ابراهيم شريف العظم
الحوار المتمدن-العدد: 941 - 2004 / 8 / 30 - 08:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عذراً من أخي وزميلي الدكتور فايز السايس في الاستطراد نيابة عنه في قضية إكمال ما بدأه من مباحث فكرية حول طبيعة الشراكة التي نتوخاها ونلتمسها في وطننا العزيز سوريا , وعذراً إذا استعرت منه بعض العبارات والإشارات التي تسعفني ربما في صياغة طرحي الذي أرى فيه عنصراً تتابعياً مع جملة مباحثه الفكرية والسياسية خصوصاً بأننا ننتمي أنا والدكتور السايس الى تيار فكري وسياسي واحد هو حزب النهضة الوطني الديمقراطي ثانياً رغبة مني أن أقدم شيئاً فكرياً غير مختلفاً معه يجعلني أساهم ولو بفكرة أرسيها لتحقيق الرسم الإصلاحي الذي نسعى له جميعاً .
تتوارد في الأذهان كلمة إصلاح مشكلة ثورة مفهموماتية هائلة , وتلك الثورة سمتها العامة تصحيح للمدلولات ذات الأبعاد الاستراتيجية .
والأكثر بعديةً ( وليس بعداً) أن تكون حوامل الإصلاح تيارات وطنية تستزيد بظمأها من ماء التجربة وروافد المتاح في ظل ضرورات الممكن , وللباحث عن شواطئ إصلاحية من الذين لا يعكرون النفس الوطني صفة المشروعية في التنقيب عن ضرورات التحول وجذوره وأسبابه , والتي تضع خريطة واضحة وصادقة وجادة في إنتاج الآليات وكيفيات للحلول , قد نقرأ الحالة في إطار الفهم العام دونما الحاجة الى استبصار واستيضاح لبعض مفردات واقع الحال العام , المهم أننا نرى وقبل كل شيء في الإصلاح ثورة مفهوماتية جديدة , وانطلاقنا من تلك الرؤية لا تعني التأكيد على الضرورات الملحة في الحاجة الى الإصلاح بقدر ما تعني الانتقال الموضوعي الى المراحل الأساسية للإصلاح .
سورية اليوم أمست بحاجة الى ثورة إصلاحية جديدة في عالم المتغيرات الإقليمية والدولية التي يمور بها الكون خاصة و إن اللغة الجادة للإصلاح تعتبر ثورة حقيقية , وتأسيس جديد لمفهومي الحق والواجب , ولمعادلة التصحيح .
ومهما بلغت حجم القطاعات التي تنادي بالإصلاح داخل سورية , لا بد أن توجه أدوات الإصلاح الى الذهنية العامة والتي اختلطت فيها مفاهيم وقيم ومدلولات الإصلاح بشكل عام قبل أن توجه الى القطاعات والحقول التي تنادي بالإصلاح , لذا فإن بروز الحاجة الى برامج عمل إصلاحية هي شرط أساسي من شروط التوافق الوطني العام , وبغير هذا الاتجاه فأن السعي للإصلاح هو سعي نحو الهاوية .
الكثير من الناس يتطلع الى الإصلاح كعمل إسعافي , والآخرين يرون بأن الإصلاح قد يتطلب زمناً ربما يكون أطول بكثير من الزمن اللازم لفعل شيء ما وبذلك فقد تمتد فكرة الإصلاح زمنياً بغير حسابات النتائج العكسية , وكثير من الشارع السوري يرى في الإصلاح مقدمة لترقيع الموقف السياسي العام خصوصاً بعد الهجمة الدولية (( فكرياً )) وطرح ما يسمى بمشاريع إقليمية , أما النخبة فترى بأن الإصلاح ليس ردود فعل حاضرة على تراكمات تاريخية أصابت المجتمع السوري وأوقفت نموه وتطوره إنما الإصلاح يأتي من البرامج والمشاريع الجادة التي تطرحها الحكومة بالشراكة والتوافق مع القوى الوطنية والديمقراطية الغيورة التي تنادي بضرورة الاشتراك والمساهمة في العملية الإصلاحية .
لا بد في البداية أن يكون الإصلاح بعيداً عن الأدلجة السياسية أو (( تسييس الفعل الإصلاحي )) ولا بد من أن يرفع الإصلاح شعار كلنا شركاء في الوطن , أي كلنا شركاء في الإصلاح والتطوير والتحديث أيضاً , ولا يجب أن تكون العملية الإصلاحية مرهونة بموروثات الحزب الواحد أو العقيدة الواحدة , لأن الإصلاح الفعلي لا يمكن له أن يتحقق ويتم إلا بفتح باب المساهمة على مصراعيه .
وربما تسعفنا الحاجة للنظر الى جوهر العملية الإصلاحية كما يقرأها الموقف الرسمي والشعبي منها , فالموقفين لهما رغبة للإصلاح ولكن تبقى الرغبة بحاجة ملحة الى نوايا ودوافع ومنهجية عمل وأداء متكامل , والأهم من هذا كله أن تبقى العلاقة بين الدولة والمجتمع متسمة بشيء من الشفافية الصادقة لتوليد الفعل الإصلاحي كما أشرنا .
ليس المهم من أية برامج عمل يتولد الإصلاح , المهم أن تكون جل المشاريع والطروحات والرؤى والتصورات تصب في برنامج عمل وطني ديمقراطي شامل وموحد , يساهم فيه جميع أبناء سوريا .
ونعرج قليلاً على بعض النقاط الرئيسية التي ربما نستكمل عندها رؤيتنا الخاصة بمفهومي التحول الديمقراطي برؤيتنا الليبرالية , فالكثير من القوى التي تطرح شعارات مختلفة تسعى لإيجاد معادل موضوعي لطرح صيغ إصلاحية جديدة تتماهى والدور التاريخي والسياسي والاجتماعي لها بصرف النظر عن طبيعة الشعارات والمقولات الإيديولوجية لها .
هذه القوى الى فترة طويلة لم تجد الظرف الموضوعي أكثر نضجاً لتحقيق برامجها الإصلاحية إلا بالقدر الذي يمكنها من التقارب أحياناً والتباعد أحياناً أخرى من النبض الوطني أو حس الشارع بشكل عام , ولاعتبارات عدة دخلت تلك القوى في حالة صراع أيديولوجي أو عقائدي سياسي مع بعضها البعض أو مع السلطة السياسية الأمر الذي حال دون تحقيق شروط الظرف الموضوعي بحالة النضج الكامل والتيً يتبلور من خلالها أسلوب عمل أو برنامج عمل للإصلاح الوطني الديمقراطي هذا أولاً وثانياً وكما ذكر السيد ميشيل كيلو في آخر مقالاته بأن التأصيل الاجتماعي للقوى ذاتها لم يكن متحقق , وأن الحوامل الاجتماعية التي أنيط بها مشاريع القوى السياسية في سورية بدت تتململ من أساليب عمل قياداتها , وتتبرم من طريقة أدائها السياسي , فغاصت العملية السياسية في سورية بين المد والجزر , علاوة على غياب قانون الأحزاب الذي يتيح وبشكل قانوني شرعي للقوى أن تحاكي العملية الإصلاحية بشكل مستقل عن التيار الرئيسي والخط السياسي العام .
وبهذا التعاطي يبقى الأمل ضبابياً في طرح مشاريع أو خطط للإصلاح الوطني الديمقراطي من جانب القوى السياسية , وتبقى العملية السياسية منقوصة في أدائها وفي روافعها السياسية لأنها رهن للطريقة التي تقوم عليها الأسس الإصلاحية , والأهم في هذا كله أن تضطلع جميع القوى السياسية والوطنية في الداخل في المساهمة في رسم التصور الإصلاحي الحقيقي الذي يرتقي بالعملية السياسية الى فضاءات أكثر بعدوية و حوارية ومشاركاتية
إبراهيم العظم
#ابراهيم_شريف_العظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟