أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فالح عبد الجبار - الأمن قضية سياسية أولاً














المزيد.....

الأمن قضية سياسية أولاً


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 3109 - 2010 / 8 / 29 - 10:42
المحور: بوابة التمدن
    


غول العنف عاد ينشب مخالبه وانيابه في جسد العراق المنهك. شبكة الدمار امتدت هذه المرة الى سبع محافظات او اكثر في تقتيل جماعي. وتوزع السفك بقسمة متوازنة بين محافظات سنية وشيعية، ومختلطة. والهدف واحد: الدولة لا القوات الاميركية.

يصعب اختيار الكلمات لوصف هذه المأساة - المحنة، فاللغة بكماء صماء، ازاء الألم الانساني. بوسع المرء ان يطلق شتى النعوت على عبدة العنف، سلالة مصاصي الدماء اولاء، لكنها لن تكفي قطعاً. ولن يسعف المرء حتى خيال هوليوود، الشغوف بسلالة دراكولا، والوحوش والذئاب البشرية، وما شاكل من مخلوقات تجسد الغرائز الدنيا في عالم الضواري. فهذه الاخيرة، تطلق العنان لعنفها المكنون طلباً لأبسط متطلبات الوجود: الاغتذاء، وتتجاوز ذلك، احياناً، طلباً لإلحاح الفطرة الاخرى: الوصال مع الإناث. اما الضواري البشرية فتنشب انيابها ومخالبها في اي جسد بشري، لمجرد اختلاف اللون، او الدين، او اللسان، او المذهب، او الرأي، او المهنة، او حتى بدون ذلك. دولة العراق الاسلامية، التي لا هي بدولة، ولا هي بإسلامية، تقتات على الكراهية، وتغتذي على الانتقام، لابسة لبوس القداسة الزائفة، محصنة ذاتها الفارغة بحق سماوي مزعوم، مسبغة على افعالها الشائنة مسحة من الشرعية الدينية المقلوبة.

لعل الأنكى من ذلك هو التصورات المساندة لهذا العنف. فما دامت «الدولة العراقية الاسلامية» تفعل ما تفعل في بلد محتل، فإن افعالها، حسب هذا المنطوق تغدو «جائزة» و «شرعية»، او «معقولة» او «طبيعية».

اخلاق هذه الميليشيا، ان كان بالوسع الحديث عن الاخلاق هنا، تقوم على قاعدة الحق في التدمير المطلق. والذين يساندون هذه الحيوانية او يعطفون عليها، يجدون راحة الضمير، ان كان ثمة شيء منه، في تبجيل هذا «الحق» باسماء شتى ابتداء من محاربة الكافر، مروراً بنصرة «الفرقة الناجية» وانتهاء بمقارعة المحتل.

ولا يهم بعد هذا ان تسفح الدماء في سوق خضار، او تقطع الاوصال في طقس ديني، او ينسف مرقد او جامع، او تحز اعناق سافرات، او يحرق دكان حلاق نساء، او ان يخترق الرصاص جسد بائع خمور او صاحب محل للانترنت، او بائع تسجيلات موسيقية. فها هنا تختلط الحرب المتخيلة مع الشيطان، بالحرب على النساء، بالحرب على الاديان والمذاهب الاخرى، بالحرب على الدولة، بالحرب على المحتل. وما دام هذا الاخير حاضراً، فكل شيء مباح. ولا يهم بعد هذا ان يفرض «المحارب المقدس» سطوته المستبدة على حياة المجتمع، وتوقه الى العيش المعتاد، ناهيك عن اختيار وسائل اخرى، غير العنف المنفلت بازاء المحتل.

هذه محنة حقيقية في التفكير السائد في عالمنا العربي المزري، الذي يربأ بالدولة، ويزدري بالقانون، ويعلي العنف الى مصاف المبدأ الاكثر قداسة ما ان يشرعن هذا العنف نفسه باسم الوطن والامة، حتى لو كان مآله تدمير الاثنين.

ولا يقل عن ذلك سوءاً تصورات الساسة العراقيين عن هذا العنف. فهم يرون اليه، في احسن الاحوال، على انه مثالب تقنية في النظام الامني، وهذه المثالب تحال، بدورها، الى استرخاء او اندساسات. او يرون اليه، في اسوأ الاحوال، على انه سمة لصيقة بكل خصومهم السياسيين، احزاباً وطوائف. في التصور الاول، يختزل العنف الى قضية امنية صرفاً، وفي التصور الثاني يختزل الى سمة انثروبولجية لصيقة بالمتهمين التصاق الجينات الموروثة بالولادة. وهم بهذا يكشفون عن رثاثة في التفكير لا تقل بؤساً عما يدور في رؤوس العرب المناصرين للعنف الاهوج.

فالامن قضية سياسية بالاساس. فهو يتعلق بشرعية الدولة في نظر المجتمع، وهو يتصل بانفتاح النظام السياسي على اوسع مشاركة ممكنة، وهو يرتبط بالتزام مبدأ المواطنة، وهو يقوم على اتساع فرص المشاركة في الادارة، وفي الجيش، وفي المنافع الاقتصادية لدولة نفطية، مثلما يبرأ باحتكار طائفي - حزبي للمؤسسات المدنية والعسكرية، او استيلاء حفنة على جل موارد النفط بوسيلة او بأخرى، او استشراء الفساد. وهو، هو.

العنف ليس ايديولوجيا بل وسيلة. ينطبق هذا على العنف السياسي بالدرجة الاولى. فاتساعه او انحساره مرهونان بمدى توازن النظام السياسي ودستوريته وانفتاحه. ثمة شبه اجماع وسط الطبقة السياسية في العراق على وجوب اوسع مشاركة، كما ثمة اجماع على بناء دولة قوية، مستقرة. وقد برز هذا الاجماع ايام حملة فرض القانون خلال عامي 2008 و 2009 التي اتسمت بتبني لغة القانون ولغة الوطنية العراقية. وهو اجماع له دلالته، ومآلاته الواضحة: انسحاب الوجود العلني للميليشيات يميناً وشمالاً، وانخفاض اعمال العنف، والاقتراب من حافة الاستقرار. لكن التراجع عن ذلك فتح الجرح. اما الازمة السياسية الحالية، وهي ازمة ارتياب متبادل واحتكار ضيق، فتفتح الباب على مصراعيه، لرحلة معاكسة.

حتى المبتدئ في الفباء السياسة يعرف ان خيبة القادة والقوى السياسية المتضررة تدور، في الأغلب، في مدار الاعتراض السياسي والتصويت المضاد في البرلمان والاحتجاجات داخل المؤسسات وخارجها. لكن الضرر الاكبر ان خيبة قواعد هؤلاء القادة، لا محالة الى سلبية مطبقة ازاء الدولة ذاتها، عوض الحماسة والمشاركة في بنائها. وفي هذا المفصل بالذات يجد قديسو العنف الزائفون سانحتهم المأمولة. فهذا العلق يحيا في مسامات الخيبة والغضب.

وحين يصر السياسيون على الرؤية التقنية او الطائفية الضيقة الى الامور، فإنهم بذلك يتمسكون بالعمى السياسي عن سابق عمد واصرار.

العنف قضية سياسية اولاً، ايها السادة.



الحياة



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق والجيران وأوروبا
- كتاب جديد:ما العولمة
- نهاية ديكتاتور
- تأملات في الصلب: الرئيس العراقي شانقاً ومشنوقاً
- أفكار في جولة: آلام الجنوب اللبناني غير المعلنة
- المستبد وحقيقته بين جيلين
- الولادة العسيرة للفيديرالية في العراق
- الهورلا: اوراق الجنون- الام ذاكرتي اللبنانية
- في الحرب والتفكير و في الحرب والسياسة
- مفهوم العنف، مفهوم الإرهاب
- منطق الميليشيا، منطق الدولة
- مائة عام على ثورة المشروطة مائة عام من الزمن الضائع
- العراق: صراع المقدس والدنيوي في بناء الأمة
- العراق: تصادم القبيلة والأصولية الوافدة
- على الهامش العراقي: الرئيس قانونياً
- أكتوبر البلاشفة، أو الثورة المنسية
- الدستور العراقي قبل الانتخابات وبعدها
- لائحة التعديل الدستوري
- العراق: الأوجه الكثيرة للإستفتاء على الدستور
- الدستور العراقي واستدراك التفويض


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- حَمّاد فوّاز الشّعراني / حَمّاد فوّاز الشّعراني
- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فالح عبد الجبار - الأمن قضية سياسية أولاً