|
مأساة- صافيناز كاظم
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 3106 - 2010 / 8 / 26 - 16:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
.."وتوضيح مسألة أن فكر الدكتور (أحمد البغدادي) لم يكن هو المسؤول عما لاقاه من أذى لاحقه، واجب من يعرفون الفرق الكبير بين حرية الرأي وتجاوزات السب والقذف والتباهي بالإساة إلى مقدسات الناس وتسفيه تاريخهم وحضارتهم".. هذه إحدى الفقرات التي وردت في مقال الكاتبة المصرية المحترمة صافيناز كاظم عن وفاة الدكتور البغدادي. الإشكالية المطروحة في عرض الكاتبة المحترمة هي أنها لا تعي بأن مشكلة المسلمين الرئيسية على اختلاف توجهاتهم، وهي منهم، تكمن في هذه النقطة، وهي التأويل بطريقة إقصائية إجرامية بحيث يتحول النقد اللاذع للفهم الإنساني للنص الديني إلى هجوم على الدين، منطلقين في ذلك من أن هذا الفهم يدخل في خانة المقدسات، وأن أي نقد له يعتبر نقدا للدين وسبا وقذفا وتسفيها للتاريخ والحضارة. فنحن لا نعلم العلاقة بين ما كان يسمى مقدسا وحضارة في تاريخ المسلمين، وبين "الخزعبلات الدينية" الراهنة لبعض المنتمين إلى التيار الديني بوصفها مكوّنا من مكوّنات تلك الحضارة وأحد تجليات الشعور الديني. هي المأساة التي عبر ويعبر عنها المنتمون إلى التيار الديني ومنهم المحترمة صافيناز كاظم، الذين يعتبرون الفهم هو ذات النص، والذين يعكسون من خلال مواقفهم وصاية على التدّين وعلى الفهم الديني بحيث يقصون من هم خارج الدائرة الدينية الطائفية التيارية التاريخية الضيقة. المشكلة الإضافية للمحترمة صافيناز ومجموعتها الدينية، التي تتبنى سياسة إقصائية ضد الآخر المختلف مع فهمها للنص الديني، وتؤسس للإستبداد الديني الذي هو أخطر بكثير من أي استبداد آخر، هي أنها تصف، من دون دليل أو برهان وكأنها كاشفة للقلوب قبل الأفئدة، كل من يتبنى فهم البغدادي، وكل من علّمه أو سار في طريقه، بأنه "لاديني"، وبأن البغدادي لا ينطق إلا بأقوال "خارجة عن سياق التفكير" لمجرد أن تلك الأقوال تتعارض مع ما تتبناه تلك المجموعة من فهم، فإما أنت معي وإما أنت خارج سياق التفكير، ومن ثَمّ من السهولة بمكان طرد صاحب الفهم المختلف من الحياة، غير أنه هيهات أن يستطييع أحد طرده من التاريخ. من الغريب أن صافيناز تحاول أن تُظهر للقارئ بأنها تعي ما حذر منه البغدادي بشأن "التعليم الخاص" في الكويت ومن تدريس مادة الموسيقي وتدريس مادة القرآن، بل ومن تدريس مادة التربية الإسلامية، أكثر من الكويتيين أنفسهم. وهذا الموقف لم يكن ليتبلور من الكاتبة المحترمة لولا ارتباط الموضوع بالدين، فلو كان البغدادي أشار إلى أي إشكال تربوي آخر بعيد عن أي علاقة خاصة بالدين لما أثر ذلك في "ذوقها" الديني ولما حرك "ضميرها" غير التعددي الإقصائي المتشدد. إن الحميّة الشاذة والغريبة على الفهم الديني لا على الدين، أضرت بشكل كبير بالأمانة العلمية التي تتمتع بها صافيناز، وجعلت ديدن طرحها هو العصبية لا البحث والتقصي عن النتائج من خلال التجربة والدليل والبرهان. والكاتبة المحترمة تظهر حرصها على التعليم الخاص في الكويت وعلى مادة القرآن والتربية الإسلامية دون أي إدراك لمخاطر مخرجات هذا النوع من التعليم على سلوكيات الشباب في الكويت، ومن ضمن تلك المخاطر، كما عبّر البغدادي، أنه لا يريد "إماما ولا مقرئا في سرادقات الموتى"، وأنه "يريد أن يكون له في المستقبل ابن يفتخر بعلمه وعقله وليس بتخلفه الفكري". فتجويد القرآن لا يمكن أن يكون مادة علمية تدرس بالمدارس، إنما هو مسعى ديني روحي بحت لا علاقة له بالتعليم أو بالتربية الحكومية. كما أن الكاتبة المحترمة لا تعي الأضرار الناتجة لبعض المناهج الدينية على مستقبل التعايش غير الطائفي وغير الإقصائي بين كافة المواطنين في الكويت بمختلف توجهاتهم، بل هي لا تهتم بهذا الوعي بسبب انطلاقه من أرضية دينية ما يجعل أي مسعى نقدي ضده وكأنه مسعى ضلال وضد الدين ولابد من أن يؤفل نوره بحركة ظلامية غير واعية. لذلك، وما دامت الحكومة تسعى لأن تكون مديرة على شؤون جميع الكويتيين بمختلف توجهاتهم، أي أن تكون حكومة علمانية، فإن أي تنمية علمية وفنية لابد أن يكون مكانها في المدارس، وأي مسعى روحي أو طائفي فمكانه الدين وفي البيوت وفي جمعيات التيارات الدينية لا في المدارس الحكومية. وبالتالي صدق البغدادي حينما قال "من المستحيل أن تتحصل المعرفة من الدين"، ولم يصدق من قال أن هذا القول يمثل "هياجا لا ديني". بل من يعتقد أن الدين ممكن أن يكون بوابة للمعرفة العلمية الحياتية في العصر الحديث هو الذي يجب أن يراجع جميع شهاداته العلمية التي حصل عليها لأنه لم يستطع أن يبرهن على ذلك. إن الإشارة إلى العلاقة بين نقد البغدادي للفهم الديني الإقصائي المتشدد التاريخي والمتبنى من قبل صافيناز كاظم، وبين منع المفكر نصر حامد أبوزيد من دخول الكويت، تبعث على السخرية. فمظلومية أبوزيد وعدم تصدي "الأكاديميين" وأتباع التيار الديني من الصحفيين والكتاب، ومنهم الكاتبة المحترمة، لمحاولات زعزعة حياته الأكاديمية والأسرية ولسمعته، جعلتهم يتصيدون بعض الظروف لإيجاد فرص يكفّروا من خلالها عما ارتكبوه من ظلم ولا مبالاة ضده. فبدلا من الاعتذار عن ممارساتهم السيئة ضد ابوزيد، يحاولون تحليل الأمور من منطلق مزاعم "هجوم" البغدادي على الدين. وبدلا من ارتكاب خطيئة معينة ضد ابوزيد، زاد الهجوم على البغدادي خطاياهم بلة.
كاتب كويتي
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلطة رجال الدين
-
آليات الخطاب الديني وفق أبوزيد
-
المنطلقات الفكرية في الخطاب الديني وفق ابوزيد
-
الحق المطلق.. والباطل المطلق
-
أبوزيد في وسط -غابة- التيار الديني
-
ماهي الطائفية؟
-
في الدفاع عن حرية التعبير في الكويت
-
-الزعيم- في الثقافة الأصولية
-
الخضوع للتراث
-
-الليبرالويون-.. والحرية
-
الانقسام الشيعي الجديد في الكويت
-
الحرية.. والنقد.. والأزمات السياسية
-
التسامح.. والرؤى التكفيرية.. والهوية الدينية
-
الوجه المزدوج للإسلام السياسي
-
العلمانية.. والحجاب
-
-المثقفون المؤدلجون-.. وأنصار البرادعي
-
التعايش الأصولي.. والتعايش الحداثي
-
بين الأصولي والليبرالي
-
الليبرالية المزعجة
-
الدين.. الليبرالية.. والحياة الجديدة
المزيد.....
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|