباهرة في أوربا، حينما كان قائدا عسكريا بارزا في الجيش العثماني، والذي وصفه الأخ عبد الخالق بالسلجوقي. بكلمة أخرى، يرى الجميل أن بحث الدكتور عبد الخالق لا يتصف بالعلمية الكافية ولا الأمانة اللازمة، لاسيما وأنه، أي الأخ عبد الخالق، لم يفرق بين الإنكشارية والمماليك، كما كان يسهب فيما لا لزوم له، وأنه كان يكتب مقالا تحريضيا سياسيا، وليس بحثا تأريخيا علميا وحصيفا، فضلا عن عدم إعتماده على مصادر أساسية معروفة. وفي معرض رد الدكتور عبد الخالق على إعتراضات الدكتور الجميل، يبدو أنه زاد الطين بله، حيث نفى واضاف، واعاد التفسير، وأفاض بإتهام الجميل بأنه يفسر كلامه خارج السياق، وأنه كان يحاول أن يستخرج من كلامه ما لم يكن يقصد، الى آخر ما هناك من ردود وإحتجاجات. وهناك نقاط كثيرة أخرى مختلف عليها، مثل مقدار الملائمة والإتساق والإسهاب، والشطط، الى آخره. وهذه كلها لا تعنيني بشكل مباشر، فأنا لست، بطبيعة الحال، مصحح معلومات، ولا مقوّم لعلمية المقالات، فالناس أحرار بالتعبير عن آرائهم وقناعاتهم، وبالمثل، أعطي لنفسي هذا الحق، فلي رأي في هذا الحوار الذي لم يكن هادئا تماما، أوجزه بالنقاط الآتية:
1- حينما يتصدى المرء لقراءة وتفسير أحداث الحاضر، فعليه من الناحية المنهجية الموضوعية أن يدرس التأريخ ليتقصى عن جذور الأحداث، فهي لم تأت من فراغ، بل كان لها مقدمات أو أسباب، قد تكون الأسباب إقتصادية أو ثقافية أو دينية أو سياسية أو حربية توسعية أو عرقية، او حتى تربوية، او مركبة، أو هي نتيجة صراعات متعددة الجوانب، تتراوح في مدى ثقلها في تسبيب الأحداث الحاضرة، بشكل مباشر أو غير مباشر، فأحداث اليوم قد ينظر إليها كنتائج لأسباب الأمس!؟ وعليه، فإن طبيعة المنهج العلمي للإستقصاء أو التحليل أو التفسير سيؤثر تأثيرا بالغا على نوعية التفاسير المستنتجة لإحداث اليوم. و لايمكن الإسهاب هنا، لأن ذلك قد ينقلنا الى دراسة في المنهجية، لا أنوي تقديمها لباحثين لهما باع بهذا الخصوص، وبالذات بالنسبة للدكتور السيّار، فهو أكاديمي مؤهل في هذا المجال، ويعرف ما أعني بسهولة بالغة. إنما أقول هذه النقطة لأمهد للتي بعدها.
2- نحن ككتاب ومثقفين وأساتذة وصحفيين، ما دمنا معنيين في المساهمة في العمل لخلاص شعبنا ووطننا من كوارثه السياسية الحالية ومن مآزقه التدميرية التي غُمر في أتونها، وخصوصا منذ الغزو الأجنبي الخارجي وتداعياته بعد عام 2003، علينا أن نحمل رؤية تأريخية للخلاص، ولكنها يجب أن تكون رؤية مستقبلية وليست ماضوية، فلا نمجد الماضي وشخوصه، بل نمجد فكر الأشخاص من الذين زرعوا للمستقبل الأفضل بفكرهم من خلال فعلهم في ذلك الماضي، فنفسر الطائفية والمذهبية والعرقية، كعوامل ضعف وإنقسام، ونستشهد التأريخ ، فنبحث عن جذورها العميقة الممتدة عبر التأريخ القريب والبعيد، ونرفضها كصياغة للمستقبل. وعلى ذلك، إذا كنت تحمل هذه الرؤية التأريخية عن الدور التدميري للطائفية مثلا، فلا يجوز أن تستخدم مدخلا طائفيا لنفي الآخر أو لتبرير مظلومية، أو لتفسير عدوانية وعنصرية جهات تبدو معادية وحاقدة في المرحلة الراهنة، لأنك بذلك تهزم أهدافك الإنسانوية والوحدوية. إنما الموقف الخلاصي هو بإعتبار كل المورثات التأريخية هي عراقية لأنها صنعت العراقيين، كما هم اليوم. والمثقفون، كمستقبليين، ملتزمون بالبحث عما يصنع عراقيي الغد الآتي. فالعراق كان مسرحا لجميع أقوام العالم المعروف آنذاك، وليس في الكون بلد يتكون من أعراق صافية عرقيا، فكلهم شركاء في الوطن والمصير، طالما قرروا عيشا مشتركا أملته الظروف الجيوسياسية والثقافية والدينية. وتأسيسا على ذلك، فأنا قد اثلم الوحدة الشعبية العراقية المستقبلية حينما أطعن بالجذور العرقية والمذهبية أو الدينية للعراقيين الأوائل، وعلىَّ أن أفتش عن نقاط وحدتهم في الماضي، لتصبح مسبارا للمستقبل، لا أن إفتش عن كل ما كان يفرقهم ويضعفهم أويستغفلهم ويبعدهم عن مواصفاتهم الإنسانية المتسقة مع منطق التطور والحياة المستقبلية. وهنا نحن نتفق مع الدكتور الجميل. أنظروا الى مقاله الفائر بالتحذير من حالة الإنقسامات المحاصصية والطائفية الشنيعة التي أدخلها المحتلون، ويسوّقها ويعتاش عليها القادة السياسيون، من راكبي الموجة والمتشبثين بالسلطة اليوم، دونما نظر في سقوف وطنية عليا، ينبغي أتخاذها كخطوط حمراء لا يجب تجاوزها. لقد كتب بتأريخ 3/8/2010 في صحيفة الناس الإلكترونية الغراء مقالا بعنوان، "مصير العراق معضلة بنيوية" . كتب يقول: " لماذا يعيش العراق كلّ هذه الفوضى منذ سبع سنوات؟ لماذا لم يحلّوا مشاكلهم في ما بينهم ؟ لماذا تتوالى الإخفاقات ، وتزداد الأمور تعقيدا من سنة الى أخرى؟ هل فشلت التجربة الديمقراطية سياسيا ودستوريا وإجتماعيا؟ لماذا لم تستمع القوى السياسية الجديدة لصوت العقل ، ولم تلتفت إلى أي نقد ، ولا تريد أية معارضة لها؟....."، ثم يقول بما معناه أن العملية السياسية، وبعد ستة أشهر من الإنتخابات، تبدو كالكرة تتقاذفها بلا هدف ولا مسؤولية وطنية أرجل قادة الطوائف الملطخة بالأطيان، من الذين عميت أبصارهم!! أليس في مثل هذا القول تشخيص عميق، ينطلق من إلتزام وطني وحدوي ديمقراطي؟ فلماذا يختلف معه الأخ عبد الخالق؟ لا، هو قد لايختلف معه بالأساس، إنما هو يعتقد بأنه يختار الأقل سوءا، فترويجه الحالي للمالكي، مثلا، ربما جاء بفعل إجتهاده بأن المالكي هوأفضل ما موجود ضمن الممكن المتاح! وهنا قد نختلف مع الدكتور عبد الخالق، فالمالكي ليس هو الذي فاز باعلى المقاعد، ولا هو المنسلخ عن تحالفاته الطائفية، بل هو أساس المأزق الطائفي القائم حاليا؟ كما أن سجله ليس باهرا، أو افضل من غيره ، و لامجال للتفصيل.
3. ولكن، مع ذلك، قد نختلف مع الجميل، ونميل للتعاطف مع إشارات الدكتورعبد الخالق حسين الى أن حكام العراق في العهد العثماني والمماليكي، ومن ثم العهد الملكي كانت لهم أغراضهم النخبوية والتسلطية، وأنهم لم يراعوا وحدة العراق الوطنية، بل كانوا يعرضونها للخطر والدمار، خدمة لمصالحهم الخاصة، ولمصالح السلطات التي إرتبطوا بها، سواء كانت سلطات عثمانية أو ملكية مدعومة بريطانيا؛ وهنا ستجد حقائق التأريخ تقف شواهدا يصعب تفنيدها.
4. كان الولاة العثمانيون يستحلبون الفلاحين العراقيين، ويصادرون قوتهم، ويفرضون الضرائب عليهم بالقوة والعنف وبالغزو والنهب والسخرة والتجنيد الإجباري، ويقتلون الناس بالآلاف، بحملات منظمة، كلما يمتنع الفلاحون عن دفع الضرائب والأتاوات، بل ويدمرون قرى كاملة ويشردون الفلاحين وعوائلهم من قراهم ومزارعهم ومصادر عيشهم، لاسيما وأن السلطة العثمانية فشلت، حينذاك في تأسيس الإقطاع العسكري الإستغلالي الإستعماري والإستيطاني في بعض مراحله، على غرار ما فعلت في أوربا الشرقية. ولنأخذ من الوالي حسن باشا وابنه الخطير أحمد باشا، خلال المدة من 1704- 1750، أي خلال نصف قرن تقريبا، مثالا، فقد جعلا من العراق، وبغداد والموصل، بالذات، مقابر لا تنتهي في حروبهما التوسعية ضد طهماسب الثاني ونادر قلي خان في إيران. وحسن باشا هذا هو الذي أسس جيش المماليك الموالي له من "الكولة مند"، وكذلك فرسان " السباه"، خدمة لأغراضه، وليس لأغراض الخلافة العثمانية. ان قراءة التأريخ الموضوعية بمنهجية صراع المصالح وليس بمنظور الأعراق، ومن منطلق تشخيص أضرار الصراع على وحدة الشعب العراقي وحياته وكرامته، ومن اجل التعلم من دروس الماضي، حيث كانت الصراعات، المغلّفة بالدين، تدورعارية في وحشيتها وفي ظلمها للسواد الأعظم من الناس. وإذا كنا دعاة للديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية، فما أحرانا أن ندرس التأريخ القريب والبعيد، لنستمد الشواهد بأن أنظمة الحكم الإستبدادية، سواء كانت دينية، مذهبية، عرقية، محلية كانت أم أجنبية، أوحتى آيديولوجية، هي ركائز للحط من حقوق الناس ومن حرياتهم وخياراتهم، وبالتالي لايجوز أن نستنكر النتائج دون أن نستنكر أسبابها.
ومن هنا نرى بأن الأخوين الجميل وحسين يتبعان منهجين مختلفين، ولكن غاياتهما واحدة، كما يبدو. ومن حسن حظ الثقافة أن تدور حوارات غنية، ولكن من سؤها أن توّسع هوة الخلافات بين مثقفين متفقين على غايات وطنية وإنسانية واحدة. ولعل تشابكات الحقائق الراهنة، وما يتمخض عنها اليوم من تفكك وضياع بين عموم الناس لا ينبغي له أن يلف المثقفين أيضا، لأنهم اكثر تبصّرا لأهمية وحدتهم في الرؤية والقيادة الفكرية ذات الأهداف الوطنية والإنسانية العليا، بعيدا عن كل ما هو ذاتي ونفعي شخصي. ومن حقنا أن نأمل بأن ثمة خيوط وصل بين الأخوين الكاتبين، الجميل وحسين، لا يجب أن تنقطع بينهما، لمصلحة الثقافة الوطنية التحررية التي تناهض العداءات العنصرية، فالصراع من أجل المصالح سيبقى محتدما، وإن الضعيف المفكك والمُستلب والمُشترى هو الذي يدفع الثمن، وذلك حينما يسمح بإستغفاله، أو حينما يستغفله المرتزقة والمثقفون المستأجرون أو الغافلون. ولذلك نحن لا نبتهج لأية فرقة في طروحات المثقفين، إذا كانوا دعاةً للحرية الإنسانية والعدالة.
وفي الختام أود الإشارة بأنه كان في نفسي الإستطراد بالنسبة لتأريخ العراق ونظرية الوردي، ومنهجية الجميل، ولكني أتصور أن المقال لا يحتمل أكثر مما إحتمل. وأود التنوية والتعريف بأني أعكف منذ سنتين على قراءة ومتابعة الأجزاء الأربعة الضخمة التي أعدها المؤرخ المقتدر الأستاذ عبد الأمير الرفيعي، " العراق- بين سقوط الدولة العباسية و سقوط الدولة العثمانية"، الصادر عن العارف للمطبوعات في بيروت، بالنسبة للجزئين الثالث والرابع، في مايو-2010
وسأكتب مستقبلا عن المنهج التأريخي الذي إنتهجه الأستاذ الرفيعي، لما فيه من حيادية وموضوعية، قل نظيرها في رأيَّ المتواضع.
د. كامل العضاض
رمضان، 2010
[email protected]
بعض المراجع:
1http://www.al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/13v4.htm -
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SAlJamil/16h2.htm -2
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SAlJamil/3h2.htm -3




#كامل_كاظم_العضاض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحالة -الذئبية- لدى أغلبية قادة العملية السياسية في العراق
- الكهرباء والشرارة الممكنة!
- العهر الإسرائيلي عاريا!!
- يا زمال إلنركبه يطلع قبة
- الديمقراطية بين اللفظ والسلوك، ( كما ترويها مجريات الإنتخابا ...
- من لا يؤمن بالديمقراطية لا يفهمها، ومن لا يفهمها لا يؤمن بها
- لا ترشدوا قبل أن ترشدوا
- طوينا أوراقنا ولم نطو عزائمنا ولا آمالنا---قصة محاولة تشكيل ...
- طوينا أوراقنا ولم نطو عزائمنا ولا آمالنا_ - قصة محاولة تشكيل ...
- متى يتوقف الجزارون عن الجزر في بلادي؟
- أحبتنا يرحلون بصمت
- هل وزير النفط العراقي الآن في الميزان؟
- العقل والذات والضرورة
- ما هي طبيعة البرامج التي يتحدث عنها المرشحون في الإنتخابات ا ...
- عندما تكون المقدمات خاطئة...حالة العدوان على غزة
- بين النسبي و المطلق، كيف يجزم الإنسان بقناعاته
- الحذاء لا يبني وطن!
- حوارية الحوار المتمدن
- نحو استراتيجية لبناء تيار ديمقراطي علماني في العراق


المزيد.....




- لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق ...
- بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
- هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات- ...
- نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين ...
- أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا ...
- الفصل الخامس والسبعون - أمين
- السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال ...
- رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
- مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كامل كاظم العضاض - بين سيّار الجميل وعبد الخالق حسين، ثمة خيوط وصل، لايجب أن تنقطع