|
ماذا لو انتصرت؟
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 941 - 2004 / 8 / 30 - 07:14
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
صار الموت اليومي أمرا عاديا على الشاشات وفي الصحف ، كالإعلانات ، وبشكل خاص في فلسطين والعراق، وبات مسقطا من تحليلات المحللين ، وبلا دلالة في ثرثرة المثقفين ، حيث ثمة صيغ جاهزة ، ومحفوظات مملة، تصادر على المطلوب ، كما يقول المناطقة ، بينما السؤال المركزي يغيّب : لماذا هذا الموت ؟ ومن صانعوه ؟ وعلى من يقع ؟ وفي تغييب هذه الأسئلة ، تغيب البراءة ، ويحتقر التفكير ، أما التأمل فيغدو جريمة ، ويتم التعاطي مع الموت والتهجير والتدمير ، كأمور واقعة ، وطبيعية ، وأكثر من ذلك ، يتم تصعيدها ، بالوعي أو اللاوعي ، وفي الحالين ، يغذّي هذا التصعيد الغرائز التدميرية ، ويشل الدماغ المفكّر ، لصالح الغيبوبة والاستسلام لصفاقة الرأي العام ، والانسياق في تيار بالغ الانسياب ، وبسهولة يصب في بحرالموت الذي أصبح الآغنية رقم 1 في الثقافة الرائجة ، جهاديا وغراميا ..
لهذا أولا ، وكي لا أدخل في لعبة الثرثرة ، والرد على الرد ، قمت في اليومين الماضيين ، بتتبع أخبار المقاومة العراقية ميدانيا ، وعن نحو أسبوع ، ولعله في المحصلة كغيره ، مع أنه خال من قطع الرؤوس ، وتفجير الكنائس، وهذه جردة نماذج ، لأنه من المستحيل ، تقديم كل ما قامت به ، ولكن العينة المعيارية الآتية ، معبرة لتوزعها المكاني ، وتنوعها " الإنساني "، وفي الحالين تعطي صورة - لمن يرى - عن الأبعاد الوطنية والإنسانية العميقة ، لأبطالها خصوصا ، و من الزاوية المقابلة لضحاياها . ففي النجف التي احتلت واجهة الأحداث لأكثر من اسبوع ، حيث أصر مقتدى الصدر ،على التشبث بالسلاح ، ورفض العمل السياسي السلمي ، وخاض غمار المعركة الضروس ، وكان من نتائج هذا القرار" الحصيف " ، أن فرّ عشرات الآلاف من السكان العزّل ، وحو صر الكثيرون تحت وابل القصف المتبادل بين جماعات الصدر من جهة ، والقوات الأميركية من جهة أخرى ، وكانت النتائج مذهلة ، حيث مئات القتلى والجرحى معظمهم من النساء والأطفال ، ولكن جماعات الصدر كانت تقوم بمآثرها في داخل النجف ، وليس في محيطها ، حيث الحصار الشديد ، وهكذا وضعوا أيديهم على الكنوز ، داخل الصحن الحيدري ، واعتدوا على بيوت ومكاتب اثنين من المرجعيات الأربع في النجف ، حيث خطفوا ابن آية الله محمد سعيد الحكيم [ الموجود حاليا في ألمانيا] وأشبعوه ضربا ثم اقتادوه إلى جهة مجهولة ، وتحدثت أنباء غير مؤكدة عن قتله ، كما تعرض مكتب آية الله بشير النجفي ، وهو اليوم خارج العراق، إلى قذائف الهاون ، فدمر و أصيب اثنان من حراسه ، وفي غياب المرجعيات الأربع ، خلت النجف للصدر وجماعته ، وهكذا تحدثت الأنباء عن ترحيل الكثير من الكنوز إلى إيران ، من ضمنها مخطوطات نادرة ، وإيران لم تعد ذلك المتكلم من وراء الستار ، فقد أظهرت خلال الأسبوع الماضي أوراقا جديدة ، وجريئة في اللعبة ، ودعت بوضوح إلى عقد مؤتمر لبحث الوضع الداخلي في العراق ، ورأت الحكومة العراقية ذلك تدخلا سافرا في شؤون العراق الداخلية ، لكن الوقائع على الأرض ، أظهرت ما هو أمرّ و أدهى ، حيث كانت [ إيران ] ترسل بسخاء المخدرات والقتلة ، إلى العديد من المناطق العراقية و لا سيما البصرة . بل تحدثت وسائل إعلامية عراقية وغير عراقية ، عن سيناريو إيراني كان فيه الصدر حصان طروادة ، لتفجير ثورة شيعية ، لا سيما بغياب السيستاني ، لكن على ما يبدو تبين أن الحصان كان مهرا هزيلا ، وكانت الحكومة العراقية متنبهة ، والقوات الأميركية مستعدة لخوض معركة كسر العظم المؤجلة منذ زمن . وبمعزل عن دقة تلك الأخبار ، فإن الدور الإيراني لم يعد سرا ، ولا غامضا وما الخلاف حوله، إلا فيما يخص التفاصيل . أما عن الأوضاع الصحية والبيئية للنجف ولمدينة الصدر ، وحيثما تواجدت تلك الجماعات المسلحة ،فحدث ولا حرج ، إنها مناطق موبوءة /طفح المجاري / وتلوث المياه ، وأمراض كالتهاب الكبد الفيروسي /5 وفيات / وكل نداءات الصليب الأحمر تذهب أدراج الرياح ، والآمال معلّقة إما على الحسم العسكري ، وإما على نجاح مبادرة المرجع علي السيستاني ، الذي عاد من لندن ، حيث بات مقتدى الصدر معروفا بتملصه من الاتفاقات التي يعقدها ، كلما تسنت له الفرصة ناهيك أن أذنه رهينة الحرس الثوري الإيراني ، وفي الحقيقة لم يسمع الصدر وجماعته نداء السيستاني العاقل إلا بعد تقدم الخيار العسكري ، وإحساسهم بأنهم باتوا في المصيدة ، بل تم اعتقال مساعد الصدر ، علي سميسم وأربعة من المقربين منه ، بعد أن اتهموا بالسطو على بعض التحف من كنوز الصحن الحيدري . لكن احتلال الصدر واجهة الأحداث طوال الأسبوع الماضي ، لايعني أن فروع المقاومة الأخرى كانت تستريح، ففي البصرة كانت مآثرها تتجلى بتهديدات ضد أنابيب النفط التي أدت [ التهديدات فقط ] الى خفض الصادرات بحدود 500 ألف برميل يوميا بسبب إقفال أحد الأنابيب إلى ميناء البصرة ل 13 يوما وقدرت الخسارة ب 250 مليون دولار ، وفي الجنوب ، تم إحراق مقر شركة نفط الجنوب "احتجاجا على ما يجري في النجف "كما أُحرق في منطقة الحلفاية التابعة لمحافظة العمارة ، أحد الآبار غير المستثمرة ، وهي من أغنى حقول النفط في العراق ، وعجزت عن إطفائها الخبرات المتوفرة ، وتحتاج إلى خبرات أجنبية ذات معدات فنية متطورة ، ومختصة بحرائق النفط ، وحسب بيان وزير النفط العراقي أن خسائر العراق من عمليات التخريب /عفوا المقاومة / حتى الآن تبلغ مليارين و750 مليون دولار . أما من الناحية البيئية فالخسائر لاتقدر بثمن ، حيث أصبح التلوث فوق التصور ، وهناك أرقام مذهلة عن المصابين بسرطانات متنوعة ، /140 / ألف حالة حسب أكثر التقديرات تفاؤلا . وأيضا في العمارة ، استولى المقاومون على قافلة تنقل المواد الغذائية تابعة لوزارة التجارة ، ونهبوا محتوياتها ، وقامت مجموعات أخرى باقتحام سجن المدينة المركزي ، وأطلقوا سراح المسجونين ، ومنهم مسجونون إيرانيون ، قاتلوا إلى جانب الصدر وآخرون أدينوا بتجارة المخدرات . أما في منطقة اللطيفية ، التي ترتبط بشارع عام مع الفلوجة ، فهناك اختصاصيون بسرقة الشاحنات ورمي سائقيها ، إذا رحموهم ، وإلا فقتلهم هو المبدأ ، ومن التفننات ما جرى منذ يومين ، حيث تم تفخيخ جثة رجل مجهول ، وذلك لاصطياد مجموعة من الشرطة العراقية التي اقتربت لحمله ، ومعرفة أمره . أيضا ذكرت صحيفة "الاتجاه الآخر" عن تهديدات وجهت إليها ، بل عن حرق مكتبها في الموصل ، بسبب نشرها لوحة كاريكاتور ، للسيد مقتدى الصدر الذي لم يستلم سلطة بعد . أما في تكريت فقد قامت المقاومة الباسلة ، بعمليتين نوعيتين : الأولى ضد شركة تركية تتولى إصلاح جسر مدينة تكريت ، حيث تصدى المقاومون لسيارة تابعة للشركة ، ذاهبة إلى كركوك ، وكانت تقل مديرا وموظفين ومهندسين وسواق عراقيين وأتراكا ، فأمطروهم بالرصاص ، فقتل مدير المشروع والملاحظ الفني ، وهما تركيان ، ومهندس عراقي وسائق من أهالي كركوك ، كما جرح طباخ عراقي أيضا . أما العملية النوعية الثانية : ففي صباح اليوم التالي كانت سيارة تعمل لحساب شركة تركية أيضا ، تقل موظفين يعملون لاصلاح المحطة الكهربائية التي تعمل بالغاز ، في بيجي ، وأثناء انتظارها الدور ، هاجمها المقاومون ، فقتل مهندس وطبيب وجرح ثلاثة عمال ، وجميعهم عراقيون ، وحسب علمي ليست تركيا مشاركة في الاحتلال. هذه عينة متواضعة من أعمال المقاومة ، في أقل من أسبوع ، ويمكن أن ننظر إليها من زاوية إحصائية أو إنسانية أو سياسية أو جنائية ، بل يمكن ويجب أن ينظر إليها من هذه النواحي جميعا ومعا ، لنحظى بالنتيجة الثقافية والحضارية ، التي تعدنا بها هذه القوى ، فماذا لو قيض لها الانتصار؟ .
لقد انهارت الامبراطورية الرومانية العظيمة ، تحت ضربات القبائل الجرمانية المتوحشة ، وحدث أن اخترقت القبلئل الرعوية الآسيوية ، المعروفة بالهكسوس ، تاريخ مصر الفرعونية ، ولمدة قرن كامل على الأقل ، وأيضا دمر المغول والتتار ما استطاعوا مما تبقى من الحضارة العربية - الاسلامية ، والأمثلة كثيرة ، ورغم أن الحاضر مختلف نوعيا عن الماضي ، وأن الحضارة الراهنة بجميع تناقضاتها وأمراضها وتحدياتها ، أقوى بما لا يقاس ، ولكن لايجوز الاستهتار بالتحدي الذي تشكله القوى الارهابية والظلامية والأصولية بمختلف طبعاتها ، المزيدة والمنقّحة ، هنا وهناك وهنالك ، لاسيما أن وراءها، ومعها وبين يديها امكانيات بشرية ومادية وتقنية ودول نفط وغير نفط ، والأخطر أنها ذات ايديولوجية هائلة ، و لا يخالجها أدنى شك بأنها مالكة الحقيقة الوحيدة في هذا الكون ، لاتملك فخارا و لا عزا سوى الموت لنفسها : الانتحار/ الاستشهاد / الجهادية / الخ ، أو لغيرها ، فمن ليس معها ، حسب عرفها أو عصابها ، هو ضدها، وهذه الرضّة السوبر شمشونية، تجمع الأصوليات كلها، بمظاهر مختلفة ، وأيضا وأيضا لديها متطوعون يشكلون جيشا احتياطيا هاما ، رغم ظنهم أنهم ضدها أومختلفون عنها ، لكنهم واهمون بحكم وجودهم الموضوعي ، في التربة " الثقافية " الايديولوجية الواحدة . إنني أتحدث هنا عن التجربة العراقية ، وأنظر إليها بعين ملؤها الأمل ، و بأخرى ملؤها القلق ، وفي كليهما ألم، ولكن العزاء الكبير، بأني أرى في العراق اليوم ، مخاضا وولادة جديدة ، لعلها ستكون صورة مستقبل المنطقة كلها ، مع الأماني والحلم بأن تكون بأقل الخسائر ، لأن العراق دفع ويدفع عنه وعن المنطقة ، ولكل ريادة ثمن .
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنين الأنواء
-
الدكتور مقاومة والمستر.....!!
-
الهاوية
-
جاهلة في الضوء
-
الماضوية الحاكمة
-
ماركس في جبة الغزالي
-
قرب البحر
-
البضاعة والعلبة
-
أنا سوري يا نّيالي!
-
شفقة الأيام الخالية
-
زوابع
-
وجه آخر لثقافة الموت
المزيد.....
-
ردًا على ترامب.. المكسيك في طريقها لفرض رسوم جمركية انتقامية
...
-
رئيسة المكسيك تحذر من عواقب وخيمة للرسوم الجمركية التي فرضته
...
-
شولتس يستبعد أي تعاون مع اليمينيين المتطرفين
-
تديره شركة إماراتية.. حقل غاز شمالي العراق يتعرض لهجوم دون إ
...
-
كندا والمكسيك.. ردة فعل انتقامية
-
عودة 300 -مرتزق روماني- من الكونغو بعد مشاركتهم في دعم الجيش
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تفجير مبان ومقتل عشرات المسلحين في الض
...
-
الخارجية الأمريكية: روبيو أبلغ الرئيس البنمي بأن ترامب لا ين
...
-
سيدة تلتقي بأطفالها لأول مرة منذ 6 أشهر بعد تحرير قريتها في
...
-
مينسك لا ترى أي مؤشرات لنشوب عدوان عليها
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|